كفى غشًا للمسلمين

للاستماع للمحاضرة

الخطبة الأولى

إنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، ومِنْ َسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ له ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ - وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ - وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ - صلي الله عليه وسلم .

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } [آل عمران:102].

 { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } [النساء:1].

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } [الأحزاب:70-71].
أَمَّا بَعْدُ:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
أَمَّا بَعْدُ: 

فقد قال الإمام أبو محمد الحسن بن علي بن خلف البربهاري في شرح السُّنة : ( ولا يحل أن تكتم النصيحة للمسلمين برِّهم وفاجرهم في أمر الدين، فمن كتم فقد غش المسلمين، ومن غش المسلمين فقد غش الدين، ومن غش الدين فقد خان الله ورسوله والمؤمنين ) هذا كلامه ، وقد أسسه على نصوص من الكتاب والسنة ، (لا يحل أن تكتم النصيحة للمسلمين برِّهم وفاجرهم في أمر الدين، فمن كتم فقد غش المسلمين، ومن غش المسلمين فقد غش الدين، ومن غش الدين فقد خان اللهَ ورسولَه والمؤمنين).
 

 من الناس من يدعي التوسُّط بين أهل البدعة وأهل السُّنة ، فتراه يجالس الجميع ، فإذا سئل هو ومن على شاكلته قالوا: نحن نجمع ولا نفرق، وقولهم هذا هو أصل التفريق، وعين البعد عن هدي السلف الصالحين وجادتهم، ولذلك يقول شيخ الإسلام - رحمه الله - بعد أن ذكر المغالين في التكفير، قال: "وبإزاء هؤلاء المكفرين بالباطل أقوام لا يعرفون اعتقاد أهل السنة والجماعة كما يجب , أو يعرفون بعضه ويجهلون بعضه ، وما عرفوه منه قد لا يبينونه للناس بل يكتمونه ، ولا ينهون عن البدع المخالفة للكتاب والسُّنة ، ولا يذمُّون أهل البدع ويعاقبونهم ، بل لعلهم يذمون الكلام في السنة وأصول الدين ذماً مطلقاً ، وشعارهم في هذا الزمان: ( إن الدعوة إلى التوحيد تفرق الأمة ولا تجمعها )، قال الشيخ: "لا يفرقون بين ما دل عليه الكتاب والسنة والإجماع وما يقوله أهل البدع والفُرقة، أو يُقرون الجميع على مذاهبهم المختلفة".

 هؤلاء الضلال الذين ذكرهم شيخ الإسلام - عليه الرحمة - ماذا يصنعون؟  يقِرُّون الجميع، أهل السنة وأهل البدعة على مذاهبهم المختلفة، "كما يقر العلماء في مواطن الاجتهاد التي يسوغ فيها النزاع ، وهذه الطريقة تغلب على كثير من المرجئة وبعض المتفقهة والمتصوفة والمتفلسفة ، كما تغلب الأولى - يعني طريقة الغلو في التكفير- على كثير من أهل الأهواء والكلام، وكلا هاتين الطريقتين منحرفة عن الكتاب والسنة".
النصيحة كما قال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - هي الدين ( الدين النصيحة )، وهذه النصيحة تكون على منهج أهل السنة وعلى طريقتهم، وعلى أثر رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، لا على حسب الهوى، ولا باجتهاد زائف، ولا بخبط العشواء لا تدري أين السبيل، وقال الشيخ - رحمه الله - أيضاً: إن أهل البدع شر من أهل المعاصي الشهوانية وذلك بالسنة والإجماع، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتال الخوارج، ونهى عن قتال أئمة الجور والظلم ، وقال في الذي يشرب الخمر: ( لا تلعنوه ، فواللهِ ما علمته إلا أنه يحب الله ورسوله ) صلى الله عليه وسلم ، وهذا أخرجه البخاري في صحيحه بإسناده عن عمر -رضوان الله عليه- ، وقال صلى الله عليه وسلم في ذي الخويصرة : ( إن من ضئضئ هذا أقواماً يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية -يعني من المرمية- ) وهذا أخرجه البخاري ومسلم ، وذلك لأن أهل المعاصي ذنوبهم بعض ما نهوا عنه ، ذنوب أهل المعاصي بعض ما نهوا عنه ، من سرقة أو زنًا ، أو شرب خمر ، أو أكل مال بالباطل ، وأهل البدع ذنوبهم ترك ما أمروا به كاتباع السُّنة وجماعة المسلمين ، وشتان ما بين الأمرين .

عودٌ إلى الإمام البربهاري ـ رحمة الله عليه ـ في كتابه شرح السنة، قال رحمه الله: "فانظر رحمك الله كل من سمعت كلامه من أهل زمانك خاصة فلا تعجلن ، ولا تدخلن في شيء منه حتى تسأل وتنظر ، هل تكلم به أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو أحد من العلماء؟ فإن وجدت فيه أثرًا عنهم فتمسك به، ولا تجاوزه لشيء، ولا تختر عليه شيئاً فتسقط في النار" وهذا نص مما ينبغي أن يُتَحَفَّظ وأن يصير قانوناً ومنهاجاً وديدناً،" فانظر رحمك الله كل من سمعت كلامه من أهل زمانك خاصة فلا تعجلن، ولا تدخلن في شيء منه حتى تسأل وتنظر، هل تكلم به أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو أحد من العلماء؟ فإن وجدت فيه أثرًا عنهم فتمسك به ، ولا تجاوزه لشيء، ولا تختر عليه شيئاً فتسقط في النار", وكلامه - رحمه الله تبارك وتعالى- داخل تحت أصل عظيم من الأصول التي يقوم عليها منهج أهل السنة السائرين على طريق السلف الصالح, والذي لا ينبغي لطالب علم سلفي أن يجهله، ألا وهو أن العدو الداخلي في الأمة أخطرُ عليها من العدو الخارجي، ودليل ذلك ما رواه مسلم في صحيحه بسنده عن ثوبان - رضي الله عنه -  قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( إن الله زوى لي الأرض -أي جمع لي الأرض- فرأيت مشارقها ومغاربها ، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها ) ، وهو من علامات نُبُوَّته في أنه تحقق بدءاً ، وأنه أخبر به على هذه الصفة شرقاً وغرباً ، لا شمالاً وجنوباً ، والأمر كما قال -صلى الله عليه وسلم- ( فرأيت مشارقها ومغاربها ، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها ، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض ـ يعني الذهب والفضة أو ملك كسرى وقيصر ـ وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكهم بسَنَةٍ عامة ، وأن لا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ـ أي جماعتهم أو عزهم ، وإن ربي قال لي : يا محمد إني إذا قضيت قضاءً فإنه لا يرد ، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة ـ أي بقحط شامل يأخذهم من أقطارهم ويُطبِقُ عليهم حتى لا يبقي منهم أحداً ، لا يكون ـ وأن لا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها ) فهذه آتاها الله رب العالمين محمداً -صلى الله عليه وسلم- وأمته ، أن لا يسلط عليهم عدواً من خارجهم ، العدو الخارجي مهما بلغت قوته مدحور منكسر أمام صخرة هذه الأمة بتوحيد أبناءها لدى الطائفة المنصورة ، فإن الطائفة المنصورة لا تنطوي على شرك ، ولا تحتوي على شكٍّ ، ولا تُلِمُّ برياء ولا نفاقٍ ، وإنما محقِّقة للتوحيد على الوجه ، فعلى صخرتها تنكسر جميع القُوى ، وتتحطم موجاتها بدداً ، كما وعد الله رب العالمين محمداً - صلى الله عليه وسلم- ، وآتاه ذلك لأمته ، ( وأن لا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها حتى يكون بعضكم يُهلِكُ بعضاً ، ويسبي بعضهم بعضاً ) هذا نص مسلم ـ رحمه الله ـ .

 وعند أبي داود - رحمه الله - بإسناد صحيح في الحديث نفسه زيادة ، ( وإنما أخاف على أمتي الأئمةَ المضلين ) أي: الداعين إلى البدع والفسق والفجور ، فدل هذا الحديث على أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لم يتخوف على أمته من العدو الخارجي الظاهر في كفره كاليهود والصليبيين؛ لأن الله قد قضى قضاءً لا يُرَدَُ، أنه لا يسلطهم علينا إلا إذا نحن فتحنا لهم الباب ومهدنا لهم السبيل، وإنما الشر والبلاء يأتي من العدو الداخلي، وهم الأئمة المضلون، ودُعاةُ البدع والشبهات، وحينئذ تنحرف الأمة، حتى تصير فرقاً وجماعات، ومِزَقاً تتبدد بدداً، فيتقاتلون يسبي بعضهم بعضاً، ويقتل بعضهم بعضاً  ومن عجب أن القاتل لا يدري فيما قتل، ولا المقتول – أيضاً - يدري فيما قُتِلَ.

 قال ابن القيم -عليه الرحمة- : قال تعالى : { وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً } [ النساء : 141] ، قيل : بالحجة والبرهان ، فإن حجتهم - أي: حجة الكافرين - داحضة عند ربهم، وقيل: هذا في الآخرة، أما الدنيا فقد يتسلطون عليهم بالضرر لهم والأذى، وقيل: لا يجعل لهم عليهم سبيلاً مستقرًا، بل وإن نُصروا عليهم في وقت فإن الدائرة تكون عليهم ويستقرُّ النصر لأتباع الرُّسل ، وقيل: بل الآية على ظاهرها وعمومها ولا إشكال فيها بحمد الله { وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً } [ النساء : 141]، فإن الله سبحانه ضمن أن لا يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً, فحيث كانت سبيل ما عليهم، أي على المؤمنين من الكافرين، فهم - يعني المؤمنين - الذين جعلوها بتسبُّبِهم - ترك بعض ما أمروا به أو ارتكاب بعض ما نهوا عنه -, فهم جعلوا لهم السبيل عليهم بخروجهم عن طاعة الله وطاعة رسول الله ، وذلك فيما أوجب الله تبارك وتعالى به تسلُّط عدوهم عليهم من هذه الثُّغرة التي أخلَوها ، ومعلوم أن كل مسلم على ثُغرة من ثُغور المسلمين فليحذر أن يؤتى المسلمون من قِبَلِه، كلكم على ثُغرٍ من ثغور المسلمين فحذارِ أن يؤتى المسلمون من قبلكم.

يقول -رحمه الله -: النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما أخلى أصحابه يوم أحد الثغرة التي أمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بلزومها وحفظها، وجد العدو حينئذ طريقاً عليهم منها فدخل، فلا يكون ذلك إلا بما فرَّطَ المسلمون فيه من طاعة الله وطاعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ، فإذا كانت البدع باتفاق المسلمين وإجماع أهل العلم أخطرَ من المعاصي فلابد لأهل العقيدة السليمة الصافية من كل شائبة من كشف زيوف المبتدعة والحركيين والفكريين والعلمانيين , وحِراسة الصف من الداخل كحراسته من العدو الخارجي سواءً بسواء.

 وقال شيخ الإسلام -رحمه الله- : "المؤمن للمؤمن كاليدين تغسل إحداهما الأخرى ، وقد لا ينقلع الوسخ إلا بنوع من الخشونة، لكنَّ ذلك يُوجبُ من النظافة والنعومة، ويوجب منهما ما نحمد الله - تبارك وتعالى - معه على ذلك التخشين" ، يعني في غسل اليدين إحداهما للأخرى، فواجبٌ على أهل العلم القيام بالذبِّ والدفاع عن حق الله وحق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والتيقُّظ لتلك الأقلام والأبواق, كلٌ بحسب علمه وطاقته، فالمسئولية عامة ومشتركة،

- وهذه أمثلة من أقوال أهل العلم في بيان خطورة العدو الداخلي خصوصاً من كان من أهل البدع:

  - قال ابن الجوزي - رحمه الله - فيما يرويه عن أبي الوفاء علي بن عقيل الفقيه -رحمه الله- قال : قال شيخنا أبو الفضل الهمداني : "مبتدعة الإسلام أشد من الملحدين" ، مبتدعة الإسلام وأصحاب البدع والانحراف عن النهج السوي الذي جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- ، هؤلاء أشد من الملحدين ، "لأن الملحدين قصدوا إفساد الدين من خارج ، وهؤلاء قصدوا إفساد الدين من الداخل ، فهم كأهل بلد سعوا في إفساد أحواله ، والملحدون كالحاضرين من خارج عدواً ظاهراً ، فالدُّخَلاءُ -يعني أهل البدع- كأولئك الذين يكونون بداخل الحصن يفتحون الحصن فهو شر على الإسلام من غير المُلابس له ، وشر هؤلاء ظاهر ، وأما شر المنتسبين إلى دين الله رب العالمين والداعين بزعمهم إلى صراط الله المستقيم شرهم أعظم وأكبر على جماعة المسلمين من أولئك الذين يحاولون صدع الدين وإزالة شوكة المسلمين ، فالعدو الظاهر أقل خطراً من العدو الداخلي الباطن".

 - وقال شيخ الإسلام - عليه الرحمة - في سياق كلامه عن الخوارج : "وأنَّ الصحابة لم يكفروهم، ومازالت سيرة المسلمين على هذا، وما جعلوهم مرتدين كالذين قاتلهم الصديق - رضي الله عنه - هذا مع أمر سول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأحاديث الصحيحة، وما ورد أنهم شر قتلى تحت أديم السماء، وخير قتيل من قتلوه، كما في الحديث الذي رواه أبو أمامة -رضوان الله عليه- عند الترمذي وغيره.

 أي أنهم شر على المسلمين من غيرهم، فإنهم لم يكن أحد شراً على المسلمين منهم لا اليهود ولا النصارى"، هؤلاء الخوارج كما يقول شيخ الإسلام وقد حارب جميع من ذكر ، حاربهم بسيفه ، وحاربهم ببنانه ، وحاربهم بلسانه ، يقول : "فإنهم -يعني الخوارج- لم يكن أحد شر على المسلمين منهم لا اليهود ولا النصارى ، فإنهم كانوا مجتهدين في قتل كل مسلم لم يوافقهم مستحلين لدماء المسلمين وأموالهم وقتل أولادهم , مكفرين لهم ، وكانوا متدينين يتقربون إلى الله رب العالمين بذلك ، وذلك لعظم جهلهم ولبدعتهم المضلة ، فهؤلاء كانوا أخطر وأشد شراً على المسلمين من العدو الخارجي الظاهر، وقد حذرت الشريعة من قراءة كتب المغضوب عليهم وأهل البدع، لأنها بمثابة السَّم في الدسم، فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه ـ أي: أخذه ـ من بعض أهل الكتاب ، فغضب النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال : "أمُتَهَوِّكُون فيها يا ابن الخطاب ؟ ـ يعني أمتحيرون أنتم فيما أتيتكم به ؟ ـ والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها نقية ، لا تسألوهم ـ يعني: أهل الكتاب ـ عن شيء فيخبروكم بحق فتكذِّبوا به ، أو بباطل فتصدقوا به ، والذي نفسي بيده لو كان موسى ـ عليه السلام ـ حياً ما وسعه إلا أن يتبعني" ، صلى الله عليه وسلم ، وهذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده ، فإذا كان الناظر للاستفادة في كتب أهل الكتاب السماوية المنسوخة محرماً ، فتحريم النظر في كتب أهل البدعة والضلال والكفر وغيرهم أشد حرمة.

-  قال الذهبي في ((الميزان)) في ترجمة محمد بن عمر الزمخشري ، ومعلوم أنه كان معتزلياً كبيراً جلداً في الاعتزال حتى إنه كان إذا استأذن فقيل: من؟ قال: جار الله المعتزلي ، قال عنه الذهبي -رحمه الله- في ميزان الاعتدال : صالح لكنه داعية إلى الاعتزال أجارنا الله فكن حَذِراً من كشَّافه -يعني من تفسيره-،

 قال الحافظ ابن حجر بعدما نقل كلام الذهبي : قال الإمام أبو محمد بن أبي جمرة في شرح البخاري له لما ذكر قوماً من العلماء يغلطون في أمور كثيرة قال :"ومنهم من يرى مطالعة كتاب الزمخشري ويؤثره على غيره من كتب السادة كابن عطية ويسمي كتابه الكشاف تعظيماً له" ، قال : "والناظر في الكشاف إن كان عارفاً بدسائسه فلا يحل له أن ينظر فيه لأنه لا يأمن الغفلة فتسبق إليه حينئذ تلك الدسائس وهو لا يشعر ، أو يحمل الجهَُّال بنظره فيه على تعظيمه عندما يرونه ذاكراً له مطالعاً فيه فيحمل هذا النظر وتلك المطالعة أهلَ الجهل الذين يرونه ويعلمون خبره على النظر في ذلك الكتاب ، وأيضاً هو يقدم مرجوحاً على راجح في مقالته وحاله ، وهذا بضد عمل أهل العقل السوي ، وإن كان غير عارف بدسائسه فلا يحل له النظر فيه لأن تلك الدسائس تسبق إليه وهو لا يشعر فيصير معتزلياً مرجئياً ، والله تبارك وتعالى الموفق" ، ذكر ذلك أبن حجر في لسان الميزان ، وكان الزمخشري قد أدخل مسائل الاعتزال في ثنايا كلامه حتى إن أهل السنة يقول مُقَدَّمٌ من مقدَّميهم : ما استخرجت الاعتزال من كتاب الكشاف إلا بالمناقيش ، والمناقيش جمع منقاش وهو الملقاط المعروف الذي تُستخرج به تلك الأشياء التي تصيب الجلد من شوك وغيره فيكون ذلك بنوع تعب ومزاولة معاناة .
النصيحة واجبة، أوجبها الله رب العالمين وأوجبها رسوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -، ومما يَصُدُّ عن قبولها ذلك التعصب الأعمى، ونحن لا ننفي التعصب مطلقاً، فلابد من تعصب لدين الله رب العالمين، ولكن كن متعصباً لدين الله تعصباً مبصراً، ولا تكن متعصباً تعصباً أعمى، وكن متعصباً للحق تعصباً مبصراً، ولا تتعصب للباطل تعصباً أعمى، فإن أكثر الخلق إنما يتعصبون التعصب الأعمى، وهو تعصُّب لا بصر معه ولا فكر فيه فتنغلق العقول، وحينئذ لا ينفذ إليها شيء من شعاع الحق الذي يذيب الثلوج التي تترهل هنالك بين التلافيف، على المرء أن يكون متعصباً تعصباً مبصراً، وأن لا يحرَن, فإن تلك الحرونة إنما هي من فعل البغال لا من فعل الراشدين ، فعلى المرء أن يتأمل فيما يلقى إليه ، وبخاصة إذا أتاه من أهل زمانه، وعليه أن يُرجِعَ ما يأتي به أهل زمانه إلى ما كن عليه أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن تبعهم بإحسان من أهل العلم ، فإن وجد فذلك وإلا فليضرب عنه صفحاً وليطوي عنه كشحاً، وليجعله دبر الآذان وتحت مواطئ الأقدام ولا يبالي فلا خير فيه ، ومعلوم أن التعصب أفسد الكثير على هذه الأمة، لا في الأصول وحدها وإنما في الفروع أيضاً.

 والشيخ رشيد رضا - عفا الله عنه - يقول في كتابه عن الوحدة الإسلامية والأخوة الدينية: " وقد وقع من الفتن بين المختلفين في الأصول والفروع ما سَوَّدَ صحف التاريخ على أن الخلاف في الفروع أهون وأقل شراً وقد ضعف في هذا الزمان بضعف أسبابه في أكثر البلاد - يعني التعصب للفروع المذهبية العملية الفقهية بين أهل المذاهب المختلفة-.

 قال: ولكننا ما نزال نسمع بمنكرات قبيحة منه في أخرى، من ذلك أن بعض الحنفية من الأفغانيين سمع رجلاً يقرأ الفاتحة وهو بجانبه في الصف فضربه بمجموع يده في صدره ضربة وقع بها على ظهره فكاد يموت.

 قال : وبلغني أن بعضهم كسر سبابة مصلٍ لرفعه إياها في التشهد وهو يصلي ، فلما رأى من بجواره يرفع السبابة مشيراً بها حنى عليه فنهشها فكسرها كسراً وربما قضمها بأسنانه قضماً.

 قال : وقد بلغ من إيذاء بعض المتعصبين لبعضٍ في طرابلس الشام في آخر القرن التاسع عشر أن ذهب بعض شيوخ الشافعية إلى المفتي وهو رئيس الفقهاء وقال له : اقسم المساجد بيننا وبين الحنفية ، فإن فلاناً من فقهائهم يعدُّونا من أهل الذمة بما أذاع في هذه الأيام من خلافهم في تزوج الحنفية بالشافعي ، وقول بعضهم لا يصح لأنها تشك في إيمانها ، لأن الشافعية يقولون بجواز الاستثناء في الإيمان ، يعني أن تقول ( أنا مؤمن إن شاء الله ) ، وأما الحنفية فيقولون : من استثنى في الإيمان فقد شك في إيمانه ، حتى لربما أخرجوه من الإطار ، وحينئذ ، فالشافعية التي تجوِّز الاستثناء في الإيمان لا يجوز للحنفي أن يتزوجها قولاً واحداً ، حتى ظهر فيهم فقيه لقب نفسه بمفتي الثقلين ، يعني هو مفتي الإنس والجن معاً ، فقال : أنزلوهن منزلة أهل الكتاب ، يعني أنزلوا الشافعيات اللواتي يرين الاستثناء في الإيمان ، تقول الواحدة منهن : ( أنا مؤمنة إن شاء الله ) نزِّلوهن منزلة أهل الكتاب ، عاملوهن كما تعاملون أهل الذمة ، فلما أشاعوا تلك المقالة في طرابلس الشام أوذي الشافعية بسببها إيذاءً عظيماً حتى ذهب فقهائهم إلى رئيس العلماء والفقهاء فقالوا اقسم المساجد بيننا وبين الحنفية قسمين , لأنهم قد أذاعوا تلك المقالة ووقع إيذاء شديد ، فأين هذا التعصب والإيذاء والتفريق بين المسلمين بالآراء الاجتهادية من تسامح السلف الصالح وأخذهم بما أراده الرحمن من اليسر في الشرع وانتفاء الحرج فيه , واتقائهم التفريق بين المسلمين بظنون اجتهادية رجَّح بها كل ناظر ما رآه أقرب إلى النصوص أو إلى حكمة الشارع الحكيم . انتهى كلام الشيخ رشيد -عفا الله عنه-.

 وهو دمعة ما تزال حارة ساخنة ثخينة ، لأن التعصب ما زال يستشري في الأمة كالنار في الهشيم ويمشي فيها كالسكين في قطعة الزبد بلا فارق يذكر أو يكون , فهذا مثال على ذلك التعصب الذي ذكره الشيخ رشيد -عفا الله عنه-، وخذ إليك مثالاً:

 فعلى موقعه بعنوان ( تصريحات القرضاوي وبيان العوَّا ) قال جمال سلطان: لم أستوعب مقصود الدكتور محمد سليم العوا من بيانه الذي أصدره يعتذر فيه للأمة عن تصريحات الشيخ يوسف القرضاوي فيما يخض موضوع الشيعة، يقول سلطان : الدكتور العوا في بيانه أكد على أن كلام الشيخ لم يكن ضمن المحاضرة وإنما جاء إجابة عن سؤال ، وهو تأويل غريب أو محاولة للبحث عن مخرج حتى ولو كان غير منطقي ، قال : وأنا لا أعرف أي فرق بين أن يكون الكلام في سؤال أو في محاضرة ، إنما المهم هو المعنى الذي أراده ، كذلك محاولة تصوير كلام الشيخ يوسف على أنه زلة لسان ، قال : هذا فيه قدر كبير من التكلف يصعب تحمله خاصة وأن الشيخ لم يقل كلمة عابرة أو إشارة خاطفة، وإنما فصَّل الكلام بصورة واضحة جداً وفي عبارات دقيقة ومتنوعة، فقد أشار إلى حوارات جرت بينه -يعني الشيخ القرضاوي- جرت بينه وبين قيادات شيعية وأنه طالبهم بالتوقف عن سب الصحابة ولعنهم لأنهم -حسب قوله- يتقربون إلى الله بسب الصحابة ولعنهم ، وكذلك طالبَ الشيعة بالكفِّ عن القول بأن القرآن ناقص وغير مكتمل ، حيث يعتقدون بأن مصحف فاطمة كان ضعف الموجود حالياً ، كل هذا من كلام الشيخ القرضاوي ، وتحدث عن روح التعصب ومحاولات اختراق المجتمع السني وغير ذلك من تفاصيل - يقول سلطان - أستغرب جداً أن تكون زلة لسان، ثم إذا كانت بالفعل زلة لسان فهي لمن متَّعه الله بالصحة والعافية وله ألف منبر وباب يستطيع أن يعبر عن رأيه ويوضح زلة لسانه، فما الداعي لأن يتحمل الدكتور العوا كل هذا العناء من أجل أن يتحدث نيابة عنه؟ ما الذي يمنع الشيخ أن يوضح بنفسه وجهة نظره، ثم إن الخطاب التجميعي الجميل الذي يتحدث عنه الدكتور العوا يمكن أن يكون دقيقاً وصادقاً مع شريحة معينة من أصدقاءه ومعارفه، ولكن من غير المفهوم أن ينفي ما ذكره القرضاوي - عفا الله عنه - من وقائع وتصورات تحدث عنها بتفصيل، من غير المفهوم أن ينفي الدكتور العوا هذا بالكلية، وإلا فبأي شيء يفسر ما يحدث في العراق؟ - يعني من إبادة جماعية لأهل السنة، لا على أيدي قوات الاحتلال، وإنما على أيدي الشيعة في العراق يبيدون السنة ويبيدون أهل السنة ويسلخونهم سلخ الشياة- ، قال : إنني أؤكد على أهمية أن تتم تنقية الأجواء بين المذاهب الإسلامية بدون شك ، فهذا عمل إيجابي مهم ، ولكن على أرضية الوضوح الذي يعين على التطهير والعلاج ، وليس بتغطية الجروح والقروح على ما هي ، وللأمانة - يقول سلطان - فإن بين يدي وثائق بالصوت والصورة لخطب ومحاضرات في مؤسسات شيعية كبيرة ، منها محاضرات في ( قم ) تؤكد ما قاله الشيخ القرضاوي ، وفيها من الاعتداءات الفاحشة على أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يشيب له الولدان -هذا كلامه بنصه- قال : وبعض ذلك من متشيعة عرب استقبلوا استقبال الفاتحين هناك ، وأحدهم كان يتفوه بشتائم على المنبر في العاصمة الدينية لإيران ضد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-  من أحطِّ الشتائم السوقية الجنسية التي تسمعها من رعاع الشوارع ، كما أن سباب أمهات المؤمنين وكبار الصحابة مُقذع للغاية ومتكرر في خطب وكتابات ومجلات ومنابر ومواقع للإنترنت ، ولا أظن الدكتور العوا يجهله ، وأخطر ما في هذا الأمر هو تداخل العصبية المذهبية مع العصبية القومية الفارسية -العصبية المذهبية يعني بها التشيع ، أما العصبية القومية فهو ذلك الانتماء الأعجمي إلى الفارسية القديمة ، إلى ذلك الجنس على ذلك النحو الذي كان- ، الأمر الذي يؤدي إلى تطرف بالغ يقرب من الهوس ، بل هو الهوس بعينه ، كأن يقام مزار ديني إيراني لأبي لؤلؤة المجوسي الفارسي المجرم ، قاتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بوصفه ولياً من أولياء الله الصالحين قام بعمل بطولي ، وبالعودة إلى بيان الدكتور العوا ، يقول سلطان -المفكر الرصين- : كنت أتمنى أن يترك أمر بيان أقوال القرضاوي للشيخ نفسه ، فهو أقدر على أن يوضح كلامه ويشرحه ، وهو حي يرزق.
 

 فهذا مثال ، مثال يدلك على أن الإنسان مهما بلغ من سموق الفكر وارتفاع العقل يكون محكوماً عند الانتماء المذهبي ، عندما يضع نفسه في إطار جماعة ، يكون محكوماً في النهاية بأسرٍ من حديد ، وبسلاسل وأغلال لا يستطيع أن يخرج عنها ولا عليها ، نحن نفرق بين التشيُّع بإطلاقه والشيعة بأعيانهم ، { وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ } [ الصافات : 83] ، فالتشيع أن ينحاز الإنسان لإنسان إن كان بحق فذلك ولا حرج عليه ، وأما إن كان بباطل فهذا هو المذموم.
 

 فأما التشيع في إطلاقه فنفرق بينه وبين المتشيعين والشيعة من جانب آخر ، نفرق بين الشيعة بإجمال وأهل البيت، فإن عقيدتنا- نحن أهل السنة - في أهل البيت أننا نحبهم ونقدمهم ونكرمهم ونعظم مقاماتهم رضوان الله عليهم ، فهم من أكرم نسل من أشرف بيت وُجِدَ على ظهر الأرض ، من بيت رسول الله ، نفرق تفريقاً حاسماً حازماً لا يلتبس ، ولا نزيغ عن الصراط فيه قيد أنملة ولا أقل منها بين الشيعة بمذاهبهم المنحرفة ، إذ إنه لا يوجد شيعي واحد في العالم لا يبغض الصحابة الكرام إلا خمسة من الصحابة قالوا هؤلاء من شيعة علي ، وأما الباقون فقد انحرفوا عن ما جاء به المأمون كما يقول هؤلاء المأفونون.

 لا يوجد شيعي واحد على ظهر الأرض مع اختلاف الاتجاهات والمذاهب والنحل عندهم ، لا يوجد شيعي واحد لا يتقرب إلى الله  -بزعمه- بسب أبي بكر وعمر وجملة الصحابة بعد.

 لا يوجد شيعي واحد على ظهر الأرض لا يرمي عائشة في عرضها وشرفها ويرمي فراش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالخنى ، نحن نقول إن الله تبارك وتعالى قد ذكر أن أمهات المؤمنين من أهل البيت نصاً في كتابه العظيم ، قال جلت قدرته موجهاً الخطاب إلى أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهن- : { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا } [ الأحزاب : 33، 34]، الخطاب هاهنا لأمهات المؤمنين وهن سبب النزول.

 قال ابن كثير -رحمه الله- : وهذه الآية نص في دخول الأزواج في أهل البيت لأنهن سبب نزول الآية ، وسبب النزول داخلٌ فيه قولاً واحداً ، إما وحده على قول ، وإما مع غيره وهو الصحيح . إذاً , أمهات المؤمنين بنص القرآن العظيم من أهل البيت ، ونحن نحب أهل البيت وندافع عن أهل البيت ، ولا نقبل أبداً من أحد أن يرمي عائشة زوج نبينا وهي أمنا -رضوان الله عليها- ، ولا يرمي حفصة ولا سائر الأزواج المطهرات -رضوان الله عليهن- لنبينا -صلى الله عليه وسلم- بالخنى ، لأن منهم من يقول إنهن كن سراري رسول الله ولم يكن زوجات ، كالمحظيات ، ويتقربون إلى الله رب العالمين –بزعمهم- بسب عائشة في عرضها -رضوان الله عليها- ، فمن منا أهدى سبيلاً ؟! ومن منَّا أقوَمُ قِيلا ؟!

للذين يدافعون عن أهل البيت عليهم أن يعلموا أننا ندافع عن أهل البيت ونحب أهل البيت أكثر منهم ، ألا شاهت الوجوه ، إنهم جهال لا يعلمون ، الشيعة يتقربون إلى الله رب العالمين ولا يوجد شيعي على ظهر الأرض لا يسب الأصحاب ويلعنهم ويتقرب إلى الله رب العالمين –زعمه-بتكفيرهم ,أول الأصحاب عنده أبو بكر وعمر ، ثم لا يوجد شيعي واحد على ظهر الأرض إلا وهو يلعن عائشة -ضوان الله عليها- يسبها في عرضها ويرميها بالفاحشة ، وأزواج النبي-صلى الله عليه وسلم- ، آل بيته ، ونحن أهل السنة نحب آل البيت ، وأما الشيعة فإنهم يرمون آل البيت بالخنا ويصفون آل البيت بالفحش وينفون عن آل البيت الطهر ، فمن منا أهدى سبيلاً ؟! ومن منا أقوم قيلا ؟!
 

وأما ما قاله الشيخ القرضاوي من خوفه وخشيته وهو متحقق - أعلم أنه متحقق مما يقول - من محاولة اختراق الشيعة للعالم السني ، أما ما قاله فهو بعينه الذي دفعني للكلام عن الشيعة إبَّان الحرب لأن الفتنة كانت عاتية كانت طاغية ، المسلمون من أهل السنة يفرحون بنصرة الشيطان على اليهود لأنهم أكثر من الشيطان شيطنة ، وهم معلموه ، فنحن أهل السنة نفرح لانكسار اليهود على يد من يكون ، ولكن الموقف الاعتقادي هو هو ينبغي أن يكون واضحاً ، فحدث في عصر الانكسار والانحسار لقوى هذه الأمة المرحومة لتنازعها واختلافها وبُعدها عن منهج ربها وقع شيء كثير ، وفي زمن الانكسار والانحسار عندما يخرج مهرج كالحاج حسن يرمي بمباً تجاه أولئك من أجل أن يدمروا بلده لكي يمهدوا له السبيل من أجل أن يحكم بعد أن يصل إلى الكرسي هو وحزبه على أشلاء أهل السنة وأشلاء من يكون سوى الشيعة في لبنان ، وهو قائم اليوم وسيكون إن شاء الله رب العالمين ، يمهدون له السبيل ، فكان لابد من البيان عند وقت الحاجة ، ولكنَّ قومي لا يعلمون ، سوف يعلمون ، أقول الكلمة وتفهم بعد عشر سنين ، لا بأس ، الله المستعان ، سيخلق الله لها من يفهمها ولو بعد حين ، لابد من البيان عند وقت الحاجة .
النصيحة للمسلمين إبَّان الانتخابات للبرلمان وقع خلط عند سواء المسلمين وعامتهم ، فظنوا أن الذين يأخذون بالهدي الظاهر من أهل السنة هم من الإخوان المسلمين فكانوا يباركون لهم ويعدونهم بالتأييد والنُّصرة ، لا يفرقون ، وجعلوا الجميع في حقيبة واحدة ، في سلة واحدة.

 وأيضاً يقول الأستاذ مصطفى مشهور فيما رواه عنه الأستاذ محمد عبد الله الخطيب في كُتيِّبه الذي بين فيه لماذا يدخلون الانتخابات إبان ما كان هنالك في ذلك الوقت العصيب فكتب ( إنهم يستغلون الفرصة عندما يدخلون الانتخابات في مرحلة الدعاية حيث يحدث لهم نوع من أنواع فك الحصار ، ونوع من أنواع إطلاق اليد بالدعوة ، قال : نستغل ذلك لبيان المنهج وعرضه على المسلمين وترغيبهم فيه ) أيسكت مسلم ويسعه أن يسكت على التضليل ؟! على البدعة ؟! تستشري بين المسلمين ولا ينبه ؟! ولا يحذر ؟! ( وأما الانتخابات في ذاتها فشيء لا نبالي به ، ولا ننظر إليه بأي عين ، ولا نلتف إليه )
ولكن أتى وقت ينبغي فيه البيان فكان لابد من البيان ، يغضب من يغضب ، يفهم من يفهم


علي نَحْتُ القوافي مِن أماكنها ……… وليس علي ألا يفهم البقرُ


والله المستعان
ينبغي على المرء أن يعلم أنه ما أدى بنا إلى ما وصلنا إليه من ذل ومذلة واحتقار من العالم كله ، ما أدى بنا إلى ذلك إلا هذه الجماعات ، هي مصدر مذلة هذه الأمة ، وهي موطِن بؤسها ، وهي عامل خرابها الأول ، فينبغي أن يكون ذلك واضحاً .
نسأل الله رب العالمين أن يهدينا جميعاً إلى الصراط المستقيم

 

الخطبة الثانية 

الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هو يتولى الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، أما بعد:
فكثيرة هي الآثار التي أنتجتها الجماعات، والولاءات المتعددة للحقول الإسلامية، والحقول الإسلامية تعبير يستحبه العاملون للإسلام والدعاة اليوم فلا حرج ، وهذه أربعة آثار من الآثار السيئة للجماعات والولاءات المتعددة للحقول الإسلامية.

الأول: مراودة الشكوك والرِّيَبُ قلوبَ العامة ، وهم يبصرون بالنزاع الحركي يملأ الساحات العامة ، وتُسَوَّدُ به الصحائف ، ويملأ الأفق صخباً وضجيجاً ، ويحرك السواكن الغافلة عن الشر بحسيس البغضاء والحقد ، ويبعث الرواكد من مطارحها الآمنة بوساوس الحسد والكبر ويفشي سريرته الهادرة بكل دوافع الأنانية والأثرة ، ينظر العوام إلى هذه المعركة ، ثم لا يفهمون مقاصدها ، ولطالما نبش النزاع الحركي جروحاً غائرة ، واصطلت بناره أعراض بريئة ، ومزق بشفرة عداوته أبشاراً طاهرة ، وهذا معلوم في واقع الناس لا يكاد يجهله أحد ، فإن الجماعات تتقرب إلى الله رب العالمين بالشائعات فيشيعون عن المخالف كل نقيصة ويلصقون به كل تُهَمَةٍ , ويجعلون على أم رأسه وذويه وأهله كل ما يمكن أن يوقع على إنسان من جرائم وفحش , لا يتورعون يزعمون إنهم يتقربون بذلك إلى رب العالمين وهيهات .

وأما الثاني من الآثار السلبية : فالانتصار بالحميَّة الحزبية الحركية للحزب أو الجماعة أو الإنسان الذي ينتسب إلى أحدهما أنه من حزبه أو من جماعته حتى وإن كان على خطأ أو على خطيئة ، لا يُهِمُّ ، هو معنا وليس علينا والويل أشد الويل لمن لم يكن من حزبه أو جماعته فإنه لا يجد منه النُّصرة حتى في ساعة العسرة كأنه ليس بمسلم , يلقيه بعيداً ويطرده مزجر الكلب , وينبذه نبذ النواة ولا يلتفت إليه كأنه لا شيء ، ولقد رأينا هذا يجري على ساحة العمل الإسلامي بين كل الجماعات والفرق والتنظيمات لأن لكل جماعة أو فرقة مِنهاجاً وعهداً وبيعة تلزم الفرد الوفاء لكل ما يصله بسبب إلى تلك الجماعة أو إلى تلك الفرقة ، ثم لا يجد في نفسه حرجاً أن يُجَهِّلَ كل من يجاوز حدود جماعته أو فرقته , هو جاهل وإن كان أعلم أهل الأرض هو جاهل ، ثم لا يجد لديه سبباً لنصرته ظالماً أو مظلوماً استجابة لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم-: ( انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ) .

والثالث من الآثار السلبية : منح أعداء الله العذر في الطعن في الإسلام العظيم وعليه في عقيدته وأحكامه ، فالعقيدة الواحدة عند كل عقلاء الأرض لا تُفرِّق ، العقيدة الواحدة حتى عند عباد البقر لا تفرق ، وهؤلاء يتفرقون , فلماذا يتفرقون أعلى عقيدة واحدة هم ؟! لا تجد واحداً من أولئك المتحزبين ناحية الذين يسلكون في تلك الجماعات والتنظيمات والفرق عنده اعتقاداً يلقى به الله تبارك وتعالى سالماً بل إن أكبر تلك الجماعات ليس عندها منهج اعتقادي منضبط ، بل ليس عندهم منهج اعتقادي يُدَرَّسُ أصلاً ، وإنما هكذا فليأت من يأت وليكفِّر سواد القوم ولا حرج عليه ، وليكن ساجداً عند قبر طائفاً به ، وليكن مُقْسِماً باللات والعزة ، وليكن في كفة الروافض فلا حرج عليه ، وقد رأيت مفكراً في قامة من ذكر سلطان وهو يسقط في كفة الروافض ، وهم في الوقت الذي كان فيه المؤتمر منعقداً في مصر بعد الحرب في لبنان , وهم تتواتر الأنباء عنهم بذبح أهل السنة وبالمجازر الجماعية ، حتى إن أهل السنة المساكين في العراق يُعَلِّمُون أبنائهم ويتعلمون قواعد التشيُّع حتى إذا تم القتل على الهوية كانوا بمبعد عن القتل عندما يأتون بالتقيَّة الشيعية ، ومعلوم أن الشيعة ما زالوا إلى يوم الناس هذا يُربُّون أطفالهم على هذا النحو ، الشيعة ليسوا هم أهل البيت عباد الله ، يا عباد الله إن أهل البيت أحب إلينا وأعز علينا من أنفسنا التي بين جوارحنا نحبهم ونتقرب إلى الله رب العالمين بحبهم ، وأما هؤلاء فكيف يعلمون الأطفال ؟ يأتون بشاة ويأتون بحمار ، ويأتون بالصغار ، ويُعقدُ الاحتفالُ الجماعي ، ثم يقولون للأطفال مطلقينهم : هذا الحمار هو عمر اضربوه ، ويظل الأطفال يجرون وراء الحمار ( إي عمر , تعال يا عمر ) ويسبون الحمار الذي سماه لهم شياطينهم ( عمر ) ، معلوم أنه لا عُصاب في الكبر إلا بعُصاب في الصغر ، وأن الستة الأعوام الأولى من حياة الإنسان هي التي تتشكل فيها نفسيته ، وهذا إذا ما تربى على ذلك من ذكور وإناث فأي جيل يكون بعد حين ؟ وأما الشاة فيقولون : هذه عائشة اضربوها .
فهذا الولاء على هذا الخنى يسقط فيه من يسقط ممن ينتمي إلى الجماعات وإن كان راجح العقل وإن كان مفكراً سامق الفكر ، ولكنه يزِلُّ هذه الزلة ولا يقوم منها .

وينفس على القرضاوي -عفا الله عنه- أن يئوب إلى الرشد وأن يعود إلى الحق في أمر من الأمور التي تورط فيها حياته ، وهو أمر الشيعة ، فبصره الله رب العالمين -وأسأل الله أن يُحسن لي وله ولكم الختام- ، فبصره الله رب العالمين فقال قولته الحق فنفس عليه هذا الرجل ذلك .


منع المرء من التفكير والنظر يكون بأن تنسلك في جماعة ، أتريد النصيحة الذهبية لكي تكون منغلق الفكر ؟ أدخل نفسك في جماعة وأعطي البيعة ، وحينئذ يصير عقلُك حجراً .

منح أعداء الإسلام العذر في الطعن على الإسلام في عقيدته وأحكامه ، العقيدة الواحدة عند كل عقلاء الأرض لا تفرق بل تجمِّع ، والأحكام والفروع المتفرعة عنها تُلزم بمقتضى هذه العقيدة أهلها العمل بها من غير تردد فيها ولا حرج منها ، فكيف صار أهل العقيدة الواحدة والمنهاج الواحد متفرقين متباغضين متدابرين ، في حين نرى أهل العقائد والنحل الأخرى مجتمعين عليها متآلفين ولو ظاهراً حتى عباد البقر تراهم مجتمعين ظاهراً ، والمختلفون هم أهل العقيدة التي كان ينبغي لو كانت واحدة في قلوبهم وفي منهاجهم وفي حيواتهم أن تكون داعية لهم لإتلافهم وكونهم كما أمر نبيهم -صلى الله عليه وسلم- كالجسد الواحد ، ألا يصلح هذا دليلاً حسياً عند الخصوم برهاناً على أن الإسلام بعقيدته وأحكامه لا يصلح لوحدة الناس جميعاً بدعوى الأحزاب والجماعات الإسلامية فقد عجز عن توحيد صف أتباعه ؟ لما تمزَّقوا وقالوا : نحن الإسلام ، يقول لهم أعدائهم : الإسلام يفرقكم لأنه لو كان فيه خير لجمعكم . فشيئان لا ثالث لهما إما أن تكونوا على الإسلام بزعمكم جميعاً وأنتم على هذا التفرق فهذا الإسلام لا شيء ، وإما أن تكونوا كاذبين وهم كذلك ، ولعل هذا أيضاً كان سبباً في انصراف سواد المسلمين الأعظم عن التمسك بالإسلام الحق الذي أورَثَنَاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما قال : ( تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما ، كتاب الله وسنتي ) إذ كل جماعة وكل حزب تدعي ويدعي أنه وأنها على الحق وحده ووحدها , لأنه وأنها متمسكة ومتمسك بالكتاب والسنة ، ولا يَصدُقُ فيهم إلا قول الشاعر القديم :
 

وكل يدعي وصلاً بليلى … وليلى لا تُقِرَّ لهم بذاك


والله سبحانه أراد لهذه الأمة أن تكون أمة واحدة على منهاج واحد وقبلة واحدة وهدي واحد وكلمة سواء واحدة لتكون هي رائدة الأمم في الدنيا إلى الحق الذي قضى الله أن يكون في الناس بوحيه والشاهدة عليه بما أتاها من خصائص ومواهب لم يؤتها غيرها من الأمم يوم القيامة ، فأين ذلك ؟ مزَّقوه ، وضيَّعوه باسم العمل الإسلامي والدعوة الإسلامية والفكر الإسلامي بل وبالدعوى باسم الأُخُوَّة الإسلامية ، فمتى يدرك العاملون في حقول الدعوة الإسلامية المختلفة أنهم إنما أتوا إثماً لا مَحِيدَ عنه إلا بخلع أنفسهم من قُمُصِ الحزبية والحركية البغيضة المنتنة ، وأيضاً من الآثار السيئة التي أنتجتها الحزبية والجماعات وقوع فرائس سهلة تتناوشها ألسنة الدعاة والعاملين في ساحة الدعوة تناوشاً لا يرحمها ولا ينجيها منه إلا أن تتوسد التراب ، ولا واللهِ وبعد أن تتوسد التراب ، الفرائس جمع فريسة هم أولئك الذين يتركون العمل في جماعة من تلك الجماعات أن رأوا من الأخطاء ما لا يقدرون على إصلاحه أو تقويمه فلا يستطيع الواحد منهم البقاء تحت هذا الشعار أو ذاك , وتكون الفريسة أشهى وأطيب لتلك الألسنة التي تلوشها بعد أن يغادر الجماعة والتنظيم والفرقة ، تكون الفريسة أطيب لتلك الألسنة إن كان هذا التارك من الرؤوس أو من الرموز حسب المصطلح الدعوى الجديد ، إذا كان من الرموز فما أطيب لحمه للآكلين لحوم الناس ، ولقد شهدنا أُناساً لا تحوم حولهم شبهة في خلق ولا دين وقعوا ضحايا جرَّاء تركهم صف الجماعة وكانوا وهم داخل الصف أطهر وأنقى من المزن فلما تركوا صاروا في رجس العهر ونتن الفسق ، وهذا يُفصح لنا عن سريرة التجمع الحركي الظامئة التي لا يرويها إلا التشفِّي والحسد والشماتة ، وهي أخلاق لا تنزع بصاحبها إلا إلى الهلكة وسوء النهاية عياذا بالله ولياذاً بجنابه الرحيم ، هذه الآثار إنما هي أصول كلِّية لآثار أخرى جزئية تتفرع منها ، الآثار السلبية للانضمام إلى الجماعات حَدِّثْ عنها كما تحدث عن البحر ولا حرج لأنها -أي هذه الجماعات وهذه التنظيمات وهذه الفرق- هذه جميعها بدعة ما أنزل الله رب العالمين بها من سلطان ، هذه التجمعات الحركية التنظيمية ، هذا العمل الجماعي التنظيمي بدعة في دين الإسلام العظيم ، بدعة مُنتنة ، ومن تربى على هذه البدعة فإنه لا يفلح أبداً إلا أن يشاء ربي شيئاً ، أُغْلِقَ عقلُه وأوصد باب قلبه فلا ينفذ إليه شعاع من عقل ولا بصيص من نور تأمل ينحاز به بعيداً من أجل أن يتفكر , وإنما يخبط مع كل ناعق بكل سبيل ، يلبس على المسلمين غاشاً لهم إن كان يعلم وإلا فهو محاسب على جهله ، وكلامه عند الجهل بزعمه أنه على الحق وأنه يتكلم بعلم -( قتلوه قتلهم الله هلا سألوا إذ لم يعلموا ؟ فإنما شفاء العي السؤال )- ، هذه الجماعات مَّزقت الأمة وأذهبت قوتها وإن ظلت على ما هي عليه من غير أن تفيء إلى الرشد وتعود إلى الحق فهو الانحدار إلى قرارة الحضيض ومنتهى الهاوية.
 

ويشهد الله الذي رفع السماء بلا عمد وبسط الأرض فما يدرك من منتهاها أمد أنا لا نريد دمارها ولا نريد زوالها , لا نريد أن تذهب من الوجود أصلاً وإنما نريد أن تعود إلى الحق وأن تفيء إلى الرشد وأن ترجع إلى طريق الله المستقيم وأن تسير على الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة وحينئذ سيكون فتحاً في هذا العصر للإسلام العظيم ، ولو فعلوا -وأسأل الله رب العالمين أن يهديهم لأن يفعلوا- ولو فعلوا لكان فتحاً عظيماً للإسلام العظيم في هذا العصر ولقصَّر الله رب العالمين علينا الطريق جداً .

فنسأل الله أن يهدينا وإياهم إلى الصراط المستقيم وأن يقيمنا وإياهم على الحق حتى نلقى وجه ربنا الكريم ، وأن يجعلنا جميعاً ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، إنه على كل شيء قدير .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.