للاستماع للمحاضرة
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّه مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-. أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّـهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ النَّاظِرَ فِيِمَا يَجْرِيِ اليَومَ, لَا يُمْكِنُ أنْ يَفْصِلَهُ تَفَارِيقَ وَأَجْزَاءَ؛ لِأَنَّهُ تَجْمَعُهُ رَابِطَةٌ وَاحِدَةٌ، مَا يَجْرِي فِي سَيْنَاء، وَمَا يَجْرِي فِي الجَنْوبِ فِي اليَمَنِ إِلَى مَا يَحْدُثُ مُتَنَاثِرًا فِي الْوَادِي، كُلُّ ذَلِكَ؛ تَجْمَعُهُ جَامِعَةٌ وَاحِدةٌ.
إِنَّ الإِخْوَانَ الْمُسْلِمِينَ، وإِنَّ الرَّوَافِضَ، وإِنَّ الْمَشْبُوهِينَ والْمَشْلُوحِينَ؛ لَهْم غَايَةٌ وَاحِدَةٌ، تَشَابَهت قُلُوبُهم فَتَشَابَهت أعْمَالُهم.
فَاْلإِخْوَان مِنْ أَوْلَوِيَّاتِهِم أَنَّهُم يَسْعَونَ سَعْيًا حَثِيثًا مِنْ بِدَايَةِ نَشْأَتِهمْ إِلَى التَّقْرِيبِ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ الِإمَامِيَّة, وَهُمْ يُهَوِّنُونَ مِنْ عَقَائِدِ الشِّيعَةِ الكُفْريَّةِ، ويَعْتَبِرُونَ الخِلَافَ بَيْنَ السُّنَّةِ وَبَينَ الشِّيعَةِ الإِمَامِيَّةِ كَالخِلاَفِ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ.
وَلَمَّا قَامَت ثَوْرَةُ الرَّافِضَةِ فِي إِيرَان وَتَزَعَّمَ فِيهَا مَنْ تَزَعَّمَ, وَ وَصَلَ إِلَى سُدَّةِ الحُكْمِ الخُمَيْنِيُّ، سَارَعُوا بِالوُفُودِ المُبَارِكَةِ إِلَى طَهْرَان، بَلْ وَبَايَعَهُ بَعْضُهُم، وَأَشَادُوا فِي صُحُفِهِم وَمَجَلَّاتِهِم بِتِلْكَ الثَّوْرَةِ وَمَجَّدُوهَا.
وَأَيُّ خِلَافَةٍ يَنْتَظِرُهَا الإِخْوَان؟! وَهِيَ تَقُومُ عَلَى التَّقْرِيبِ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَعْدَى أَعْدَاءِ الإِسْلَامِ، وَهُمْ الشِّيعَةُ الإِمَامِيَّةُ الجَعْفَرِيَّةُ الإِثْنَي عَشْرِيَّة!!
إنَّ الشِّيعَةَ؛ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ القُرْآنَ مُحَرَّفٌ، وَأَنَّ الصَّحَابَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- زَادُوا فِيهِ وَنَقَصُوا مِنْهُ، وَهُمْ يُكَفِّرُونَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، وَيَخُصُّونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ بِالنَّصِيبِ الأَوْفَى مِنْ ذَلِكَ.
وَهُمْ يُكَفِّرونَ عُمُومَ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَيُسَمُّونَهُم النَّوَاصِبَ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ جَعْفَرِيًّا فَهُوَ عِنْدَهُمْ كَافِرٌ، يُكَفِّرونَ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِوِلَايَةِ أَئِمَّتِهِم.
وَهُمْ يُفَضِّلُونَ أَئِمَّتَهُم عَلى الأَنْبِيَاءِ!! وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ الأَئِمَّةَ مَعْصُومُونَ.
وَهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الإِيمَانَ لَا يُقْبَلُ إِلَّا مِمَّنْ يُؤْمِنُ بِالوِلَايَةِ, وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ وَخَاصَّةً عَائِشَةَ وَحَفْصَة، قَتَلَتَا رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَّهُمَا وَقَعَتَا فِي الفَاحِشَةِ!!
وَهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ مَنْ قَدَّمَ الخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ الثَّلَاثَةَ أَوْ أَحَدَهِمْ عَلَى عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- فَهُوَ مُشْرِكٌ خَارِجٌ مِنْ دِينِ الإِسْلَامِ العَظِيمِ.
فَهَذِهِ بَعْضُ العَقَائِدِ الكُفْرِيَّةِ لِلشِّيعَةِ الإِمَامِيَّةِ، وَمَعَ ذَلِكَ يَسْعَى الإِخْوَانُ المُضَلِّلُونَ المُفْسِدُونَ لِلتَّقْرِيبِ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ, وَيُهَوِّنُونَ مِنْ عَقَائِدِهِم، وَيُصَوِّرُونَ الخِلَافَ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ الإِمَامِيَّةِ كَالخِلَافِ بَيْنَ المَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ.
الإِخْوَانُ يَرَوْنَ أَنَّ السُّنَّةَ وَالشِّيعَةَ يَتَّفِقُونَ فِي أَصْلِ الاعْتِقَادِ، وَأَنَّ دِينَ السُّنَّةِ وَدِينَ الشِّيعَةِ وَاحِدٌ، وَأَنَّ نَبِيَّهُم وَاحِدٌ, وَأَنَّ قُرْآنَهُم وَاحِدٌ, وَهُمْ يَسْتَضِيفُونَهُم حَيْثُ كَانُوا.
قَالَ التِّلْمِسَانِيُّ:
((وَبَلَغَ مِنْ حِرْصِ البَنَّا عَلَى تَوْحِيدِ كَلِمَةِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي إِلَى مُؤْتَمَرٍ يَجْمَعُ الفِرَقَ الإِسْلَامِيَّةَ؛ لَعَلَّ اللهَ يَهْدِيهِم إِلَى الإِجْمَاعِ عَلَى أَمْرٍ يَحُولُ بَيْنَهُم وَبَيْنَ تَكْفِيرِ بَعْضِهِمْ، -يَقُولُ- خَاصَّةً وَأَنَّ قُرْأَنَنَا وَاحِدٌ، وَدِينَنَا وَاحِدٌ، وَرَسُولَنَا وَاحِدٌ، وَإِلَهَنَا وَاحِدٌ، وَلَقَدْ اسْتَضَافَ لِهَذَا الغَرَض، الشَّيْخَ مُحَمَّدًا القُمِّيّ -هُوَ أَحَدُ كِبَارِ عُلَمَاءِ الشِّيعَة وَمِنْ كِبَارِ زُعَمَائِهِمْ- اسْتَضَافَهُ فِي المَرْكَزِ العَامِ لِفَتْرَةٍ لَيْسَتْ بِالقَصِيرَةِ)).
قال: ((كَمَا أَنَّهُ مِنَ المَعْرُوفِ أَنَّ الإِمَامَ البَنَّا قَدْ قَابَلَ المَرْجِعَ الشِّيعِيَّ آيَةَ اللهِ الكَاشَانِي، فِي حَجِّ سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ وَأَلْف، وَحَدَثَ بَيْنَهُمَا تَفَاهُم)).
وَقَالَ القَرَضَاوِيُّ: -قَرَضَ اللهُ لِسَانَهُ-
((نَشَأَتُ فِي مَدْرَسَةٍ تَعْمَلُ فِي خِدْمَةِ الإِسْلَامِ، هَذِهِ المَدْرَسَة قَامَ عَلَيْهَا رَجُلٌ يَتَمَيَّزُ بِالاعْتِدَالِ فِي فِكْرِهِ وَتَحَرُّكِهِ وَعَلَاقَاتِهِ، وَهُوَ الإِمَامُ الشَّهِيدُ -كَذَا قَالَ- حَسَنُ البَنَّا، فَقَدْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ أُمَّةً وَحْدَهُ فِي هَذِهِ النَّاحِيَةِ، يَتَعَامَلُ مَعَ جَمِيعِ النَّاسِ، حَتَّى كَانَ بَعْضُ مُسْتَشَارِيهِ مِنَ الأَقْبَاطِ، وَأَدْخَلَهُمْ فِي الْلَّجْنَةِ السِّيَاسِيَّةِ، وَكَانَ يَصْطَحِبُ بَعْضَهُم فِي المُؤْتَمَرَاتِ، وَرَأَى التَّقَارُبَ مَعَ الشِّيعَةِ، وَلِذَلِكَ اسْتَقْبَلَ زُعَمَائَهُم فِي المَرْكَزِ العَامِ فِي القَاهِرَةِ -فِي المَرْكَزِ العَامِ لِلإِخْوَانِ الْمُسْلِمِينَ- قَالَ: فَهَذَا الاعْتِدَالُ عِنْدِي -يُرِيدُ مَا عِنْدَهُ مِنَ الانْحِرَافِ!!-
يَقُولُ: فَهَذَا الاعْتِدَالُ عِنْدِي مِنْ تَأَثُّرِي أَيْضًا مِنْ اتِّجَاهِ حَسَن البَنَّا وَمَدْرَسَتِهِ)).
وَقَالَ التِّلْمِسَانِيُّ:
((وَفِي الأَرْبَعِينِيَّاتِ -عَلَى مَا أَذْكُرُ- كَانَ القُمْيُّ وَهُوَ شِيعِيُّ المَذْهَبَ، يَنْزِلُ ضَيْفًا عَلَى الإِخْوَانِ فِي المَرْكَزِ العَامِ، وَوَقْتَهَا كَانَ الإِمَامُ الشَّهِيدُ -كَذَا قَالَ- يَعْمَلُ جَادًّا عَلَى التَّقْرِيبِ بَيْنَ المَذَاهِبِ؛ حَتَّى لَا يَتَّخِذَ أَعْدَاءُ الإِسْلَامِ الفُرْقَةَ بَيْنَ المَذَاهِب مَنْفَذًا يَعْمَلُونَ مِنْ خِلَالِهِ، عَلَى تَمْزِيقِ الوَحْدَةِ الإِسْلَامِيَّةِ.
وَسَأَلْنَاهُ يَوْمًا عَنْ مَدَى الخِلَافِ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ، فَنَهَانَا عَنِ الدِّخُولِ فِي مِثْلِ هَذِهِ المَسَائِلِ الشَّائِكَةِ, الَّتِي لَا يَلِيقُ بِالْمُسْلِمِينَ أَنْ يَشْغَلُوا أَنْفُسَهُم بِهَا، وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى مَا تَرَى مِنْ تَنَابُذٍ يَعْمَلُ أَعْدَاءُ الإِسْلَامِ عَلَى إِشْعَالِ نَارِهِ, -وَالشِّيعَةُ أَعْدَى لِلإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ مِنَ اليَّهُودِ وَالنَّصَارَى-
قَالَ: قُلْنَا لِفَضِيلَتِهِ، نَحْنَ لَا نَسْأَلُ عَنْ هَذَا لِلتَّعَصُّبِ أَوْ تَوْسِعَةِ هُوَّةِ الخِلَافِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَكِنْ لِلْعِلْمِ؛ لِأَنَّ مَا بَيْنَ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ مَذْكُورٌ فِي مُؤَلَّفَاتٍ لَا حَصْرَ لَهَا, وَلَيْسَ لَدَيْنَا مِنْ سَعَةِ الوَقْتِ مَا يُمْكِنُنَا مِنَ البَحْثِ فِي تِلْكَ المَرَاجِعِ، فَقَالَ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ -كَذَا قَالَ- اعْلَمُوا أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ مُسْلِمُونَ تَجْمَعُهُمْ كَلِمَةُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، -قَالَ- وَهَذَا أَصْلُ العَقِيدَةِ، -قَالَ- وَالسُّنَّةُ وَالشِّيعَةُ فِيهِ سَوَاءٌ، وَعَلى النَقَاءِ، أَمَّا الخِلَافَ بَيْنَهُمَا -أَيْ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ- فَهُوَ فِي أُمُورٍ مِنَ المُمْكِنِ التَّقْرِيبُ بَيْنَهَا)).
يَسُبُّونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَيُكَفِّرُونَهُمَا، وَيُكَفِّرُونَ الصَّحَابَةَ إِلَّا مَا لَا يَتَجَاوَزُ أَصَابِعَ اليَدِ الوَاحِدَةِ، وَيَدَّعُونَ أَنَّ القُرآنَ قَدْ زِيدَ فِيهِ وَنُقِصَ مِنْهُ، بَلْ إِنَّهُم يَعْتَدُونَ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَيَتَّهِمُونَهُ فِي فِرَاشِهِ، وَيَتَّهِمُونَ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- وَقَدْ بَرَّأَهَا اللهُ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُعِدُّونَهُ لِلسُّنَّةِ، وَلِلْحَرَمَيْنِ خَاصَّةً، وَمَعَ ذَلِكَ يَقُولُ هَذَا الضَّالُ: ((يُمْكِنُ أَنْ نُقَرِّبَ بَيْنَهُمَا!!)).
فَالبَنَّا إلْتَقَى بِالفِعْلِ كِبَارَ شِيعَةِ إِيرَانَ -كَمَا وَصَفَهُمْ التِّلْمِسَانِيُّ-، وَالبَنَّا رَأَى أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ مُتَّفِقُونَ فِي أَصْلِ العَقِيدَةِ، وَهَذَا مِنَ الجَهْلِ المَحْضِ، وَأَنَّهُمْ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، إِذْ الكُلُّ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ, وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَأَنَّ دِينَ الجَمِيعِ وَاحِدٌ وَنَبِيَّهُمْ وَاحِدٌ وَإِلَهَهُم وَاحِدٌ!! مَعَ أَنَّ الشِّيعَةَ يَقُولُونَ:
إِنَّ الإِلَهَ الَّذِي يَعْبُدُهُ السُّنَّةُ لَيْسَ بِإِلَهِنَا، وَإِنَّ النَّبِيَّ الَّذِي يَتَّبِعُهُ السُّنَّةُ لَيْسَ بِنَبِيِّنَا، وَإِنَّ القُرْآنَ الَّذِي نُزِّلَ عَلَى النَّبِيِّ الَّذِي كَانَ وَزِيرُهُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَيْسَ بِقُرْأَنِنَا.
فَمَا الَّذِي يَبْقَى إِذَنْ مِنَ الأَرْضِيَّةِ المُشْتَرَكَةِ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ؟!
كَمَا يَقُولُ هَذَا الضَّالُ, يَقُولُ: ((إِنَّ الخِلَافَ فِي أُمُورٍ يُمْكِنُ التَّقْرِيبُ بَيْنَهَا)).
قَالَ مَهْدِي عَاكِف: -وَهُوَ مِنَ الجَهْلِ حَيْثُ تَعْلَمُونَ-
((الشِّيعَةُ الجَعْفَرِيَّةُ مُتَّفِقُونَ مَعَنَا فِي أُصُولِ العَقِيدَةِ)).
ثُمَّ قَالَ: ((إِذَا كَانَ هُنَاكَ قَدْرٌ مِنَ الخِلَافِ فِي الأَفْكَارِ وَفِي الرَأْيِ, فَهِيَ لَا تُخْرِجُهُمْ مِنْ حَظِيرَةِ الإِسْلَامِ، وَمِنْ ثَمَّ فَنَحْنُ نَعْتَبِرُهُمْ إِخْوَانَنَا فِي الدِّينِ-نَعَمْ هُمْ إِخْوَانُهُمْ، إِخْوَانُ الإِخْوَانِ-)).
يَقُولُ: ((الإِخْوَانُ يَتَّفِقُونَ مَعَ الطَّوَائِفِ الرَّئِيسَةِ لِلشِّيعَةِ فِي العَقِيدَةِ -صَدَقَ- أَمَّا الاخْتِلَافُ فَلَا يَكُونُ إِلَّا فِي الفُرُوعِ فَقَط,–قال- فَالْمَذَاهِبُ السُّنِّيَّةُ وَالمَذَاهِبُ الشِّيعِيَّةُ كُلُّهَا مَذَاهِبُ مُعْتَبَرَةٌ، تَقُودُ إِلَى الجَنَّةِ إِنْ شَاءَ اللهُ حِينَمَا يَحْتَرِمُهَا الإِنْسَانُ!!)).
لَوْ احْتَرَمَ إِنْسَانٌ دِينَ مَارْكِس يَدْخُلُ الجَنَّةَ!! فَهَذَا كَهَذَا حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْل.
تَأَمَّلْ فِي عَقَائِدِ الشِّيعَةِ، وَتَأَمَّلْ فِي ضَلَالِ الخُوَّانِ خُوَّانِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الإِخْوَانِ المُفْسِدِينَ، لَقَدْ دَمَّرُوا عَلَى الأُمَّةِ كَثِيرًا مِنْ عَقَائِدِهَا, وَالإِفْرَازَاتِ الَّتِي تَرَاهَا اليَوْمَ مِنْ بَعْضِ ثِمَارِهِمْ المُرَّة.
كَمَا تَرَى فِي الهُجُومِ عَلَى الصَّحَابَةِ، وَفِي الهُجُومِ عَلَى الثَّوَابِتِ مِنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, وَالكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، صَارَ مَأْلُوفًا أَنْ يَظْهَرَ رَجُلٌ يُشَاهِدُهُ وَيَسْمَعُهُ مَلَايِينُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ العَوَامِ المَسَاكِين، وَمِنْ أَنْصَافِ المُثَقَّفِينَ وَمِنْ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَسْهُلُ إِضْلَالُهُ، يَخْرُجُ لِيَطْعَنَ فِي أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَيَطْعَنُ فِي التُّرَاثِ وَفِي الثَّابِتِ مِنْ أَحَادِيثِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، كَالْمَشْبُوهِ الَّذِي وَافَقَ الْمَشْلُوح حَذْوُ النَّعْلِ بِالنَّعْل.
وَقَدْ قَالَ صَاحِبِي: اضْرِبْ لِيِ مَثَلًّا لِابْنِ البُحَيْرِيّ.
فَقُلْتُ: وَاللهِ مَا أَرَى لَهُ مَثَلًّا إِلَّا رَجُلًّا قَامَ إِزَاءَ عَيْنِ الشَّمْسِ, فَأَعْطَاهَا ظَهْرَهُ ثُمَّ تَمَطَّى, ثُمَّ كَشَفَ عَنْ سَوْأَتِهِ فَرَكَعَ فَضَرَطَ لِيُطْفِئَ الشَّمْسَ، ثُمَّ اعْتَدَلَ وَلَمْ يُوَارِي سَوْأَتَهُ.
ثُمَّ قَالَ: خَلَاص، ذَهَبَتْ لَا شَمْسَ بَعْدَ اليَوْمِ!!
يَا مِسْكِين أَخَذَكَ اللهُ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِر.
مَنْ تَأَمَّلَ فِي أُصُولِ الاعْتِقَادِ عِنْدَ الشِّيعَةِ, الَّتِي نُخَالِفَهُمْ فِيهَا يَرَى أَنَّنَا لَوْ وَافَقْنَاهُمْ فِيهَا فَقَدْ كَفَرْنَا بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-.
هَلْ نَتَّفِقُ مَعَهُمْ فِي تَحْرِيفِ القُرْآنِ؟!
هَلْ نَتَّفِقُ مَعَهُمْ عَلَى أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الإِيمَانِ أَنْ نُؤْمِنَ بِوِلَايَةِ أَئِمَّتِهِمْ؟ وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِالوِلَايَةِ كَفَرَ!
هَلْ نُؤْمِنُ كَمَا يُؤْمِنُونَ بِتَكْفِيرِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ المَأْمُونِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، وَنَتَدَيَّنُ بِلَعْنِهِمْ -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ- !!
هَلْ نَتَّفِقُ مَعَهُمْ عَلَى أَنَّ أَوْلِيَاءَهُمْ مَعْصُومُونَ, وَأَنَّهُمْ أَفْضَلُ مِنَ الأَنْبِيَاءِ؟!
هَلْ نَتَّفِقُ مَعَهُمْ عَلَى أَنَّ مَنْ قَدَّمَ الخُلَفَاءَ الثَّلَاثَةَ عَلَى عَلِيٍّ فَهُوَ كَافِرٌ؟!
هَلْ نَتَّفِقُ مَعَهُمْ عَلَى أَنَّ أَئِمَّتَهُمْ يَعْلَمُونَ الغَيْبَ, وَلَا يَمُوتُونَ إِلَّا بِرِضَاهُمْ؟!
هَلْ نَتَّفِقُ مَعَهُمْ فِي رَمْيِ أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ, وَأُمِّ المُؤْمِنِينَ حَفْصَةَ بِالفُجُورِ! وَنُؤْمِنُ أَنَّهُمَا قَتَلَتَا رَسُولَ اللهِ بِالتَّوَاطُئِ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ؟!
هَذِهِ أُصُولٌ عَقَدِيَّةٌ وَ وَرَاءَهَا أُصُولٌ عَقَدِيَّةٌ أُخْرَى عِنْدَ هَؤُلَاءِ.
فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُؤْمِنَ بِمَا آمَنُوا بِهِ فَهُوَ وَمَا يُحِبُّ!!
هُمْ يَعْتَقِدُونَ كُفْرَنَا، وَيَعْتَقِدُونَ نَجَاسَتَنَا نَجَاسَةَ أَعْيَانٍ -كَالْخِنْزِيرِ وَالكَلْبِ بَلْ أَشَدُّ-.
قَالَ نِعْمَةُ اللهِ الجَزَائِرِيّ:
((وَأَمَّا النَّاصِبٌ -يُرِيدُ السُّنِّيَّ- وَأَحْوَالٌهُ, فَهُوَ إِنَّمَا يَتِمُّ بِبَيَانِ أَمْرَيْنِ:
الأَوَّلُ: فِي بَيَانِ مَعْنَى النَّاصِبِي الَّذِي وَرَدَ فِي الأَخْبَارِ أَنَّهُ نَجِس، وَأَنَّهُ شَرٌّ مِنَ اليَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَالمَجُوسِيِّ، وَأَنَّهُ كَافِرٌ نَجِسٌ بِإِجْمَاعِ عُلَمَاءِ الإِمَامِيَّةِ -يَقُولُ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ!!-)).
وَيَقُولُ الخُمَيْنِيُّ:
((وَأَمَّا النَّوَاصِبُ وَالخَوَارِجُ لَعَنَهُمْ اللهُ تَعَالَى فَهُمَا نَجِسَانِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ)). يَعْنُونُ بِالنَّوَاصِبِ: أَهْلَ السُّنَّةِ.
قَالَ شَيْخُهُمْ حُسَيْنٌ البَحْرَانِي:
((بَلْ أَخْبَارُهُمْ عَلَيْهِم السَّلَام -يُرِيدُ الأَئِمَّةَ- تـُنَادِي بِأَنَّ النَّاصِبَ هُوَ مَا يُقَالُ لَهُ عِنْدَهُمْ سُنِّيًّا)).
ويقول أيضا: ((وَلَا كَلَامَ فِي أَنَّ المُرَادَ بِالنَّاصِبَةَ هُمْ أَهْلُ السُّنَّةَ -هُمْ أَهْلُ التَّسَنُّن-)).
يَقُولُ عَلِيّ آلْ مُحْسِن:
((وَأَمَّا النَّوَاصِبَ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ فَكَثِيرُونَ أَيْضًا, مِنْهُم: ابْنُ تَيْمِيَةَ, وَابْنُ كَثِيرٍ, وَابْنُ الجَوْزِي, وَشَمْسُ الدِّينِ الذَّهَبِيّ, وَابْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيّ, وَغَيْرُهُمْ)).
لِذَا تَجِدُ الهَجْمَةَ الشَّرِسَةَ عَلَى شَيْخِ الإِسْلَامِ مِنْ أَمْثَالِ هَذِه ِالثُّلَّةِ الْمَلْعُونَةِ, الَّتِي تُصَبِّحُ الْمُسْلِمِينَ صَبَاحَ مَسَاء, بِالْهُجُومِ وَالثَّلْبِ فِي شَيْخِ الإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- وَأَهْلِ السُّنَّةِ، وَمُرَادَاتُهُم مَعْلُومَة, وَهُمْ أَخْبَثُ وَأَنْجَسُ مِنْ أَنْ يُشَارِ إِلَيْهِمْ أَوْ أَنْ يُلْتَفَتَ إِلَيْهِمْ.
فَزَعْمُ حَسَن البَنَّا أَنَّنَا نَتَّفِقُ مَعَ الشِّيعَةِ فِي الدِّينِ وَالرَّبِّ وَالرَّسُولِ!!
نَتْرُكُ الجَوَابَ عَنْهُ لِلشِّيعَةِ أَنْفُسِهِمْ.
قَالَ نَعْمَةُ اللهِ الجَزَائِرِيّ: فِي [الأَنْوَارِ النُّعْمَانِيَّةِ] -فِي المُجَلَّدِ الثَّانِي فِي الصَّفْحَةِ 278 وَفِي الصَّفْحَةِ الَّتِي بَعْدَهَا- يَقُولُ:
((إِنَّا لَمْ نَجْتَمِعُ مَعَهُم –يَعْنِي: أَهْلَ السُّنَّةِ- عَلَى إِلَهٍ وَلَا عَلَى نَبِيٍّ وَلَا عَلَى إِمَامٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ رَبَّهُمْ هُوَ الَّذِي كَانَ مُحَمَّدٌ نَبِيَّهُ، وَخَلِيفَتَهُ مِنْ بَعْدِهِ كَانَ أَبَا بَكْرٍ، وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِهَذَا الرَّبِّ وَلَا بِذَلِكَ النَّبِيِّ، بَلْ نَقُولُ إِنَّ الرَّبَّ الَّذِي خَلِيفَةُ نَبِيِّهِ أَبُو بَكْرٍ لَيْسَ رَبَّنَا وَلَا ذَلِكَ النَّبِيُّ نَبِيَّنَا)).
مَاذَا تُرِيدُونَ؟!
وَالَّذِي يَخْدَعُ الْمُسْلِمِينَ وَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ اتِّفَاقٌ وَاشْتِرَاكٌ! فِي أَيِّ شَيْءٍ؟!
إِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ الرَّبَّ الَّذِي تَعْبُدُونَهُ لَيْسَ بِرَبٍّ لَهُمْ، وَإِنَّ النَّبِيَّ الَّذِي تَتَّبِعُونَهُ لَيْسَ بِنَبِيِّهِمْ، وَإِنَّ القُرْآنَ الَّذِي نُزِّلِ عَلَى قَلْبِهِ لَيْسَ بِالقُرْآنِ الَّذِي يُؤْمِنُونَ بِهِ.
فَلَوْ قَالُوا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ فَقَدْ نَقَضُوهَا!!
وَمَعَ ذَلِكَ؛ فَمَا هُوَ مَوْقِفُ الإِخْوَانِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الخُمَيْنِيِّ وَثَوْرَتِهِ فِي إِيرَانَ المَجُوسِيَّة؟
لِأَنَّ المَسْأَلَةَ -وَسَتَرَى إِنْ شَاءَ اللهُ- لَا تَخْرُجُ عَنْ بَعْثٍ لِلْقَوْمِيَّةِ الفَارِسِيَّةِ، هَذَا حِقْدٌ مَجُوسِيٌّ، عَلَى الإِسْلَامِ وَنَبِيِّهِ وَكِتَابِهِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ.
قَالَ الخُمَيْنِيُّ:
((إِنَّ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ مَذْهَبَنَا أَنَّ لِأَئِمَّتِنَا مَقَامًا لَا يَبْلُغُهُ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ)). قَالَهُ فِي [الحُكُومَةِ الإِسْلَامِيَّةِ]
وقال: ((الإِيمَانُ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِوَاسِطَةِ وِلَايَةِ عَلِيٍّ وَأَوْصِيَائِهِ المَعْصُومِينَ الطَّاهِرِينَ عَلَيْهِمْ السَّلَام, بَلْ لَا يُقْبَلُ الإِيمَانُ بِاللهِ وَلَا رَسُولِهِ مِنْ دُونِ الوِلَايَةِ)).
وَقَالَ الخُمَيْنِيُّ:
((إِنَّ العَالَمَ الإِسْلَامِيَّ وَغَيْرَ الإِسْلَامِيّ لَا يَعْتَرِفُ بِقُوَّتِنَا مَا لَمْ نُسَيْطِرْ عَلَى مَكَّةَ وَالمَدِينَةَ)).
وَهَذَا سِرُّ مَا تَسْمَعُ عَنْهُ وَتَرَاهُ فِي اليَمَنِ -فِي جَنُوبِ المَمْلَكَةِ العَرَبِيَّةِ السُّعُودِيَّة-، هَذَا هُوَ البَاعِثُ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ -إِنْ شَاءَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا-.
يَقُولُ: ((وَإِنِّي حِينَمَا أَدْخُلُ مَكَّةَ وَالمَدِينَةَ فَاتِحًا, فَوَاجِبِي الأَوَّل: أَنْ أُخْرِجَ الصَّنَمَيْن أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْ قَبْرَيْهِمَا)).
تَجِدُ هَذَا فِي الصَّفْحَةِ الأُولَى مِنْ كِتَابِ [الأُسْتَاذُ الخُمَيْنِيُّ فِي مِرْآةِ عَقَائِدِهِ] لِعَبْدِ القَادِرْ آزَاد.
الخُمَيْنِيُّ يَقُولُ: إِنَّ جَمِيعَ الأَنْبِيَاءِ بِمَا فِيهُمْ نَبِيُّنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَنْجَحُوا فِي أَهْدَافِهِمْ, وَالَّذِي سَيَنْجَحُ هُوَ مَهْدِيُ الرَّافِضَةُ المُنْتَظَر.
قال: ((إِنَّ كُلَّ نَبِيٍّ جَاءَ لِنَشْرِ العَدْلِ فِي العَالَمِ, وَلَكِنَّ جَمِيعَ الأَنْبِيَاءِ لَمْ يَنْجَحُوا فِي أَهْدَافِهِمْ حَتَّى إِنَّ خَاتَمَ المُرْسَلِينَ الَّذِي أُرْسِلَ لِإِصْلَاحِ البَشَرِيَّةِ, وَتَنْفِيذِ العَدْلِ, وَتَرْبِيَةِ النَّاسِ لَمْ يَنْجَحْ فِي عَصْرِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّمَ -قَالَ- وَسَيَنْجَحُ الإِمَامُ المَهْدِيُّ فِي كُلِّ ذَلِكَ)). فِيمَا لَمْ يَنْجَحُ فِيهِ الأَنْبِيَاءُ أَجْمَعُونَ!!
قَالَ الخُمَيْنِيُّ: الصَّحَابَةُ الَّذِينَ يُسَمُّونَهُمْ المُنَافِقِينَ
الخُمَيْنِيُّ كَانَ يَحُثُّ عَلَى قِرَاءَةِ كُتُبِ مُحَمَّد بَاقِر المَجْلِسِيّ وَهِيَ مَمْلُوءَةٌ بِالكُفْرِ الصُّرَاحِ.
قَالَ: الكُتُبُ الَّتِي أَلَّفَهَا المَجْلِسِيُّ بِاللُّغَةِ الفَارِسِيَّةِ إقْرَأُهَا، حَتَّى لَا تَقَعُوا فِي الذُّلِّ وَالهَوَانِ, وَقَالَ إِنَّ [الكَافِي] هُوَ أَحَدُ الكُتُبِ الأَرْبَعَةِ المُعْتَمَدَةِ.
كُتُبُ المَجْلِسِيّ وَكِتَابُ [الكَافِي] لِلْكُلَيْنِيّ مَمْلُوءَةٌ بِالقَوْلِ بِتَحْرِيفِ القُرْآنِ.
قَالَ المَجْلِسِيُّ:
((وَلَكِنَّ أَصْحَابَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ- عَمِلُوا عَمَلَ قَوْمِ مُوسَى فَاتَّبَعُوا عِجْلَ هَذِهِ الأُمَّة وَسَامِرِيَّهَا -أَعْنِي أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ- فَغَصَبَ المُنَافِقُونَ خِلَافَتَهُ، خِلَافَةَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ خَلِيفَتِهِ -يُرِيدُ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَتَجَاوَزُوا إِلَى خَلِيفَةِ اللهِ أَيْ: الكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَهُ فَحَرَّفُوهُ وَغَيَّرُوهُ وَعَمِلُوا بِهِ مَا أَرَادُوا)).
وَقَدْ مَدَحَ الخُمَيْنِيُّ نَصِيرَ الدِّينِ الطُّوسِيّ الَّذِي تَآمَرَ مَعَ التَّتَار لِإِسْقَاطِ بَغْدَادَ, وَقَتْلِ الخَلِيفَةِ, وَقَتْلِ قُرَابَةِ المِلْيُونَيّْ مُسْلِم.
بَعْدَ قِيَامِ الثَّوْرَةِ فِي إِيرَانَ وَتَوَلَّي الخُمَيْنِيُّ زِمَامَ الأُمُورِ, بَادَرَ الإِخْوَانُ الْمُسْلِمُونَ إِلَى إِصْدَارِ بَيَانٍ نَشَرَتْهُ مَجَلَّةُ الدَّعْوَة جَاءَ فِيهِ:
((دَعَا التَّنْظِيمُ العَالَمِيُّ لِلإِخْوَانِ الْمُسْلِمِينَ قِيَادَاتِ الحَرَكَاتِ الإِسْلَامِيَّةِ فِي كُلٍّ مِنْ تُرْكِيَا وَبَاكِسْتَانٍ, وَالهِنْدِ وَأَنْدُونِيسْيَا, إِلَى اجْتِمَاعٍ أَسْفَرَ عَنْ تَكْوِينِ وَفْدٍ تَوَجَّهَ إِلَى طَهْرَان, وَقَدْ أَكَّدَ الوَفْدُ مِنْ جَانِبِهِ لِلإِمَامِ الخُمَيْنِيِّ أَنَّ الحَرَكَاتَ الإِسْلَامِيَّةَ سَتَظَلُّ عَلَى عَهْدِهَا فِي خِدْمَةِ الثَّوْرَةِ فِي إِيرَانَ)).
وَفِي المَجَلَّةِ نَفْسِهَا سَأَلَتْ هَيْئَةٌ أَبَا الأَعْلَى المَوْدُودِيّ -الإِخْوَانِيَّ الكَبِيرَ وَهُوَ كَالمُرْشِدِ العَامِ فِي ضَلَالِهِ- سَأَلَتُهُ عَنِ الثَّوْرَةِ فِي إِيرَانَ فَقَالَ:
((ثَوْرَةُ الخُمَيْنِيّ ثَوْرَةٌ إِسْلَامِيَّةٌ, وَالقَائِمُونَ عَلَيْهَا هُمْ جَمَاعَةٌ إِسْلَامِيَّةٌ, وَشَبَابٌ تَلَقَّوْا التَّرْبِيَةَ فِي الحَرَكَاتِ الإِسْلَامِيَّةِ, وَعَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ عَامَّةً وَالحَرَكَاتِ الإِسْلَامِيَّةِ خَاصَّةً أَنْ تُؤَيِّدَ هَذِهِ الثَّوْرَة, وَتَتَعَاوَنُ مَعَهَا فِي جَمِيعِ المَجَالَاتِ)).
فِي كِتَابِ [مَوْقِفُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الشِّيعَةِ وَالثَّوْرَةِ الإِسْلَامِيَّةِ] لِعِزِّ الدِّينِ إِبْرَاهِيم. وَقَدْ طَبَعَتْ مِنْهُ طَهْرَانُ خَمْسَ عَشْرَةَ أَلْفَ نُسْخَةٍ حِسْبَةً لِإِضْلَالِ الْمُسْلِمِينَ!!
قَالَ: ((الثَّوْرَةُ الَّتِي اشْتَعَلَتْ -يُرِيدُ الثَّوْرَةُ الإِيرَانِيَّةُ- فَأَيْقَظَتْ رُوحَ الأُمَّةِ عَلَى طُولِ المِحْوَرِ المُمْتَدِ مِنْ طَنْجَةَ إِلَى جَاكَرْتَا، وَمَعَ تَقَدُّمِ الثَّوْرَةِ كَانَ اسْتِقْطَابُهَا لِلْجَمَاهِيرِ يَزْدَادُ، الجَمَاهِيرُ الَّتِي كَانَتْ تُعَبِّرُ عَنْ بَهْجَتَهَا وَفَرْحَتَهَا فِي شَوارِعِ قَاهِرَةِ المُعِزّ)).
-اسْمَعْ كَلَامِ الضَّالِ قَاهِرَةِ المُعِزّ. كَانَ المُعِزُّ عُبَيْدِيًّا -أَيْ: فَاطِمِيًّا- بِزَعْمِهِ، وَهُوَ مِنَ الرَّوَافِضِ بَلْ مِنْ غُلَاةِ الرَّوَافِضِ، فَلَمْ يَجِدْ هَذَا الإِخْوَانِيُّ الضَّالُ إِلَّا هَذِهِ النِّسْبَةَ الفَاجِرَةَ-.
يَقُولُ: ((فِي شَوَارِعِ قَاهِرَةِ المُعِزّ, وَدِمَشْق، وَالشَّام, وَفِي كَارَاتْشِي, وَالخُرْطُوم, وَفِي اسْطَنْبُولْ, وَمِنْ حَوْلِ بَيْتِ المَقْدِسِ, وَفِي كُلِّ مَكَانٍ يُوجَدُ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ)).
فِي أَلْمَانْيَا الغَرْبِيَّة كَانَ وَاحِدٌ مِنَ الزُّعَمَاءِ التَّارِيخِيِّينَ لِحَرَكَةِ الإِخْوَانِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ عصَامُ العَطَّار, يَكْتُبُ كِتَابًا كَامِلًا يَتَنَاوَلُ تَارِيخَ الثَّوْرَةِ وَجُذُورَهَا, وَيَقِفُ بِجَانِبِهَا مُؤَيِّدًا، وَيُبْرِقُ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ لِلخُمَيْنِيّ مُهَنِّئًا مُبَارِكًا، وَانْتَشَرَت أَحَادِيثَهُ المُسَجَّلَة عَلَى أَشْرِطَةِ الكَاسِيت المُؤَيِّدَةِ لِلثَّوْرَةِ بَيْنَ الشَّبَابِ المُسْلِم.
الهِلْبَاوِي كَمَال وَكَانَ المُتَحَدِّثَ الرَّسْمِيَّ فِي دِوَلِ اُورُبَّا بِاسْمِ الإِخْوَانِ الْمُسْلِمِينَ, لَمَّا قَامَت الثَّوْرَةُ المَاسُونِيَّةُ العِبْرِيَّةُ فِي مِصْرَ وَوَقَعَ مَا وَقَعَ, وَكَانَ قَبْلُ مَطْلُوبًا فَكَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْزِلَ أَرْضَ مِصْرَ, فلمَّا وَقَعَ مَا وَقَعَ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ إِلَى مِصْرَ, فَحَجَّ أَوَّلًا إِلَى طَهْرَانَ, وَجَلَسَ يَمْدَحُ الإِمَامَ الخُمَيْنِيَّ وَالإِمَامَ البَنَّا وَالإِمَام سَيِّد قُطْب, وَمَا وَقَعَ مِنْهُ مَعْلُومٌ مَحْفُوظٌ كَمَا وَقَعَ صَوْتًّا وَصَوْرَةً!
ثُمَّ يَأْتِي مَنْ يَأْتِي لِيَقُولَ لَا يُؤَيِّدُونَ الإِخْوَانَ فِيمَا وَقَعَ مِنْهُم, وَإِنَّمَا هِيَ المَرَاحِلُ التِّكْتِيكِيَّةُ لِأُولَئِكَ الخَوَارِجَ -عَامَلَهُمْ اللهُ بِعَدْلِهِ-.
إِذَنْ الإِخْوَانُ الْمُسْلِمُونَ، هُمْ وَالرَّوَافِضُ وَجْهَانِ لِعُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ.
قَالَ يُوسِفُ العَظْم: -هُوَ إِخْوَانِيٌّ أُرْدُنِي يُبَايِعُ الخُمَيْنِيّ-
بِالخُمَيْنِيّ زَعِيمًا وَإِمَامًا ** هَدَّ صَرْحَ الظُّلْمِ لَا يَخْشَى الحِمَام
قَدْ مَنَحْنَاهُ وِشَاحًا وَوِسَام ** مِنْ دِمَاءِنَا وَمَضَيْنَا لِلْأَمَام
نُدَمِّرُ الشِّرْكَ وَنَجْتَاحُ الظَّلَام ** لِيَعُودَ الكُوْنُ نَورًا وَسَلَام
خَالِد مَشْعَل -رَئِيسُ المَكْتَبِ السِّيَاسِيِّ لِحَرَكَةِ حَمَاسٍ- قال:
((إِنَّ حَرَكَةَ حَمَاسٍ هِيَ الابْنُ الرُّوحِيُّ لِلإِمَامِ الخُمَيْنِيّ)).
عَرَفْتَ الآنَ الرَّابِطَ بَيْنَ مَا يَحْدُثُ فِي سَيْنَاءَ وَمَا يَحْدُثُ فِي صَنْعَاءَ, عَرَفْتَ الآنَ الرَّابِطَ بَيْنَ مَا يَحْدُثُ فِي الشَّمَالِ وَمَا يَحْدُثُ فِي الجَنُوبِ, شَيْءٌ وَاحِدٌ هَذَا كَهَذَا حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ.
((حَرَكَةُ حَمَاسٍ هِيَ الابْنُ الرُّوحِيُّ لِلإِمَامِ الخُمَيْنِيّ)) كَمَا يَقُولُ رَئِيسُ المَكْتَبِ السِّيَاسِيِّ لِحَرَكَةِ حَمَاس خَالِد مَشْعَلْ.
فَلَا تَسْتَغْرِبْ إِذَنْ لِكُلِّ هَذَا الَّذِي يَقَعُ مِنْ إِرَاقَةِ الدِّمَاءِ, وَإِزْهَاقِ الأَرْوَاحِ, وَالاعْتِدَاءِ عَلَى الأَسْلِحَةِ الخَاصَّةِ لِلْجَيْشِ المِصْرِيِّ فِي سَيْنَاءَ.
مِنْ أَيْنَ يَأْتِي هَؤُلَاء؟!
إِنَّ الأَرْضَ لَا تُنْبِتُهُم, فَإِنَّ الأَرْضَ هُنَالِكَ لَا تُنْبِتُ الحَنْظَلَ!!
وَإِنَّ السَّمَاءَ لَمْ تُمْطِرْهُمْ, فَإِنَّ السَّمَاءَ هُنَاكَ لَا تُمْطِرُ الخَبَثَ!!
فَمِنْ أَيْنَ يَخْرُجُ هَؤُلَاءِ؟!
إِمَّا مِنَ الأَنْفَاقِ, وَإِمَّا مِنَ الخِيَانَةِ, مِنْ بِيُوتِ الشَّعرِ، مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ وَمِنْ تَحْتِهَا!!
مِنْ أَيْنَ يَجِيئُونَ؟! يَقْتُلُونَ الجُنُودَ وَالضُّبَّاطَ الْمُسْلِمِينَ.
مِنْ أَيْنَ يَأْتُونَ؟!
إِنَّهُم لَا تُنْبِتُهُم الأَرْضُ وَلَا تُمْطِرُهُم السَّمَاءُ!!
وَلِكِنَّ لِحَمَاسٍ اليَّدَ الطُّولَى فِي هَذَا الخَرَابِ -عَامَلَهُم اللهُ تَعَالَى بِعَدْلِهِ-.
عِنْدَ زِيَارَةِ مَشْعَل لِطَهْرَانَ, زَارَ ضَرِيحَ الخُمَيْنِيّ, وَوَضَعَ عَلَيْهِ إِكْلِيلًا مِنَ الزُّهُورِ, وَأَمَّا إِخْوَانُ اليَمَنِ فَلَيْسُوا إِلَّا جُزْءًا مِنَ التَّنْظِيمِ العَالَمِيِّ لِلإِخْوَانِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَوَاقِفَهُم مِنْ ثَوْرَةِ الخُمَيْنِيّ كَمَوَاقِفِ مَنْ سَبَقَ, تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ.
يَقُولُ الزَّنْدَانِيّ: -وَهُوَ يُصَرِّحُ أَنَّ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةً لِلْخُمَيْنِيّ- وَقَدْ حَدَّثَ بِذَلِكَ مَنْ حَدَّثَ فَلَا تَعْجَبَنَّ.
الإِخْوَانُ الْمُسْلِمُونَ يُرِيدُونَ تَصْدِيرَ الثَّوْرَةِ الرَّافِضِيَّةِ الإِمَامِيَّةِ, إِلَى عَدَدٍ مِنَ الدِّوَلِ العَرَبِيَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ فِي الجَزِيرَةِ العَرَبِيَّةِ وَآسْيَا وَإِفْرِيقِيَّة، وَقَدْ بَرَزَ حِزْبُ اللهِ الرَّافِضِيِّ اللُبْنَانِيِّ كَقُوَّةٍ فَاعِلَةٍ مُؤَثِّرَةٍ، وَكَانَتْ ثَوْرَةُ الخُمَيْنِيِّ سَبَبًا رَئِيسًا فِي سُقُوطِ أَفْغَانِسْتَانَ وَالعِرَاقَ.
بَلْ صَرَّحَ أَبْطَحِيّ -وَهُوَ نَائِبُ الرَّئِيس الإِيرَانِيّ "أَنَّهُ لَوْلَا طَهْرَان مَاسَقَطَتْ كَابُل وَلَا بَغْدَاد"، يُرِيدُونَ إِقَامَةَ دَوْلَةٍ شِيعِيَّةٍ فِي العِرَاقِ, يُحْدِثُونَ الفِتَنَ وَيُلْحِدُونَ فِي الحَرَمِ! يُرِيدُونَهَا فَوْضَى.
وَالَّذِي يَقَعُ اليَوْمَ فِي اليَمَنِ, يَسْتَنْكِرْهُ الإِخْوَانُ فِي المَمْلَكَةِ وَالقُطْبِيُّونَ كَذَلِكَ، يَسْتَنْكِرُونَ مَا يَقَعُ وَيَقُولُونَ: يُقَتَّلُ الْمُسْلِمُونَ وَالأَطْفَالُ وَالنِّسَاء, يَسْتَنْكِرُونَ أَنْ يَقُومَ أَحَدٌ فِي وَجْهِ الرَّوَافِضِ فِي اليَمَنِ, كَمَا اسْتَنْكَرُوا مِنْ قَبْلُ وقُوُفَ أَحَدٍ أَمَامَ الرَّوَافِضِ فِي طَهْرَان وَفِي إِيْرَانَ وَفِي كُلِّ مَكَانٍ.
مَاذَا يُرِيدُونَ لِلْمَمْلَكَةِ؟!
تَعَالَى فَلْنَتَأَمَّلُ حَالَةَ شِبْهِ الجِزِيرَةِ العَرَبِيَّةِ قَبْلَ المَلِكِ عَبْدِ العَزِيزِ -رَحِمَهُ اللهُ-:
مَرَّت الجَزِيرَةُ العَرَبِيَّةُ بِأَطْوَارٍ مُخْتَلِفَةٍ، مِنْ حَيْثُ العَمَلُ وَتَنْفِيذُ حُكْمِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، سَبَقَ الإِسْلَامَ عَصْرٌ يُسَمَّى فِي الإِسْلَامِ الجَاهِلِيَّة، وَكَانَ الأَمْنُ عَلَى الأَنْفُسِ وَالأَمْوَالِ وَالأَعْرَاضِ مَفْقُودًا، وَكَانَت الوَثَنِيَّةُ سَائِدَةً عَلَيْهِ.
رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ قَوْلِ جَعْفَرِ بْنُ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَمَامَ مَلِكِ الحَبَشَةِ النَّجَاشِيّ أَنَّهُ قَالَ: ((أَيُّهَا المَلِكُ كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ، نَعْبُدُ الأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا، نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ... إِلَى آخِرِ الحَدِيث)). وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
فَبِبَرَكَةِ اتِّبَاعِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِقَامَةِ دَعْوَتِهِ, صَارَت الجَزِيرَةُ كُلُّهَا أَمْنًا وَأَمَانًا.
رَوَى البُخَارِيُّ عَنْ عَدِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: ((بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَا إِلَيْهِ الْفَاقَةَ, ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَشَكَا إِلَيْهِ قَطْعَ السَّبِيلِ, فَقَالَ يَا عَدِيُّ هَلْ رَأَيْتَ الْحِيَرَةَ؟ قَالَ قُلْتُ لَمْ أَرَهَا وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا, قَالَ فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيَرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ، قال عَدِيٌّ قُلْتُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي, فَأَيْنَ دُعَّارُ طَيِّئٍ الَّذِينَ قَدْ سَعَّرُوا الْبِلَادَ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى، قَالَ عُدَيٌّ قُلْتُ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ, قَالَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ, وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ, فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهُ مِنْهُ, وَلَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ, فَلَيَقُولَنَّ لَهُ أَلَمْ أَبْعَثْ إِلَيْكَ رَسُولًا فَيُبَلِّغَكَ؟ فَيَقُولُ بَلَى, فَيَقُولُ أَلَمْ أُعْطِكَ مَالًا وَأُفْضِلْ عَلَيْكَ؟ فَيَقُولُ بَلَى, فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا جَهَنَّمَ, وَيَنْظُرُ عَنْ يَسَارِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا جَهَنَّمَ, قَالَ عَدِيٌّ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقَّةِ تَمْرَةٍ, فَمَنْ لَمْ يَجِدْ شِقَّةَ تَمْرَةٍ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ, قَالَ عَدِيٌّ فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيَرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ إِلَّا اللَّهَ, وَكُنْتُ فِيمَنْ افْتَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ, وَلَئِنْ طَالَتْ بِكُمْ حَيَاةٌ لَتَرَوُنَّ مَا قَالَ النَّبِيُّ أَبُو الْقَاسِمِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ)).
مِنْ هَذَيْنِ الحَدِيثَيْنِ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَتَصَوَّرَ كَيْفَ كَانَ حَالُ الجَزِيرَةِ فِي الجَاهِلِيَّةِ مِنْ حَيْثُ الأَمْنُ وَالأَمَانُ، وَمِنْ حَيْثُ الدِّين، وَكَيْفَ كَانَ النَّاسُ فِي الفَقْرِ وَالجُوعِ قَبْلَ الإِسْلَام، وَإِنَّ مِنْ وَعْدِ اللهِ الصَّادِقِ لِعِبَادِهِ الصَّادِقِين {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.
فَلَمَّا أَمِنَ النَّاسُ وَاتَّقَوْا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَهْدِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَخَيْرِ القُرُون، كَانَتْ حَالَةُ الْمُسْلِمِينَ الأَمْنِيَّةُ وَالاقْتِصَادِيَّةُ مِنْ أَحْسَنِ مَا تَكُونُ، وَكَانَتْ أَيَّامَهُم أَنْضَرَ الأَيَّامِ رَغَدًا وَأَمْنًا، شَرَّقَ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ وَغَرَّبُوا, وَأَبْحَرُوا وَأَصْحَرُوا, وَأَنْجَدُوا وَأَتْهَمُوا لِنَشْرِ دِينِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَدَخَلَ الإِسْلَامُ فِي الوَبَرِ وَالمَدَرِ، كُلُّ ذَلِكَ بِفَضْلِ اللهِ وَبِتَوْفِيقِهِ لِلْعَمَلِ بِدِينِ اللهِ الخَالِص.
كَانَت الجَزِيرَةُ تَشْتَعِلُ بِنَارِ الجُوعِ وَالخَوْفِ, فَأَبْدَلَ اللهُ جُوعَهَا رَغَدًا وَخَوْفَهَا أَمْنًا، وَبَقِيَت حَالَةُ الجَزِيرَةِ عَلَى الأَمْنِ وَالاسْتِقْرَارِ لَمَّا كَانَت الخِلَافَةُ الإِسْلَامِيَّةُ قَائِمَةً بِقُوَتِهَا وَعَمَلِهَا بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَكِنَّ الفِتَنَ كَانَت تَرْفَعُ رَأْسَهَا، وَتُبْدِي أَنْيَابَهَا فِي مَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَجْلِ أَنْ تُفَرِّقَهُم مِلَلًا وَفِرَقًّا, كَوَقَائِعِ الخَوَارِجِ وَالشِّيعَةِ وَالرَّوَافِضِ, وَفِتْنَةِ خَلْقِ القُرْآنِ, وَالتَّعَصُّبَاتِ المَذْهَبِيَّةِ الَّتِي أُوذِيَتْ بِهَا الأُمَّةُ, وَذَاقَتْ الأَمَرَّيْنِ فِيهَا عَلَى مَرِّ القُرُونِ.
أَمَّا الأَمْنُ العَامُ فَكَانَ يَسُودُ الجَزِيرَةَ إِلَى قُرُونٍ كَثِيرَةٍ, ثُمَّ سَاءَت الأَحْوَال حَتَّى صَارَت الجَزِيرَةُ مَقْسُومَةً بَيْنَ قَبَائِلَ شَتَّى, وَلَمْ تَكُنْ لَهَا دَوْلَةٌ جَامِعَةٌ فِي القُرُونِ الأَخِيرَةِ، وَكَادَ أَنْ يُجْمِعَ المُؤُرِّخُونَ عَلَى أَنَّ الأَمْنَ كَانَ مَفْقُودًا فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ الجَزِيرَةِ قَبْلَ حُكْمِ المَلِكِ عَبْدِ العَزِيزِ -رَحِمَهُ اللهُ-، بَلْ تَذْكُرُ المَصَادِرُ المَوْثُوقُ بِهَا أَنَّ الأَمْنَ كَانَ ضَائِعًا فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ الجَزِيرَةِ مُنْذُ قُرُون.
وَلَمَّا مَلَكَ الإِمَامُ مُحَمَّدُ بنُ سُعُود, ثُمَّ بَعْدَهُ عَبْدُ العَزِيزِ بنُ مُحَمَّد, اتَّسَعَت الدَّوْلَةُ عَلَى غَالِبِ أَنْحَاءِ الجَزِيرَةِ، عَلَى مَا ذَكَرَ الشَّوْكَانِيُّ فِي [البَدْرِ الطَالِعِ]، وَانْتَشَرَ فِي تِلْكَ الفَتْرَةِ مِنَ الزَّمَانِ، فِي عَهْدِ مُحَمَّدِ بنِ سُعُود وَعَبْدِ العَزِيزِ بن مُحَمَّد، انْتَشَرَ فِي الجَزِيرَةِ الأَمْنُ فِي الطُّرُقِ وَالبَرَارِي وَالقِفَارِ، وَمُحِيَت البِدَعُ وَأُحْيِيَتْ السُّنَنُ، ثُمَّ عَادَ الحَالُ إِلَى السَّلْبِ وَالنَّهْبِ, وَإِلَى بِنَاءِ القِبَابِ وَإِحْيَاءِ البِدَعِ وَالشِّرْكِيَّاتِ فِي الجَزِيرَةِ بَعْدَهُمَا.
وَأَمَّا الأَمْنُ مَا قَبْلَ المَلِكِ عَبْدِ العَزِيز فَكَانَ مَفْقُودًا تَمَامًا، لَا يَأْمَنُ المُسَافِرُ فِي طَرِيقِهِ، بَلْ لَا يَأْمَنُ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَعِرْضِهِ حَتَّى فِي بَيْتِهِ.
كَانَت الجَزِيرَةُ مَقْسُومَةً عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ وَحْدَةٍ قَبَلِيَّةٍ، وَكَانَتْ كُلُّ وَحْدَةٍ مِنَ الوَحْدَاتِ الإِقْلِيمِيَّةِ تُشَكِّلُ فِي وَاقِعِ أَمْرِهَا حُكُومَةً مُسْتَقِلَّةً، فَإِنَّ أُمَرَاءَ القَبَائِل يُشَكِّلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُم سُلْطَةَ الحُكُومَة.
كَانَتْ البِلَادُ مَقْسُومَةً فِي هَذِهِ الأَقَالِيمِ وَالوِحْدَاتِ، وَكَانَ النَّاسُ يُعَانُونَ مِنَ الفَقْرِ وَالجُوعِ وَقِلَّةِ المَطَرِ، وَكَانَ هُجُومُ كُلِّ قَبِيلَةٍ عَلَى الأُخْرَى لِتَأْخُذَ مِمَّا فِي أَيْدِي الآخَرِين، ثُمَّ تَعُودُ فَتَهْجِمُ القَبِيلَةُ الَّتِي هُجِمَتْ عَلَى الأُخْرَى الَّتِي هَجَمَتْ، لِتَحْصُلَ عَلَى مَا فَقَدَت مِنَ الأَمْوَالِ, وَعِنْدَ جَلْبِ الأَقْوَاتِ وَالمُؤَنِ, مِنْ طُرُقِ التِّجَارَةِ مِنَ المَنَاطِقِ الأُخْرَى مِنْ دَاخِلِ الجَزِيرَةِ أَوْ خَارِجَهَا، كَانَتْ القَوَافِلُ تَحْمِلُ السِّلَاحَ وَتُعِدُّ لَهَا عُدَّةً كَافِيَةً، وَكُلَّمَا كَثُرَ عَدَدُهُم كَانُوا إِلَى النَّجَاةِ مِنْ أَيْدِي القَبَائِلِ أَقْرَب، وَقَدْ يَصْطَحِبُونَ مَعَهُم مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ يَجْتَازُونَهَا رَجُلًا أَوْ أَكْثَرَ يُسَمُّونَهُم الرُّفُقْ -جَمْعُ رَفِيق-، فَكَانُوا بِمَثَابَةِ جَوَازِ السَّفَرِ لَهُمْ.
فَمَا حَالُ الحُجَّاج إِلَى بَيْتِ اللهِ الحَرَام؟
فِي مَطْلَعِ القَرْنِ العِشْرِين كَيْفَ كَانَ حَالُ الحُجَّاج؟
الحَجَّاجُ الوَافِدُونَ مِنَ البِلَادِ الأُخْرَى, مِنْ إِيرَانَ وَغَيْرِهَا, مَا كَانُوا يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يَجْتَازُوا أَرَاضِيَ القَبَائِل إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَدْفَعُوا مِنَ المَالِ مَا يُرْضِيهِم، وَيُسَمُّونَ المَالَ المَدْفُوعَ لَهُمْ حُقْة –أَيْ أَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ مَشْرُوعٌ لَهُمْ- وَكَانَ أَسْوَءَ النَّاسِ حَظًّا أُولَئِكَ الَّذِينَ يَأْتُونَ مِنْ إِفْرِيقِيَّةَ, فَهَؤُلَاءِ يَنْهَبَهُم اللُّصُوصُ وَيَذْهَبُونَ بِهِمْ إِلَى سُوَيْقَةِ مَكَّةَ، فَيَعْرِضُونَهُم لِلْبَيْعِ كَمَا يُعْرَضُ المَتَاعُ، وَأَكْثَرُ مَنْ كَانَ يَتِمُّ اخْتِلَاسُهُمْ الصِّغَارُ مِنَ الصِّبْيَانِ وَالفَتَيَاتِ، وَكَانَ حُجَّاجُ بَيْتِ اللهِ يُأْخَذُ مِنْهُم ضَرَائِبُ بَاهِظَة, وَطَرِيقُ جُدَّةَ وَمَكَّةَ أَيْضًا كَانَ مَحْفُوفًا بِخَطَرِ النَّهْبِ وَالسَّلْبِ.
يَقُولُ رِفْعَت بَاشَا: - يَصِفُ طَرِيقَ جُدَّةَ إِلَى مَكَّةَ-
((وَبِهِ جُمْلَّةُ قِلَاعٍ ذَاتَ اليَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ، يُقِيمُ بِهَا جُنُودٌ أَتْرَاكُ, وَبِهِ أَمَاكِنُ أُخْرَى يَقْطُنُهَا عَسَاكِرُ الشَّرِيفِ غَيْرُ النِّظَامِيَّةِ، وَهَؤُلَاءِ الحُرَّاسُ وُجِدُوا لِلمُحَافَظَةِ عَلَى الأَمْنِ بِالطَّرِيقِ, وَلَكِنَّهُم كَمَا سَمِعْتُ لَا يُفَارِقُونَ أَمَاكِنَهُم لِرَدِّ الغَارَاتِ وَالضَّرْبِ عَلَى أَيْدِي اللُّصُوصِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بِمَرْأَى مِنْهُم وَمَسْمَع! إِلَّا إِذَا أَمَرَهُم الوَالِي وَأَيْنَ هُوَ مِنْهُم؟!
وَكَثِيرًا مَا سُلِبَ الحُجَّاجُ أَمْتِعَتَهُم إِذَا تَأَخَّرُوا عَنِ القَافِلَة، لِإِصْلَاحِ الأَحْمَالِ أَوْ قَضَاءِ بَعْضِ الضَّرُورَاتِ. وَإِذَا مَا سُئِلَ هَؤُلَاءِ الحُرَّاس لِمَاذَا لَا تَقُومُونَ بِالوَاجِبِ؟
قَالُوا: أَمْرِ يُوك –بِالتُّرْكِيَّةِ: لَيْسَ عِنْدَنَا أَمْرٌ- فَمَا أَقْبَحَ الذَّنْب!)).
وَيَذْكُرُ أَيْضًا أَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى مَكَّةَ, سَطَى العُرْبَانُ عَلَى قَافِلَةٍ كَانَت بِبَحْرَةَ بَيْنَ جُدَّةَ وَمَكَّةَ, فَقَتَلُوا مِنْ رِجَالِهَا وَنِسَائِهَا وَجَرَحُوا كَثِيرِينَ، وَسَلَبُوا المَتَاعَ وَالنُّقُودَ وَالحُلِيَّ، وَكَانَ فِيهَا كَثِيرٌ منَ المِصْرِيِّينَ وَالسُّودَانِيِّينَ.
يَقُولُ: ((فَلَمَّا وَصَلْنَا إِلَى مَكَّةَ فِي التَّاسِعِ وَالعِشْرِينَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ هُرِعَ الحُجَّاجُ إِلَيْنَا وَبَثُّوا شَكْوَاهُمْ وَفَقْدَ المَالِ)).
كَانَ الأَمْنُ مُضَيِّعًا إِلَى حَدٍّ لَا يُؤْمَنُ عَلَى أَحَدٍ، حَتَّى مِنْ أَفْرَادِ العَامِلِينَ لِلْحُجَّاجِ, وَالجَمَّالِينَ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الحُجَّاجَ, وَخَاصَّةً فِي طَرِيقِ المَدِينَةِ كَانُوا يَغْدِرُونَ بِهِمْ.
قَالَ رِفْعَت بَاشَا:
((وَقَدْ أَرَادَ بَعْضُ الحُجَّاجِ المِصْرِيِّينَ أَنْ يُسَافِرُوا إِلَى المَدِينَةِ قَبْلَ حُضُورِنَا, وَتَجَمَّعُوا فِي المَكَانِ الَّذِي يُعَسْكِرُ فِيهِ المَحْمَل, بَعْدَ أَنْ سَلُّمُوا أُجْرَةَ الجِمَالِ لِلْجَمَّالَةِ فَاعْتَدَى هَؤُلَاءِ عَلَيْهُم، فَقَتَلُوا وَجَرَحُوا وَسَلَبُوا ثُمَّ هَرَبُوا)).
كَانَ الخَوْفُ فِي الحِجَازِ وَالذُّعْرُ مِنَ الأَعْرَابِ فِي طَرِيقِ مَدِينَةِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمِ- يَمْنَعُ بَعْضَ قَوَافِلِ الحُجَّاجِ مِنَ الذَّهَابِ إِلَى المَدِينَةِ, فَيُضطَرُّ بَعْضُهُم أَنْ يَرْجِعُوا مِنْ بَعْضِ الطَّرِيقِ وَقَدْ وَصَلُوا قَرِيبًا مِنْ مَدِينَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمِ- وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى الوُصُولِ إِلَى المَدِينَةِ خَوْفًا مِنْهُم.
اخْتِلَالُ الأَمْنِ فِي الجَزِيرَةِ وَبِالأَخَصِّ فِي الحِجَازِ كَانَ أَمْرًا مَشْهُورًا عَلَى مَدَى قُرُونٍ، حَتَّى جَاءَ آلُ سُعُود فِي الدَّوْلَةِ السُّعُودِيَّةِ الأَوْلَى فَأَمَّنُوا الطَّرِيقَ, وَلَمَّا ذَهَبَتْ دَوْلَتَهُم رَجَعَ الحَالُ فِي الكُهُوفِ وَالجِبَالِ وَالبَرَارِيِّ وَالمُدُنِ كَمَا كَانَ قَبْلُ، يَقْتُلُونَ الحُجَّاجَ وَيَنْهَبُونَهُم, وَكَانَ عَيْشُهُم مِمَّا يُحَصِّلُونَ مِنْهُم.
الشَّيْخُ عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ الخَلِيفِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- كَانَ شَاهِدَ عِيَانٍ قَالَ:
((حَجَجْتُ فِي وَقْتِ الخَوْفِ ثَلَاثَ حِجَجٍ، وَجَرَى لِي عِدَّةُ وَقَائِعَ مَعَ الأَعْرَابِ قُطَّاعِ الطَّرِيق، وَبِمُنَاسَبَةِ تَبْدِيلِ الخَوْفِ أَمْنًا أَذْكُرُ وَاقِعَةً وَاحِدَةً تَحَدُّثًا بِنَعْمَةِ اللهِ وَشُكْرِهِ، فِي عَامِ الثَّوْرَةِ المِصْرِيَّةِ فِي أَيَّامِ سَعْدِ زَغْلُول فِي العَّامِ نَفْسِهِ –قَالَ- رَكِبْتُ حَاجًّا مَعَ رُفْقَةٍ لَا تَقِلُّ عَنْ مِائَتَيْ رَاكِبٍ، وَسِرْنَا عَلَى طَرِيقِ المَدِينَةِ، قَاصِدِينَ بَيْتَ اللهِ الحَرَام, وَمَعَنَا الرُّفَقَاءُ وَالمُجِيرُونَ الَّذِينَ بَذَلْنَا لَهُم فَوْقَ مَا يَسْتَحِقُّونَ, وَيُسَمُّونَ ذَلِكَ (خَاوَه) يَأْخُذُونَهَا عَلَى الحُجَّاجِ عَلَى طَرِيقِ الفُرُعْ -يُطْلَقُ عَلَى عُدَّةِ طُرُقٍ مِنْ نَوَاحِي المَدِينَةِ عَلَى طَرِيقِ مَكَّةَ- وَبِهَا نَخْلٌ وَمِيَاهٌ كَثِيرَةٌ, بَزَعْمِهِمْ أَنَّها دِيَارُهُم, وَأَنَّ أَهْلَهَا قَبَائِلُهُم لِنَسِيرَ مَعَهُم آمِنِينَ.
فَانْعَكَسَتْ عَلَيْنَا الحَالُ إِذْ مَشُوْا بِنَا بِالمَكْرِ وَالخِتَالِ، فَلَمَّا وَصَلْنَا الفُرُع أَقَامُوا بِنَا يَوْمَيْنِ, وَكُلَّمَا طَالَبْنَاهُمْ تَعَلَّلُوا بِأَنَّ أَهْلَ الطَرِيقِ لَمْ يَسْمَحُوا بِمُرُورِكُم مِنْ هَذَا الطَّرِيق، حَتَّى تُؤَدُّوا لَهُم شَيْئًا تَطِيبُ بِهِ نُفُوسُهُم, فَبَيْنَ أَخْذٍ وَرَدٍ قَرَّرُوا عَلَى كُلِّ نَفَرٍ ثَلَاثَةُ مَجَايْدَة -وَهِيَ الدَّرَاهِمُ المَجِيدِيَّةَ- زَائِدَةً عَمَا دَفَعْنَا سَابِقًا, وَمَعَ ذَلِكَ يُلْزِمُونَنَا أَنْ نَشْتَرِيَ مِنْهُم العَلَفَ بِمَا يَقُولُونَ, وَقَدْ أَحَاطَ بِنَا لَيْلًا وَنَهَارًا بَيْنَ سَرِقَةٍ وَنَهْبٍ, وَاخْتِلَاسٍ وَقَهْرٍ ظُلُمَاتٍ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ)).
حُجَّاجٌ يَقْصِدُونَ بَيْتَ اللهِ الحَرَام!!
فِي الرُّبعِ الأَوَّلِ مِنَ القَرْنِ العِشْرِين، كَانَ هَذَا حَالُ الحَجِّ وَالحَجِيجِ، قَبْلَ مَجِيءِ المَلِكِ عَبْدِ العَزِيز -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى رَحْمَةً وَاسِعَةً-.
يَقُولُ: ((فَلَمَّا تَمَّ قَرَارُهُم, قَامُوا إِلَيْنَا بِعُنْفٍّ وَغِلْظَةٍ، لِيَجْمَعُوا مَا قَرَّرُوا)).
كَانَتْ هُنُالِكَ فِي الجِبَالِ مَوَاقِعُ بِالأَحْجَارِ، كَانَ اللُّصُوصُ يَلُوذُونَ بِهَا, إِذَا وَجَدُوا الحُجَّاجَ تَحْتَ الجَبَلِ نَزَلُوا عَلَى جَنَاحِ السُّرْعَةِ لِيَنْهَبُوهُم وَيَقْتُلُوهُم.
حَدَّثَ الشَّيْخُ مُحَمَّد بْنُ عَبْدِ اللهِ السُبَيِّلِ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ بُرَيْدَةَ:
((أَنَّهُمْ جَاءُوا لِلحَجِّ فَنَزَلُوا لَيْلًا عِنْدَ جَبَلٍ مِنْ جِبَالِ مَسْفَلَةَ, وَطَبَخُوا الطَّعَامَ فِي اللَّيْلِ, وَبَيْنَمَا كَانُوا يَسْتَعِدُّونَ لِتَنَاوُلِ الطَّعَامِ, لَمْ يَرُعْهُمْ إِلَّا أَنْ نَزَلَ مِنْ رَأْسِ الجَبَلِ نَاسٌ مُسَلَّحُونَ، وَحَمَلُوا القِدْرَ إِلَى مَكْمَنِهِم فِي الجَبَلِ.
قَالَ: فَتَرَجَّوْا مِنْهُم أَنْ خُذُوا الطَّعَامَ وَرُدُّوا إِلَيْنَا القِدْرَ, فَلَمْ يَرُدُّوهُ لَهُمْ وَهَدَّدُوهُمْ بِالقَتْلِ إِذَا رَفَعُوا الصَّوْتَ)). ثُمَّ مَنَّ اللهُ بِالأَمْنِ.
فِي عَامِ أَرْبَعَةٍ وَتِسْعِمائَةٍ وَأَلْف, فِي أَوَائِلِ القَرْنِ العِشْرِينَ, وَجَّهَ أَحْمَد شَوْقِي –الشَّاعِر- وَجَّهَ قَصِيدَةً إِلَى السُّلْطَانِ عَبْدِ الحَمِيدِ, يَسْتَصْرِخُهُ مِنَ الشَّرِيفِ عَوْنِ الرَّفِيقِ -هَذَا اسْمُه- وَكَانَ حَاكِمًا عَلَى مَكَّةَ.
فِي الرَّابِعِ عَشَرَ مِنْ إِبْرِيلَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِمَائَةِ وَأَلْف, هَذَا كَلَامُ أَحْمَد شَوْقِي شِعْرُهُ وَنَظْمُهُ فِي دِيوَانِهِ تَحْتَ عِنْوَانِ [ضَجِيجِ الحَجِيجِ].
انْظُرْ مَاذَا كَتَبَ أَحْمَد شَوْقِي إِلَى السُّلْطَانِ عَبْدِ الحَمِيدِ, يَسْتَصْرِخُهُ لِتَرَدِّي حَالَةِ الأَمْنِ بِالنِّسْبَةِ لِحُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَام, فِي أَوَّلِ القَرْنِ العِشْرِينَ -لَيْسَ بِبَعِيدٍ!!-.
قَالَ شَوْقِي:
ضَجَّ الحِجَازُ وَضَجَّ البَيْتُ وَالحَرَمُ ** وَاِسْتَصْرَخَت رَبَّهَا فِي مَكَّةَ الأُمَمُ
تلَكَ الرُبوعُ الَّتِي رِيعَ الحَجِيجُ بِهَا ** أَلِلشَّرِيفِ عَلَيْهَا أَمْ لَكَ العَلَمُ
أُهِينَ فِيهَا ضُيُوفُ اللهِ وَاِضطُهِدُوا ** إِنْ أَنْتَ لَمْ تَنْتَقِمْ فَاللهُ مُنْتَقِمُ
أَفِي الضُّحَى وَعُيُونُ الجُنْدِ نَاظِرَةٌ ** تُسْبَى النِّسَاءُ وَيُؤْذَى الأَهْلُ وَالحَشَمُ
كَانَ بَعْضُ الحُجَّاجِ مِنَ المِصْرِيِّينَ وَغَيْرِهِم, يَذْهَبُ بِامْرَأَتِهِ حَاجًّا وَحَاجَّةً إِلَى بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ, فَتُسْبَى فَيَرْجِعُ بِدُونِهَا!!
فِي أَوَئِلِ القَرْنِ العِشْرِينَ فِي الرُّبعِ الأَوَّلِ!! حَتَّى أَتَى اللهُ بِالأَمْنِ الَّذِي يُرِيدُونَ اليَوْمَ تَقْوِيضَهُ.
أَفِي الضُّحَى وَعُيُونُ الجُنْدِ نَاظِرَةٌ ** تُسْبَى النِّسَاءُ وَيُؤْذَى الأَهْلُ وَالحَشَمُ
وَيُسْفَكُ الدَّمُ فِي أَرْضٍ مُقَدَّسَةٍ ** وَتُسْتَبَاحُ بِهَا الأَعْرَاضُ وَالحُرَمُ
يَدُ الشَّرِيفِ عَلَى أَيْدِي الوُلَاةِ عَلَتْ ** وَنَعْلُهُ دُونَ رُكْنِ البَيْتِ تُسْتَلَمُ
نِيرُونُ إِنْ قِيسَ فِي بَابِ الطُّغَاةِ بِهِ ** مُبَالَغٌ فِيهِ وَالحَجَّاجُ مُتَّهَمُ
أَدِّبْهُ أَدِّب أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ فَمَا ** فِي العَفْوِ عَنْ فَاسِقٍ فَضْلٌ وَلَا كَرَمُ
لَا تَرْجُ فِيهِ وَقَارًا لِلرَّسُولِ فَمَا ** بَيْنَ البُغَاةِ وَبَيْنَ المُصْطَفَى رَحِمُ
اِبْنُ الرَّسُولِ فَتًى فِيهِ شَمَائِلُهُ ** وَفِيهِ نَخْوَتُهُ وَالعَهْدُ وَالشَّمَمُ
خَلِيفَةَ اللهِ... وَهَذِهِ الإِضَافَةُ لَا تَصِحّ, وَلَكِنَّهُ شِعْرُ شَوْقِي, يُقَرِّرُ هَذِهِ الوَاقِعَةَ, وَلَيْسَ بِمُتَّهَمٍ فِيهَا, فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ سَلَفِيًّا! لَمْ يَكُنْ حِزْبِيًّا!!
يَقُولُ:
خَلِيفَةَ اللهِ شَكْوَى الْمُسْلِمِينَ رَقَّت ** لِسُدَّةِ اللهِ هَلْ تَرْقَى لَكَ الكَلِمُ
الحَجُّ رُكْنٌ مِنَ الإِسْلَامِ نُكْبِرُهُ ** وَاليَوْمَ يُوشِكُ هَذَا الرُّكْنُ يَنْهَدِمُ
هَذَا يَقُولُهُ أَحْمَد شَوْقِي -الشَّاعِرَ المِصْرِيّ- فِي أَوَائِلِ القَرْنِ العِشْرِين الصَّلِيبِيّ!!
مِنَ الشَّرَيفِ وَمِنْ أَعْوَانِهِ فَعَلَتْ ** نُعْمَى الزِّيَادَةِ مَا لَا تَفْعَلُ النِّقَمُ
عَزَّ السَّبِيلُ إِلَى طَهَ وَتُرْبَتِهِ -كَذَا قَالَ-** فَمَنْ أَرَادَ سَبِيلًا فَالطَّرِيقُ دَمُ
يُرِيدُ أَنَّ مَنْ قَصَدَ مَدِينَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَسْجِدَهُ, فَطَرِيقُهُ إِلَى المَدِينَةِ
خَوْضٌ فِي الدِّمَاءِ! سَبْيٌ لِلْأَعْرَاضِ! اعْتِدَاءٌ عَلَى الأَبْشَارِ! سَلْبٌ لِلْأَمْوَالِ!!
فِي الرُّبعِ الأَوَّلِ مِنَ القَرْنِ العِشْرِين,
كَانَ هَذَا يَحْدُثُ! فَأَتَى اللهُ بِالمَلِكِ عَبْدِ العَزِيز, أَتَى اللهُ بِالأَمْنِ.
وَكُلُّ مَنْ حَجَّ أَوْ اعْتَمَرَ فِي أَيِّ وَقْتٍ يَعْتَمِرُ مِنَ العَامِ, وَكَذَا فِي مَوْسِمِ الحَجِّ, يَرَى بِعَيْنَيْ رَأْسِهِ, وَيَجِدُ بِجَمِيعِ جَوَارِحِهِ وَعَقْلِهِ, الأَمْنَ وَالأَمَانَ فِي كُلِّ أَمْرٍ, وَفِي كُلِّ مَكَانٍ, شَيْءٌ لَا يُوجَدْ مِثْلُهُ عَلَى أَرْضِ اللهِ رَبِّ العَالَمِينَ كُلِّهَا. مَاذَا تُرِيدُونَ؟!
يَقُولُ شَوْقِي:
مُحَمَّدٌ رُوِّعِتْ فِي القَبْرِ أَعْظُمُهُ ** وَبَاتَ مُسْتَأْمَنًا فِي قَوْمِهِ الصَّنَمُّ
وَخَانَ عَوْنُ الرَّفِيقُ العَهْدَ فِي بَلَدٍ ** مِنْهُ العُهُودُ أَتَتْ لِلنَّاسِ وَالذِّمَمُ
قَدْ سَالَ بِالدَّمِ مِنْ ذِبْحٍ وَمِنْ بَشَرٍ ** وَاِحْمَرَّ فِيهِ الحِمَى وَالأَشْهُرُ الحُرُمُ
وَفُزِّعَتْ فِي الخُدُورِ السَّاعِيَاتُ لَهُ ** الدَّاعِيَاتُ وَقُرْبُ اللهِ مُغْتَنَمُ
آبَتْ ثَكَالَى أَيَامَى بَعْدَ مَا أُخِذَتْ ** مِنْ حَوْلِهِنَّ النَّوى وَالأَيْنُقُ الرُّسُمُ
رَبَّ الجَزِيرَةِ -أَي صَاحِبَهَا- أَدْرِكْهَا فَقَدْ عَبَثَتْ ** بِهَا الذِّئَابُ وَضَلَّ الرَّاعِيَّ الغَنَمُ
إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوا أَمْرَهَا ظَلَمُوا ** وَالظُّلْمُ تَصْحَبُهُ الأَهْوَالُ وَالظُّلَمُ
فِي كُلِّ يَوْمٍ قِتَالٌ تَقْشَعِرُّ لَهُ ** وَفِتْنَةٌ فِي رُبُوعِ اللهِ تَضْطَرِمُ
فَجَرِّدِ السَّيْفَ فِي وَقْتٍ يُفِيدُ بِهِ ** فَإِنَّ لِلسَّيْفِ يَوْمًا ثُمَّ يَنْصَرِمُ
قَالَ شِكِيبْ أَرْسِلَان: يَذْكُرُ بَعْضَ وَقَائِعِ الخَوْفِ, وَمَا كَانَ مِنَ الإِخْلَالِ لِلْأَمْنِ, عِنْدَمَا حَجَّ قَبْلَ تَوَلِّي المَلِكِ عَبْدِ العَزِيزِ, ثُمَّ رَأَى مَا رَأَى مِنَ الأَمْنِ الوِارَفِ الظِّلَالِ فِي عَهْدِ المَلِكِ عَبْدِ العَزِيز وَشْكِيب رَأَى العَهْدَينِ.
فَقَالَ فِي [الارْتِسَامَاتِ اللِّطَاف]:
((فَسُبْحَانَ الَّذِي أَدَالَ مِنْ تِلْكَ الحَال لِهَذِهِ الحَال، وَأَوقَعَ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ الدُّعَّارِ فِي السُّهُولِ وَالأَوْعَارِ, وَلَيْسَ فِي بَابِ الأَمْنِ فِي مَمَالِكِ بْنِ سُعُود مُتَطَلِّعُ لِمَزِيد، وَقُصَارَى مَا يَتَمَنَّى الإِنْسَانُ دَوَامَ هَذِهِ النِّعْمَة)).
فَاللَّهُم أَدِمْ عَلَيْنَا نِعْمَةَ الأَمْنِ وَالأَمَانِ, وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا الهُمَام, وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هُوَ يَتَوَلَّى الصَالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَومِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ:
مَا هُوَ السَّبَبُ الَّذِي لِأَجْلِهِ عَمَّ الأَمْنُ أَرْضَ الحَرَمَيْن مِنْ بَعْدِ مَا كَانَ فِيهَا مِنَ الرُّعْبِ وَالذُّعْرِ وَالمَخَافَةِ وَالسَّبْيِ وَالسَّلْبِ وَالإِمَاتَةِ؟
أَوَّلُّ سَبَبٍ: إِخْلَاصُ الرَّجُل -نَحْسَبُهُ وَاللهُ حَسِيبُهُ-
قَدْ تَعَلَّمَهُ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ((إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صِوَرِكُم وَأَمْوَالِكُم, وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ)) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
قَالَ الزِّرِكْلِيّ:
((أَخْبَرَنِي أَحَدُ ضُبَّاطِ القَصْرِ المَلَكِيِّ, قَالَ: رَأَيْتُ المَلِكَ عَبْدَ العَزِيز فِي الهَزِيعِ الأَخِيرِ مِنَ اللَّيْلِ عِنْدَ صَلَاةِ الفَجْرِ يَتَمَسَّكُ بِأَسْتَارِ الكَعْبَةِ, وَيَدْعُوا اللهَ قَائِلًا: اللَّهُم إِنْ كَانَ هَذَا المُلْك خَيْرًا لِي وَلِلْمُسْلِمِينَ فَأَبْقِهِ لِي وَلِأَوْلَادِيِ, وَإِنْ كَانَ فِيهِ شَرٌّ لِي وَلِلْمُسْلِمِينَ فَانْتَزِعْهُ مِنِّي وَمِنْ أَوْلَادِيِ)).
قَالَ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((دِسْتُورِي وَقَانُونِي وَنِظَامِي وَشِعَارِي دِينُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِمَّا حَيَاةٌ سَعِيدَةٌ، وَإِمَّا مَوْتَةٌ سَعِيدَةٌ)).
يَقُولُ: ((أَنَا مُبَشِّرٌ بِدِينِ الإِسْلَامِ وَنَشْرِهِ بَيْنَ الأَقْوَامِ, أَنَا دَاعِيَةٌ لِعَقِيدَةِ السَّلَفِ الصَّالِحِ, وَعَقِيدَةُ السَّلَفِ الصَّالِح هِيَ: التَّمَسُّكُ بِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا جَاءَ عَنِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ, فَأَمَّا مَا كَانَ غَيْرَ مَوْجُودٍ فِيهِمَا فَأَرْجِعُ بِشَأْنِهِ إِلَى أَقْوَالِ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ, فَآخِذٌ مِنْهَا مَا فِيهِ صَلَاحُ الْمُسْلِمِينَ)).
يَقُولُ:
((اسْمَعُوا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ, أَنَا عِنْدِي أَمْرَان لَا أَتَهَاوَنُ فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا وَلَا أَتَوَانَى فِي القَضَاءِ عَلَى مَنْ يُحَاوِلُ النَّيْلَ مِنْهُمَا وَلَوْ بِشَعْرَةٍ.
الأَوَّلُ: كَلِمَةُ التَّوْحِيد: لَا إِلَهْ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ -اللَّهُم صَلِّي وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ-, إِنِّي وَاللهِ وَبِاللهِ وَتَاللهِ أُقَدِّمُ دَمِي, وَدَمَ أَوْلَادِي, وَكُلَّ آلِ سُعُود, فِدَاءً لِهَذِهِ الكَلِمَةِ وَلَا أَضِنُّ بِهِ.
وَالثَّانِي: هَذَا المُلْكُ: الَّذِي جَمَعَ اللهُ بِهِ شَمْلَ العَرَبِ بَعْدَ الفُرْقَةِ, وَأَعَزَّهُم بِهِ بَعْدَ الذِّلَّةِ, وَكَثَّرَهُم بَعْدَ القِلَّةِ, فَإِنِّي كَذَلِكَ لَا أَدَّخِرُ قَطْرَةً مِنْ دَمِي فِي سَبِيلِ الذَّوْدِ عَنْ حَوْضِهِ)).
جَعَلَ دُسْتُورَهُ الكِتَابَ وَالسُّنَّةِ، وَالعَمَلَ بِهِمَا.
عِنْدَمَا طَالَبَت الأُمَمُ المُتَّحِدَةُ الدِّوَلَ الَّتِي فِي عُضْوِيَّتِهَا أَنْ تُرْسِلَ إِلَيهَا نُسْخَةً مِنْ دُسْتُورِهَا, وَجَّهَ المَلِكُ إِلَيْهَا خِطَابًا يَنُصُّ فِيهِ عَلَى أَنْ القُرْآنَ هُوَ دُسْتُورُ البِلَادِ وَقَانُونِهَا الوَحِيد.
وَكَانَ الأَمْرُ فِي الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى قَبْلَ الإِسْلَامِ أَسْوَءَ مِنْ حَيْثُ فِقْدَانُ الأَمْنِ, وَالضَّلَالُ عَنْ دِينِ اللهِ, وَلَكِنَّ اللهَ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِهَذَا الدِّينِ, بِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ فَاهْتَدَى النَّاسُ بِهِمَا, وَلَنْ يَصْلُحَ أَخِرُ هَذِهِ الأُمَّةُ إِلَّا بِمَا صَلُحَ بِهِ أَوَّلُهَا.
لِمَاذَا لَا يَعْطِي المِصْرِيُّونَ فُرْصَة لِحَاكِمِهِمْ لِيُقِيمَ فِيهِمْ العَدْلَ وَلِيَنْشُرَ فِيهِمْ المَعْدَلَةَ؟!
لِمَاذَا لَا يَأْخُذُونَ عَلَى أَيْدِي الخُوَّانِ؟!
لِمَاذَا لَا يَتَتَبَّعُونَهُم حَيْثُ كَانُوا لِيُحْبِطُوا عَلَيْهِم كَيْدَهُم؟!
لِمَاذَا يَشْغَبُونَ وَيُشَاغِبُونَ؟! لِمَاذَا يَتَمَرَّدُونَ؟!
ادَّعَى كَثِيرٌ مِنَ المِصْرِيِّينَ أَنَّهُم قَامُوا بِثَوْرَةِ الخَامِسِ وَالعِشْرِينَ مِنْ أَجْلِ الخُبْزِ!
فَلَمَّا تَوَفَّرَ لَهُمْ الخُبْزُ قَالُوا -أَعْنِي المُتَمِرِّدِينَ- أَوَلَيْسَت الدُّنْيَا سِوَى الأَكْلِ وَالشُّرْبِ!!
قَامُوا بِالثَّوْرَةِ لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ! ثُمَّ تَوَفَّرَ لَهُم الأَكْلُ وَالشُّرْبُ!
فَيَقُولُ المُخَادِعُونَ مِنَ المُتَمَرِّدِينَ وَمُحِبِّيهِم وَغَيْرِهِم أَوَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا سِوَى الأَكْلِ وَالشُّرْبِ؟!
أَيُّهَا المِصْرِيُّونَ..
لَا خَلَاصَ لَكُمْ إِلَّا بِأَنْ تَعْرِفُوا دِينَ رَبِّكُمْ, وَأَنْ تَأْخُذُوا عَلَى أَيْدِيِ فُسَّاقِكُمْ.
لِمَاذَا يَخْرُجُ الشَّاغِبُونَ المُشَغِّبُونَ؟
مِنْ أَجْلِ أَنْ يُعَكِّرُوا عَلَى المَسِيرَةِ صَفْوَهَا, وَأَنْ يَضَعُوا العَرَاقِيلَ فِي وَجْهِهَا وَطَرِيقِهَا.
تَحْسَبُونَ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُجَدِّفُوا وَيُهَرْطِقُوا وَيَتَزَنْدَقُوا, ثُمَّ يَخْرُجُ مَنْ يَقُولُ -وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى الأَزْهَرِ الشَّرِيفِ- لِيَقُولَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ يَحِلُّ قَتْلُهُم -بَلْ يَجِبُ- وَالمُفَارِقُ لِدِينِهِ, التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ.
يَقُولُ: إِنَّ المُرْتَدَّ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُفَارِقًا لِلْجَمَاعَةِ بِرِدَّتِهِ -يَعْنِي كَانَ مُرْتَدًا مُمَازِجًا لِلْجَمَاعَةِ فِي وَسَطِ النَّاسِ لَا يُفَارِقَهُمْ!!- فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ. لِمَاذَا يَا فَضِيلَةَ الشَّيْخ؟!!
يَقُولُ: المُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ...
لَمْ يَدْرُس الآجُرومِيَّة, وَلَا الأَزْهَرِيَّة, وَلَمْ يَدْرُسْ شَرْحَ المِفْتَاحِ فِي البَلَاغَةِ، لَا يَدْرِي شَيْئًا عَنْ مَعَانِي كَلَامِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
...المُفَارِقُ لِدِينِهِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ.
إِنَّ تُرِكَ هَؤُلَاءِ يَمْنَعُ القَطْر, وَيُنْزِلُ السُّخْط؛ لِأَنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا المُنْكَرَ فَلَمْ يُنْكِرُوهُ, وَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى أَيْدِي فَاعِلِيهِ, أَنْزَلَ اللهُ بِهِمْ سُخْطَهُ الَّذِي لَا يُرَدُّ عَنِ القَوْمِ الظَّالِمِينَ.
إِنَّ هَؤُلَاءِ، إِنَّ الطَّابُورَ الخَامِسَ، أَضَرُّ عَلَى هَذِه الأُمَّةُ مِنْ أَعْدَائِهَا الَّذِينَ يُنَازِلُونَهَا كِفَاحًا وَجْهًا لِوَجْه؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ ظَاهِرُونَ، هَؤُلَاءِ مُنْكَشِفُونَ!!
أَمَّا هَذَا السُّوسُ الَّذِي يَنْخَرُ فِي قَوَاعِدِ هَذَا الشَّعْبَ المُسْلِمَ, مِنَ الإِخْوَانِ الْمُسْلِمِينَ, وَمِنَ القُطْبِيِّينَ, وَمِنَ المُنْحَرِفِينَ, وَمَنْ لَفَّ لَفَّهُم مِنَ العَلْمَانِيِّينَ, وَالوُجُودِيِّينَ وَالمُلْحِدِينَ, وَالمُهَرْطِقِينَ وَالمُتَزَنْدِقِينَ.
كُلُّ هَؤُلَاءِ أَخْطَرُ مِنَ الَّذِينَ يُوَاجِهُونَ فِي السَّاحَاتِ المَكْشُوفَةِ, وَغَيْرِ المَكْشُوفَةِ, وَلَكِنَّهُم يُوَاجِهُونَ، وَأَمَّا هَؤُلَاءِ فَيُسَلِّمُونَ الحُصُونَ مِنَ الدَّاخِلِ، وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا.
هَؤُلَاءِ العَلْمَانِيُّونَ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ لِيَتَكَلَّمُوا فِي الدِّينِ، الوَاحِدُ مِنْهُم لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقْرَأَ فِي كِتَابِ اللهِ, وَلَا فِي كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ التُّرَاثِ.
الَّذِي يَقُولُ اجْعَلُوهَا فِي سَلَّةِ القِمَامَةِ, يَقُولُ -المُهَرْطِقُ المُتَزَنْدِقُ العَمِيلُ- كَلَامُهُ كَلَامُ الرَّوَافِض حَذْوُ النَّعْلِ بِالنَّعْل.
يَقُولُ: إِنَّ الأَزْهَرَ فِي نَفْسِهِ مَوْجِدَةٌ -يَعْنِي مِنْهُ- إِللِّي بِسَلَامْتُه نَفَّذَ مَا أَرَادَ أَسْيَادُهُ.
يَقُولُ: إِنَّ الأَزْهَرَ فِي نَفْسِهِ مَوْجِدَةٌ لِأَنَّهُ صَارَ الآنَ مَا قَبْلَ بِحِيرِي وَمَا بَعْدَ بِحِيرِي!
مَا قَبْل وَمَا بَعْد عَلَامَةٌ فَارِقَةٌ!!
السَّيْلُ يَكْتَسِحُ النِّفَايَاتِ، يَذْهَبُ بِالخَبَثِ.
أَرَأَيْتَ يَوْمًا عُذْرَةً –غَائِطًا- فِي طَرِيقٍ جَاءَهُ سَيْلٌ فَبَقِيَ مِنْهَا شَيْءٌ؟!
إِنَّ المَاءَ إِذَا بَلَغَ القُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الخَبَثَ.
لَا بَأْسَ يَا أَهْلَ الإِسْلَامِ عَلَيْكُمْ, وَلَا عَلَى تُرَاثِكُمْ، كَمْ نَطَحَهُ -لَا أَقُولُ مِنْ كَبْشٍ وَلَكِنْ مِنْ نَعْجَةٍ- كَمْ نَطَحَهُ مِنْ نَعْجَةٍ؟! وَرَفَصَهُ مِنْ حِمَارٍ! وَنَفَقَ عَلَيْهِ مِنْ نَافِقٍ! وَالتُّرَاثُ هُوَ التُّرَاثُ.
هَذَا الغِرُّ الدَّعِي لَمْ يَنْظُرْ إِلَى كِتَابِ مُحَمَّدٍ الغَزَالي [السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ بَيْنَ أَهْلِ الفِقْهِ وَأَهْلِ الحَدِيث], كَانَ يُطْبَعُ فِي دَارِ الشُّرُوقُ كُلَّ شَهْرٍ طَبْعَةً!
تلَقَّفَهُ العَلْمَانِيُّونَ, وَالمُنْحَرِفُونَ وَأَعْدَاءُ السُّنَّةِ, وَرَاحُوا يُرَوِّجُونَهُ, يَحْتَسِبُونَ –بِزَعْمِهِم- عِنْدَ اللهِ تَرْوِيجَهُ! وَقَالُوا عَلَامَةٌ فَارِقَةٌ! مَا قَبْلَ وَمَا بَعْدَ!
أَيْنَ هُوَ؟! فِي مَزْبَلَةِ التَّارِيخ.
أَيْنَ كِتَابُ أَبِي رَيَّةَ؟! أَيْنَ مَا كَتَبَ المُلْحِدُ الضَّالُ ابْنُ الرَّاوِنْدِيُّ؟!
أَيْنَ هُوَ؟! فِي مَزْبَلَةِ التَّارِيخ.
أَيْنَ مَا كُتِبَ ضَدَّ الإِسْلَامِ العَظِيمِ؟! وَضِدَّ النَّبِيِّ الكَرِيمِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟!
الزِّنْدِيقُ المُهَرْطِقُ سَلْمَان رُشْدِي -الَّذِي حَمَتْهُ قُوَى الشَّرِ, وَأَمَّنَتْهُ, وَأَغْدَقَتْ عَلَيْهِ- فِي رِوَايَتِهِ [آيَاتٌ شَيْطَانِيَّةٌ] يَلْعَنُهُ اللَّاعِنُونَ صَبَاحَ مَسَاء.
أَيْنَ هُوَ؟! وَأَيْنَ رِوَايَتُهُ؟! فِي مَزْبَلَةِ التَّارِيخ.
إِنَّ الحَقَّ هُوَ الَّذِي يَبْقَى، وَالبَاطِلُ لَا بَقَاءَ لَهُ, إِنَّ البَّاطِلَ كَانَ زَهُوقًا.
وَلَمْ يَقُلْ زَاهِقًا، قَالَ قَبْلُ إِنَّهُ زَاهِق {فَإِذَا هُوَ زَاهِق} وَأَتَى هَاهُنَا بِالمُبَالَغَةِ، فَهُوَ زَهُوق، رُوحُهُ قَصِيرَةٌ، نَفَسُهُ لَا يَمْتَدُّ.
يُخَيِّلُ لِلنَّاسِ كَفَقَّاعَةِ الصَّابُونُ, عِنْدَمَا يَأْتِي الأَطْفَالُ فِي أَيَّامِ الرَّبِيعِ, وَفِي الأَعْيَادِ بِحَلَقَةٍ مَعْدِنِيَّةٍ ثُمَّ يَجْعَلُونَهَا فِي مَحْلُولِ الصَّابُون وَيَنْفُخُونَ فِيهَا، فَتَجِدُ فَقَّاعَةً تَتَعَاظَمُ ثُمَّ لَا شَيْء.
كَذَلِكَ هَؤُلَاءِ، لَا تَبْتَئِسُوا، تَمَسَّكُوا بِدِينِكُمْ، تَمَسَّكُوا بِكِتَابِ رَبِّكُم وَسُنَّةِ نَبِيِّكُم، وَتَقَرَّبُوا إِلَى اللهِ بِبُغْضِ وَمُعَادَاةِ الإِخْوَانِ الْمُسْلِمِينَ, وَالقُطْبِيِّينَ وَالمُنْحَرِفِينَ مِنَ العَلْمَانِيِّينَ الضَّالِينَ, وَكُلَّ مُهَرْطِقٍ وَزِنْدِيقٍ.
اتَّقُوا اللهَ، تَمَسَّكُوا بِدِينِهِ، أَقِيمُوا عَلَيْهِ، اشْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُم بِالأَمْنِ وَالأَمَانِ، وَإِلَّا فَلَا عِرْضَ وَلَا شَرَفَ, وَلَا بَقَاءَ وَلَا مَالَ.
اتَّقُوا اللهَ فِإِنَّهُم مُصِرُّونَ. هُمْ مُصِرُّونَ وَأَنْتُم نَائِمُونَ!!
مُصِرُّونَ لِأَنَّهُ لَا حَيَاةَ لَهُم إِلَّا بِإِحْدَاثِ الفَوْضَى فِي مِصْرَ.
وَإِلَّا كَيْفَ يَعُودُ أُولَئِكَ الهَارِبُونَ؟!
الَّذِينَ اتَّخَذُوا الكَلَامَ صَنْعَة, تُغْدَقُ عَلَيْهُم الأَمْوَالُ، وَعَلَى أَهْلِيهِمْ، وَيَحْيَوْنَ حَيَاةَ المِلُوكِ فِي قُصُورِهَا وَعَلَالِيهَا، وَلَيْسَ وَرَاءَهُمْ إِلَّا أَنْ يَجْلِسُوا فِي الاسْتِدْيُوَهَاتِ المُكَيَّفَةِ فِي قَطَرَ وَفِي تُرْكِيَا؛ لِيُهَاجِمُوا مِصْرَ وَأَبْنَاءِهَا، وَالْمُسْلِمِينَ فِيهَا، وَقَائِدَهَا وَجَيْشَهَا وَشُرْطَتَهَا، لِيُهَاجِمُوا هَؤُلَاءِ وَيُصَوِّرُوا لِلنَّاسِ أَنَّ مِصْرَ لَا تَنْعَمُ بِأَمْنٍ وَلَا أَمَانٍ، وَأَنَّ النَّاسَ يَتَوَفَّرُونَ عَلَى القِمَامَةِ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَأْخُذُوا الفُتَاتَ لِيَعِيشُوا، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَقُولُونَ!
بَلْ إِنهُم يَدَّعُونَ أَنَّهُ لَا حُرِّيَّةَ فِي مِصْرَ، وَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى مَا النَّاسُ فِيهِ، لِأَنَّهُم مُغَالِطُونَ غَالِطُونَ، خَالِفُونَ مُخَالِفُونَ، مَا الَّذِي تَنْتَظِرُهُ مِنَ المُبْتَدِعِ الضَّالِ؟!!
هَؤُلَاءِ يُقْسِمُ الوَاحِدُ مِنْهُم أَيْمَانًا مُغَلَّظَةً أنَّ النِّظَامَ يَهْتَز، وَأَنَّ الانْقِلَابَ سَيَنْقَلِب! إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَهْرِفُونَ بِهِ صَبَاحَ مَسَاء، أَلَا يَتْعَبُونَ؟! هَذِهِ الأَلْسِنَةُ أَخْرَسَهَا اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ وَأَيْبَسَهَا اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ.
دَعُوا النَّاسَ يَعِيشُونَ، دَعُوهُم يَكِدُّونَ وَيَكْدَحُونَ، دَعُوهُمْ لِيَفْلَحُوا الأَرْضَ وَيَسْتَخْرِجُوا خَيْرَاتِهَا، دَعُوهُمْ لِيَتَبَتَّلُوا لِرَبِّهِم لِيُنْزِلَ عَلَيْهِم مِنَ السَّمَاءُ القَطْر. دَعُوهُمْ، دَعُوهُم لِيَعِيشُوا لِيُزَوِّجُوا أَبْنَاءَهُم وَبَنَاتِهِم، دَعُوهُم لِيَعْبُدُوا رَبَّهُم, وَلِيُقْبِلُوا عَلَى دِينِهِم، مَا لَكُمْ وَلَهْمْ؟َ!
لَكِنَّهُم كَالشَّيْطَانِ!!
الشَّيْطَانُ قَضِيَّتَهُ مَعَ رَبِّ العِزَّةِ -جَلَّ وَعَلَا- فِي إِضْلَالِ النَّاسِ، فَإِنْ لَمْ يُضِلَّهُم خَسِرَتْ قَضِيَّتُهُ وَهُوَ مُبْلَسٌ فِي النَّارِ أَبَدَ الأَبِيد، وَالقَضِيَّةُ مَحْسُومَةٌ وَهُوَ يَعْلَمُ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ العِنَادُ وَلَكِنَّهَا المُكَابَرَةُ.
هَؤُلَاءِ كَالشَّيْطَانِ، يَعْلَمُونَ أَنَّ قَضِيَّةَ حَيَاتِهِم أَنْ يَنْقَلِبَ الأَمْرُ فِي مِصْرَ، وَأَنْ يَعُودَ النَّاسُ فَوْضَى، وَأَنْ يَرْجِعُوا هُمْ إِلَى سُدَّةِ الحُكْمِ، وَإِلَّا فَلَنْ يَدْخُلَ وَاحِدٌ مِنْهُم مِصْرَ وَلَوْ عَلَى ظَهْرِهِ -أَبْعَدَهُمْ اللهُ وَطَهَّرَ الأَرْضَ مِنْ أَجْدَاثِهِمْ- أَبْعَدَهُم اللهُ وَلَا أَرَى الْمُسْلِمِينَ وُجُوهَهُم، أَبْعَدَهُمْ اللهُ -لَا رَحِمَ اللهُ فِيهِمْ مَغْرِزَ إِبْرَة-
مَاذَا يُرِيدُونَ؟! دَعُوا النَّاسَ يَعِيشُونَ.
أَنْتُم تَتَمَتَّعُونَ، النَّاسُ يَكْدَحُونَ، تَصْهَرُ الشَّمْسُ رُءُوسَهُمْ وَجُلُودَهُم، النَّاسُ يَكْدَحُونَ، يَرْوُونَ الأَرْضَ بِعَرَقِهِم، النَّاسُ يَكِدُّونَ، يَفْلَحُونَ الأَرْضَ لِيَسْتَخْرِجُوا مِنْهَا الرِّزْقَ.
وَأَنْتُم مَاذَا تَصْنَعُونَ؟! فِي الظِّلِّ الظَّلِيلِ وَالمَاءِ البَارِدِ! وَالسَّيَّارَاتِ المُكَيَّفَةِ؟
يَا هَؤُلَاءِ لَقَدْ خَدَعْتُمْ الْمُسْلِمِينَ -عَامَلَكُمْ اللهُ بِعَدْلِهِ-
أَيُّهَا المِصْرِيُّونَ..
اتَّقُوا اللهَ، سَيُقَتِّلُونَكُم، سَيَذْبَحُونَكُم، سَيَحْرِقُونَكُم!! وَمَعَ ذَلِكَ فَاثْبُتُوا عِبَادَ اللهِ, أَلَا فَاثْبُتُوا عِبَادَ اللهِ، أَلَا فَاثْبُتُوا عِبَادَ اللهِ، وَلَنْ يَضِيرَكُمْ شَيْء, وَلَنْ يَخْذُلُكُمْ اللهُ.
تَمَسَّكُوا بِحَبْلِ اللهِ المَتِينِ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى، وَعُودُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَسَانِدُوا قَادَتَكُمْ، لَا تَخْرُجُوا عَلَيْهِم وَلَوْ بِالكَلِمَةِ، لَا تَحْمِلُوا لَهُم الضَّغِينَةَ فِي قُلُوبِكُم، فَإِنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ، لَا يَفْعَلُهُ مُسْلِمٌ مُتَسَنِّنٌ، وَدَعُوكُمْ مِنْ بُنَيَّاتِ الطَّرِيقِ.
لَا تَتَّبِعُوهُم, هَؤُلَاءِ الغِرْبَانُ لَنْ يَمُرُّوا بِكُمْ إِلَّا عَلَى جِيَفِ الكِلَابِ!
وَمَنْ تَخِذَ الغُرَابَ لَهُ دَلِيلًا ** يَمُرُّ بِهِ عَلَى جِيَفِ الكِلَابِ
مَنْ كَانَ دَلِيلُهُ الغُرَابُ فَأَيْنَ يَقُودُهُ؟ أَيْنَ يَذْهَبُ بِهِ؟!
إِلَى الجِيَفِ، إِلَى النَّتْنِ، إِلَى الخَرَائِبِ يَنْعُبُ فِيهَا مَعَ البُومِ.
اتَّقُوا اللهَ، اسْتَيْقِظُوا، أَفِيقُوا رَحِمَكُمْ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ بِرَحْمَتِهِ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلَهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
0