الفرق بين التصور والتعقل، وبيان أقسام المعلوم

للاستماع للمحاضرة

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُه، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّم.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ:

ففي سياقِ الرد على الملحدين بحولِ وقوةِ رب العالمين، مَرَّ ذِكْرُ بعضِ المقدماتِ بين يَدَيِ الردِّ الْمُفَصَّلِ، والحقُّ أنَّ هذه المقدماتِ هي مقدماتٌ ونتائجُ في الوقتِ نفسِهِ؛ ولَكِنْ لا بَأْس.

وهذه مقدمةٌ مِنْ هذه المقدماتِ:

في «قصةِ الإيمانِ» بيانٌ لِلْفَرْقِ بين التَّصَوُّرِ والتَّعَقُّلِ:

فالإيجادُ مِنَ العَدَمِ غيرُ مستحيلٍ عقلًا، وإنْ كَانَ الملحدُ يَجِدُهُ مُسْتَحِيلًا، ويَسْتَبْعِدُهُ، وَيَعْجِزُ عَنْ تَصَوُّرِهِ؛ ولَكِنْ عُقُولُنا فِي مَجَالِ الأعدادِ الكبيرةِ تَكِلُّ عَنْ تصورِ حقائقَ واضحةٍ، وهذه الْحَقائقُ الواضحةُ لا تَحْتَاجُ إلا لِتَأَمُّلٍ قليلٍ وحِسَابٍ يسيرٍ مِنْ نَوْعِ الْجَمْعِ مثلًا، ويكونُ كَلَالُ العقولِ حينئذٍ غريبًا جدًا؛ حتى إنَّهُا تُمَارِي فِي النتيجةِ؛ ولو أَخْبَرَهَا بتلك النتيجةِ أصدقُ الناسِ وَأَعْلَمُهُمْ، وَتَبْقَى العقولُ عاجزةً عَنْ تَصَوُّرِ النتيجةِ؛ ولو تَوَصَّلَتْ إِلَيْهِا بنفسِها.

ألَا تَعْرِفُ أُحْجِيَّةَ الورقةِ الْمُقَطَّعَةِ؟

لو أُعْطِيتَ ورقةً رقيقةً بَالِغَةَ الرِّقَّةِ، سُمْكُها جزءٌ مِنْ مائةِ جزءٍ مِنَ الْمِلِّي مِتْر، وطُلِبَ منك أنْ تَقْطَعَهَا نِصْفَيْنِ، ثم تَقْطَعَ النصفينِ ثانيةً لِيُصْبِحَا أربعةً، ثم تَقْطَعَ الأربعةَ لِتُصْبِحَ ثمانيةً، وهكذا إِلَى أَنْ تُكَرِّرَ القَطْعَ والتضعيفَ ثمانِيَ وأربعينَ مَرَّةً.

إذا سُئِلْتَ قبل أنْ تبدأ فِي القطع، وقبل أن تَحْسُبَ: كم تتوقعُ أنْ تُصْبِحَ سَمَاكَةُ هذه الأوراقِ الرقيقةِ بعد قَطْعِهَا ثَمِانِي وأربعينَ مرةً؟

فإنك مهما بالغتَ فِي التقدير؛ لم تَقُلْ: إنَّ سُمْكَهَا يَزِيدُ على مِتْرٍ واحدٍ، أو مِتْرَيْنِ، أو ثَلَاثَةٍ.

فإذا قيل لك: إنَّ سُمْكَهَا سوف يزيدُ على عَشْرَةِ كيلو متراتٍ؛ لم تُصَدِّقْ.

وأما إِذَا قيل لك: إنك إِذَا كَرَّرْتَ القطعَ إِلَى الْمَرَّةِ الثامنةِ والأربعين، ثم جَعَلْتَ الأوراقَ الْمُقَطَّعَةَ رُكَامًا مَرْصُوصًا صاعدًا إِلَى السماءِ؛ فإنه يَلْمَسُ أو يكادُ يَلْمَسُ القمرَ الَّذِي يَبْعُدُ عَنِ الْأَرْضِ أربعةً وثمانينَ وثلاثَمِائَةِ أَلْفِ كيلو مِتْر؛ إِذَا قيل لك ذَلِكَ نَفَرْتَ، وَحَسِبْتَ القائلَ يَسْخَرُ منك، وبعد أنْ تَتَحَقَّقَ أَنتَ بنفسِكَ مِنْ ذَلِكَ بالحسابِ اليسير، لو أَرَدْتَ تَصَوُّرَه؛ فإنك سَتَجِدُ عَقْلَكَ كَلِيلَا عاجزًا عَنْ تصورِه.

خُذْ قَلَمَكَ واحْسُبْ:

 ورقةٌ رقيقةٌ بَالِغَةُ الرِّقَّةِ، سُمْكُها جزءٌ مِنْ مائةِ جزءٍ مِنَ الْمِلِّي مِتْر، تَقْطَعُهَا نِصْفَيْنِ، ثم تَقْطَعُ النصفينِ ثانيةً لِيُصْبِحَا أربعةً، ثم تَقْطَعُ الأربعةَ لِتُصْبِحَ ثمانيةً، وهكذا إِلَى أَنْ تُكَرِّرَ القَطْعَ والتضعيفَ ثمانِيَ وأربعينَ مَرَّةً.

إذا جَعَلْتَ ذلك رُكَامًا مَرْصُوصًا صاعدًا إِلَى السماءِ؛ فإنه يَلْمَسُ أو يكادُ يَلْمَسُ القمر، على حسب المسافة التي بينك وبين القمر، وهي: أربعةٌ وثمانونَ وثلاثُمِائَةِ أَلْفِ كيلو مِتْر، وجرب هذا الحساب فِيما بينك وبين نفسك، والله المستعان.

إذا؛ العقل يقر ذَلِكَ ويثبته، ولا يماري فِيه؛ ولَكِن التصور لا يثبته، ويماري فِيه.

إذن؛ هُنَالِكَ فرق بين التعقل والتصور، فالإنسان قد يتعقل الشيء ويعجز فِي الوقت عينه عَنْ تصوره.

سمك هذه الورقة المقطعة يقرب من أربعة وثمانين وثلاثمائة ألف كيلو متر، حتى إنَّهُا لتكاد تلامس القمر كما مر؛ ولَكِن هل تستطيع أنت أن تتصور هذه النتيجة بعد أن صنعتها بيدك؟!

فهذه النتيجة الرياضية التي يقر بها العقل ولا يكذبها أحد لا يمكن أن يقرها التصور؛ فإنك ما تزال تشعر بعد إقرارها عقلا بكلالٍ عقلي عَنْ تصورها؛ فهل تدرك الآن أن عقولنا تكِل أحيانا عَنْ تصور حقائق كثيرة يقوم البرهان العقلي على صحتها؟

وذَلِكَ؛ لأن عقولنا خلقت عاجزة عَنْ تصور كثير من الأشياء؛ ولَكِنها تستطيع أن تحكم بوجودها عَنْ طريق البرهان العقلي القاطع؛ فالتصور غير التعقل.

هذه الشَّمْس التي تراها، العقل يثبت على حسب الحساب الدقيق الَّذِي لا يمارَى فِيه أَنَّهُا تبلغ مليون مرة مثلَ الْأَرْض، ومع ذَلِكَ فأنت تراها فِي السماء على هذا النحو، وعقلك يكل عَنْ تصور أَنَّهُا عَنْد التضعيف تزيد على مليون مرة من هذه الْأَرْض.

فإذًا؛ التصور غير التعقل، قد تستطيع تعقل شيء ولا تستطيع أن تتصوره؛ لأن التعقل يعتمد على بدهيات أولية يأخذ العقل فِي ترتيبها وتركيبها، واستنباط بعضها من بعض، وبناء بعضها على بعض؛ فيصل إِلَى حكم عقلي قاطع قد لا يستطيع العقل نفسه تصوره، وهو الَّذِي وصل إِلَيْهِ.

الْعِلْم الْحَدِيث اليوم يقر هذه الْحَقيقة التي مر ذكرها عن الفرق بين إمكان تصور الشيء وإمكان تعقله.

فلا يبالي الْعِلْم الْحَدِيث بعجز العقل عَنْ التصور، ويعتمد على التعقل وحده؛ لأن الْحَقائق الْعِلْمية أصبحت فِي مجالاتها وكميتها وأعدادها فوق التصور، ولأنهم يحسبونها ويعرفونها ويحكمون عليها عَنْ طريق التعقل، لا عَنْ طريق التصور.

خذ -مثلًا- أمواج النور:

أتحسب أن الْعلماء الَّذِينَ حسَبوا أن الأمواج التي تحدث، فتحدث اللون البنفسجي تكون بسرعة ستين ألف موجة فِي البوصة؛ هم الذين أتوا بذلك الحساب، فقرروا تلك الحقيقة التي لا مجال للامتراء فيها؛ ولكن هل هَؤُلَاءِ الْعلماء الَّذِينَ قرروا تلك الْحَقيقة يستطيعون تصور هذه السرعة لو أضمدوا عيونهم وأرهقوا خيالهم؟!

كلا؛ لأن هذا العدد الهائل فِي هذه المساحة الضئيلة يعجِز العقل عَنْ تصوره؛ ولَكِن لا يعجز عَنْ تعقله –أي: عَنْ الحكم بصحته عَنْ طريق العقل-.

وقد تصل الأعداد فِي الأبحاث الذرية الْحَدِيثة إِلَى مرتبة هائلة يكون عجز العقل عَنْ تصورها أظهرَ لك.

خذ مثلًا:

إن الْعلماء يحسُبون لك أن سرعة ذبذبات الصوت قد تصل إِلَى نصف مليون ذبذبة فِي الثانية الواحدة، وهذا ثابت عَنْدهم ثبوتًا عقليًا علميًا قاطعًا لا ريب فِيه؛ ولَكِن أَتُراهم يستطيعون تصور حصول هذا العدد الهائل من الذبذبات فِي ثانية واحدة؟!

جرب أنت؛ هل تستطيع أن تتصور مهما أجهدت خيالك حصول ألف ذبذبة فِي الثانية؟! فضلًا عَنْ مائة ألف؟! فضلًا عَنْ نصف مليونِ ذبذبة فِي الثانية؟!

ولَكِنَّ هذا الشيء الَّذِي تعجز أنت والْعلماء عَنْ تصوره هو أمر واقع لا ريب فِيه؛ فبأي شيء عرفوه؟

إنهم عرفوه عَنْ طريق التعقل بالحساب.

فالآن نفهم أن التصور غير التعقل، وأن العبرة لقدرة العقل على التعقل، ولا عبرة لعجز العقل عَن التصور، وهذا معنى قول الْعلماء: إن الخلق من العدم يمكن تعقله؛ ولو كَانَ الإنسان يستبعده أو يَكِلَّ أو يعجز عَنْ تصوره.

فهذا هو المراد من أحجية الورقة المقطعة وما تلاها من هذه الأمثلة؛ من أجل أن يصل الإنسان إِلَى هذه القناعة العقلية، من أَنَّهُ يفرق بين التصور والتعقل؛ لنصل فِي النهاية إِلَى أن الخلق من العدم يمكن تعقله، ولَكِنْ العقل الإنساني مع إثباته عقلًا؛ فإنه يكل أو يعجز عَنْ تصوره؛ فلا عبرة لكلال العقل عن التصور، والعبرة بماذا؟

العبرة بإثبات ذلك بالطريقة العقلية.

فالعبرة بالتعقل، لا بالتصور.

إذن؛ الَّذِينَ يَقُولون: إننا يمكن أن نثبت عقلًا -والعقل لا ينفي ذَلِكَ- أن هذا الكون وجد من العدم.

يقولون: هذا يمكن عقلًا؛ ولَكِننا لا نتصوره.

نقول: لا عبرة لنا بتصوركم هذا.

لا نعتبره، ولا نلتفت إِلَيْهِ؛ للحقيقة التي مر ذكرها من أن العقل يثبت كثيرًا من الأمور يتعقلها، ويكل ويعجز فِي الوقت نفسه عَنْ تصورها.

هذه مقدمة من المقدمات، وتليها هذه المقدمة بحول رب الأرض والسماوات، وهي في أقسام المعلوم:

فالمباحث التي يَقُول عَنْها الْعلماء: الإلهيات، والنبوات، والسمعيات: تتضمن أحكامًا كثيرة فِيما يتعلق بالوجود والجواز والاستحالة؛ كقولنا مثلًا بأن وُجُود الله واجب، وأن وُجُود شريك له أمر مستحيل، وكقولنا بجواز فعله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لكل ممكن وتركه، وكحكمنا على الأنبياء باستحالة وقوع الكبائر منهم، وجواز المرض والموت فِي حقهم.

فمن الضروري إِذَا ما تعرضنا لهذه المسألة التي نحن بصدد التعرض بحول الله وقوته لها أن نعرف هذه الأحكام، وهي: الوجوب، والجواز، والاستحالة؛ لنعرف ما هو الواجب لذاته؟

وما هو الممكن؟

وما هو المستحيل؟

الأمور المعلومة تنقسم إِلَى مستحيل وواجب وممكن.

فهذه أقسام المعلوم.

فأقسام المعلوم ثلاثة: المستحيل، والواجب، والممكن.

فجميع الأمور التي نعلمها أو يمكن أن يتعلق بها علمنا تنقسم من حيث النظرُ إِلَى وُجُودها إِلَى ثلاثة أقسام:

الأول: مستحيل الوجود لذاته.

الثاني: واجب الوجود لذاته.

الثالث: ممكن الوجود لذاته.

وأما تعريف المستحيل لذاته ومثاله:

فالمستحيل لذاته هو: ما كَانَ عدمه لذاته من حيث هي.

أي: ما تقتضي ذاته العدم دائمًا بحيث لا تقبل الثبوت أصلًا، وذَلِكَ إِذَا نظرنا إِلَيْهِا دون اعتبار أمر خارجي عَنْها.

ومثال ذَلِكَ: اجتماع النقيضين؛ كالوجود والعدم، والحركة والسكون فِي شيء واحد، بأن يكون الشيء موجودًا معدومًا فِي آن واحد، أو متحركًا ساكنًا فِي آن واحد، فهذا مستحيل.

فاجتماع النقيضين مستحيل لذاته، فالشيء لا يمكن أن يكون موجودًا معدومًا، أو متحركًا ساكنًا فِي وقت واحد.

وكذلك من أمثلة المستحيل لذاته: وُجُود شريك لله -جَلَّ وَعَلَا-.

فهذا مستحيل.

فكل هذه الأمور يحكم العقل باستحالة وُجُودها بداهة أو عَنْ طريق الدليل إِذَا نظر إِلَيْهِا فِي حد ذاتها.

فهذا تعريف المستحيل لذاته، وهذا مثاله.

وأما الواجب لذاته ومثاله:

فالواجب لذاته هو: ما كَانَ وُجُوده لذاته من حيث هي.

المستحيل لذاته: ما كَانَ عدمه لذاته من حيث هي.

الواجب لذاته: ما كَانَ وُجُوده لذاته من حيث هي.

 أي: ما تقتضي ذاته الوجود دائمًا بحيث لا تقبل العدم أصلًا، وذَلِكَ إِذَا نظرنا إِلَيْهِا دون أمر خارجي عَنْها نعتبره.

مثال ذَلِكَ: وُجُود الله تعالى، ومنه: أخذ الجسم قدرًا من الفراغ.

أخذ الجسم قدرًا من الفراغ؛ هذا واجب لذاته.

فلا بد للجسم أن يشغل قدرًا من الفراغ.

وكذَلِكَ ثبوت الزوجية للعدد «أربعة»(4) مثلًا: فإننا نحكم بضرورة احتلال أي جسم من لأجسام قدرًا من الفراغ مهما صغر، يتحقق فِيه وُجُوده، وإلا لما كَانَ جسمًا موجودًا، وكذَلِكَ نحكم بضرورة كون العدد (4) عددًا زوجيًا، لا فرديًا بمجرد تصوره؛ وإلا لما كَانَ هو نفس ذَلِكَ العدد؛ بل كَانَ إما ثلاثةً أو خمسةً أو غيرَهما من الأعداد الفردية؛ ولَكِن لا بد من إثبات الزوجية له.

من أمثلة الواجب لذاته: تقدم الأب على ابنه فِي الوجود، وكون الكل أكبرَ من الجزء؛ فإن هذه أمور يحكم العقل بوجودها وبوجوبها بداهة، أو عَنْ طريق الدليل بمجرد النظر إِلَيْهِا فِي ذاتها.

وأما الممكن لذاته ومثاله:

فالممكن لذاته هو: ما لا وُجُود ولا عدم لذاته من حيث هي.

أي: ما لا تقتضي ذاته الوجود أو العدم.

وذَلِكَ إِذَا نظرنا إِلَيْهِا دون اعتبار أمر خارجي عَنْها، فإذا وجد؛ فلأن غيره أعطاه الوجود؛ لأن وُجُوده ليس من ذاته، وهو يستوي فِي حقه الوجود والعدم، فما دام يستوي فِي حقه الوجود والعدم؛ فإذا وجد؛ فلا بد من موجد له، وإذا وجد ثم عدم؛ فلا بد أن يكون هُنَالِكَ من أعدمه.

إذا عدم أَيْضًا؛ فلعدم سبب وُجُوده، وإذا وجد؛ فلأن غيره أعطاه الوجود.

مثال ذَلِكَ: جميع الكائنات التي نراها أمامنا من الحيوانات والنباتات والجمادات، وكذَلِكَ جميع أحوالها؛ كنزول الأمطار، وهبوب الرياح، إِلَى غير ذَلِكَ من هذه الأمور التي تقع فِي هذا العالم.

فكلها ممكنة تحتاج إِلَى موجد لها؛ لِأَنَّهُا يستوي فِي حقها الوجود والعدم، توجد بعد عدم، ثم يلحقها العدم بعد الوجود، فوجودها إِذَن ليس ضروريًا كوجود الواجب؛ وإلا لما عدمت؛ لأن الواجب لا يعدم، وعدمها ليس ضروريًا كعدم المستحيل، وإلا لما وجدت؛ لأن المستحيل لا يوجد؛ بل كل واحد من الوجود والعدم جائزان فِي حقها من حيث النظر ل........«كلمة غير واضحة»، وهذا هو معنى إمكانها.

هذه المقدمة مهمة جدًا، وستجدها إن شاء الله تبارك وتعالى في شرح العلامة ابن عثيمين على «السَّفَّارينية»، في آخر شرحه على «السَّفَّارينية»، فأتى بهذه الأقسام – وهي أقسام المعلوم -، وميز بين الواجب لذاته والواجب لغيره، والمستحيل لذاته والمستحيل لغيره، كما مر ذكر ذلك في شرح العلامة ابن عثيمين على «السَّفَّارينية».

قد يصير الممكن لذاته واجبًا لغيره، وذَلِكَ إِذَا اقتضى ذَلِكَ الغير وُجُوده بالضرورة؛ كما إِذَا أراد الله وُجُود إنسان، فإن وُجُوده يكون واجبًا لذاته، لا يكون حينئذ واجبًا لذاته؛ بل واجبًا لغيره، وهو تعلق إرادة الله به؛ لِأَنَّهُ مادام أراد وُجُوده؛ فلا بد أن يوجد؛ ولَكِن هو ممكن فِي الْحَقيقة؛ لِأَنَّهُ استوى فِي حقه الوجود والعدم، كان معدومًا فأراد الله وجوده، فلما أراد الله وُجُود ذَلِكَ الإنسان؛ صار وُجُوده واجبًا، لا لذته؛ لِأَنَّهُ كَانَ معدومًا، والواجب لذاته لا يكون معدومًا، وإنما يكون حينئذ وُجُوده واجبًا لغيره، وهو تعلق إرادة الله تعالى به.

لِذَلِكَ مر فِي تعريف الواجب: أن وُجُوده لذاته حتى لا يعد منه؛ ما يكون واجبًا لغيره؛ لأن الواجب لغيره - كما مر فِي المثال – من الممكنات.

كذَلِكَ قد يصير الممكن مستحيلًا؛ لَكِن لا لذاته، بل يصير مستحيلًا لغيره إِذَا اقتضى ذَلِكَ الغير عدم وُجُوده بالضرورة؛ كما إِذَا أراد الله عدم إنسان ما فِي وقت معين؛ فإن وُجُوده يكون مستحيلًا، لا لذاته؛ لأَنَّهُ هو نفسه معدوم، ولَكِن لغيره، وهو تعلق إرادة الله تبارك وتعالى  بعدمه، فيكون مستحيلًا لغيره، لا مستحيلًا لذاته؛ لأن هذا تعلقت إرادة الله عز وجل بعدمه، فإذا أراد الله عز وجل إيجاده؛ وُجِدَ.

إذًا هو يقبل الوجود والعدم، فلا يمكن أن يكون مستحيلًا؛ لأن المستحيل لا يقبل الوجود أصلًا، كما أن الواجب لذاته لا يقبل العدم أصلًا.

لِذَلِكَ مر فِي تعريف المستحيل أن عدمه لذاته؛ حتى لا يعد منه ما يكون مستحيلًا لغيره؛ لأن المستحيل لغيره من الممكنات.

إذا كنا قد اعتبرنا المستحيل من قبيل الأمور المعلومة؛ لأننا بدأنا بذكر أقسام المعلوم، فقلنا: الواجب لذاته، والممكن لذاته، والمستحيل لذاته؛ بل إن أقسام المعلوم – كما مر – بدأ ذكر المستحيل لذاته في أولها.

إذا كنا قد اعتبرنا المستحيل من قبيل الأمور المعلومة؛ فليس ذَلِكَ على سبيل الْحَقيقة، وإنما على سبيل المجاز، فكل صورة ذهنية لا بد وأن تكون صورة مطابقة لأمر موجود فِي الخارج، ولما كَانَ المستحيل لا يوجد أبدًا؛ فإنه لا يمكن أن تكون له صورة ذهنية، ولا أن يعد من الأمر المعلومة حقيقة، وإنما المراد باعتباره من الأمور المعلومة، وأنه من أقسام المعلوم: أن العقل فرض له مثالًا؛ ليتوصل بذَلِكَ الفَرْض إِلَى الحكم عليه بالاستحالة؛ لأنك لا يمكن أن تتصور فِي الأمور المعلومة أن الشيء يكون موجودًا معدومًا فِي آن، أو أن يكون متحركًا ساكنًا فِي آن، هذا ليس له وُجُود، ولا يمكن أن تفرض له صورة معلومة فِي الذهن؛ أن يكون موجودًا معدومًا في آن واحد، وأن يكون متحركًا ساكنًا في آن واحد؛ فلماذا قلنا: إنَّهُ من أقسام المعلوم؟

لأن العقل فرض له مثالًا؛ ليتوصل بذَلِكَ الفرض إِلَى الحكم عليه بالاستحالة.

فالعقل لا يتصور آلة متحركة وساكنة معًا؛ لأن الواقع لا يوجد فيه ذلك، وإنما يفرض اجتماع الحركة والسكون في آلة معينة؛ ليحكم عليه بالاستحالة.

حكم المستحيل: أَنَّهُ لا يقبل الوجود أصلًا، فالمستحيل لا يقبل الوجود أبدًا؛ بل هو معدوم بالضرورة، فاجتماع الحركة والسكون فِي شيء واحد أو فِي وقت واحد لا يوجد أبدًا.

وكذَلِكَ تقدم الابن على أبيه فِي الوجود لا يتحقق أبدًا.

والدليل على ذَلِكَ: أن العدم لازم من لوازم ذاته وماهيته، لا يفارقها؛ لأننا عرفناه - كما مر - بأنه: ما كَانَ عدمه لذاته، أي: ما تقتضي ذاته العدم دائمًا.

إذًا؛ المستحيل لا يقبل الوجود أبدًا.

وإذا كَانَ العدم لازمًا من لوازم المستحيل؛ فإن المستحيل لو فرض وُجُوده؛ للزم من ذَلِكَ مفارقة العدم له، أي: لم يكن المستحيل معدومًا، وذَلِكَ يؤدي إِلَى كونه غير مستحيل بداهة؛ لأن العدم لازم من لوازم ذاته، فإذا وجد؛ فإنه لا يكون مستحيلًا؛ لأن العدم لازم من لوازم المستحيل؛ فإذا وجد؛ فإن ذلك يؤدي إلى كونه غير مستحيل بداهة. كما تقول: إن التفكير لازم من لوازم حقيقة الإنسان، فلو انتفى لازم تلك الْحَقيقة عَنْها بأن لم يكن مفكرًا؛ لما كَانَ ذَلِكَ الإنسان إنسانًا، فلو انتفى لازم المستحيل عَنْه – وهو العدم – فأصبح موجودًا لا معدومًا؛ للزم كونه غير مستحيل، وكون المستحيل غير مستحيل على ذَلِكَ الفرض – وهو معنى سلب الماهية عَنْ نفسها – أمر باطل، فبطل ما أدى إِلَيْهِ، وهو فرض وُجُوده، وثبت أَنَّهُ لا يقبل الوجود؛ سواء أكان فِي الذهن، أو كَانَ فِي الخارج.

ومنه: وُجُود شريك لله تَبَارَكَ وَتَعَالَى؛ فإن هذا مستحيل لذاته، فهو لا يوجد أبدًا.

فحكم المستحيل: أنه لا يقبل الوجود أبدًا؛ بل هو معدوم بالضرورة.  

وأما الممكن؛ فله أحكام.

المستحيل له حكم واحد، وهو: أنه لا يقبل الوجود أبدًا؛ بل هو معدوم بالضرورة.  

وأما الممكن؛ فله أحكام.

الممكن لذاته – كما مر في تعريفه -: ما لا تقتضي ذاته وجودًا ولا عدمًا؛ بل وجوده وعدمه من غيره؛ ككل ما تراه من هذه المخلوقات السماوية والأرضية، فكل ذلك ممكن، يستوي في حقه الوجود والعدم، ووجوده وعدمه لا من نفسه، وإنما من غيره، لا من ذاته، وإنما من غيره.

فما لا تقتضي ذاته وجودًا ولا عدمًا فهو الممكن.

بناءً على هذا التعريف للممكن؛ ثبتت له الأحكام الآتية:

حاجته إِلَى السبب فِي وُجُوده وعدمه.

الشيء الممكن؛ حيوانًا، أو نباتًا، أو جمادًا يحتاج بالضرورة إِلَى سبب فِي وُجُوده إِذَا وجد، وإِلَى سبب فِي عدمه إذا كان معدومًا أصلًا، أو طرأ عليه العدم بعد الوجود.

الدليل على ذَلِكَ: أن كلًا من وُجُود الممكن وعدمه ليسا لذاته؛ بل لغيره، وأن ذاته لا تستلزم أحدهما بالضرورة دون الآخر؛ بل تارة تكون ذاته موجودة، وتارة تكون معدومة، كما سبق فِي تعريفه.

فالوجود والعدم متساويان بالنسبة لذاته فِي جوازهما عليه – أي: على الممكن -.

هذا مهم جدا؛ لأن الممكن إِذَا كَانَ وُجُوده ليس من ذاته، وكانت هذه الأشياء كلها ممكنة بمعنى أَنَّهُا حادثة، وجدت بعد أن لم تكن، وتصير إِلَى العدم بعد الوجود؛ فيأتي السؤال: فمن الَّذِي أعطاها الوجود؟! لأن وُجُودها ليس من ذاتها؛ فلا بد من أن هُنَالِكَ من أعطاها الوجود.

وهذه المقدمة مهمة جدًا فِي إثبات وُجُود الخَالِق الْعَظِيم سبحانه عَنْد مناظرة الْمُلْحِدِينَ وغيرهم من الشكاكين؛ وإلا فإننا لا نحتاج إِلَى مثل هذا؛ لأن الله جعل الفطرة الإنسانية مقرة بوجود خالقها وباريها ومنشيها؛ ولَكِن هذا كله إنما نأتي به؛ لأننا نرد على الْمُلْحِدِينَ، لأننا نرد على الماديين، على الدهريين، على الشكاكين الَّذِينَ يشككون فِي وُجُود الخَالِق الْعَظِيم.

فنقول لهم: هذه أقسام المعلوم: مستحيل لذاته، واجب لذاته، ممكن لذاته.

والعقل لا يمكن أن يأتي برابع.

ثم يقال لهم: انظروا إِلَى هذا الخلق جميعِه وإِلَى أنفسكم، فأنتم وجدتم بعد أن لم تكونوا موجودين، ثم تصيرون إِلَى العدم بعد الوجود؛ فمن الَّذِي أعطاكم الوجود؟!

وكذلك هذا الخلق.

لو وجد شيء ممكن يستوي فِي حقه الوجود والعدم بلا سبب يرجح وُجُوده على عدمه؛ للزم رجحان أحد المتساويين، وهو الوجود على العدم، فيكون ترجيحًا بلا مرجح.

يعني: إِذَا وجد شيء ممكن كَانَ معدومًا فوجد، فإذا قيل: إنَّهُ وجد بلا سبب، هكذا وجد بلا سبب؛ فإننا حينئذ نقول: لقد رجحتم أحد المتساويين بلا مرجح، وهذا يرفضه العقل.

لو وجد شيء ممكن بلا سبب يرجح وجوده على عدمه؛ لأن الممكن يستوي في حقه الوجود والعدم، فلو وجد من غير سبب أوجده؛ فإننا حينئذ نكون قد رجحنا أحد المتساويين – وهو الوجود – على العدم – وهو مساوٍ له بالنسبة للممكن- رجحناه بلا مرجح، وذلك باطل؛ لِأَنَّهُ يقتضي كونهما غير متساويين، وأن الوجود أرجح من العدم؛ لِأَنَّهُ وجد بلا سبب!!

بينما فِي التعريف رأينا أن الممكن تساوى الوجودُ والعدمُ بالنسبة لذاته.

وكذَلِكَ تقول: إِذَا عدم شيء ممكن بلا سبب يرجح عدمه على وُجُوده؛ للزم رجحان أحد المتساويين – وهو العدم، فقد رجحناه على مساويه، وهو الوجود بالنسبة للممكن – بلا مرجح، وهذا باطل؛ لِأَنَّهُ يقتضي كونهما – يعني الوجود والعدم – غير متساويين؛ لأننا رجحنا أحدهما على الآخر وهما متساويان!!

فلا يمكن أن يرجح أحد المتساويين على الآخر إلا بمرجح، وهاهنا رجحنا بلا مرجح، وقلنا: هكذا! هو عدم بلا سبب!!

هكذا! وجد بلا سبب!!    

فنكون قد رجحنا أحد المتساويين على الآخر، ومعنى ذلك أنهما ليسا بمتساويين؛ مع أنه مر أن الممكن يستوي في حقه الوجود والعدم، فيكون هذا ترجيحًا لأحد المتساويين على الآخر بلا مرجح، وهذا باطل عقلًا.

ويقتضي أن العدم أرجح من الوجود بالنسبة للممكن الَّذِي عدمه من غير سبب، بينما رأينا فِي تعريف الممكن تساوي الوجود والعدم بالنسبة لذاته.

فلو وجد شيء ممكن بلا سبب، أو عدم بلا سبب؛ للزم رجحان أحد المتساويين – وهما: الوجود والعدم – بلا مرجح، ولكانا بذلك غير متساويين كما مر، وفي ذَلِكَ جمع بين النقيضين - وهما: التساوي وعدم التساوي - فِي شيء واحد، واجتماع النقيضين باطل؛ فلا بد إِذًَا من السبب فِي وُجُود الممكن وعدمه.

وهذه المقدمة تكفي وحدها للرد على الْمُلْحِدِينَ، من أن هذا الذي ترونه في كون الله تبارك وتعالى، في هذا الكون الذي لا تعترفون بخالقه؛ هذا كله ليس أصيلًا في الكون؛ فإنه يوجد بعد عدم، ثم يصير إلى العدم من بعد الوجود.

أنتم ترونه.

في كل ما ترونه؛ في السحاب الذي ينشأ، ثم بعد ذلك يفنى بهطول الأمطار، فيصير ماء، إلى غير ذلك من الزروع والحيوانات والنباتات؛ بل هم أنفسهم وجدوا بعد أن لم يكونوا موجودين، ثم يصيرون حتمًا، ولا يمكن أن يدفعوا حتمية الصيرورة إلى الموت؛ فما من إنسان أبدًا إلا وهو يقر بحتمية صيرورته إلى الموت.

هذا لا يماري فيه أحد.

الكل يعلم أنه سيموت يقينًا.

فيقال لهم: من أين؟!

لقد وُجدتم بعد عدم، وتصيرون إلى العدم من بعد الوجود؛ فمن الذي أعطاكم الوجود؟!!

لا يمكن أن يقال حينئذ: هذا كان بلا سبب!!

فإنه يقال حينئذ: تناقضتم؛ لأن وجودكم من بعد العدم، وصيرورتكم إلى العدم من بعد الوجود تجعل الوجود والعدم على التساوي بالنسبة لذواتكم، فإذا رجحتم أحد المتساويين بلا مرجح؛ فمعنى ذلك أنهما ليسا بمتساويين!!

إذًا؛ لقد وقعتم في التناقض العقلي ما دمتم تُعْمِلُون عقولكم، وتنفون وجود الخالق العظيم بهذه العقول التي آتاكم الله تبارك وتعالى إياها، فجعلتموها أحذية في أقدامكم، ولم تجعلوها فيما خلقت له!!

بسط القول فِي إبطال رجحان أحد المتساويين بلا مرجح، وأن ذَلِكَ إنما كَانَ لاستلزامه اجتماع النقيضين كما مر، بسط القول فِي ذَلِكَ؛ لحاجتنا إِلَيْهِ فِي الأحكام الآتية، بحيث يكتفى فِي ذَلِكَ بما مر ذكره هنا عَنْ إعادة القول فِيه فِيما بعد.

إذًا؛ أول أحكام الممكن: حاجة الممكن إلى السبب في وجوده وعدمه.

الحكم الثاني: حدوثه «حدوث الممكن»:

كل شيء من الممكنات الموجودة حادث.

ومعنى كون الممكن حادثًا: أَنَّهُ وجد بعد أن كَانَ معدومًا، فحدوث الشيء: وُجُوده بعد عدمه؛ لأنك ستجد هذا الكلام كثير الدوران على لسان العلماء من سلفنا الصالحين؛ كشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وغيرهما من علماءنا المتقدمين.

ستجد كلمة «الحدوث»، وأن هذه المخلوقات حادثة، وأن الحدوث وقع، إِلَى غير ذَلِكَ.

فمعنى كون الممكن حادثًا: أَنَّهُ وجد بعد أن كَانَ معدومًا، فحدوث الشيء هو وُجُوده بعد العدم.

فأنت والكتاب والقلم الَّذِي فِي يدك، والورقة التي تكتب عليها، وكل ما تراه من الأمور؛ كل هذه الأشياء حادثة؛ لِأَنَّهُا وجدت بعد أن لم تكن موجودة.

والدليل على حدوث الممكنات ينبني على مقدمة لا بد من بيانها أولًا.

هذه المقدمة هي: أننا قد مر فِي الحكم السابق تقرير حاجة الممكنات إِلَى السبب فِي وُجُودها وعدمها، فلو وجد أمر ممكن؛ فإما أن يوجد قبل وُجُود سببه.

الممكن لا بد له من سبب في وجوده، وفي عدمه.

لو وجد شيء ممكن قبل وجود سببه؛ فهذا احتمال.

أو أن يوجد مع سببه، فيوجد السبب والممكن معًا، أن يوجد الممكن بعد وُجُود السبب.

فهذه هي الاحتمالات العقلية.

الممكن يحتاج إلى سبب في وجوده – كما مر -.

هذا السبب إما أن يكون متأخرًا عن وجود الممكن الذي هو المسبَّب؛ فيكون السبب قد تأخر عن المسبَّب، وإما أن يوجد السبب والمسبَّب معًا في آنٍ واحد، وإما أن يتأخر المسبَّب – وهو الممكن – عن وجود السبب، فيوجد السبب أولًا، ثم يوجد المسبَّب بعد ذلك.

هذه الثلاثة فروض.

الفرض الأول: وهو وُجُود الشيء الممكن قبل وُجُود سببه.

هذا باطل؛ لأن الممكن محتاج إِلَى السبب فِي وُجُوده، وهذا الفرض يؤدي إِلَى تقدم الشيء المحتاج – وهو الممكن – على المحتاج إِلَيْهِ فِي الوجود – وهو السبب -، وفي ذَلِكَ إبطال لحاجة الممكن إِلَى السبب فِي وُجُوده ما دام قد وجد قبل سببه.

إِذًا؛ هو لا يحتاجه!! فقد وجد من دونه!!

وقد مر أن الممكن يحتاج إِلَى السبب فِي وُجُوده؛ لأن حاجة الممكن إِلَى السبب أمر ثابت بالضرورة كما مر.

فتقَدُّمُ الممكنِ على سببه بالوجود فرض باطل. 

الفرض الثاني: وهو وُجُود الممكن مع وُجُود سببه مقارنًا له فِي آن واحد.

وهذا باطل أَيْضًا؛ لماذا؟

لأن وُجُود الممكن مع وُجُود سببه يستلزم تساويَهما فِي رتبة الوجود؛ فقد وجدا معًا، أي: لا يكون لأحدهما على الآخر ميزة فِي وُجُوده ما دام قد وجدا معًا فِي آن واحد، وبذَلِكَ يكون الحكم بأن أحدهما سبب فِي وُجُود الآخر، وعلة مؤثرة فِيه؛ يكون ترجيحًا لأحد المتساويين على الآخر بلا مرجح، وهو باطل كما مر؛ لِأَنَّهُ يستلزم كونهما غير متساويين، وذَلِكَ تناقض.

وإذا كَانَ قد بطل تقدم الممكن على سببه، وبطل مقارنته له فِي الوجود؛ صح الفرض الثالث، وهو: وُجُود الممكن بعد وُجُود سببه؛ فلا بد من تقدم الموجِد على الموجود.

لا بد من تقدم الخَالِق على المخلوق.

فهذا هو ما يراد الوصول إِلَيْهِ.

بناءً على هذه المقدمة – وهي ضرورة وُجُود الممكن بعد وُجُود سببه-؛ يقام الدليل على حدوث الممكن على النحو الآتي:

أن تقدم السبب على الممكن بالوجود يقتضي وُجُود السبب وحده أولًا؛ لأن الممكن يكون معدومًا، فِيوجد سببه أولًا من غيره؛ لِأَنَّهُ لا يمكن أن يقارنه فِي الوجود، فيوجد السبب أولًا، يكون السبب موجودًا، والممكن يكون معدومًا لا وُجُود له، ثم يوجد الممكن بعد ذَلِكَ؛ يوجِده السبب فِي وُجُوده، وعند وُجُود السبب وحده، وقبل أن يوجد الممكن؛ يكون معدومًا، أي: أن وُجُود الممكن يكون مسبوقًا بالعدم عَنْد وُجُود السبب وحده؛ فيكون حينئذ حادثًا، أي: وجد من بعد العدم؛ لأن معنى الشيء الْحَادث - كما مر - هو ما يوجد بعد عدم؛ فكل ممكن حادث؛ فالابن مثلًا يكون معدومًا عَنْد وُجُود أبيه وحده قبل أن ينجبه، ثم إِذَا أنجبه؛ كَانَ وُجُود ذَلِكَ الابن حادثًا؛ لِأَنَّهُ وجد بعد أن لم يكن، وهذا هو معنى الحدوث الثابت فِي كل أمر ممكن.

من أحكام الممكن: عدم حاجة الممكن فِي عدمه إِلَى سبب وُجُودي.

لكل أمر ممكن حالان: حال وُجُوده، وحال عدمه؛ لِأَنَّهُ يستوي فِي حقه الوجود والعدم.

فلكل أمر ممكن حالان: حال وُجُوده، وحال عدمه.

فالممكن الموجود لا بد له فِي وُجُوده من سبب وُجُودي أوجده، أي: لا بد من سبب موجود أوجده، فكل ما تحسه بحواسك من الكائنات الموجودة لا بد وأن يكون سببها موجودًا حتى يعطيها وُجُوده؛ لأن السبب المعدوم لا يكون مصدرًا للوجود، ففاقد الشيء – كما يقال - لا يعطيه، فالذي أعطى هذه الموجودات وُجُودها لا بد أن يكون متصفًا بالوجود.

أيعطيها الوجود وهو معدوم؟!!

فإن الذي أعطى الوجود للموجودات لا بد أن يكون موصوفًا بصفة الوجود.

الممكن المعدوم؛ لا يشترط فِيه أن يكون لعدمه سبب وُجُودي؛ لأن العدم سلب ونفي، والنفي لا يحتاج إِلَى إيجاد؛ بل يكفي فِي عدم الأمر الممكن عدم السبب فِي وُجُوده، وفي حفظ بقائه، أو عدم التأثير فِيه.

مثال ذَلِكَ: أَنَّهُ يكفي فِي ظلام حجرتك – وهو عدم النور فِيها - ألا يوجد فِيها من ينيرها، يكفي في ظلام الحجرة ألا يوجد فيها من يضيء المصباح، أو أن يوجد ولا يقومَ بإضاءتها، فينعدم تأثيره فِي إضاءتها، ولا يبقى التيار الكهربائي الحافظ لبقاء نورها.

فيمكن ألا يوجد فِي الحجرة فتبقى مظلمة، ويمكن أن يوجد وينعدم تأثيره، فلا يؤثر فِي إزالة الظلام منها، فيبقى فِي الظلام، يريد أن ينام، فيكون موجودًا؛ ومع ذَلِكَ فإنه لا يُذْهِبُ هذا الظلام، ولا يوجد النور فِي الحجرة.

عدم نور الحجرة يكفي فِيه عدمُ وُجُود أحد فِيها، أو عدم تأثيره بإضاءتها، أو عدم التيار الكهربائي الحافظ لبقاء نورها.

فالعدم لا يحتاج إلا إِلَى عدم مثله؛ وبذَلِكَ يتحقق ما مَرَّ: أن الممكن لا يحتاج فِي عدمه إِلَى سبب وُجُودي؛ بل يكفي فِيه السبب العدمي.

أو بتعبير آخر: يكفي فِيه عدم وُجُود سببه، أو عدم تأثير ذَلِكَ السبب فِيه، فيكون معدومًا مع وُجُود السبب الَّذِي يمكن أن يوجده؛ ولَكِنه لا يؤثر فِيه بالوجود. 

هو يكون معدومًا مع وجود السبب الذي يمكن أن يوجده؛ ولكنه لا يؤثر في هذا المعدوم بالوجود؛ كالظلام الذي يكون في الحجرة، فالنور معدوم فيها.

قد تكون أنت موجودًا في الحجرة؛ ولكنك لا تؤثر فيها بإضاءة المصباح مع قدرتك على ذلك، وقد لا يوجد فيها أحد.

إذًا؛ من أحكام الممكن: عدم حاجته فِي عدمه إِلَى سبب وُجُودي.

من أحكام الممكن: حاجته إِلَى السبب فِي بقائه؛ فكما أن الممكن يحتاج إِلَى السبب فِي ابتداء وُجُوده؛ فهو كذَلِكَ يحتاج إِلَى السبب فِي حفظ بقائه موجودًا.

والدليل على ذَلِكَ: أن الممكن لا تقتضي ذاته الوجود أو العدم، ومن ثم؛ لا يرجح لها – أي لذاته – الوجود على العدم من حيث هي؛ بل لا بد فِي وُجُود الممكن إِذَا وجد من سبب خارجي يرجح وُجُود ذَلِكَ الممكن على عدمه، فحاجة الممكن إِلَى السبب فِي وُجُوده لازم من لوازم حقيقة الإمكان، لا ينفك عَنْها فِي أي حال من الأحوال طالما كَانَ موجودًا؛ سواء كَانَ فِي ابتداء وُجُوده، أو فِي بقائه؛ لِأَنَّهُ يستمد وُجُوده من غيره؛ فلا بد من استمرار سبب وُجُوده، فهو يحتاج إِلَى موجِدٍ فِي ابتداء وُجُوده.

هذا الكون كله كَانَ معدومًا، الله رب العالمين أوجده، وهو الخالق سبحانه وتعالى، فأوجد هذه المخلوقات كلها من العدم.

هذا أمر عقلي يثبته العقل.

العقل يثبت أن الموجود يمكن أن يكون موجودًا من عدم - كما مر -؛ ولَكِن العقل لا يتصوره، وكما مر أننا لا نعتبر التصور عَنْد وُجُود التعقل، فنحن نتعقل الشيء فِي كثير من الأحيان، ولا نستطيع تصوره.

كان معدومًا فأوجده الله، إِذًَا؛ السبب فِي وُجُوده الَّذِي أعطاه الوجود هو الله، وهو محتاج – أي هذا الوجود – إِلَى من يمده فِي حال كونه موجودًا بالوجود طالما ظل موجودًا؛ لأن وُجُوده ليس من نفسه، وهذا فِيه رد على الْفَلَاسِفَة الَّذِينَ مر ذكر بعض أقوالهم؛ من أن الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى خلق هذا الخلق، ثم تركه وانشغل بالمثاليات، فيثبتون خالقًا خلق الخلق، ثم أهمله.

فيقال: لا؛ لأن وُجُود هذا الموجود الَّذِي كَانَ معدومًا، يستمد هذا الموجود وُجُوده ممن أوجده، ممن ابتدأ إيجاده، ثم هو بحاجة إِلَيْهِ فِي استمرار وُجُوده. 

فحاجة الممكن إِلَى السبب فِي وُجُوده لازم من لوازم حقيقة الإمكان، لا ينفك عَنْها فِي أي حال من أحوال وجوده؛ سواء كَانَ فِي ابتداء وُجُوده، أو فِي بقائه؛ فنحن نصف أي كائن أمامنا بأنه ممكن موجود؛ لِأَنَّهُ أمامنا، إِذًَا له وُجُود، فهو ممكن؛ لأنه وجد من بعد أن لم يكن موجودًا، فهو ممكن وحادث أَيْضًا، ثم هو موجود؛ فنصفه ما دام أمامنا بأنه ممكن موجود، فنحكم بحاجته إِلَى السبب عِنْد ابتداء وُجُوده؛ لأن وُجُوده لا لذاته كما مر فِي تعريف الممكن، وجوده ليس من ذاته، وإنما وُجُوده من غيره، ثم نصفه فِي اللحظة الثانية والثالثة والرابعة إِلَى آخر أوقات بقائه بأنه موجود كذَلِكَ.

ومن هنا يجب علينا أن نثبت حاجته إِلَى السبب فِي كونه موجودًا لحظة بعد أخرى - أي فِي بقائه -؛ لما مر ذكره من أن وُجُوده ليس لذاته، بل لغيره باعتباره أمرًا ممكنًا يستوي فِي حقه الوجود والعدم، فوجوده ليس من ذاته، وإنما من غيره، فأعطاه الوجود ابتداء، وهو – أي هذا الموجود – بحاجة إِلَى السبب الَّذِي أوجده فِي استمرار وُجُوده، وهو ما يراد إثباته من حاجة الممكن فِي بقائه موجودًا إِلَى السبب، كحاجته إِلَيْهِ فِي ابتداء وُجُوده.

فالله عز وجل هو الحي، وهو الباقي سبحانه وتعالى، وهو الذي أعطى الوجود وجوده، فهو الخالق سبحانه وتعالى، وهو البارئ الذي برأ هذا الخلق كله وأبدعه، فهو البديع، بديع السماوات والأرض، فأنشأ هذا الكون كله، وخلق هذه المخلوقات كلها من علوية وسفلية؛ لا على مثال سابق، وإنما أبدعها الله رب العالمين وأنشأها وبراها من العدم، فهي تحتاج وجوده سبحانه وتعالى في ابتداء وجودها؛ لأن وجودها منه، هو الذي أوجدها، ثم هي محتاجة إلى وجوده سبحانه وتعالى في استمرار وجودها؛ لأن وجودها منه جل وعلا.

ما هي حقيقة السبب؟

وما الفرق بين السبب والشرط والْمُعِدّ؟

معنى السبب الْحَقيقي الَّذِي أثبتنا حاجة الممكن إِلَيْهِ فِي أحكامه السابقة: هو منشأ الإيجاد، ومعطي الوجود.

قد يعبرون عَنْه بالموجد، أو بالعلة الموجدة، أو بالعلة الفاعلة، أو بالفاعل الْحَقيقي، إِلَى غير ذَلِكَ من الجمل التي تختلف صيغها، ولا تختلف معانيها.

قد يطلق السبب أحيانًا إطلاقًا مجازيًا على الشرط أو المعد، ومما يتوقف عليه وُجُود الممكن: الشرط أو المعد؛ وإن كَانَ بين هذه الثلاثة فرق فِي الْحَقيقة.  

فعندنا الآن ثلاثة مصطلحات: السبب، والشرط، والمعد.

وقبل أن نبين المقارنة بين السبب الْحَقيقي من جانب، والشرط والمعد من جانب آخر؛ نسوق لكل من هذين الأخيرين – للشرط وللمعد - مثاله، ونذكر حكمه، بحيث يتضح الفرق بينه وبين غيره.

فمثال الشرط: البَنَّاء فِي بناء البيت، فالبناء لا يعطي الوجود للبيت الَّذِي يبنيه، إذ لا يخلق مواد بنائه؛ ولَكِنه حسب ما أودع الله فِي الكون من سننٍ شرطٌ في بناء البيت، شرط لا بد منه فِي بناء البيت؛ وذَلِكَ بما يرسم فِي عقله لِذَلِكَ البيت من صورة، وما يبذل فِي بنائه من حركات خاصة تتعلق بالبناء، فهو شرط فِي وُجُود هذا البيت؛ ولَكِنه لم يعطه وُجُوده، ومع ذَلِكَ فوجود البيت متوقف على هذا الشرط، فالبيت يحتاج إِلَى البَنَّاء فِي وُجُوده؛ ولَكِنه يستغني عَنْه فِي بقائه، فقد يموت البناء ويبقى البيت بعده.

فالشرط يكون ضروريًا فِي وُجُود المشروط؛ ولَكِنه لا يكون لازمًا لوجوده؛ كالبناء، هو شرط لوجود البناء؛ ولكنه يبني البيت ثم يموت، ويبقى البيت بعده ربما قرونًا، فهو لا يحتاج في وجوده إلى وجود شرطه، وإنما أوجده ثم مات.

وأما المعد؛ فمثاله: الخطوة الأولى، فإنها تعد وتهيأ لوجود الخطوة الثانية، بحيث لا يمكن أن تكون هُنَاكَ خطوة ثانية من باء إِلَى جيم إلا إِذَا سبقتها خطوة أولى من ألف إِلَى باء، وهي بهذا الاعتبار تسمى معدًا؛ لِأَنَّهُا تعد للخطوة التي تليها، فإذا فرضنا مثلًا ثلاث نقاط: أَلِف «أ»، وباء «ب»، وجيم «ج».

الخطوة من «ب» إِلَى «ج» لا بد أن تكون لاحقة للخطوة من «أ» إِلَى «ب»، فتكون الخطوة الأولى من «أ» إِلَى «ب» معدة للخطوة التي تليها من «ب» إِلَى «ج»، فهي بهذا الاعتبار تسمى معدًا.

إذا كَانَ الشيء الممكن يتوقف فِي وُجُوده على وُجُود الشرط فقط؛ فإنه يتوقف على وُجُود المعد، ثم يتوقف على عدمه، فالمعد يوجَد، ثم يعدم – يعني يفنى -.

الخطوة الثانية تتوقف على وُجُود الخطوة الأولى أولًا، ثم على انتهاء تلك الخطوة الأولى وعدمها؛ ليبدأ السائر فِي الخطوة الثانية؛ وإلا لما وجدت تلك الخطوة الثانية، فإنها لا توجد إلا بعد فناء الأولى.

أما إِذَا ظل فِي الخطوة الأولى؛ فلا يمكن أن يدخل على الخطوة الثانية.

لا بد من انقضاء وانتهاء وعدم الخطوة الأولى – وهي المعد للخطوة الثانية -.

فهذا هو الفرق بين الشرط والمعد.

أما الفرق بين الشرط والمعد من جانب، والسبب الْحَقيقي من جانب آخر:

فالسبب الْحَقيقي: هو الَّذِي يسبق الممكن بالوجود، ثم يعطيه إياه، ويكون ذَلِكَ الممكن مستفيدًا لوجوده من سببه، وذَلِكَ المعنى لا يتحقق فِي الشرط؛ لأن البَنَّاءَ مثلًا ليس هو الَّذِي أوجد مواد البناء، ولا يتحقق أَيْضًا فِي المعد؛ لأن الخطوة الأولى ليست هي التي أوجدت الخطوة الثانية؛ بل أوجدهما معًا غيرُهما، ولأن الخطوة الأولى لو كَانَت هي السبب فِي وُجُود الخطوة الثانية لبقيت معها، بينما رأينا أَنَّهُا لا توجد إلا بعد انتهاء الخطوة الأولى.

فإذا كَانَ الشيء يتوقف فِي وُجُوده على الشرط أو المعد؛ فإنه يستفيد الوجود من سببه، يستمد الوجود من السبب.

وهُنَاكَ فرق بين توقف الشيء على غيره، واستفادته الوجود منه:

فِي السبب: الشيء يستفيد الوجود من غيره، يستمد الوجود من غيره.

وأما الشرط، وأما المعد؛ فإن الشيء يتوقف وُجُوده عليه؛ ولَكِنه لا يستمد الوجود منه.

فهذا فرق.  

الفرق الثاني: أن الممكن لا يستغني عَنْ سببه فِي بقائه على أي حال من الأحوال، وذَلِكَ المعنى لا يتحقق فِي الشرط؛ فالبيت يستغني عَن البناء فِي بقائه، إذ يموت البناء ويبقى البناء موجودًا.

ولا يتحقق أَيْضًا هذا فِي المعد؛ بل إن الخطوة الثانية لا تستغني فِي بقاءها عَن الخطوة الأولى فقط؛ بل إنَّهُا لا تتحقق إلا إِذَا انعدمت تلك الخطوة الأولى.

وأما وجه إطلاق السبب على الشرط والمعد إطلاقًا بصورةٍ مَّا مع هذه الفوارق؛ فلأنهما يشبهان السبب فِي توقف الشيء عليهما، وفي سبقهما له بالوجود؛ لأنك ستجد تداخلًا بين هذه الإطلاقات عَنْد كثير من أهل الْعِلْم الَّذِينَ تعرضوا للدهريين، وللفلاسفة، وللمناطقة، ولغير ذَلِكَ من هذه الفئات الضالة والأهواء الجامحة.

مَرَّ معنا الآن فِي هذه المقدمة تعريف أقسام المعلوم الثلاثة؛ وهي: «المستحيل، والواجب، والممكن»، ومر بيان حكمِ كلٍّ مِنْ هذه الأقسام. 

والله المستعان.

وصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آَلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.