!! الحرب بالفواحش

للاستماع للمحاضرة

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّه مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وآله وسلم.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:1].

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:70].

أَمَّا بَعْدُ:

 

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّـهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فإنَّ دينَ الإسلامِ العظيمِ هو دينُ الطَّهَارة، دينُ طهارةِ الباطنِ والظاهرِ على السواء، أَمَرَ اللهُ ربُّ العالمين بطهارةِ القلوبِ والأرواحِ والأنفُسِ، وأمرَ اللهُ ربُّ العالمين بطهارةِ الأبدانِ والثيابِ والأمْكنة، وهو دينُ العِفَّةُ ودينُ العفافُ، ينفي الفاحشةَ ويُحاربها ويَسُدُّ المسالكَ التي تؤدي إليها

{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأعراف: 33].

فحرَّم اللهُ ربُّ العالمين كبائرَ الإثمِ والفواحش كالزنا، واللواط، وإتيان النساء النساء، وما سوى ذلك مما حَرَّمَهُ اللهُ ربُّ العالمين من تلك الفواحشِ التي تتعلقُ بالأبدانِ ظاهرًا، وحرَّمُ اللهُ ربُّ العالمين ما بطنَ من الفواحشِ أيضًا من النفاقِ ومن الحقدِ والحسدِ والغِلِّ والضغينةِ ومِن العُجْبِ ومن محبةِ المَحمدةِ والسُّمعة، وما سوى ذلك مما يتعلق بالقلوب

{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأعراف: 33].

فحرَّمَ اللهُ ربُّ العالمين الفواحش، وسَدَّ اللهُ ربُّ العالمين المسالكَ المؤديةَ إليها، ومعلومٌ أنَّ للوسائلِ حُكْمَ المقاصد سواءً بسواء، فإذا كانت المقاصد مُحرَّمة؛ فإنَّ الوسائلَ التي تؤدي إليها مُحرَّمةُ بلا امتراء، وقد تظاهرت على إثباتِ ذلك نصوصُ الكتابِ والسُّنَّة.

واللهُ ربُّ العالمين أخبرنَا على لسانِ نبيِّنا الأمين –صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- عن عِظَمِ فضيلةِ الحياءِ، وأنَّ اللهَ ربَّ العالمين جعل هذا الخُلُقَ خُلُقَ الإسلام، وخَلَّقَ النبيَّ –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- منه بالنصيبِ الأوفى وجعلَ له فيه القِدْحَ المُعَلَّى، وجعلَهُ –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أحيا الخَلْقِ –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

وجعل اللهُ ربُّ العالمين الحياءَ حاجزًا عن الوقوعِ فيما حرَّمَ اللهُ ربُّ العالمين، وجعلَ الحياءَ من خُلُقِ الملائكةِ المُطَهَّرين.

ففي حديثِ عائشة عند مسلمٍ –رضي الله تبارك وتعالى عنها- و-رحمه الله- أنَّ النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لمَّا دخل عليها في ليلتها؛ فكان على فراشهِ، ثم قام؛ فخرجَ رُويدًا، ثم أجافَ البابَ ثم مضى، فمضت خلفَه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فذهب إلى البقيعِ –بقيعِ الغرقدِ-، فدعا اللهَ ربَّ العالمين طويلًا يستغفرُ لأهلِ البقيع، ثم عاد، فعادت قبلَه.

ثم كان ما كان من القصةِ التي حَكَتْها –رضي الله تبارك وتعالى عنها-، ثم أخبرها النبيُّ –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حقيقةَ الخبر.

فكان مما قال –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((إنَّ جبريلَ قد جاءني فناداني فأخفيتُه منكِ، فأجبتُهُ فأخفيتُه عنكِ، وما كان ليدخلَ عليكِ وقد وضعتِ عنكِ ثيابكِ)).

فأخبر النبيُّ –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنَّ الملائكةَ تستحيي هذا الحياءَ العظيم، وأنَّ جبريلَ وهو مُقَدَّمُ الملائكةِ ما كان ليدخلَ على النبي –صلى الله عليه وسلم- وعائشةُ في فراشِها قد وَضَعَت عنها ثيابَها؛ فاستحيا، فنادى النبيَّ –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- نداءً خَفيًّا، فأجابه النبيُّ –صلى الله عليه وسلم- بمِثْلِ ما ناداهُ به إجابةً خَفيَّة، وكلُّ ذلك لأنَّ النبيَّ –صلى الله عليه وسلم- كان قد ظنَّ أنها قد نامت، وخشيَ –صلى اللهُ عليه وسلم- أنْ تستيقظَ فتستوحشَ إذ يخرجُ عنها –صلى الله عليه وسلم- و-رضي الله عنها-.

فاستحيا جبريلُ وما كان ليدخلَ عليها وقد وضعت عنها ثيابَها، فالملائكةُ يستحيونَ هذا الحياءَ العظيم.

والنبيُّ –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في وصفه في خُلُقِ الحياءِ الذي كان عنده: ((أنه كان أحيَا من العذراءِ في خِدرِها –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-)).

ومن ذلك ما روته عائشةُ أيضًا وهو عند مسلمٍ –رحمهُ الله-: أنَّ امرأةً جاءت تسألُ النبيَّ –صلى الله عليه وسلم- كيف تَتطهرُ من حَيْضِها؟.

فأخبرها النبيُّ –صلى  الله عليه وسلم- عن كيفيةِ طُهرِها، ثم قال: ((خذي فِرسةً مُمسَّكَةً فتتطهري بها))، أي: خذي قطعةً من القُرصفِ –من القطن أو من القماشِ- فاجعلي عليها شيئًا من المِسكِ أو مِن الطِّيبِ ثم تَطَّهري بها.

فقالت: يا رسول الله كيف أتطهرُ بها؟

قال سفيانُ: فوضعَ يدَهُ على وجههِ –صلى الله عليه وسلم- حياءً، وقال: ((سبحان الله، تطَّهري بها)).

قالت عائشةُ –رضي الله عنها-: فَعَرفْتُ مرادَه، فأخذتُ بيدها، فقلت لها: تَتَّبعي بها أثرَ الدَّم.

فاستحيا النبيُّ –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- هذا الحياءَ العظيم، وقد سألتْهُ المرأة: كيف أتطهرُ بها يا رسول الله؟

قالت عائشة: تتبعي بها أثرَ الدمِ.

النبيُّ –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان بهذا الوصف، وأمهات المؤمنين كُنَّ أيضًا على هذا الخُلُقِ العظيم، فهذه عائشةُ، وفي روايةٍ أنها أيضًا وقعت لأمِّ سَلَمَةَ –رضي الله عنهما وعن أمهات المؤمنين-.

وذلك أنَّ أمَّ سُليمٍ جاءت إلى النبيِّ –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فقالت: يا رسول الله، هل على المرأةِ غُسْلٌ إذا هي احتلمت؟

قال: ((نعم، إذا رأت الماءَ)).

فغطَّت أمُّ سَلَمَة وجههَا وقالت: يا رسول الله، وهل تحتلمُ المرأة؟

فقال النبيُّ –صلى الله عليه وسلم-: ((تَرِبَت يَمينُكِ، ففيما يُشبهُها وَلَدُها إذن؟!))

فاستحيت؛ فوضعت يديها على وجهِها حياءً، ثم قالت: يا رسول الله، أوتحتلمُ المرأة؟

فأخبرها –صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم-.

فالملائكةُ على هذا الخُلُقِ العظيم، والنبيُّ الكريم، وأمهات المؤمنين، وكذلك كان الصالحون مِن هذه الأمة وما يزالون على هذا الخُلُقِ العظيم.

والنبيُّ –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يدُلُّنا عليه عندما سُأل: عورَاتُنا ما نُبدي منها وما نُخفي يا رسول الله؟

قال: ((أخفي عورَتك، وَوَارِها إلا عن زوجتِك)).

فقال: إنَّ القومَ يكونون معًا يختلطون.

فقال: ((إنْ استطعتَ ألَّا يرينَّها أحدٌ فلا يرينَّها أحد)).

قال: فالرجلُ يكونُ وحدَه، أفيضعُ عنه ثيابَه.

قال: ((فاللهُ أحقُّ أن يُستحيا منه من الناس)).

فإنْ كنتَ خاليًا؛ فالحياءَ الحياء، ((فاللهُ أحقُّ أن يُستحيا منه من الناس)).

بيَّنَ ذلك نبيُّنا –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وبيَّنَ نصًّا بتحديدٍ في الحديثِ المتفقِ على صحتهِ، قال –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((الإيمان بضعٌ وسبعون –وفي رواية: وستون- شُعبة، أعلاها قولُ: لا إله إلا الله، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطريق، والحياءُ شُعبةٌ مِن الإيمان)).

ورأى النبيُّ –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- رَجُلًا يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ.

فَقَالَ: ((دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ لا يأتِي إلَّا بِخَيْرٍ)).

هذا الخُلُقُ هو خُلُقُ الإسلامِ العظيم، وهو من تلك المسالكِ التي جَعَلَهَا اللهُ ربُّ العالمين مؤديةً إلى العِفَّةِ والعفافِ، وحاجزةً عن الفُحشِ والتَّفَحُّش.

والنبيُّ –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حدَّدَ لنا أمورًا هي:

أنَّ المجتمعَ إذا ما انهارت أخلاقُهُ، وإذا ما سقطت أخلاقُهُ في الحمئةِ الوبيلة، المجتمع إذا ظهرت فيه الفاحشة؛ فَكَبِّر عليه أربعًا، المجتمعُ لا يُحاربُ بِمِثْلِ ما يُحاربُ بنشرِ الفاحشةِ والرذيلةِ بين أبنائِه، وما تَمكَّنَ أعداءُ الإسلامِ في داخلٍ ولا خارجٍ يومًا من المسلمين إلا بالعبثِ بأخلاقِهم وبثِّ النَّزَواتِ والشهواتِ مفتوحةً بمصارعِ أبوابِها أمامَ شهواتِهم ومَلذَّاتِهم.

فإذا انهارت الأخلاقُ؛ انهارَ المجتمعُ لا محالة، وقد عَلِمَ أعداءُ الإسلامِ في داخلٍ وخارج؛ أنهم لن ينالوا بالمواجهةِ العسكريةِ بينهم وبين المسلمين شيئًا ذا بال؛ ولذلك كان التركيزُ كلُّهُ على بَثِّ الشُّبهاتِ بين المسلمين، وعلى إثارةِ نوازعِ العصبيةِ بين أبناءِ الإسلامِ العظيم، وبإثارةِ الشهواتِ وبَعْثِ النَّزَوَاتِ مِن مكامنِها، فإذا انهارت الأخلاقُ؛ انهارَ المجتمعُ لا محالة.

لذلك تجدُ الإسلامَ العظيم أشدَّ حِرْصًا على سَدِّ المَسَالكِ التي تؤدي إلى الوقوعِ في الرذيلةِ والفاحشة؛ مِن كلِّ ما يُمكنُ أنْ يتصورَ المرءُ حاجزًا عن الوقوعِ في ذلك أو مؤديًّا إليه، حتى ضربَ اللهُ ربُّ العالمين لنا الأمثال بأطهرِ القلوبِ على الأرضِ بعد الأنبياءِ والمرسلين.

*فقال ربُّنا -جلَّت قدرتُهُ- في كتابهِ العظيم: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53].

والضمير هاهنا: يعود إلى الأصحابِ –أصحابِ النبيِّ الكريم –صلى اللهُ عليه وسلم- وإلى أُمهاتِ المؤمنين، وإذا سألتم يا أصحابَ مُحمد، {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ} أي: سألتم أمهاتِ المؤمنين {مَتَاعًا} فيما يكونُ مِن أواني الدنيا التي تُستعملُ في حاجاتِها.

{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ}: مِن غيرِ رؤية، وإنما هو سؤالٌ هكذا على صَوتٍ يُسمع وإجابةٍ تأتي بلا مزيد، {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ} يا أصحابَ مُحمد؛ إذا سألتم أمهات المؤمنين؛ إذا سألتم أزواجَ مُحمدٍ الأمين –صلى الله عليه وسلم- و-رضي الله عنهن-، {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا}: وهو الشيءُ من أواني الدنيا وما يُستعملُ فيها، {فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ}، ثم أتى التعليل {ذَٰلِكُمْ}: يعني ذالكم السؤال ُعلى ذلك النحو المذكور؛ بالسؤالِ صوتًا من غيرِ رؤيةٍ ولا دخول، {أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ} يا أصحابَ مُحمد، {وَقُلُوبِهِنَّ} يا أزواجَ النبيِّ الأمين.

فهذه أطهرُ القلوبِ طُرًّا؛ ومع ذلك أمرَ اللهُ ربُّ العالمين عند السؤالِ بهذا الاحترازِ المتين؛ لأنهن قدوة وأسوة لسائرِ النساء، وكذلك أصحابُ النبيِّ –صلى الله عليه وسلم- قدوةٌ وأسوةٌ لسائرِ الرجال من أمةِ مُحمدٍ –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

فإذا كان الله ربُّ العالمين قد أمرَ بهذا أصحابَ النبيِّ –صلى الله عليه وسلم- وأُمهاتِ المؤمنين، فكيف بالرجالِ في الأمةِ بعد الأصحاب؟

وكيف بالنساءِ في الأمةِ بعد أمهاتِ المؤمنين؟

وعقلُ الواحدِ مِن المتأخرينَ وإيمانُه وثباتُهُ ويقينُهُ بالنسبةِ إلى أصحاب النبي الأمين –صلى الله عليه وسلم-، وعقلُ الواحدةِ من النسوةِ من المتأخراتِ والمُتقدَّماتِ بالنسبةِ إلى عقلِ أمهاتِ المؤمنين وإيمانِ أمهاتِ المؤمنين وثباتِ أمهاتِ المؤمنين؛ كتَفلةٍ في بحر، كحبَّةِ رملٍ في فلاة، ومع ذلك يقول الله: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53].

فهذا هذا، فكيف يكونُ الجوابُ حتى لو كان مِن أمهات المؤمنين –رضي الله عنهن-؟

يقولُ ربُّنا –جلَّت قدرته- في حقهنَّ –رضي الله عنهن-: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا} [الأحزاب: 32].

فأخبر اللهُ ربُّ العالمين نساءَ النبي الأمين –صلى الله عليه وسلم- أنهنَّ لسنَ كأحدٍ من النساء إنْ اتقينَ اللهَ –تبارك وتعالى-، فمَقامُهنَّ لا يُمكنُ أنْ يُسامى فضلًا عن أنْ يُسامتَ، فضلًا عن أن يلحقَ بهن أحدٌ من نساءِ الأمة، فهو مقامٌ عالٍ جدًا لا يرتقي إليه واحدةٌ من نساءِ الأمةِ بعد أمهاتِ المؤمنين –رضي الله عنهن-.

{فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ}: باللينِ فيه وترقيقِ النَّبْرةِ، فنهى اللهُ ربُّ العالمين عن الخضوعِ بالقول؛ فيطمع الذي في قلبهِ مرض، كيف يعرفُ الرجلُ أنَّ في قلبهِ مرضًا؟

فإنْ وجدَ عند سماعِ النَّغْمةِ التي تلينُ به المرأة وتُرَقِّقَها شيئًا من الشهوةِ الخفيَّةِ يتحركُ في قلبِهِ؛ ففي قلبِهِ مرض، فالفرارَ الفرار، وإلا تورط تَورُّطًا.

يقول ربُّنا –تبارك وتعالى-{فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ}: فإذا كلمتُنَّ أحدًا من غيرِ المحارمِ؛ فلا تخضعن بالقول، والخضوع بالقول عندما تخضعُ به المرأةُ يأتي في ضِمنهِ اللين؛ ولذلك لم يقُل ربُّنا –تبارك وتعالى- فلا تَلِنَّ بالقولِ، وإنما نهى عن الخضوعِ بالقول، بل مدح اللهُ ربُّ العالمين نبيَّه الكريم –صلى الله عليه وسلم- بلينِ القولِ وباللينِ للمؤمنين: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ} [آل عمران: 159].

وأمَرَ اللهُ ربُّ العالمين هارونَ كما أمرَ موسى الكليم أنْ يذهبا إلى فرعون وأنْ يَعِظَاه وأنْ يُذِّكراهُ وأنْ يدعواهُ إلى توحيدِ ربِّ العالمين، وأنْ يقولا له قولًا ليَّنًا.

فنهى اللهُ ربُّ العالمين عن الخضوعِ بالقولِ وفي ضِمْنهِ اللينُ فيه، ولمَّا كان النهيُ عن الخضوعِ بالقولِ مَظَنَّةَ أنْ يُظَنَّ أنَّ ذلك إنما هو داعٍ إلى الإغلاظِ في القولِ والعُنفِ مع الخشونةِ فيه؛ قال ربُّنا –جلَّت قُدرتُهُ-:  {وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا}.

فأمرَ اللهُ ربُّ العالمين بعدمِ الخضوعِ بالقولِ من النساء، فعلى المرأةِ ألَّا تُرَقِّقَ صوتَها، وألَّا تَلينَ بقولِها، وألّا تخضعَ بالقولِ مع غيرِ محارمِها، فإنَّ ذلك مما نَهَى اللهُ ربُّ العالمين عنه أشرفَ النساءِ طُرًّا، وهُنَّ أزواجُ النبيِّ الكريم –صلى الله عليه وسلم- و-رضيَ اللهُ عنهن-.

وأما الآن؛ فإنك تَرَى النساءَ يخضعنَ بالقولِ مع غيرِ المحارمِ ما لا يفعلن مع المحارم؛ ما لا يفعلن مع زوجٍ -مع زوجٍ له حق-، فيأتي الخضوعُ بالقول: في هاتفٍ يُهاتَفُ به مَنْ لا يَحلُّ أنْ يكونَ الكلامُ معه على هذا النَّحْوِ ولو كان استفتاءً في دينِ ربِّ العالمين، فيا لله كم سُفِحت أعراضٌ وكم انتُهكت، وكم كُشِفَت سوءاتٌ وكم عُرِيَّت؛ مِن أجلِ هذا الخضوع بالقولِ عند غيرِ المحارمِ بمخالفةِ ما أمرَ اللهُ ربُّ العالمين ألَّا يُخالفَ من امرأةٍ لا ينبغي أنْ تخضعَ بالقولِ عند غيرِ الزوجِ.

واللهُ ربُّ العالمين جعلَ هذا الدينَ دين الطُّهْرِ؛ دين الطهارة؛ دين العفافِ والعِفَّة، ينفي الفواحش، ينفي الخَبَث، فمَن تمسكَ به ظاهرًا وباطنًا؛ كان طاهرًا ظاهرًا وباطنًا، فيُطَهِّر القلبَ والروح، ويُطَهِّرُ الجسدَ –يُطَهِّرَ البدن-، يُطَهِّرُ الثيابَ، يُطَهِّرُ المكانَ، والنبيُّ –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- جعلَ الطهارةَ في الأمكنةِ علامةً لهذه الأمة فارقة، فأمرَ بتنظيفِ الأفنية، وقال: ((إنَّ اليهود لا يفعلون))، فجعل ذلك لهذه الأمةِ المرحومة –أمةِ مُحمدٍ –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

حجزَ الإسلامُ العظيم المرءَ المسلمَ عن التَّورطِ في الفاحشةِ إذا أسلمَ المرءُ المسلمُ زمامَهُ للشرعِ الأغَرِّ، وسَدَّ اللهُ ربُّ العالمين بالنصوصِ التي جاءَ بها النبيُّ –صلى اللهُ عليه وسلم- كتابًا وسُنَّة جميعَ المسالكِ التي تؤدي إلى التَّورطِ في الفُحشِ والفاحشة.

القرآنُ العظيم كما رأيتَ في حقِّ أشرفِ النساءِ طُرًّا يأمرُ بهذا الذي مَرَّ ذِكْرُهُ؛ مِن عدمِ رؤيةِ الأبدان: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ}؛ والسائلُ هو مَن هو، والمسئولُ هو مَن هو، ومع ذلك يأتي التعليلُ: {ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53].

ثم إذا ما وقع جوابٌ عن سؤال، فكيف نَغْمَةُ الصَّوت؟ وكيف يكونُ الأداءُ فيه؟

بغيرِ خضوعٍ في القولِ وبغيرِ لينٍ فيه، مع القولِ المعروف مِن غيرِ نُطقٍ بما يَسوء، ولا إغلاظٍ ولا فُحْشٍ فيه، فهذا هو الانضباطُ الأمثل في هذا الأمرِ ضربَهُ اللهُ ربُّ العالمين بأشرفِ النساءِ طُرًّا مِثالًا يُحتذَى لنساءِ الأمة.

والنبيُّ –صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- يقول –كما في حديثِ عُقبة بن عامرٍ –رضي الله عنه-، وهو حديثٌ متفقٌ على صحته، قال عقبة –رضي الله عنه-: قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: ((إياكم والدخولَ على النساء)).

قال: فقال رجلٌ من الأنصارِ: أفرأيتَ الحَموَ؟

قال: ((الحمو الموت)).

والحمو: أقاربُ الزَّوْج ممن ليس بمحرمٍ للزوجة، فإنَّ أصولَ الزوجِ وإنْ عَلَت؛ هم من المحارمِ، وكذلك فروعُهُ وإنْ سَفُلُوا؛ هم من المحارمِ، وأما الحواشي؛ فمِن الأجانبِ عن المرأة؛ كالأخِ وابن الأخِ، وكذلك ما يتأتى بعد ذلك من أولئك الذين يدخلون من أقاربِ الزوجِ على المرأة، الحَمْو !!

فقال: ((الحمو الموت)): أي كما ينبغي عليك أنْ تَفِرَّ مِن أسبابِ الموتِ إذا ما رأيتها نازلةً عليك، فكذلك ينبغي عليك أنْ تَفِرَّ مِن الجمعِ بين نسائك وأقاربك من الرجال ممن لم تَثْبُت لهم المَحْرَمية، وأما أبو الزوجِ وابنُهُ من غيرِ المرأةِ؛ فهؤلاء من المحارمِ، وأما الحواشي؛ فهؤلاء يقول عنهم النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((الحمو الموت)).

((إياكم والدخولَ على النساء)).

قال: أفرأيتَ الحمو؟

قال: ((الحمو الموت)).

فجعل النبيُّ –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- هذا السِتْرَ مَضروبًا لعفافٍ وعِفَّة وطُهرٍ وطهارة، فأما إذا ما رُفِعَ؛ فحينئذٍ يتأتى الفُحْشُ والفاحشة، ولا ينبغي لأحدٍ أنْ يَثِقَ بنفسِهِ في أمثالِ هذه الأمور كائنًا ما كان أَمْرُه، فإنَّ أسبابَ الغوايةِ لا تنضبط، وإنَّ المخذولَ لمَن خَذَلَهُ اللهُ ربُّ العالمين، والمرءُ إذا تلوثت صفحتُهُ بالوقوعِ في الزِّنا والتورطِ في الفاحشة؛ فقد تَلَوَّثَ، وإنَّ الإيمان ليرتفعَ عنه كما قال النبيُّ –صلى الله عليه وعلى آلهِ وسلم- حتى يَرجعَ –حتى يُقْلِعَ-، فإذا أقلعَ عاد، وأما في حالِ مواقعتهِ لفُحْشهِ وفاحشته، فالإيمانُ فوقَ رأسِهِ كالظُّلَّة.

والنبيُّ –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يمنعُ مِن هذا الاختلاطِ على هذا النَّحو، وكثيرٌ من الخَلْقِ يتساهلون، فلا يلومنَّ امرؤٌ إلا نَفْسَه، والنبيُّ –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يأتي بهذا التعبير، الذي لا أبلغَ منه في مِضمارِهِ وفي مجالهِ، يقول : ((الحمو الموت))، الموتُ الأحمر! فحذارِ ثم حذارِ، هو أخوك وشقيقُك وقد بَلَغَ، وقد احتلمَ، وهو مع المرأةِ –مع امرأتِك- في بيتك، فَتَدَعُهُ معها وتمضي، وتَدَعُ الشيطانَ ثالثَهما كما أخبرَ رسولُ الله –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، ولا تدري، فأسبابُ الغوايةِ لا تنضبط.

والنبيُّ –صلى الله عليه وسلم- قد أخبر أنَّ العينين تزنيان كما في الحديثِ عن أبي هُريرةَ –رضي اللهُ تبارك وتعالى عنه- عن النبيِّ –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: قال: ((الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ، وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ)).

نعم، ((الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ، وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ))، وهذه الفواحشُ التي باتت وأصبحت معروضةً على الخَلْقِ في الأرضِ مما صنعَ المبطلون؛ فجعلوا الأناسيَّ كالكلاب تتسافدُ على قوارعِ الطُّرقِ والناسُ ينظرونَ يتفرجون، تَهيجُ فيهم غرائزُهم، وتُبعثُ فيهم من مكامنِها شهواتُهم، فأين تُصَرَّفُ؟

في المحارمِ، وفي غيرِ المحارمِ على حدٍّ سواء؛ بغريزةٍ عمياء، لا تُفَرِّقُ بين حقٍّ وباطل، ولا حلالٍ ولا حرام، وذلك مِن فِعْلِ المُبْطلين! ألم أقُل لك: إنَّ أعداءَ الإسلامِ لا يَنْفُذون إليه إلا من خلالِ ما بُعِثَ النبيُّ –صلى الله عليه وسلم- لإتمامِه: ((إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق))؟

وتَحْسَبُ أنَّ النظرَ إذا ما سُرِّحَ في محارمِ اللهِ ربِّ العالمين نظرًا؛ في صورةٍ صامتةٍ مطبوعة، أو صورةٍ ناطقةٍ مُشَاهَدةٍ مُبْصَرة، تظُنُّ أنَّ ذلك مما كَنَزْتَه لنفسك دنيا وآخرة، وأنَّ ذلك مما حَصَّلْتَه لك ذُخْرًا، وأنَّ ذلك مما قد حُزْتَهُ لديك كَنْزًا مكنوزًا؟!!

وَاهِمٌ أنت يا صاحبي!!

ففي الحديثِ الصحيحِ عن أبي هريرة –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- يحكي عن الثلاثة الذين تكلموا في المَهْدِ.

قال: ((وَصَاحِبُ جُرَيْج، وَذَلكَ أنَّ جُرَيْجًا كَانَ رَجُلًا عَابِدًا؛ فَاتَّخَذَ لِنَفْسِهِ صَوْمَعَةً يَعبُدُ اللهَ فيها –وكما سيأتي في طلبهِ ممن هدموها؛ أنْ يُعيدوها كما كانت؛ أنها كانت صومعةً مُتخذةً مِن طين-، فكان مُنعزلًا يعبدُ اللهَ –تبارك وتعالى- ويذكرُه-.

وجَاءت أُمُّهُ –وهي عجوز- وَكَانَ يُصَلِّي للهِ ربِّ العالمين-، فَنَادتهُ: يَا جُرَيْجُ.

فَقَالَ: يَا رَبِّ أُمِّي وَصَلَاتِي.

قَالَتْ: يَا جُرَيْجُ.

أُمِّي وَصَلَاتِي.

فنادته.

يقول: أُمِّي وَصَلَاتِي.

فغلَّبَ الصلاةَ على نداءِ الأمومةِ الحانية الوالهة، التي قد شَقَّعليها طُولُ الطريق، الأمومةُ الحانيةُ الوالهةُ، التي تريدُ أنْ تستأنسَ برؤيةِ فِلذةِ الكبد، وأنْ تنظرَ إليه، وأنْ تتملى في صفحةِ وجهه، فما مِن جواب.

أُمِّي وَصَلَاتِي، فلم يُجِبْهَا، فَانْصَرَفَتْ.

فَلَمَّا كَانَ الْغَدِ أَتَتْ، يا جُرَيْج.

أُمِّي وَصَلَاتِي، أُمِّي وَصَلَاتِي، فلم يُجِبْهَا، فَانْصَرَفَتْ.

فَلَمَّا كَانَ الْغَدِ جَاءت، يا جُرَيْج.

فلم يُجِبْهَا، أُمِّي وَصَلَاتِي.

والأمومةُ تكونُ أحيانًا مُستبدة، ويبلُغُ الغضبُ بها مبالغَه، فتدعو دعوةً تُفتحُ لها أبوابُ السموات، فماذا اختارت له مِن بينِ الدعوات؟

اختارت له عقابًا مُرًّا على كلِّ فِطرةٍ مستقيمة، وطبيعةٍ سليمة، وأما أصحابُ الشهواتِ فيعتبرونَ ذلك مَغْنَمًا، وأما مَن شُوِّهَت فِطْرَتُهم، فأولئك لا خَلاقَ لهم من دينِ الإسلامِ العظيم، وهؤلاءِ يعتبرونَ الخروجَ الخروجَ على دينِ الإسلامِ العظيم مَغْنَمًا.

وأما جُرَيج، فاختارت له أُمُّه، قالت: ((اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى وُجُوهِ الْمُومِسَاتِ)).

يا لها من دعوة، تَستنزلُهُ من عُليا آفاقِ السُّمو إلى الوِهادِ التي تلطخت بوحلِ الرذيلة، تستنزلهُ مِن علياء الطُّهرِ إلى حمئةِ الفاحشة الفاحشة، ((اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى وُجُوهِ الْمُومِسَاتِ))، وَكَانَتْ بَغِيٌّ من بني إسرائيل يُضربُ المَثَلُ ِحُسْنِهَا.

تَذَاكَرَ بنو إسرائيل يومًا جُرَيْجًا وعبادته، فقالت: لَأَفْتِنَنَّهُ، فَتَعَرَّضَتْ لَهُ فَلَمْ يَأبَه لها.

مَن تكون؟

ليست شيئًا على الإطلاقِ في ميزانِ شرفٍ ولا خُلُق، هي أَحطُّ من الذبابة، بل أقلُّ منها، بل هي ليست شيئًا بمرَّة، فيا ليتها لم تكُن شيئًا، فلم تصنع معه شيئًا.

فذهبت إلى راعٍ  كَانَ يَأْوِي بِغَنمِهِ إِلَى صَوْمَعَةِ جُرَيْجٍ؛ فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا، فَوَقَعَ عَلَيْهَا فَأحبَلَهَ، فَلَمَّا وَلَدَتْ؛ قَالَتْ هُوَ مِنْ جُرَيْجٍ.

العامةُ كأنما اشتُقَّ اسمهم من العَمَى، العامةُ والعوامُ كأنما اشتُقَّ اسمُهم من العَمَى، لا يُبصرون، أتباعُ كلِّ ناعق، فصدَّقوا هذه، إسنادُها نظيف!! وهي ثقةٌ ثقةٌ ثقةٌ حتى تتقطعَ الأنفاس!! مَن تكون؟!!

قالت: هو من جُرَيْج.

فذهبوا إليه؛ فَهَدَمُوا عليه صَوْمَعَتَهُ، واستخرجوهُ فضربوه.

ويَحهم ألا يُبصرون؟!

أليس فيهم رجلٌ رشيد؟!!

ولكنْ كذلك العمى والعمهُ يكون.

فقال: ما شأنكم –هكذا بحِلمِهِ وصبرهِ- ما شأنُكم؟

قالوا: وقعتَ على هذه، وهذا ابنُك من سِفاحٍ وخنا.

قال: فأمهلوني حتى أُصَلِّيَ.

فقام فصلَّى، ثم قال: أين هو ذلك الوليد؟

فجيء به، فطعن بأصبعهِ في بطنه، فقال: مَن أبوك؟

قال: أبي الراعي.

فتحوَّل من اشتُقَّ اسمُهم مِن العمَى؛ يتمسحونَ به يتبركون، أقبلوا عليه وقالوا: ائذن لنا أن نُعيدَ بناءَ صومعتِك من ذهب.

قال: لا، ولكن اجعلوها كما كانت من طين.

النظرُ في وجوهِ الفاحشاتِ المُتفحشات عقوبة من أكبر العقوبات ولكن قومي لا يعلمون، اللهم لا تمته حتى ينظر في وجوهِ المومسات، فكان عقابًا ما أشدَّ منه من عقابٍ كان، بل هو أشدُّ عقابٍ يكون لكلِّ ذي نَفْسِ شريفة، فضلًا عن نَفْسٍ مؤمنةٍ بربِّ العالمين، فضلًا عن نَفْسٍ مُنقطعةٍ إلى اللهِ ربِّ العالمين عبادةً وزَهادةً وإقبالًا على ربِّ العالمين.

إي نعم؛ إنَّ النبيَّ –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قد بَلَّغَنَا فيما أَمَرَهُ ربُّهُ أنْ يَبَلَّغَنَا إياه من كلامِ ربِّنا العظيم: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ*وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}

[النور: 30-31].

وتأمل في هذا النَّظْمِ القرآني البديع، الذي لا أفصحَ منه ولا أبلغَ منه هو كلامُ رب العالمين

{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا من أَبْصَارِهِمْ}، ثم{وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ }، ولم يقل: (وَيَحْفَظُوا من فُرُوجَهُمْ)، ولم يقل في الأولى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا أَبْصَارِهِمْ) قولًا واحدًا؛ لأن ذلك غير مُستطاع، ولأنَّ المرءَ إذا أتى بذلك تحقيقًا؛ فعليه أنْ يُغْمَضَ عينيه، وأنْ يسيرَ في الحياةِ يحتاج إلى قائدٍ يتوكأ عليه، ولذلك قال ربُّنا -جلَّت قدرته-: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا من أَبْصَارِهِمْ}، يعني: إذا أتت نظرةُ الفجأة فاصرف بصرك -ولكنها جاءت-: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا من أَبْصَارِهِمْ}، وهذا واجبٌ وفرض.

{وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ }، قولًا واحدًا؛ فهذا ليس فيه شيءٌ من تبعيض، ولا شيءٌ من شيء، وإنما هو كلٌّ يٌؤتى به كلًّا من غيرِ تفريط.

{وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ}، ثم {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}، يعلمُ خائنةَ الأعينِ وما تُخفي الصدور.

أخرجَ أبو حاتم عن ابنِ عبَّاسِ –رضي الله تبارك وتعالى عنهما- في قوله تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}: ((يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ، قال: هُوَ الرَّجُلُ يَدْخُلُ الْبَيْتَ فِيهِ الْمَرْأَةُ الْحَسْنَاءُ تكونُ أَوْ تَمُرُّ، فينظرُ إليها خِلْسَة، فإذا نظرَ إليه مَن كان حاضرًا؛ غَضَّ بصرَهُ، فإذا غفلوا عنه؛ نظرَ إليها، وودَّ واللهِ لَوِ اطَّلَعَ عَلَى فَرْجِهَا وَزَنَى بها)). كلامه

{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}: أي ما انطوت عليه الصدور من شهوةٍ خَفيَّةٍ، تريدُ لو تُحقِّقها بشِقِّ النَّفْسِ، وأنْ تقعَ عليها.

{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ}: خبيرٌ مُطَّلِعٌ على قلوبِكم، هو بصيرُ بكم، سميعٌ لنجواكم وما أسررتم، وما انطوت عليه هواجسُ ضمائرِكم، {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}.

وأَمَرَ المؤمناتِ بذلك؛ أنْ يغضضنَ من أبصارِهنَّ، وأنْ يحفظنَ فروجهنَّ؛ بل ذَكَرَ النبيُّ الكريم –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنَّ المرأةَ إذا استعطرت –أي، مسَّت عِطرًا- وخَرَجَت، فكلُّ عينٍ تنظرُ إليه زانية؛ والمرأةُ إذا مَسَّت طِيبًا فلا يَحِلُّ لها أنْ تذهبَ إلى المسجدِ؛ بل هي مأمورةٌ بمغادرةِ المسجدِ كأنها قد أَحْدَثَت؛ لأنها أحدثت بل أحدثت؛ يقول النبيُّ –صلى الله عليه وسلم-: ((فَهِيَ زَانِيَةٌ، وكُلُّ عَيْنٍ تنظر إليها زَانِيَةٌ))،

((الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالْأُذُنَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الاسْتِماعُ، وَاللِّسَانُ يَزْنِي وَزِنَاهُ الْكَلامُ، وَالْيَدُ تَزْنِي وَزِنَاهَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلُ تَزْنِي وَزِنَاهَا الْمَشْيُ، وَالْقَلْبُ يَتَمَنَّى وَيتشَهَّى، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ، أَوْ يُكَذِّبُهُ))، فجعله زنا كما ترى، فَفِرَّ منه فِراركَ من الأسد وإلا تورطتَ تورطًا، وكذلك قال الشاعر الحكيم:

نظرةٌ فابتسامةٌ فَسَلامُ ... فكلامٌ فموعِدٌ فلقاءُ

انتهى البيت!! لأنَّ الوزنَ لا يحتملُ أكثرَ من ذلك، والقافيةُ إنما أتت باللقاءِ هكذا، وبعد اللقاءِ أَطْلِق العنانَ للخيالِ يسرحُ في مهاوي الرزيلة كيفما شاء.

نظرةٌ فابتسامةٌ فَسَلامُ ... فكلامٌ فموعِدٌ فلقاءُ

وماذا بعدُ؟!! ليس بعدُ إلا الخَنَا، وإلا الفُحْش.

دينُ الطهارة، دينُ العِفَّة؛ وأما هذا الذي يحدثُ بين المسلمين، فهو والله مُعَجِّلٌ بالسقوطِ في الهاويةِ، مُعَجِّلٌ هو بالسقوطِ في الهاوية؛ باستنزالِ الهلاكِ مِن ربِّ الأرضِ والسماوات العُلا؛ ((إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ، وَغَيْرَتُهُ أَنْ تُؤْتَى في الأرضِ مَحَارِمُهٌ))، كما أخبر رسول الله –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

والناسُ إذا لم يأمروا بالمعروف، وإذا لم يَنْهَوا عن المنُكر، وإذا لم يغاروا على دينِ اللهِ ربِّ العالمين؛ غارَ اللهُ على دينِهِ.

قالت: أَفَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟

قَالَ: ((نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الخُبْثُ)).  

إِذَا كَثُرَ الخُبْثُ؛ تنهارَ الأخلاقُ وتنحلُّ عُراها، ويُصبحُ الناسَ فوضى بلا زِمام ولا رباطٍ ولا حاجز؛ شهواتٌ متاحة، وأمورٌ كأنها صارت من الدينِ وليست من الدين.

حجابٌ مُتبرجٌ فهو دينٌ وليس من الدين، كما أخبر سَيدُ المرسلين –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وخضوعٌ في القولِ -لست تدري لِمَا- ولِينٍ فيه، وفُحْشٍ وفاحشة، ولَذَّاتٍ متاحة، هي على مَسِّ البَنان، هي على طرفِ البَنان؛ لذَّاتٌ على طرفِ البنان!

فأين المُخْلَص؟ وإلى أين الهروب؟ وأين يمضي هاربٌ من دَمِهِ؟

((سَتَكُونُ فِتَنٌ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُمْسِي الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، وَيُمْسِي كَافِرًا وَيُصْبِحُ مُؤْمِنًا، وَيَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا))، بشهوةٍ لائحةٍ، بِنَزْوَةٍ سانحةٍ، بعَرْضٍ لا قيمةَ له ولا خَطَر، إنما هو شيءٌ كالهباءِ بل هو الهباء.

إنَّ هذا الدين هو دينُ الطُّهرِ وفيه إجراءاته الوقائية، التي متى اتُّخِذت كانت حاجزةً عن الوقوعِ فيما يُغضِب ربَّ العالمين؛ نعم إجراءاتٌ وقائيةٌ، ومن سُلِبَ الغَيْرَةَ فكأنَّما سُلِبَ الدين؛ لأنه صار ديوثًا، وممن لا يدخلونَ الجنَّةَ فيما أخبر النبيُّ –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قَتَّات ودَيوث؛ يعلمُ العيبَ في أهلِهِ ويسكتُ عليه.

وثلاثةٌ لا ينظرُ اللهُ ربُّ العالمين إليهم، وإذا لم ينظر إليهم لم يرحمهُم، وإذا لم يرحمهم؛ عذَّبَهم، وليس لهم في الجنةِ من نصيب؛ هؤلاء: ((العاقُّ لولديه، والدَّيوثُ، والمُتَرَجِّلَةُ من النساء))، المُتَرَجِّلَةُ من النساء التي تخرجُ عن طبيعتِها التي فَطَرَهَا اللهُ عليها؛ فهذه ملعونةٌ بلعنةِ رسولِ الله –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وهي ممن يحتاجُ إلى البحثِ لا عن زوجٍ؛ بل إلى البحثِ عن زوجة، هذه المترجلةُ من النساء تحتاج لا إلى البحث عن زوج؛ بل تحتاج إلى البحث عن زوجة؛ لأنها صارت من جِنسِ الرجال!

نسألُ اللهَ ربَّ العالمين أنْ يرحمنا أجمعين دنيا وآخره إنه على كل شيءٍ قدير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هُوَ يَتَوَلَّى الصَالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَومِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فقد أخرجَ البخاريُّ في ((صحيحه)) عن عبد الله بن عباس –رضي الله تعالى عنهما- عن رسولِ الله –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((لَعَنَ رسولُ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالمُتَرَجِّلاَتِ مِنَ النِّسَاءِ)).

وفي رواية عند البخاري ((صحيحه)) عن عبد الله بن عباس –رضي الله تعالى عنهما- أيضًا عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: ((لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ)).

فَلَعَنَ النبيُّ –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- المُخَنَّثَ الذي يتكسرُ في كلامِهِ أو لِباسِهِ أو في مِشْيَتِهِ يتشبهُ بالنساءِ، فهذا ملعونٌ بلعنةِ رسولِ اللهِ –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

ولَعَنَ رسولُ الله –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- المرأةَ المُترجلة، فجعلها النبيُّ –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ملعونة، واللعنُ: هو الطردُ من رحمةِ الله ربِّ العالمين، ودعاءُ النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- مُستجاب؛ فالمترجلةُ المُتشبهةُ بالرجالِ في كلامِها أو في حركاتِها أو في ثيابِها أو في حركةِ حياتِها أو في مزاحمتِها للرجالِ بكلِّ سبيلٍ، هذه ملعونةٌ بلعنةِ رسولِ الله –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-  يستنزلُها النبيُّ –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- على مَن كانت على هذه الصفة.

وأخرج أبو داود –رحمه اللهُ تعالى- بسندٍ صحيحٍ نظيف عن أبي هريرةَ – رضي الله تبارك وتعالى عنه- عن النبيِّ –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((لَعَنَ الله –تبارك وتعالى- من لَبِسَ لِبْسَةَ النساء من الرجال، وَمن لَبِسَت لِبْسَةَ الرجال من النساء)) في معنى ما قال–صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

فكلُّ امرأةٍ تتخذُ البنطالَ ثوبًا؛ فهذه ملعونةٌ بلعنةِ اللهِ ربِّ العالمين، حتى ولو اتخذته لزوجِها من غيرِ أنْ تخرجَ به بإبداءِ العورةِ مُجَسَّمة؛ تكادُ تَنْطِقُ كأنها مفضوحة من غير ما سِتر للأجانبِ ممن لا يحلُّ له أنْ ينظرَ إليها حتى لو كان ذلك لزوجِها، لِمَ؟

لأن العِلَّةَ في اللعنِ والتحريمِ -ومعلومٌ أنَّ كلَّ معصيةٍ وذنبٍ إنما يكونُ كبيرةً إذا استُتبعَ بإنزالِ العذابِ العظيم أو تُوعِّدَ عليه بإنزالِ العذابِ الأليم أو شُفِعَ باللعنِ كما هاهنا في هذا الذنبِ العظيم-؛ فإنَّ النبيَّ –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لَعَنَ المرأةَ التي تتخذُ لبْسَةَ الرجال، والبنطالُ من لِباسِ الرجالِ كما هو معلوم، فأيُّما امرأةٌ اتخذت ذلك ثوبًا ولِباسًا فهي ملعونةٌ بلعنةِ اللهِ ربِّ العالمين ولو كان ذلك في بيتِها لزوجها؛ لأنَّ العلةَ هنا في التحريم واللعنُ إنما هي في التَّشَبُّهِ بالرجالِ، وهذا من ثيابِ الرجال وليس في إبداءِ العورة كما ترى، ولذلك فاللعنُ واقعٌ عليها بكلِّ حالٍ وفي كلِّ سبيل.

دَعْكَ بعد ذلك مما يكونُ من تَشَبُّهٍ بالرجالِ في قّصِّ الشُّعورِ، وفي لُبْسِ ما يلبسُ الرجالُ من ثيابٍ، وكذلك الرجال إذا ما اتخذوا لِباسَ النساءِ لِباسًا، أو تَثَنَّوا وتكسروا كأنهن قد خُلقنَ إناثًا على أصلِ الفطرةِ، ولكن في شكلِ الرجال، فكلُّ ذلك مما يقعُ عليه اللعن، كما أخبرَ النبيُّ –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

ولا ينبغي لمن جعلَ اللهُ ربُّ العالمين له وَلاية على امرأةٍ؛ يسأله اللهُ ربُّ العالمين عنها يومَ القيامة في عَرَصَاتِها، يوم لا ينفعُ حميمٌ حميمًا ولا صاحبٌ صاحبًا، وإنما هي المؤاخذةُ بالمجازاةِ والمسئوليةُ، ينبغي لمن جَعَلَ اللهُ ربُّ العالمين له وَلاية أنْ يأخذَ على مَن فَعَلَت ذلك على يَديَها وألا يُمَكِّنْهَا من ذلك؛ فإنه مسئولٌ؛ لأنَّ النبيُّ –صلى الله عليه وسلم- أخبرنا عن ذلك، فقال –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الرَّجُلُ فِي بيتهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)).

فحدودُ اللهِ ربِّ العالمين ينبغي ألا تُعْتَدَى، ومحارمُ اللهِ ربِّ العالمين ينبغي ألا تُنْتَهَك وإلَّا فهو الدمارُ وهو الخرابُ؛ لأنَّ النبيَّ –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قد أخبر أنه ((إذا  ظَهْرَ الزِّنَا وَالرِّبَا في قرية فقد أَحَلُّوا -أي: أنزلوا- بِأَنْفُسِهِمْ عذاب اللَّهِ ربِّ العالمين))، ((إذا ظَهْرَ الزِّنَا وَالرِّبَا في قرية فقد أَحَلُّوا بِأَنْفُسِهِمْ عذاب اللَّهِ)).

((إِنَّ اللَّهَ رب العالمين يَغَارُ، وَغَيْرَتُهُ أَنْ تُؤْتَى في الأرضِ مَحَارِمُهٌ))؛ وإنَّ ربَّك إذا غارَ غَضِبَ، وإذا غَضِبَ فَنَفَدَ غَضَبُهُ؛ فإنه لا رادَّ لقضائهِ وقَدَرِهِ؛ وليُغلبنَّ مُغالِبُ الغَلَّابِ.

فينبغي علينا أنْ نعودَ من قريب، وأنْ نفزعَ إلى ربِّ العالمين، وأنْ نتركَ المعاصي جانبًا، وأنْ نغادرَ هذا الفُحْش الفاحش الذي تَعَجُّ به الدنيا، فينبغي علينا أنْ نكونَ منه على مَبْعَدَة، وأنْ نجعلَ بيننا وبين عقابِ اللهِ ربِّ العالمين وقاية، فهذا من معاني التقوى التي أَمَرَ اللهُ ربُّ العالمين ووصَّى بها الأوَّلين والآخرين؛ فالتقوى هي وصيةُ اللهِ ربِّ العالمين للأولين والآخرين: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء: 131]، فتقوى اللهِ ربِّ العالمين وصيةُ اللهِ للأوَّلين والآخرين؛ وكيف يكونُ الرجلُ مُتَّقيًا وهو يعكفُ لَيْلَهُ على النظرِ إلى الحرام؟!! فضلًا عن مواقعةِ الحرام، وكلُّ ذلك على طَرَفِ البَنان.

والنبيُّ –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قد أخبرَ أنَّ مَن هَاجَت به مِرَّةُ شَهوتِهِ؛ فلم يجد لها تصريفًا فعليه بالصوم، وعليه أنْ يحجُزَ بصرَهُ عن التَّطلُّعِ إلى الحرام، وأما أنَّ يسيرَ في طريقِ الحرامِ سَيْرًا حثيثًا، ويبذلُ فيه كلَّ غالٍ وثمين، ثم يَمُنِّي النَّفْسَ بأنْ يعودَ سليمًا؟!

فهيهات هيهات!!

على المرءِ أنْ يكونَ واعيًا، وأنْ يَعْلَمَ أنَّ مجردَ النظرِ والتَّطلعِ في وجوهِ المُومسات ممن يعكُفُ شبابُ المسلمين -إلا مَن رَحِمَ اللهُ- لياليَهم بل وشِيبُهم أيضًا يعكُفون -إلا مَن رَحِمَ الله- على النظرِ وإلى وجوهِهن وأبدانِهن؛ فإنها قالت: ((اللهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى يَنْظُرَ في وُجُوهِ -في وُجُوهِ لا في أبدانِ ولا في فروج، فكيف إذا كان ذلك كذلك؟!

ألا تجد حِسٍّا لطيفًا، ولا قلبًا شريفًا، ولا رُوحًا منيفة تعلم أنَّ هذا عقاب، وأنها إذا مُكِّنَت؛ فهذا خِذلان، وأنها إذا ما تَحَصَّلَت على الأسبابِ فَنَظَرت أو واقعت، أنَّ التَّخَلِّيَ مِن جانبِ الرحمن الرحيم قد وقع، والخذلانُ أنْ يَكِلَكَ اللهُ إلى نَفْسِك، والتوفيقُ ألا يَكِلَكَ اللهُ ربُّ العالمين إلى نَفْسِك، ألَا تجدُ روحًا لطيفة، ولا نَفْسًا شريفة تعلمُ أنها إنْ مُكِنَّت، وإنْ خُلِّيَ بينها وبين النظرِ إلى الحرام، أو خُلِّيَ بينها وبين مواقعةِ الحرام؛ فقد وَقَعَت في الخذلان، وقد جانبت التوفيق، وقد رُفِعت عنها الرحمة، ورُفِعَ عنها الإيمانُ فكان كالظُّلَّة، فإنْ عادت مُقْلِعَةً إلى ربِّها؛ عاد، وإلَّا فلا يعود.

ألَا تجدُ فاهمًا؟!

أليس في الناسِ من رجلٍ رشيد؟َ!

يقول النبيُّ –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((صِنْفَان مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا –يعني لم يكن لهذين الصِّنفينِ من وجود في زمنِ رسول الله –صلى الله عليه وسلم-.

ثم فصَّلَ بعد هذا الإجمال، فقال –صلى الله عليه وسلم-: أَقَوْامٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ –عَسَس يضربونَ الناسَ بغيرِ حقٍّ، ومعهم سِياطٌ كأنها أطرافها معقودة أو بها ذوائبُ مغروسة يضربون أبشارَ الناس بغير حق، نعم بغيرِ حق؛ لأن جَلْدَ البِكرِ الزاني الذي ثَبَتَ عليه الزنا؛ قُربةٌ إلى اللهِ ربِّ العالمين؛ ولذلك أَمَرَ أنْ يشهدَ جَلْدَه طائفةٌ من المؤمنين، وأَمَرَ المؤمنين جالدًا وناظرًا ألَّا تأخذَهم بهم –يعني بالزُّناةِ المجلودين حدًّا بتلك السياط- رأفةٌ في دينِ الله.

فذلك إنما هو حِياطةٌ لدينِ اللهِ ربِّ العالمين، فإذا تورطَ؛ فظهرَ الزنا؛ فحينئذٍ إذا قامت البيَّنةُ أو جاءُ الإقرارُ؛ فلابد من إقامةِ الحَدِّ، أما إذا ما سَتَرَ على نفسهِ فلم يفضحُهُ ربُّه؛ فأَمْرُهُ إلى الله، إن شاءَ عَذَّبَهُ وإنْ شاءَ غفرَ له، وأما إذا أبدى لنا صفحتَهُ؛ أقمنا عليه حَدَّ الله، فإنْ كان مُحصنًا – تزوجَ يومًا من الدهرِ زواجًا صحيحًا ولو جُزءً من لَيْلٍ أو نهار ثم فارق بموتٍ أو طلاق ولم يتزوج بعدُ، فظَلَّ أيِّمًا، فهو مُحْصَنٌ أيضًا، فإنْ وقعَ في الزنا؛ فالرجمُ حتى الموت، وعند كثيرٍ من أهلِ العِلمِ فيهم بعضُ الخلفاء الراشدين؛ منهم عليٌّ –رضوان الله عليهم جميعًا-: أنه يُجْلَدُ مائةُ جَلْدةٍ ثم يُرجمُ بعد ذلك حتى يموت، وإنْ كان لم يسبق له إحصانٌ وكان بِكْرًا؛ فإنه يُجلدُ مئةَ جَلدة ويُغَرَّبُ عن وطنهِ عامًا كما هو معلوم.

إذن؛ النبيُّ –صلى الله عليه وسلم- يخبرنا عن أقوامٍ معهم سٍياطٌ –كرابيج- كأذنابِ البقرِ –كذيولها معقودة- يضربونَ بها أبشارَ الناسِ –أي بغيرِ حقٍّ، وأما بالحقِّ فلا؛ حدًّا وتعزيرًا- ثم قال: وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا)).

((وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ)): حتى ولو كانت قد جعلت السِّدالَ قائمًا، فلا يُبصر منها شيءٌ، كاسيةٌ عاريةٌ من التقوى باطنًا؛ فهي داخلة، أو هي كاسيةٌ بشفوفٍ تَشِفُّ وثيابٍ تَصف، ثم هي كاسيةٌ عاريةٌ في آنٍ واحد، قولانِ لأهلِ العِلم.

يقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: ((مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ)): تُميلُ بالخنا  لا الباطلِ، فهي مائلةٌ عن الحقِّ ظاهرًا وباطنًا، ((مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ)): والبُخْتُ: إبلٌ لها سَنَامٌ يَميلُ بقمةِ الشَّعرِ فيه ناحية، وكذلك تجدُ المرأةَ من هؤلاء كاسيةً عارية -كاسيةً عارية-، تخرجُ بثيابٍ إلى الأجانبِ من غيرِ المحارمِ ممن لا يجوزُ أنْ ينظرَ إلى شيءٍ منها قَطُّ وكأنها قد تجردت في فِراشها تستعدُ للقاءِ لزوجها!! ما هذا؟!! أيُّ شيءٍ هذا؟!!

يقولُ النبيُّ –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ)): والمرأة تجعلُ شَعْرَها مائلًا ناحية، نعم؛ كفِعْلِ البغايا وكُنَّ يَصْنَعْنَهُ، أو كما تفعلُ نساءُ أهلِ الكُفرِ مما يخترعنه لشعورهن، تُقَلِّدُ القِرَدَة أمثالَ هؤلاءِ الحيوانات فيما يَفعلن، وتَشَوِّهُ الواحدةُ ظاهرَها وباطنَها وما عَلِمَت أنَّ زينتَها الحياء، وأنَّ الرجلَ العفيفَ الشريف لا يقعُ على النِّفايات، وأنه لن يقعَ عليها إلا أمثالُ الذُّباب، نعم؛ إذا وقعَ الذُّبابُ على طعامٍ              رَفعتُ يَدي ونَفسي تَشتَهيه

       وتَجتَنِبُ الأسودُ ورودَ ماءٍ               إذا كانَ الكِلابُ يَلِغْنَ فيه

فلن يقعَ عليها إلا أمثال الكلاب، لا يُبالي بعِفَّةٍ ولا عفاف، ولا ينظرُ إلى سِتْرٍ ولا صيانة، وإنما هي الفاحشةُ بغيرِ زيادةٍ ولا نُقصان، أيُّ شَيءٍ هذا؟!!

يقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: ((رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا)) لأنه لو توقفَ عند قولهِ –صلى الله عليه وسلم- ((لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ)) فلعلَّ قائلًا أنْ يقول: فإنهن منها غيرُ بعيدات، فيقول: ((وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا –من مسيرةِ سبعين عامًا، من مسيرةِ مئة عام-))، لا يجدنها ريحَها، فأين يَكُنَّ؟

بعيدات كما كُنَّ عن الطُّهرِ والعفافِ بعيدات، كما كُنَّ من الرزيلةِ قريبات، كذلك هُنَّ من النارِ قريبات، وزينةُ المرأةِ العفاف.

وعلى المرأة التي آمنت بربِّها وَسَتَرَت جَسَدَهَا أنْ تتقيَ اللهَ ربَّ العالمين، فلا تَتَبَرَّج بحجابِها، فهذا شيءٌ شائنٌ لا يليق، والحجابُ الآن قد تَبرَّجَ، نعم صارَ الجابُ يحتاجُ حِجابًا، فقد تبرَّجَ الحِجاب، فهذا شيءٌ شائنٌ لا ينبغي أنْ يكون.

فعلى المرءِ أنْ يكونَ واعيًا وعلى المسلمِ وعلى المسلمةِ أيضًا أنْ يعرفَ طريقَه إلى ربِّهِ، فالحياةُ مُنقضيةٌ أيُّها الأحبة –مُنقضية-، ثم هي ليست على الشبابِ تدوم، ومعلومٌ أنَّ مَن تورطَ في تلك الشهوات عُوقب دنيا وآخرة إنْ لم تَصِحَّ توبتُهُ ويعود إلى اللهِ العزيز الحميد، فلابد أنْ يُعَاقَبَ والجزاءُ من جِنسِ العمل كما قال الشاعرُ الحكيم:

من يزني في امرأةٍ بألْفي درهمٍ     ***    في بيتهِ يُـزْنَى بغيرِ الدرهمِ

إنَّ الزنا دَيْنٌ فإنْ أسلفتَهُ           ***    كان الوفا من أهلِ بيتك فاعلمِ

إنَّ الزنا دَيْنٌ فإنْ أقرضتهُ          ***     كان الوفا من أهلِ بيتك فاعلمِ

من يزني في امرأةٍ بألْفي درهمٍ، في بيتهِ يُـزْنَى –في قراءةٍ أو قُل في روايةٍ برُبعِ الدِّرهمِ والصواب أنْ تقول-  بغيرِ الدرهمِ، بل لربما دُفِعَ له المال جزاءً وِفاقًا، والجزاءُ من جِنسِ العمل، واخرج مِن بيتِك؛ فسَرِّح طَرْفَك في المُحرَّمات واعلم أنَّ مُحرَّماتِك أنتَ وحُرُماتك؛ يُسرَّحُ فيهن الطَّرف أيضًا جزاءً وِفاقًا.

فلا تنتهك، وقِف عند حدودِ العفاف، ولنحاول جميعًا أنْ نجتهدَ في العودةِ إلى الله، فإنَّ المجتمعَ إذا انهارت أخلاقُه؛ انهارَ بغيرِ قرار، ولا يُمكنُ أنْ يتوقفَ عند نهايةٍ في الانحطاط، وما تَسَلَّلَ أعداءُ الإسلامِ في داخلٍ وخارجٍ إلى دينِ الإسلامِ العظيم إلى أبنائِهِ إلَّا مِن هذا الباب.

والمرأةُ كما قال النبيُّ –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: هي أشدُّ فتنةٍ تُرِكَت قَطُّ بعد النبيِّ –صلى الله عليه وسلم، وأشدُّ خطرًا على الرجال، ((ما تركتُ فتنة هي أشدُّ خطرًا على الرجالِ مِن النساء)).

والمرأةُ مُكّرَّمةٌ أيضًا، فهذا لا يعني أنها تُعامَلُ لا كما يُعامَلُ الآدميُّ، هذا وَهْمٌ، يحاولونَ أنْ يدخلوا من هذا الباب؛ لكي يردُّوا عليك اعتدالك واتزانَ دينك بسواءِ نَفْسِك، بعيدًا عن أمراضِ القلوب وعن شهواتِها، وعن فَورانِ وثَوَرَانِ النَّزَوَاتِ في أنحاءِ الجسدِ الحيوانيِّ المُستَفَزِّ مما يَسمعُ ويرى؛ بل ويَلْمَسُ ويعانقُ في كلِّ حينٍ وحال.

أمجتمعٌ بَهيميٌّ هو؟!!

هو مجتمعٌ مُسلمٌ نظيفٌ طاهر، فيه العِفَّة وفيه العفاف، وفيه البُعْدُ عن الفُحشِ والفاحشة، والأمرُ قريب، الزم دينَ ربِّك ولا تتعدى حدودَه، فإنك إنْ تعديتَ حدودَ ربِّك؛ عاقبك، فإذا عاقبَك؛ فعِقَابُهُ أليم، فاحذر غَضبَهُ؛ فإنهُ قَطَعَ اليدَ في رُبعِ دِرهم، وجَلَدَ الحَدَّ في مِثْلِ رَأْسِ الإبرةِ مِن الخَمْرِ، فاحذر...فاحذرهُ ولا تأمْن، فإنَّ اللهَ ربَّ العالمين إنْ تخلَّى عنك وقَعت، فإنْ رَفَعَ عنك السِّتْرَ انفضحت، ولا تظُننَّ فضيحةً تلوح أنها هي الأولى؛ فإنَّ ربَّك حييٌّ سِتيرٌ، فلا تغترَّ بسِترِ اللهِ عليك.

اللهم استرنا بسِترك الجميل واجعل تحت السِّترِ ما يُرضيك فيا طالما سترتَ على ما لا يرضيك.

اللهم استرنا بسِترك الجميل واجعل تحت السِّترِ ما يُرضيك فيا طالما سترتَ على ما لا يرضيك.

اللهم رُدَّنا والمسلمين جميعًا إلى الإسلامِ ردًّا جميلًا.

اللهم تُب علينا وعلى المسلمين أجمعين وارزقنا العِفَّة وارزقنا الطهارة وارزقنا الطُّهرَ وجَنِّبْنا الرزيلة وجَنِّبنا الفاحشة.

ومُنَّ علينا بتوفيقك، مُنَّ علينا بالتوفيق، مُنَّ علينا بالتوفيق، مُنَّ علينا بالتوفيق.

اللهم لا تَكِلنا إلى أنفسنا، لا تَكِلنا إلى أنفسنا طَرفةَ عينٍ ولا أقلَّ منها.

اللهم لا تَكِلنا إلى أنفسنا طَرفةَ عينٍ ولا أقلَّ منها.

فإنك إنْ تَكِلنا إلى أنفسِنا؛ تَكِلنا إلى ضَعفٍ وعَورة وذنبٍ وخطيئة.

اللهم لا تَكِلنا إلى أنفسنا، لا تَكِلنا إلى أنفسنا، لا تَكِلنا إلى أنفسنا.

نسألُك التوفيق، ونعوذ بك من الخذلان يا كريمُ يا منَّان إنك على كلِّ شيءٍ قدير.

يا رحمن يا رحيم اجعل جَمْعَنا هذا جَمْعًا مرحومًا واجعل تَفرُّقنا من بعدهِ تَفرُّقًا معصومًا،

ولا تجعل فينا ولا حولنا ولا بيننا شقيًّا ولا مطرودًا ولا محرومًا.

واسترنا بسِترك الجميل واجعل تحت السِّترِ ما يُرضيك، فيا طالما سترتَ على ما لا يرضيك.

يا أكرم الأكرمين ويا أرحمَ الراحمين ويا ذا القوةِ المتين.

وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.