ففي (تحذيرِ أهلِ الإيمان) لهبةِ الله ابن إسماعيل قال " لفظُ الشريعة يتكلمُ به كثيرٌ من الناس ولا يُفرِّقُ بين ... بين الشَّرع المُنزَّلِ مِنْ عند الله تعالى وهو الكتابُ والسُنَّة, وهو الشَّرع الذي بعثَ اللهُ به رسولَه, فإنَّ هذا الشَّرع ليس لأحدٍ مِنْ الخلقِ كائنًا مَنْ كانَ الخروجُ عنه ولا يَخرجُ عنه إلَّا كَافِر، لا يُفرِّقُ بين الشَّرعِ المُنزَّل والشَّرعِ الذي هو أقوالُ أئمةِ الفقه وآراؤهم التي أدَّى إليها اجتهادُهم, ووصلت إليها أفهامُهم كأبي حنيفةَ ومالكِ بن أنسٍ والشافعي وأحمد ابن حنبلٍ وغيرهم مِنْ الأئمةِ المجتهدين رحمَهم الله أجمعين؛ فهؤلاء أقوالُهم تُعرَضُ على الكتابِ والسُنَّة ويُحتَّجُ لها بهما لما هو معلومٌ مِنْ حديثِ الحَاكِم والثابتِ مِنْ طرقٍ في الصحيح أنَّ المجتهدَ يصيبُ ويُخطِئ, فإنْ أصابَ فله أجران وإنْ أخطأ فله أجرٌ على اجتهادِه والله يغفر له خطأَه، لكنه لا يُتابع علي خَطئه؛ فما وافقهما أو كان أشبهَ بهما فهو الصوابُ وما خالفَهما فهو خطأٌ لا يجوزُ لمَنْ تبيَّنَهُ واطلَّعَ عليه متابعةُ مَنْ ذهبَ إليه؛ والحديثُ المُشارُ إليه أخرجه البخاري ومسلم من رواية عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم (إذا اجتهدَ الحاكمُ ثم أصابَ فله أجران وإذا اجتهدَ ثم أخطأَ فله أجر) وإذا قلَّدَ المُقلِّدُ أحدَهم حيث يجوزُ له التقليد كان جائزًا وليس اتباعُ أحدهم بعينه واجبًا على جميع الأُمةِ كاتباعِ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؛ ولا يَحْرُمُ تقليدُ أحدهم كما يَحْرُم اتباعِ مَنْ يتكلمُ بغيرِ علم؛ وأمَّا إذا أضافَ أحدٌ إلى الشريعةِ ما ليس منها مِنْ أحاديثَ مفتراه أو تأويلِ النصوصَ بخلافِ مرادِ الله ونحو ذلك فهذا من نوع التبديل؛ فيجبُ الفرقُ بين الشَّرعِ المُنزَّل والشَّرعِ المؤَول والشَّرعِ المُبدَّل.
ولأُتحِفنَّكَ هنا بقاعدةٍ عظيمة؛ وفائدةٍ جسيمة؛ تتعرف فيها حالَ كل قولٍ يَرِدُ عليك يُنسَبُ إلى الشَّرع، وهي: أنَّه إمَّا أنْ يكونَ هذا القولُ موافقًا لقولِ الرسولِ أو لا يكون، والثاني: إمَّا أنْ يكونَ موافقًا لشَرعِ مَنْ قَبله وإمَّا أنْ لا يكون، وهذا الثالث: إنْ كانَ لا عن شبهةِ دليلٍ بل عن مَحْضِ اتباعِ الهوى فهو المُبَدَّلُ, كالأديانِ التي شَرعَها الشياطينُ على ألسِنةِ أوليائهم قال تعالى (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ)، وقال تعالى (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ)، وقال تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ)؛ وإنْ كانَ عن شبهةِ دليلٍ فهو المؤول, وفى هذا كانَ الصحابةُ رضيَ الله عنهم إذا قال أحدُهم برأيه شيئًا مما لم يجد فيه نصَ كتابٍ أو سُنَّةً عن النبي واضُطرَ لمعرفةِ الحُكْمِ الذى يَرْضاهُ الله ورسوله يقول (إنْ كانَ صوابًا فمِنْ الله وإنْ كانَ خطأً فمنِّي ومِنْ الشيطان, واللهُ ورسولُه برئٌ منه) كما قال ذلك ابن مسعود ورُويَ عن أبي بكرٍ وعمر رضي الله عنهم؛ وما كان شرعًا لغيرهِ وهو لا يوافقُ شرعَه فقد نُسخ, كالسبت وتحريمِ كلِّ ذي ظُفُرْ وشَحْمِ الثِرْبِ وهو شَحْمٌ رقيقٌ على الكَرِشِ والأمعاء وشَحْمِ الثِرْبِ والكُليَتين؛ فإنَّ اتخاذَ السبتِ عيدًا وتحريمَ هذه الطيبات قد كانَ شرعًا ثم نُسخ, فالأقسامُ ثلاثةٌ إجمالًا وأربعةٌ تفصيلًا فاحتفظ كل الاحتفاظ على هذه القاعدةِ تنفعُك" فلابد مِنْ التفريق بين الشَّرعِ المُنزَّل والشَّرعِ المُؤول والشَّرعِ المُبدَّل .
وإذا كانَ المسلمُ متأولًا في القتال أو التكفير, لم يُكَفَّر بذلك, كما قال عمرو بن الخطاب لحاطبِ ابن أبي بَلْتَعة يا رسول الله (دعني أضرب عُنقَ هذا المنافق) فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (إنَّه قد شَهِدَ بدرًا وما يُدريكَ أنَّ الله قد اطلَّعَ على أهلِ بدرٍ فقال اعملوا ما شِئتُم فقد غفرتُ لكم) وهذا في الصحيحين؛ وفيهما أيضًا مِنْ حديث الإفك أنَّ أُسَيْدَ ابن حضير قال لسعد بن عُبادة (إنَّك منافقٌ تجادلُ عن المنافقين) واختصمَ الفريقانِ فأصلحَ النبي صلي الله عليه وسلم بينهم، فهؤلاء البَدْرِيون فيهم مَنْ قال لآخرَ منهم إنك منافق ولم يُكَفِّر النبي صلي الله عليه وسلم لا هذا ولا هذا, بل شَهِدَ للجميع بالجنة. وكذلك ثبتَ في الصحيحين عن أسامةَ ابن زيد أنه قتلَ رجلًا بعد ما قال لا إله إلا الله وعَظَّمَ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لما أخبره وقال: (يا أسامة أقتلته بعد أنْ قال لا إله إلا الله وكرَّرَ ذلك عليه حتى قال أسامةُ تمنيتُ أني لم أكن أسلمتُ يومئذ) ومع هذا لم يُوجِب عليه قَوَدًا ولا ديةً ولا كفارة لأنه كان متأولًا، فظنَّ جوازَ قتلِ ذلك الرجل لظنِّه أنه قالها تَعوُّذا, فهكذا السلف قاتل بعضهم بعضًا من أهلِ الجمل وصِفِينَ ونحوهم وكلهم مسلمونَ ومؤمنون, كما قال تعالى (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).
فقد بَيَّنَ الله تعالى أنهم مع اقتتالِهم وبغي بعضهم على بعض أخوةٌ مؤمنون, وأمرَ بالإصلاحِ بينهم بالعدل ولهذا كان السلف مع الاقتتال يوالي بعضُهم بعضًا موالاة الدين, لا يُعادونَ كمعاداةِ الكُفَّار, فيقْبَلُ بعضُهم شهادةَ بعض, ويأخُذُ بعضُهم العِلمَ عن بعض, ويتوارثون ويتناكحون ويتعاملون بمعاملةِ المسلمين بعضِهم مع بعض، مع ما كان بينهم من القتال والتَلاعُنِ وغير ذلك " ذكر ذلك شيخُ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى وهو بنحوه في منهاجِ السُنَّة. وقد ثبت في صحيح مسلم (أنَّ النبي صلي الله عليه وسلم سأل ربَّه ألا يُهلِك أُمته بسَنَةٍ عامة, فأعطاه ذلك, وسأله ألا يُسلِّطَ عليهم عدوًا من غيرهم, فأعطاه ذلك وسأله ألا يجعل بأسهم بينهم, فلم يُعطَى ذلك) وأخبرَ أنَّ الله لا يُسلِّطُ عليهم عدوًا مِنْ غيرهم يَغلِبهُم كُلَهُم حتى يكونَ بعضُهم يقتلُ بعضًا وبعضُهم يَسبي بعضًا, وثبتَ في صحيح البخاري لما نَزل قولُ الله تعالى (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ) قال صلي الله عليه وسلم (أعوذ بوجهك)، (أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) قال (أعوذ بوجهك)، (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ) قال (هاتان أهون).
هذا مع أنَّ الله أمر بالجماعةِ والائتلاف ونهى عن البدعةِ والاختلاف وقال جلَّ وعلا (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) .
فالواجبُ على المسلمِ إذا صارَ في مدينةٍ مِنْ مدائنِ المسلمين, أنَ يُصلِّي معهم الجمعةَ والجماعة, ويواليَ المؤمنينَ ولا يعاديهم، وإنْ رأَى بعضَهم ضالًا أو غاويًا وأمْكنَ أنْ يَهدِيَهُ ويُرشِدَه, فَعَل ذلك وإلَّا فلا يُكلِّفُ الله نفسًا إلا وسعها, وإذا كان قادرًا على أن يُوَلِّيَ في إمامةِ المسلمين الأفضلَ, ولَّآه وإن قَدَر أن يمنعَ مَنْ يُظهِر البدعَ والفجورَ منعه، وإن لم يقدر على ذلك, فالصلاةُ خلفَ الأعلمِ بكتابِ الله وسُنَّةِ نبيه, الأسبقِ إلى طاعةِ الله ورَسولِه أفضل, كما قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم في الحديث الذى رواه مسلم (يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً) وإنْ كان في هَجْرِهِ لِمُظهِر البدعةَ والفجور مَصلحةٌ راجحة هَجَرَهُ كما هَجَرَ النبي صلي الله عليه وسلم الثلاثةَ الذين خُلِّفوا حتى تاب الله عليهم، وأما إذا وُلِّيَ غيُره بغير إذنهِ، وليس في تركِ الصلاةِ خلفه مصلحةٌ شرعية, كان تفويتُ هذه الجمعةِ والجماعة جهلًا وضلالًا وكان قد رَدَّ ببدعةٍ على بدعة" ثم ساقَ شيخُ الإسلامِ رحمهُ الله تعالى أمثلةً ثم قال "المتأولُ والجاهلُ المعذور، ليس حُكمُه حُكمَ المُعانِد والفاجر، بل قد جعل اللهُ لكل شيءٍ قَدْرا"، إذًا ليس كلُّ منْ أخطأ يكون كَافِرًا أو فاسِقا، فكيف إذا بلغ الأمر ببعض الناسِ إلي أن يُضلِّلَ غيرَه ويُكَفِّره وقد يكون الصوابُ معه وهو الموافق للكتابِ والسُنَّة ولو كان أخوهُ المسلم قد أخطأ في شيءٍ من أمور الدين, فليس كل من أخطأ يكون كَافِرًا ولا فاسِقا, بل قد عفا الله لهذه الأُمة عن الخطأ والنسيان وقد قال تعالى (رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)، وثبتَ في صحيحِ مسلم أنَّ الله تعالى قال (قد فعلْت)، فعند مسلم في الصحيح من رواية ابن عباسٍ رضي الله عنهما أنَّه قال (لمَّا نزلت هذه الآية (وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ) دخل قلوبَهُم منها شيء؟ لم يدخل قلوبَهم مِنْ شيء, قال النبي صلى الله عليه وسلم (قولوا سمعنا وأطعنا وسَلَّمنا) قال فألقى اللهُ الإيمانَ في قلوبهم فأنزل الله تعالى (لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) قال (قد فعلْت)، (ربَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا) قال (قد فعلْت)، (وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَانَا) قال (قد فعلْت) .
فهذا قانونُ المسلمين وينبغي على الإنسانِ أن يراعيَه وأن لا يستطيلَ في أعراضِ المسلمين فضلًا عن تكفِيرهم وإخراجِهم من المِلِّة بغيرِ حق, وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وأله وسلم كثيرٌ من الأحاديث التي تُحذِّر من أذيِّةِ المسلمين وتتُّبع عورتاهم وتعييرهم فكيف بمَنْ يتتبعهم ليريقَ دماءَهم؟
قال الله جل وعلا (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال (صعِد رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم المنبرَ فنادى بصوتٍ رفيع فقال: يا معشرَ مَنْ أسلم بلسانه، ولم يُفْضِ الإيمانُ إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين، ولا تعيِّروهم، ولا تتّبعوا عورتاهم، فإنَّ مَنْ تتّبعَ عورةَ أخيه المسلم تتَّبع الله عورتَه، ومَنْ تتبعَ اللهُ عورتَه يفضْحُه ولو في جوفِ رَحْلِهِ)
قال (ونظر ابن عمر يومًا إلى البيت أو إلى الكعبة، فقال: "ما أعظمكِ وما أعظم حرمتك، والمؤمنُ أعظمُ حرمةً عند الله منكِ) وهذا الحديث حديثٌ صحيحٌ لغيره أخرجه الترمذي وقال هذا حديث حسنٌ غريب .
وعن عبدالله ابن عباسٍ رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ ثَلاَثَةٌ: مُلْحِدٌ فِي الحَرَمِ، وَمُبْتَغٍ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةَ الجَاهِلِيَّةِ، وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ) أخرجه البخاري.
وفى الصحيحين عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (المسلمُ مَنْ سَلِمَ المسلمون مِنْ لسانه ويده والمهاجرُ مَنْ هجر ما نهى الله تعالى عنه) وقد نهى رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الإشارةِ بالسلاح أو الحديد إلى المسلم جادًا أو مازحًا أو مُمثَّلًا وبيَّن أنَّ ذلك قد يوقع فاعله في حفرة من النار, وأن ذلك ملعونٌ إذا فعل, فكيف بمن يفعل ذلك عمدًا ؟!!
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (لا يشيرُ أحدُكم إلى أخيهِ بالسلاح، فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزعُ في يده، فيقع في حفرة من النار) متفق عليه واللفظُ لمسلم .
وفي روايةٍ لمسلم قال (قال أبو القاسم صلى الله عليه وأله وسلم: منْ أشار إلى أخيهِ بحديدة فإنَّ الملائكةَ تلعنُه حتى وإن كان أخاه لأبيه وأمه) فهذا لا يجوز لا على سبيلِ الجِدِ ولا على سبيلِ المُزاح ولا على سبيلِ التمثيل وأنَّه يكون ملعونًا إذا أشارَ إلى أخيهِ بالحديدة أي بالسلاح ولو كان مازحًا, ولو كان أخاهُ لأبيه وأمه كما قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم, وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن دخولِ المساجدِ والأسواقِ وأماكنِ تَجُّمع الناس بالأسلحةِ إذا كان في حَملِها ضررٌ على المسلمين, فكيف بمن يملأُ نفسه؟ يُفخِّخُ نفسه أو يملأُ سيارةً بالمتفجراتِ أو بأنابيبِ الغاز ثم يتوجه إلى سوقٍ أو مَجْمَعٍ مِنْ تلك المجامعِ التي فيها المسلمون, لكي ينسفُها تحت شعارِ الجهادِ في سبيلِ الله؛ والله برئٌ مِنْ هذه الأفعال ودينهُ ورسولُه.
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم قال (مَنْ مرَّ في شيءٍ مِنْ مساجدنا، أو أسواقنا، ومعه نَبْلٌ فليمسك، أو قال فليأخذ أو ليقبض على نِصالها بكفه أنْ يُصيبَ أحدًا مِنْ المسلمين منها بشيء) متفقُ عليه .
وعن جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما قال (مرَّ رجلٌ في المسجد ومعه سِهام, فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمسك بنصالها) متفق عليه, وفى لفظٍ (أنْ رجلًا مرَّ بأسهمٍ في المسجدِ قد أبدى نصولَها فأُمِرَ أنْ يأخذ بنصولِها كي لا يخدشَ مسلمًا) .
وعن سعيد ابن جبير قال (كنتُ مع ابن عمرَ رضي الله عنهما حين أصابه سِنانُ الرمحِ في أَخمصِ قدمه فلزقت قدمه بالركاب فنزلت فنزعتُها, وذلك بمِنَي فبلغ الحجاج, فجعل يعوده- يعود عبدالله ابن عمر رضي الله عنهما - فقال الحجاج لو نعلم مَنْ أصابك؟ فقال ابن عمر رضي الله عنهما أنت أصبتني، قال وكيف؟ قال حَمَلتَ السلاحَ في يومٍ لم يكن يُحْمَلُ فيه وأدخلت السلاحَ الحَرَمْ، ولم يكن السلاحُ يدخلُ الحَرَمْ) أخرجه البخاري في صحيحه.
بل إنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن إخافةِ المسلمين وعن إرهابِهم, فعن جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما قال (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "مَنْ أخاف أهلَ المدينة فعليه لَعْنَةُ الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلًا من أخافها فقد أخاف ما بين هذين وأشار إلى ما بين جنْبيه صلى الله عليه وأله وسلم") أخرجه ابن أبي شيبة والبخاري في التاريخ الكبير, وإسناده صحيح وأخرجه الإمام أحمد وله شاهد من حديث السائبِ ابن خلاَّد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (مَنْ أخاف أهلَ المدينةِ ظلمًا أخافه الله) والباقي مثله وإسناده صحيح,
وأخرج الإمام أحمد وأبو داود عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى قال (حدثنا أصحابُ محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فنام رجلٌ منهم فانطلق بعضُهم إلى حبلٍ معه - مع النائم- فأخذه ففزِع فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا يحلُّ لمسلمٍ أن يروِّعَ مسلمًا)، لا يحل لمسلمٍ أن يروِّع مسلمًا, فكيف بقتلهِ؟! فكيف بذبحه؟!!!
إنَّ هؤلاء الحمقى مِنْ المغفلين الذين يدَّعونَ أنَّ ما يأتون به هو الجهادُ في سبيل الله جل وعلا, قد أتوا في الإسلامِ أمرًا صارَ أهلُ المِللِ يُشَنِعونَ على الإسلامِ بسببه, بل تَنَاسى أهلُ المِللِ وأهلُ الباطلِ مِنْ أتباعِ الشيطانِ الرجيم ما صنعوه قبل وصاروا يَنْحونَ باللائمةِ على الإسلامِ والمسلمين, وكأنَّ الإرهابَ كلَه إنما تركزَ في دينِ الإسلامِ العظيم!! مع أنك لو نظرت إلى ما يصنعُ هؤلاء من أصحابِ الدياناتِ الأخرى وهم يُصدِّعونَ الرؤوسَ صباحًا ومساءًا بمَا يقولونَ عنه حريةُ الاعتقاد, حرية الارتداد إلى غير ذلك، لو نظرت لعَلِمتَ أنَّ الذي يأتونه تِجاه الإسلامِ والمسلمين هو محضُ التعسُّفِ والتعصبِ والحقدِ الدفين, وهو يظهَرُ واقعًا حيًا حين تُتَاحُ له فرصةُ الظهور.
قال الكاتب جِيبون " إنَّ الصليبيين خدامَ الرب يوم استولوا على بيتِ المقدسِ في الخامس عشر من شهر يوليو سنة تسعٍ وتسعين والف (15/7/1099) رأوا أن يُكرِّموا الرب بذبحِ سبعينَ ألف (70000) مسلم، ولم يرحموا الشيوخَ ولا الأطفالَ ولا النساء في مذبحةٍ استمرت ثلاثةَ أيامٍ بلياليها, حطَّموا رؤوسَ الصبيانِ على الجدران، وألقوا الأطفالَ الرضعَ مِنْ سطوحِ المنازل، وشَووْا الرجالَ والنساءَ بالنار, وبقروا البطون ليروا هل ابتلع أهلُها الذهب أم لم يبتلعوه؟ ؛ ثم يقول: كيف ساغ لهؤلاء بعد هذا كلِّه أنْ يضرعوا إلى اللهِ طالبينَ البركةَ والغفران؟! ".
ويقولُ جوستاف لوبون عن فعل الصليبيين بمسلمي الأندلس لما أُجليَ العرب - يعني المسلمين - سنةَ عشرٍ وستمائة وألف (1610) " اُتُخِذَتْ جميعُ الذرائعِ للفتكِ بهم فقُتِلَ أكثرهم وكان مَنْ قُتِلَ إلى ميعاد الجلاء ثلاثةُ ملايينَ مِنْ الناس, في حين أنَّ العرب لما فتحوا أسبانيا تركوا الناسَ يتمتعون بحريتهم الدينية محتفظين بمعاهِدهِم ورئاستِهم, وقد بلغ من تسامحِ العرب طوال حكمهم في إسبانيا مبلغًا قلَّما يصادف الناس مثلَه هذه الأيام " هذا كلامه كلام جوستاف لوبون.
وأمَّا في أيامِنا هذه فأنت تقرأُ في وثائقِ اليهود نحو أهلِ فلسطين " يا أبناءَ إسرائيل، اسْعَدوا واستبشِروا خيرًا لقد اقتربت الساعةُ التي سنحشرُ فيها هذه الكتلَ الحيوانية في إصطبلاتِها وسُنخضِعُها لإرادتنا ونُسخِّرها لخدمتنا " كما تجده في كتاب الإسلام وبني إسرائيل لجَوَاد رفعت.
وفي روسيا الشيوعية أغلَقَتْ الحكومةَ أربعةَ عشرَ ألفَ مسجدٍ في مقاطعةِ تركستان، وفي منطقةِ الأورال أغلقت سبعةَ آلاف مسجد، وفي القوقاز أربعة آلاف مسجد؛ وكثيرٌ مِنْ هذه المساجدِ حُولِت إلى دورٍ للبغاء وحوانِيت خمر وإصطبلاتِ خيول وحظائر بهائم، وفوق ذلك التصفيةُ الجسديةُ للمسلمين, ويكفي أنْ نَعْلَمَ أنهم قتلوا في ربع قرن ستةً وعشرين مليون مسلم مع تَفننٍ في طرقِ التعذيب والقتل؛ والدولُ الشيوعيةُ الدائرةُ في فلكِ روسيا حذت حذوها, ففي يوغسلافيا أباد تيتو ما يقاربُ المليون من المسلمين، وفي سنواتنا الحاضرة هذه تُنْصَب الملاحقة والمتابعة للمسلمين في الفلبين وإندونيسيا وشرق أفريقيا بصورٍ ظاهرةٍ مفضوحة فضلًا عن الطرقِ الخفيةِ في كثيرٍ مِنْ البلاد؛ فيا تُرى أين الحرية؟! ويا تُرى مَنْ المتعصب ومَنْ هو المتسامح؟!!.
تأمل في دينك ودعك مِنْ هؤلاء الحمقى الذين يشوِّهُونَه الذين يُنَفِّرون حتي المسلمين مِنْ دينِ ربِ العالمين؛ فما أكثر المسلمين الذين صاروا ينظرونَ بعينِ الريبةِ إلي دينهم الحنيف؛ بل إنَّ كثيرًا مِنْ هؤلاء المسلمين يقفون مترددين بين هذه الدعوات الفاجرة إلي القتلِ والذبحِ والإبادة وتلك الدعواتِ الفاجرة إلي الانحلالِ والانعتاقِ مِنْ كل دينٍ وملة؛ وما كان ذلك ينبغي أن يكون أبدًا ولكن هو فِعْلُ طائفةٍ ممن ينتمي إلي دينِ الإسلامِ العظيم, حتي إنَّ الأخرين تركوا ما كانوا يصنعون ونسوا تلك المجازر التي وقعت علي المسلمين بأيديهم وبسببهم وصاروا يذيعون, إنَّ الإسلامَ دينُ إرهابٍ وذبحٍ وقتلٍ وإبادةٍ وتخريب، فيا تُري أين الحرية؟ ويا تري مَنْ المتعصب ومَنْ هو المتسامح؟ إنَّ هؤلاء يريدونَ التشنيعَ علي دينِ الله ربِ العالمين؛ وكما دعا النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلم ربه, دعا ربَهُ ألَّا يجعلَ بأسَ الأُمةِ بينها فمنعها ربنا تبارك وتعالي ولم يُجِبْها، هذه الدعوة التي دعاه الرسول الله صلي الله عليه و آله وسلم لم يستجب لها ربنا تبارك وتعالي، هذه الأُمةُ محميةٌ محروسةٌ, ولو اجتمعَ عليها مَنْ بأقطارها فلا يمكن أنْ تُستأصَلَ شأفتها ولا أنْ تستَباحَ بيضَتُها، صحيح أنَّه في بعضِ الأطرافِ في الأُمة يمكن أنْ يقعَ ما يسوء؛ ولكنَّ الأُمةَ محروسةٌ محفوظةٌ بحفظِ الله ربِ العالمين.
وسألته ألا يُسلِّطَ عليها مِنْ غيرِها مَنْ يستبيحُ بيضتها ويستأصلُ شأفتها فَأَعْطَانِيهَا ولو اجتمعَ عليها مَنْ بأقطارها, وسألته ألَّا يجعلَ بأسها بينها فَمَنَعَنِيهَا حتي يقتُلَ بعضُهم بعضًا, وحتي يسبي بعضهم بعضًا كما في الحديث الذي رواه مسلم رحمه الله.
أعداءُ هذا الدين يأخذون مِنْ هذه الأفعال ما يجعلونه حُجَّةً لمواطنيهم وحُجَّةً علي المسلمين؛ وليس الأمرُ كذلك, تأمل مثلًا فما يُشنِّعونَ بها علي الإسلامِ العظيم مما يتعلق بالرِّقْ، فإنهم يدَّعون أنَّ دينَ الإسلامِ العظيم هو دينُ استرقاقٍ للأحرار, إلي غيرِ ذلك مما هو معلومٌ في هذه الفِرْيَةِ النَجِسة التي يفترونها علي دينِ الإسلامِ العظيم.
تأمل في أحوالهم هم!! فإن مِنْ حقِ الأنسانِ أنْ يسأل - وهو في عصور النهضة والتقدم – مِنْ حقِه أنْ يسألَ عن رائدةِ التقدمِ في هذه العصور – عن أمريكا وكذلك عن أوربا - ماذا صنعوا بالرقيق؟!!!
عندما اتصلت أوروبا بأفريقيةَ السوداء, كان هذا الاتصالُ مأساةً إنسانيةً، تعرض فيها زنوجُ هذه القارة لبلاءٍ عظيم طوالَ خمسةِ قرون ، لقد نُظمت ... نُظمت في دولِ أوروبا بعدما تفتقت عقليتها، نُظِّمت طرقٌ وحشيةٌ خبيثة في اختطافِ هؤلاء واستجلابهم إلى بلادهم؛ ليكونوا وقودَ نهضتها, وليكلفوهم مِنْ الأعمالِ ما لا يطيقون، وحينما اكتُشِفَتْ أمريكا زاد البلاء, لينوءوا بعبءِ الخدمةِ في قارتين بدلًا مِنْ قارة واحدة.
ما ذنبهم؟! اسودادُ بشرتهم؛ مَنْ الذي خلَقهم؟! الذي خلقَ البٍيض هو الذي خلقَ السُود؛ فأيُ مَزِّيَةٍ لأبيضَ علي أسود؟!
دينُ الإسلامِ العظيم يقول لا مزِّيةَ لأبيضَ علي أسود، وأنَّ الذي يُميزُ هذا مِنْ هذا التقوي، ولَرُبَّ عَبْدٍ حبشي يسبقُ سيدًا شريفًا قرشيًا؛ فأين أبو لهب؟ في النار، وأين بلال؟ يسبق النبي صلي الله عليه وسلم أي يسيرُ بين يديه في الجنةِ كما أخبر بذلك رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم؛ وأمَّا هؤلاء فماذا عندَهم مِنْ أصولِ هذا التَحَضُّرِ والتمَدُّن الإسلامي العظيم؟!! ليس عندهم سوي الوحشية، سوي القتل بدمٍ بارد.
تقول دائرةُ المعارف البريطانية في الجزء الثاني في الصفحةِ التاسعةِ والسبعين بعد السبعمائة " إنَّ اصطيادَ الرقيقِ مِنْ قُراهم المحاطةِ بالأدغال, كان يتم بإيقادِ النار في الهشيم الذي صُنعت منه الحظائرُ المحيطةُ بالقرية، حتى إذا نفَرَ أهلُ القريةِ إلى الخلاء, تصَيَدهم الإنجليز بما أعدوا لهم من وسائل؛ وعدا مَنْ كانوا يموتون بسببِ طرقِ الاصطيادِ هذه، وفي الطريق إلى الشواطئ التي ترسو عليها مراكبُ الشركة الإنجليزية وغيرها، فإنَّ ثلثَ الباقين يموتون بسبب تغير الطقس، ويموت 45 % أثناء الشحن – كشحن البهائم- ويموت 12 % أثناء الرحلة، فضلًا عمن يموتون في المستعمرات ".
هل صنعَ الإسلامُ ذلك في البلاد المفتوحة؟! ؛ بل إنه احترمَ إنسانيةَ الخلق، وإنما رُفِعَ السيفُ لأجل إزاحةِ الأنظمةِ التي تَحُولُ بين الشعوب وسماعِ كلمةِ الله رب العالمين، لا أنْ تُغمد السيوفُ في قلوبِ أفرادِ الشعوب المفتوحة، لذلك دخلوا في دينِ الله رب العالمين بلا ضغطٍ كان.
(مكثت تجارة الرقيق في أيدي شركاتٍ إنجليزية, حصلت على حقِ احتكارِ ذلك بترخيصٍ من الحكومةِ البريطانية، ثم أُطلقت أيدي جميع الرعايا البريطانيين في الاسترقاق، ويُقدِّرُ بعضُ الخبراءِ مجموعُ مَنْ استولى عليه البريطانيون من الرقيق, واستعبدوه في المستعمرات من عام (ثمانين وستمائة وألف إلي عام ستة وثمانين وسبعمائة وألف) – في حوالي مائة عام- يُقَدَّرُ عدد الرقيق الذي استعبدوه في المستعمرات (بمليونين ومائةٍ وثلاثون الف شخص)؛ من قوانينهم السوداء: مَنْ اعتدى على سيدِه قُتِل، ومَنْ هربَ قُطِعت يداه ورجلاه وكُويَ بالحديدِ المُحَمَّى، وإذا أبقَ للمرةِ الثانية قُتِلْ)
(وتتعجب كيف يهرب بعدما نُكِّلَ به وقُطعت رِجلاه؟ ؛ ولكن الذي يبدو, أنَّ الجحيمَ الذي كان يعيشه هؤلاء كان أشدَ عليهم من قطع الأيدي والأرجل مما يدعوهم إلى محاولة الهرب مرة أخرى؛ من قوانينهم: يَحْرُم التعليم على الرجلِ الأسود، ويَحْرُم على الملونين وظائف البيض؛ وفي قوانين أمريكا: إذا تجمَّع سبعةٌ من العبيد عُدَّ ذلك جريمة، ويجوز للأبيض إذا مر بهم أن يبصق عليهم وأن يجلدهم عشرين جلدة؛ ونصَ قانون آخر: أن العبيد لا نفس لهم ولا روح، وليست لهم فِطانةٌ ولا ذكاءٌ ولا إرادة، وأنَّ الحياةَ لا توجد إلا في أذرعهم فقط).
والخلاصة في ذلك أنَّ الرقيق من جهة الواجبات والخدمة والاستخدام عاقلٌ مسئول يُعَاقَبُ عند التقصير؛ ومن جهة الحقوق هو شيءٌ لا روح له ولا كِيان، بل هو أذرعٌ فقط – للخدمة خُلقوا-.
لم تستفق ضمائرُهم إلا في هذا القرن الأخير، وأي مُنْصِفٌ يقارن بين هذا وبين تعاليمِ دينِ محمد صلي الله عليه وآله وسلم الذي مضى له أكثرُ من أربعة عشر قرنًا من الزمان، كلُّ مُنْصِفٍ يقارن, يرى أنَّ إقحامَ الإسلامِ في هذا الموضوع أحق بالمثلِ السائر: (رمتني بدائها وانسَلَّت).
إنَّ دينَ محمدٍ صلي الله عليه وسلم هو دينُ الرحمة، إنَّ هذا الدين لا يُفرِّقُ بين الناس علي حسبِ الأعراق، ولا علي حسبِ ألوان بشارتهم، لا يُفرِّقُ الإسلام العظيم بين الناس علي حسبِ مواطنهم؛ وإنما الإكرامُ والتكريمُ علي حسب التقوي (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) ولو كان عبدًا حبشيًا؛ فدينُ الإسلامِ العظيم يُقدِّمُ مَنْ تملَّك المؤهلاتِ والمقوماتِ التي تُقدِمه, لا ينظرُ إلي لونٍ، ولا ينظرُ إلي بلدٍ، ولا ينظرُ إلي قومية.
إنَّ النبي صلي الله عليه وآله وسلم نهي في الحروبِ عن قتلِ النساءِ والصبيان, وعن قتلِ الأُجراء وغيرهم من الأبرياءِ من غير المسلمين – فكيف بالمسلمين؟!!.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (أنَّ امرأةً وجِدت في بعضِ مغازي النبي صلى الله عليه وسلم وجِدَت مقتولةً، فأنكرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلَ النساءِ والصبيان) متفقٌ عليه؛ وفي لفظٍ عن ابن عمرَ رضي الله عنهما قال (وجِدَت امرأةٌ مقتولةٌ في بعض مغازي رسول الله صلي الله عليه وسلم، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان) متفق عليه؛
وعن رَباحِ بن الربيع رضي الله عنه قال (كنا مع رسول الله صلي الله عليه وسلم في غزوةٍ غزاها، وعلى مُقدَّمَتِه خالد بن الوليد، فمرَّ رباحٌ وأصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأةٍ مقتولة، مما أصابت المُقدمة، فوقفوا ينظرون إليها، ويتعجبون من خلْقها، حتى لحِقهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على راحلته، فانفرجوا عنها، فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال «ما كانت هذه لتقاتِل» ، فقال لأحدهم «إلحَقْ خالدًا، فقل له: لا تقتلوا ذريةً، ولا عسيفًا» ) وهذا حديث حسن بشواهده أخرجه أحمد وأبو داود؛ وفي لفظ أبي داود (لا تقتلنَّ امرأةً ولا عسيفًا)؛ والعسيفَ هو الأجِير؛ هذا دينُ الله الذي أرسل به خاتمَ الرسل محمدًا صلي الله عليه وآله وسلم؛ وأما الأخرون, فعن أي دين يَصْدرون؟ إنهم يقتلون الآمنين، إنهم يقتلون الرجال من الشيوخِ والزَمْنَى، ويقتلونَ العجائزَ والنساء، ويقتلونَ الأطفال؛ بل إنهم يَبقرونَ البطونَ لاستخراجِ الذهبِ المُبتلع بزعمِهم؛ كما فعلوا في بيت المقدس.
فأين دين الرحمة إذًا ؟!!
هو دينُ محمدٍ صلي الله عليه وسلم رحمةٌ في السِلْم ورحمةٌ في الحرب، ما جاء النبي صلي الله عليه وآله وسلم بظلمٍ ولا عَسْفٍ ولا جَوْرْ – حاشااااه – صلي الله وسلم وبارك عليه.
أسألُ الله ربَّ العالمينَ أنْ يُفقِهنا في ديننا، وأن يُمسكنا بكتابهِ تبارك وتعالي وبسُنَّةِ نبينا صلي الله عليه وسلم حتي نلقي وجههُ الكريم؛ وصلي الله وسلم علي نبينا محمدٍ وعلي آله وأصحابه أجمعين.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين, وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ له هو يتولى الصالحين, وأشهدُ أنَّ محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه و آله وسلم صلاةً وسلامًا دائمين مُتلازمين إلى يومِ الدين. أما بعد:
فقد مَرَّ ذِكْرُ شيءٍ مما يتعلق بالتكفيريّ الخارجيّ الجَلْد عاصم عبد الماجد، هذا الضالُ كان قد شاركَ فيما سُمِّىَ بالمراجعات، فأمَّا ما كتبه فيما يتعلقُ بمبادرةِ وقف العنف فهذا مُثبتٌ عليه، و شَهِدَ عليه رفاقُه، وأمَّا ما كتبه غيرُه فقد شهِد هو عليه وأقرَّه، ولكنْ أين فِعْلُه من قوله، إنَّ الذي يخالف فِعْلُه قولَه معروفٌ وصفه في دين الله جل وعلا؛ هذا الخارجيُّ الضالُ المحترقُ بالتكفيرِ ظاهرًا وباطنًا، قد أقرَّ ما كُتب في (تسليط الأضواءِ على ما وقع في الجهادِ من أخطاء)، فمنْ الكتب التي ذكروا فيها ما تراجعوا عنه كتابٌ بعنوان (تسليطُ الأضواء على ما وقع في الجهاد من أخطاء)، بل إنَّهُم جمعوا النصوص و جعلوها مُصنَّفةً فيما سَمّوَه (بالدستورِ الإسلامي للقتالِ في الإسلام).
فتأمل الآن فيما قد خُطَّ و فيما يُفعل و تَعجَّب أو لا تتعجب, فكذا شأنُ الخوارجِ دائمًا وأبدًا والله المستعان...لا يجوز قتلُ النساءِ والأطفالِ والشيوخ لقوله تعالى (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ) .
عن سعيد بن جبيرٍ وأبي العالية " المراد بذلك النهي عن قتال من لم يُقاتِل "
عن الحسن البصريّ " المرادُ بذلك: النهى عن ارتكاب المناهي من المُثْلَة والغُلُول وقتل النساء والشيوخ الذين لا قدرة لهم على القتال، وكذلك النهيُ عن قتل الرهبان وتحريق الأشجار وقتل الحيوان من غير مصلحة "
فأين هذا مما يُفعل؟! أين هذا مما يُصنع؟!
قال القرطبيّ: " ولى عليه من النظر أنَّ قَاتَل(فَاعَلَ) لا يكونُ في الغالب إلا من اثنين كالمقاتلة والمشاتمة والمخاصمة، والقتال لا يكون في النساء ولا في الصبيان و مَن أشبهَهم كالرهبان والزَمْني والشيوخ، فلا يُقاتَلوا، وفى الآية نهيٌ مطلق عن قتال من لم يُقاتِل من النساء والأولاد والشيوخ والرهبان، وكذلك أفادت الآية بمفهوم المخالفة وهو حُجَّةٌ شرعيةٌ عند غير الأحناف، أفادت بمفهوم المخالفة عدم قتل من لم يقاتلنا كالمرضي والصغار والنساء ".
قال النوويّ: " أجمع العلماء على تحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يُقاتِلوا "
عن ابن عمرَ رضي الله تعالي عنهما أنَّ النبي صلي الله عليه وسلم (نهي عن قتل النساء والصبيان).
وأخرج مالكٌ وأبو داود وصححه الألباني عن ابن شهابٍ أنَّ ابنًا لكعب بن مالك الأنصاريّ أخبره قال (نهى رسول الله صلي الله عليه وسلم النفرَ الذين قتلوا أبا الحُقيَق عن قتل النساء و الولْدان)
فلماذا يقتلون النساء ويقتلون الصبيان ويقتلون المرضي والشيوخ؟؟
لماذا يُدمِّرون و يُخرِّبون ويعيثون في الأرض فسادًا ؟؟
كتبوا أيضًا " لا يُقتل الأعمى و الزَمْنَي و لا الراهبُ ولا العبد ولا يَقتلُ المجاهد, ولا يَقتُلُ الفلاحين ولا الصُنَّاع "
فعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما في قوله تعالي (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ)، وَلاَ تَعْتَدُواْ: يقول " لا تقتلوا النساء والصبيان والشيخ الكبير, ولا يُقتل الزمنَي ولا الأعمى ولا الراهب ولا يُقتَل العبد " و به قال الشافعي لقول النبي صلى الله عليه وسلم (أدركوا خالدًا فمُرُوه ألَّا يَقتل ذريةً ولا عسيفًا) وهم العبيد .
قال مالكٌ: " لا يُقتل النساءُ والصبيانُ والشيخُ الكبير, والرهبان المحبوسون في الصوامع والديَّارات ".
قال بن قدامةَ رحمه الله " إذا ظفرَ بالكفار لم يَجُز قتلُ صبيٍ لم يبلغ بغير خلاف، ولا تُقتل امرأةٌ ولا هَرِمْ ولا شيخٌ فانٍ " وبذلك قال مالكٌ وأصحابُ الرأي.
أما الفلاحُ الذي لا يُقاتِل فينبغي أن لا يُقاتَل لمِا رَوى عمر رضي الله عنه و رُوي عنه أنه قال " اتقوا الله في الفلاحين الذين لا يناصبونكم الحرب "
وقال الأوزاعي: " لا يُقتلُ الحرَّاث "
هذا كلُّه فى القتال مع الكُفار، فكيف بالقتالِ مع المسلمين؟! لماذا يُقاتِلون؟ هم يُكفِّرونَ أولًا، فالذين يُقاتلونَهم كَفَرَةٌ مرتدون عندهم، هَبوهُمْ كذلك، فأين الدستورُ الإسلاميُ في الحربِ حتي مع الكفار مما خَطته أيديكم مما تصنعون؟!!!.
قال الشوكاني:" لا يجوز مِثلَ مَنْ كان متخليًا للعبادةِ من الكفارِ كالرهبانِ لإعراضهم عن ضرر المسلمين "
وقال صاحبُ كتاب الهداية الحنفي: " لا يقتلوا امرأة ولا صبيًا ولا شيخًا فانيًا ولا مُقعدًا ولا أعمى، لأن المُبيحَ للقتل عندنا هو الحرب، ولا يتحقق منهم، ولهذا لا يُقتل يابسُ الشِقِّ - بأسلوبه ومصطلحه في عصره يعنى من كان مصابًا بالشلل النصفي فهو يابسُ الشقِّ- فلا يُقتل يابس الشقِّ والمقطوع اليُمْنى والمقطوع يده ورِجْلُه منْ خلاف، ولا يَقتُلوا مجنونًا " والمشهور عند المالكية أنَّ الصُنَّاعَ لا يُقتَلون.
فحُرمَةُ قتلِ المدنيين الذين ليسوا مِنْ أهلِ المقاتلةِ والممانعة, مما قررهُ هذا الدينُ الحنيف, لأنَّ العلماءَ اختلفوا في عِلَّةِ قتالِ المشركين: هل هي الكُفْر؟ أو هي الانتصابُ للقتال؟
أما الجمهور فيرون العِلَّةَ الانتصابَ للقتال، وأما الشافعية فيرون أنَّ العِلَّةَ هي الكفر، فإذا أردنا أن ننظر في قول الجمهور وجدنا أنَّه هو الصواب، لأنَّه لو كانت العِلَّةُ الكُفْر, فإنَّ هذه العِلَّة موجودةً في النساءِ والرهبانِ والشيوخِ والزَمْنَي والأعمى، وهؤلاء وردت النصوصُ بمنعِ قتلهم في الحربِ كما مَرَّ .
ويؤيدُ قولَ الجمهور قولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما مَرَّ على المرأة المقتولة (ما كانت هذه تقاتل) فجعلَ النبي صلى الله عليه وسلم عِلَّةَ النهي عن قتلِها أنَّها لا تُقاتِل, ولو كانت عِلَّةُ قتلِ الكفار كُفرَهم لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلِها لأنَّها كافرة .
وكذلك قولُ عمرَ رضي الله عنه " اتقوا الله في الفلاحين الذين لا يَنْصِبونَ لكم الحرب " فجعلَ عِلَّةَ عدمِ قتلِهم أنَّهم لا يشاركون في الحرب, وكُل الأصناف السابقة المَنهيُّ عن قتالهم من النساء والصبيان والشيوخ والزمني والرهبان كلُّهم اشتركوا في عِلَّة واحدة, هي عدم مشاركتِهم في القتال وعدم انتصابِهم له .
قال شيخ الإسلام " وإذا كان أصلُ القتالِ المشروعِ الجهادَ ومقصوده هو أنْ يكونَ الدينُ كله لله. وأن تكون كلمةُ الله هي العليا، فمَنْ منعَ هذا قُتِلَ باتفاق المسلمين, وأمَّا من لم يكن من أهلِ الممانعة والمقاتلة كالنساء والصبيان والراهب والشيخ الكبير والأعمى والزمني ونحوهم, فلا يُقتلون عند الجمهور إلا أن يُقاتِل بقوله أو بفعله وإن كان بعضهم يرى إباحة قتلِ الجميع لمجرد الكفر إلَّا النساءَ والصبيان، والأول هو الصواب- يعنى قول الجمهور- لأن القتالَ إنَّما هو لمِنْ يقاتُلنا إذا أردنا إظهارَ دين الله، وذلك أنَّ الله أباحَ منْ قتلِ النفوس ما يُحتاج إليه في صلاح الخلق، قال تعالى (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) أي أنَّ القتلَ وإن كان فيه شرٌ وفساد، ففي فتنةِ الكفار من الشرِ والفسادِ ما هو أكبر، فمن لم يمنع المسلمين من إقامة دين الله لم تكن مضرة كُفره إلا على نفسه " انتهى كلام شيخ الإسلام رحمه الله
إذًا بناءًا على ما تقدم لا يجوز قتلُ المدنيين الذين لا يشاركون في القتال ولا يَنصِبون أنفسَهُم إليه؛ أولئك الذين يخرُجون من بيوتهم مصبحين, مِنْ أجلِ لقمةِ العيش لمَنْ يعولون, مِنْ أجل ما يتقوََتون به و يعيشون، وهؤلاء لا ينتصبونَ لقتالٍ ولا لحرب, وإنما يخرجون من أجل الضرب في الأرض والسعي فيها بالخير وللخير، فلماذا يُقتلون؟؟ ليس هنالك على ظهر الأرض قانون يُبيحُ قتلَ المدنيين فضلًا عن دين الإسلام العظيم ولا يجوز التمثيلُ بجُثث القتلى .
فعن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بَعَثَ سريةً يقولُ لهم (اغزوا باسمِ الله، في سبيلِ الله تقاتلون مَنْ كَفَرَ بالله، لا تغلُّوا ولا تغدِروا، ولا تُمثِّلوا ولا تقتلوا وليدًا) أخرجه مالك بلاغًا، و يشهد له.
عن سليمان بن بُريدة عن أبيه رضي الله تعالى عنهما قال (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اغزوا ولا تغلُّوا ولا تغدِروا ولا تُمثِّلوا) أخرجه أبو داود وصححه الألباني وهو جزءٌ من حديثٍ عند مسلمٍ في صحيحه (اغزوا ولا تغلُّوا ولا تغدِروا ولا تُمثِّلوا) .
قال ابنُ عابدين: ثبتَ في الصحيحين وغيرهما النهيُ عن المُثْلَة وقال " لو تمَكَّنَ مِنْ كَافِرٍ حال قيامِ الحرب ليس له أن يُمثِّلَ به "، والتمثيل: قطعُ الأطرافِ أو الآذانِ والأنف، هو تشويهُ جثةُ القتيل فضلًا عن أن يأتوا بالرؤوس ليلعبوا بها الكرة !!!
قال ابن قدامة: " ولا يجوز نقلُ رؤوسِ المشركين من بلد إلى بلد, ولا يجوز المُثْلةُ بقتلاهم وتعذيبُهم, لما روى سمرة بن جندب قال كان النبيُ صلى الله عليه وسلم (يحثنا على الصدقة وينهانا عن المُثْلة) أخرجه أبو داود بإسنادٍ صحيح .
وعن عبد الله بن عامرٍ ( أنَّه قَدِمَ على أبي بكرٍ الصدَّيق برأسِ البطريق فأنكر ذلك، فقال يا خليفةَ رسولِ الله إنهم يفعلون ذلك بنا- يعنى يقطعون رؤوس المسلمين وينقلونها فاحتَّجَ على أبي بكرٍ بهذه الحُجَّة- يا خليفةَ رسولِ الله إنهم يفعلون ذلك بنا، قال: فاسْتِنانٌ بفارسَ والروم، لا يُحْمَلْ إليَّ رأس, فإنه يكفي الكتابُ والخبر)
قال الزُهْرِي " لم يُحْمَلْ إلى النبي صلى الله عليه وسلم رأسٌ قط، وحُمل إلى أبي بكرٍ رأسٌ فأنكره, ويُكرهُ رميُها في المنجنيق- يعنى أن يوضع في شِبهِ المِدفع كما كان قديمًا ويُجعلَ مكان الحجارة ليُرمي به الأعداء _ فضلًا عن أنْ تُلعب به الكرة كما هو واقع ومشهود "
أيُ قومٍ هؤلاء؟ وإلى أيِ دين ينتمون؟؟ لا يُقاتَلُ الكفارُ والمشركون قبل دعوتِهم إلى الإسلام .
فعن بُريدة رضي الله عنه أنه قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بَعث أميرًا على سريةٍ أو جيش, أوصاهُ بتقوى الله في خاصة نفسه وبمَنْ معه مِنْ المسلمين خيرًا وقال له: إذا لقيتَ عدوكَ مِنْ المشركين فادْعُهم إلى إحدى ثلاثِ خصالٍ أو خِلال فأيتُها أجابوك إليها فاقبل منهم و كُفَّ عنهم: ادعهم إلى الإسلام فإنْ هم أجابوك فاقْبل منهم وكُفَّ عنهم) رواه مسلم .
قال ابن قدامةَ " منْ لم تبلغُه الدَعوة يُدعَى قبل القِتال ولا يجوز قتالُهم قبل الدعاء ".
قال الشيرازيُ كما في المُهذَّب " فإنْ كانَ العدو مِمَنْ لم تبلُغهُ الدعوة, لم يجُز قتالُهم حتى يدعوَهم إلى الإسلام, لأنَّه لا يلزمُهم الإسلامُ قبل العلم، والدليلُ عليه قولُ الله عزَّ وجل (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا) ولا يجوزُ قتالُهم على ما لا يلزمُهم "
قال الخِرَقىُّ " ويُدعى عَبَدَةُ الأوثانِ قبل أنْ يُحاربوا "
قال ابن قدامة في الشرح " إن وُجِدَ منهم مَنْ لم تبلُغه الدعوة دُعي قبل القتال، وكذلك إنْ وُجِدَ مِنْ أهلِ الكتابِ مَنْ لم تبلُغه الدعوة دُعِيَ قبل قتاله "
قال الشيخُ المحلِيُ في شرحهِ على «منهاجِ الطالبين» للنووي: " ولا يُقاتِلُ الإمامُ البغاةَ حتى يبعثَ إليهم أمينًا يسألهم ما ينقِمُون، فإن ذكروا مظلِمةً أو شُبهةً أزالها، فإن أصرُّوا بعد الإزالة نصحهم بأنْ يعِظَهم ويأمُرَهم بالعودةِ إلى الطاعة، ثم إنْ لم يرجعوا أعلمهم بالقتال "
قال الشيخُ شهابِ الدين في الحاشية شارحًا لما سبقَ قوله " ولا يُقاتِل الإمام أي: لا يجوز حتى يبعثَ إليهم، وهو يشمل إعلامَهم بأي طرقِ الإعلامِ السائغة.
يعنى إذا تجمعوا معتصمينَ في مكان, وأتّوا بالأسلحة وتهيئوا للقِتَال, وخرجوا على الحَاكِم فإنَّه يُعْلِمُهم؛ ظلَّ يُعْلِمُهم أربعين يومًا أو زيادةً على ذلك, عودوا ومعكم السِلْمْ، عودوا ولن تُتَبَعوا، عودوا وأنتم آمِنون، لا تُضيَّقوا على المسلمينَ في شوارعِهم وفى مسيرهم، فلم يفعلوا وأخذوا يُعِدُّون العُدة, ويستقدِمون المرتزقة باسمِ الدين, مِنْ أجل أنْ يجاهدوا بزعمِهم في سبيلِ الإسلامِ العظيم، فلمَّا أرادَ أنْ يَفضَّهم, قابلوا ذلك بالقَتْلِ والترويعِ والتخريب, ثم عادوا بعد ذلك كما صنعت يهود من قبل، عادوا من أجل أن يجعلوها مظلوميةً للإخوانِ المسلمين، يشيرون إليها بأصابعهم قطعها اللهُ ربُّ العالمين، إلى غير ذلك مما يُرَوِّجونَه في طِباق الأرض كلِّها.
إن مما يروِّجه الإخوانُ المسلمون وعلي رأسهم سيد قطب هذه المقولة " إنَّ الوطنَ ما هو إلَّا حَفنةٌ من ترابٍ نَجِس " قل لي بربك إذا كان ذلك كذلك في معتقدِ هؤلاء القوم، فهل يَضِيرُهم أو يضرُّهم أن يُستقدمَ اليهود ليحتلوا قبضةً مِنْ ترابٍ نَجِس؟ ليتها كانت قبضةً مِنْ ترابٍ طاهر يُتيَممُ به أو يُنتفعُ به في شيء، ولكنها عندهم قبضةٌ من ترابٍ نَجس، يَخلِطون بين الأمور و يُدلِّسون على الناس، من قديمٍ وهم يا صاحبي يفعلون، يَدَّعُون أنهم يحاربون الوطنية، يحاربون القومية ويحاربون الوطنية مع أنَّ الأمرَ فيه تفصيلٌ معلوم، بل إنَّ الله جلَّ وعلا ذَكرَ الأوطانَ ومواقِعها في القلوب (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ) وذلك لحبِ الوطن المرتكز في النفوس, مادام لا يتعارضُ مع دينِ الله رب العالمين، فسَوَّى بين قتلِ النفس والخروجِ مِنْ ديارهم, وأخبرَ أنَّه لو كتبَ على عبادِه الأوامرَ الشاقةَ على النفوس, مِنْ قتلِ النفوس والخروجِ مِنْ الديار لم يفعلهُ إلَّا القليلُ منهم بل النادر؛ وقال تعالى (وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا)، فأخبر تعالى أنَّ أهلَ الرأي مِنْ بني إسرائيل وأصحابَ الكلمةِ النافذة تراودوا في شأنِ الجهاد, واتفقوا علي أنْ يطلبوا مِنْ نبيِّهم أنْ يُعيِّنَ لهم مَلِكًا لينقطع النزاع بتعيينه, وتحصُلَ الطاعةُ التامة ولا يبقي لقائلٍ مقال، وأنَّ نبيَهم خَشيَّ أنْ يكون طلبُهم هذا مجردَ كلامٍ لا فِعلَ معه, فأجابوا نبيَهم بالعزمِ الجازم وأنهم التزموا ذلك التزامًا تامًا, وأنَّ القِتالَ مُتعيَنٌ عليهم حيث كانَ وسيلةً لاسترجاعِ ديارهم ورجوعِهم إلى مقرِهم ووطنهم؛ بل نسبَ الله تعالى الدُورَ والأوطَانَ إلى أهلِها وأصحابها، فقال تعالي (لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ)، فنسب الديارَ إلي مُلاَّكِها، وقال تعالى (ٱلَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَٰرِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّآ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا ٱللَّهُ) فنسبَ الديارَ إلى أهلِها، ولو قَنِعَ الناسُ بأرزاقِهم قناعَتهم بأوطانِهم, ما اشتكى عبدٌ الرزق فإنَّ الناسَ بأوطانِهم أقنعُ منهم بأرزاقِهم.
بل إنَّ النبي صلي الله عليه وسلم أشفقَ مِنْ إخراجِه مِنْ أرضِه ووطنِه؛ ففي الصحيحين (أنَّ رسول الله صلي الله عليه وسلم لمَّا أخبرَ ورقة بن نَوفلٍ بما كان مِنْ أمرِ الوحي و عَلِمَ ورقةُ أنَّه النبي المنتظر، قال له: ليتني أكون حيًا إذا يُخرِجُكَ قومُك، فقال صلي الله عليه وسلم: أوَ مُخرِجيَّ هم؟ قال نعم، لم يأت رجلٌ قط بمثل ما جئتَ به إلَّا عودي)
وأخرج الإمامُ أحمد وابن ماجة وابن حبان والحَاكِم عن عبد الله بن عدي بن الحمراء رضي الله عنه أنه سمِعَ النبي صلي الله عليه وسلم وهو علي راحلتِه بمكةَ يقول (والله إنكِ لخيرُ أرضِ الله, وأحبُّ أرضِ الله إلي الله عزَّ وجل, ولولا أنَّي أُخرِجتُ منك ما خرجت) وعند ابن ماجة (وأحبُّ أرضِ الله إليَّ) .
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنَّ النبي صلي الله عليه و سلم قال (باسمِ الله تُربَةُ أرضِنا بريقةِ بعضِنا يُشفي سَقِيمُنا بإذنِ ربنا)؛ فالنبي صلي الله عليه وآله وسلم يُبينُ هذا الأمر الذي جعله الله رب العالمين مغروسًا في الفطرةِ الإنسانية.
الوطنُ الإسلاميُّ حبُّه مِنْ الإيمان, والدفاعُ عنه مِنْ الإيمان وحِياطَتُه مِنْ الإيمانِ, ونفيُ الاضطرابِ والقلقِ والفتنِ عنه مِنْ الإيمان، فعلي الإنسان أنْ يجتهدَ في معرفةِ هذه الأمور، فإنَّ الله تباركَ وتعالي شَرَعَ علي لسانِ رسولِه صلي الله عليه وسلم في حدِّ البكرِ الزاني أنْ يُغرَّب عن وطنِه عامًا, لِما يجدهُ من المشقَّةِ علي النفس عند تغريبِه عن وطنِه، فجعله عقوبةً للفاحشة يقع فيها الرجلُ البكرُ كما بيَّنَ الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وتغريبُ عام.
فعلي المسلمينَ أنْ يتعلموا دينهم, وأنْ لا يُصْغِوا إلي أهلِ الباطلِ الذين يَصْدُرون عن تكفيرِ المسلمين ثم يُرَتِبُون علي ذلك ما يُرَتِبون مِنْ استباحةِ الدماء, واستباحةِ الأموال والأعراض, وتخريبِ المنشآت وتدميرِ المؤسسات, وإذهابِ الثرْوات إلى غير ذلك مما يصنعون، قطعَ الله تبارك وتعالي أيديَهم وألسنتَهم إنَّه تعالي علي كل شيء قدير وصلي الله وسلم علي نبينا محمدٍ وعلي آله وأصحابه أجمعين.