المد الشيعي في مصر

للاستماع للمحاضرة

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّه مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:1].

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:70].

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّـهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فالمعاصي منها صغائر ومنها كبائر، ويُعرف ذلك بكونها واقعةً في الضروريات أو الحاجيات أو التحسينيات، فإنْ كانت في الضروريات فهي أعظم الكبائر، وإن وقعت في التحسينيات فهي أدنى رتبةً بلا إشكال، وإن وقعت في الحاجيات فمتوسطةٌ بين الرُتبتين.

وأيضًا فإنَّ الضروريات إذا تُؤمِّلتْ وُجدت على مراتب في التأثير وعدمه، فليست مرتبة النفس كمرتبة الدين، ولذلك تُستصغر حُرمة النفس في جنب حُرمة الدين، فيُبيح الكفرُ الدمَ، والمحافظة على الدين تُبيح التعرُّض بالنفس للقتل والإتلاف في الأمر بالجهاد دفاعًا عن الدين.

ومرتبة العقل أو المال ليست كمرتبة النَّفس، ألا ترى أن قتلَ النفس مبيحٌ للقصاص، فالقتلُ بخلاف العقل والمال، وكذلك سائرُ ما بقي.

وعند النظر في مرتبة النفس تتباين المراتبُ فيها أيضًا، فليس قطعُ اليدِ كالذبح، وليس الخدشُ كقطعِ اليد.

الضرورياتُ: هي التي تتوقفُ عليها حياةُ الناسِ الدينية أو الدنيوية، بحيث لو فُقدت اختلت الحياة في الدنيا وفات النعيم وحلَّ العقابُ في الآخرة.

وتنحصر في المحافظة على خمسة أمورٍ، هي: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال.

والحاجيات: هي التي يحتاج إليها الناس لرفع المشقة ورفع الحرج عنهم، وإذا فُقدت لا تختل بفقدها حياتهم كما يقع في النوع الأول، بل يُصيبهم من فقدها حرجٌ ومشقة لا يبلغان مَبلغَ الفساد المتوقع في فقْدِ الضروريات.

والتحسينيات: هي ما لا يدخل في النوعين السابقين، بل يرجعُ إلى ما تألفه العقول الراجحات وإلى الأخذ بمحاسنِ العادات وما تقتضيه المروءات، ويجمعُ ذلك قِسمُ مكارم الأخلاق ورعاية أحسن المناهج في العادات والمعاملات.

فأولُ شيءٍ في الضروريات الخمس هو الدين، والحفاظُ عليه مبيحٌ للنَّفس، ألا ترى أنَّ الدين قد رغَّب في الجهاد في سبيل الله وفي المحافظة على دينِ الله ببذلِ النفس في سبيلِ الله فضلًا عن المال وما دونه.

فالدين أول شيء وأولاه بالمحافظة عليه، ويُراق في سبيل ذلك الدماء، وتُبذلُ المُهَجُ والأرواح، والذي يُتابعُ ما يحدثُ لدين الإسلام في هذا العصرِ والأوان ينتابهُ الأسى كله ويُلِمُّ به الحزنُ من جميع أقطارهِ؛ لأنك تسمعُ أنَّ قريةً كاملةً في محافظةٍ متاخمةٍ قد دخلَ نصفُ أهلها في التشيع والنصفُ الباقي يُراوح، قد يدخل قريبًا.

والمرء يتابع أنه تم رصد ما يزيد على عشرين ألفٍ من المسلمين من أهل السُّنة صاروا شيعةً في محافظة الإسكندرية وحدها، هذا فضلًا عما كان معلنًا قبل وعما لا يُعلن ولا يُدرى عنه شيءٌ؛ لأن مثله إنما يدورُ في الخفاء.

هذا الذي يحدث لأهل السُّنة في أرض الكنانة هو من الحفاظ على الدين؟

وهل بلغت المسألة إلى حدِّ التسطيح المعيب؟ وهو في حقيقته خيانةٌ لله وللرسول وللإسلام بالزعم بأنه لا فرق بين السنة والشيعة؛ فإنهم يقولون: لا إله إلا الله، وما دامَ الأمرُ كذلك فليس على السُّني المسلم من بأسٍ ولا تثريب إنْ صار مع أولئك!!

في الوقت الذي لا تجد فيه شيعيًا -إلا على سبيل النُّدرة النادرة- يترك ما كان عليه من تشيعه ورفضهِ ويدخلُ في الإسلام الصحيح على طريقة أهل السُّنة والجماعة الذين يقتدون بالنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وبأصحابه -رضي الله تعالى عنهم- ومنهم عليٌّ -رضي الله تعالى عنه- ومنهم آلُ البيت -رضوان الله عليهم- يقتدون بهؤلاء جميعًا.

في الوقت الذي يُكفِّر فيه الشيعةُ أصحابَ الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلا ثلاثة، ويزعمون أنهم ارتدُّوا عن دين الإسلام العظيم، ويرمون عائشة المطهرة بالخَنا -رضوان الله عليها-، وقد برَّأها الله -رب العالمين- من فوق سبعة  أَرْقِعَة إلى غير ذلك من معتقداتهم.

فبلغ الأمر أن يتم هذا التقاربُ -بل التقرُّبُ- إلى الشيعة عن طريق هذا الزحفِ من أهل السُّنة إلى الشيعة الروافض مُرْتَمِين في عقائدهم وأحضانهم، ولصالح مَن؟ لصالح الشيطان الرجيم.

هذا عالمٌ من علماء الشيعة هو ((حُسين الموسَوِي)) -وهو من علماء النجف- أطلعه الله تعالى على الحقيقة، فسطرَ كتابًا عُرف بـ((كشف الأسرار وتبرئة الأئمة الأطهار))، وهو المشهور بين المسلمين بـ((لله ثم للتاريخ)).

يقول -رحمه الله- إنْ كان قد قُتلَ كما زعموا، وعافاه الله إنْ كان ثابتًا على ما عاد إليه من المذهب الحق -مذهب أهل السنة والجماعة- يقول في بيان حقيقة دين الشيعة وأنه إنما يؤول في بدئه إلى ((عبد الله بن سبأ اليهودي))، فهؤلاء الروافض دينهم دين عبد الله بن سبأ، وعبد الله بن سبأ كان يهوديًا؛ فادَّعى الإسلام ظاهرًا من أجل أن يُفسِدَ على المسلمين دينهم.

يقول حسين المُوسَوِي: ((إنَّ الشائع عندنا -معاشر الشيعة- أن عبد الله بن سبأ شخصية وهمية لا حقيقة لها، اخترعها أهل السُّنة من أجل الطعن بالشيعة ومعتقداتهم، فنسبوا إليه تأسيس التشيع، ليصدوا الناس عنهم وعن مذهب أهل البيت)).

قال: ((سألتُ محمّد الحسين آل كاشِف الغِطاء -وهو من كبار علمائهم- عن ابن سبأ؛ فقال: إن ابن سبأ خرافة وضعها الأمويون والعباسيون حِقدًا منهم على آل البيت الأطهار، فينبغي للعاقل أن لا يشغل نفسه بهذه الشخصية.

قال: ولكني وجدتُ في كتابه المعروف بـ ((أصل الشيعة وأصولها)) في الصفحة الأربعين والصفحة الحادية والأربعين ما يدل على وجود هذه الشخصية وثبوتها حيث قال: آل كاشِف الغِطاء: أما عبد الله بن سبأ الذي يُلْصِقُونه بالشيعة أو يُلْصِقُون الشيعة به، فهذه كتب الشيعة بأجمِعها تعلن بلعْنِهِ والبراءة منه)).

قال: ((ولا شك أن هذا تصريح بوجود هذه الشخصية، فلما راجعته في ذلك -يعني المؤلِّف- قال: إنما قلنا هذا تقيَّةً، فالكتاب المذكور مقصود به أهل السُّنة، ولهذا اتَّبعتُ هذه التقيَّة وأَتْبَعْتُ قولي المذكور بقولي بعده: على أنه ليس من البعيد رأيُ القائل أنَّ عبد الله بن سبأ وأمثاله كلها أحاديث خرافة وضعها القصاصون وأرباب السَّمر والمُجون)).

وقد ألَّف السيد -كذا قال- ((مرتضى العسكري)) كتابه ((عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى)) أنكر فيه وجود شخصية ابن سبأ، كما أنكرها أيضًا ((محمّد جَوَاد مُغْنِيَّة)) في تقديمه لكتاب العسكري المذكور.

وعبد الله بن سبأ هو أحد الأسباب التي ينقمُ من أجلها أغلب الشيعة على أهل السُّنة، ولا شك أن الذين تحدثوا عن ابن سبأ من أهل السُّنة لا يُحصون كثرةً ولكن لا يُعَوِّل الشيعة عليهم لأجل الخلاف معهم.

بيد أننا إذا قرأنا كتبنا المعتبرة –يعني: كتب الشيعة- نجد أنَّ ابن سبأ شخصية حقيقية وإن أنكرها علماؤنا أو بعضهم، وإليك البيان:

عن أبي جعفر: ((أنَّ عبد الله بن سبأ كان يدَّعي النبوة، ويزعم أن أمير المؤمنين هو الله -تعالى الله عن ذلك- فبلغ ذلك أمير المؤمنين –يعني: عليًّا رضي الله عنه- فدعاه وسأله فأقر بذلك، وقال: نعم أنت هو، وقد كان قد أُلقي في رُوعِي أنت الله وأنِّي نبي.

فقال أمير المؤمنين: -يعني: عليًا رضي الله عنه- ويلك قد سَخِرَ منك الشيطان، فارجع عن هذا ثَكلتكَ أمُّك وتُب، فأبى، فحبسه، واستتابه ثلاثة أيام، فلم يتُب، فأحرقهُ بالنار .

وقال: إن الشيطان استهواه، فكان يأتيه ويُلقِي في رُوعِه ذلك)).

وعن أبي عبد الله أنه قال: ((لعن اللهُ عبد الله بن سبأ، إنه ادَّعى الربوبية في أمير المؤمنين عليٍّ، وكان والله أمير المؤمنين عبدًا لله طائعًا، الويل لمن كذبَ علينا، وإن قومًا يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا نبرأ إلى الله منهم، نبرأ إلى الله منهم)).

قال ذلك في ((معرفة أخبار الرجال)) للكَشِّيّ، وهناك روايات أخرى.

وقال المامَقَانِيُّ: ((عبد الله بن سبأ الذي رجع إلى الكُفر وأظهر الغلو)).

وقال: ((غالٍ ملعون، حرَّقه أمير المؤمنين  عليٌّ بالنار، وكان يزعم أنَّ عليًّا إله، ويزعم أنه نبي)).

ذكرَ ذلك في ((تنقيح المقال في علم الرجال)).

وقال النُّوبَخْتِيُّ: ((السبئية قالوا بإمامة عليٍّ، وبأنها فرض من الله -عز وجل- وهم أصحاب عبد الله بن سبأ، وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم وقال: إن عليًا-رضي الله عنه- أمره بذلك، فأخذه عليٌّ فسأله عن قوله هذا، فأقرَّ به فأمر بقتله فصاح الناس إليه: يا أمير المؤمنين أتقتل رجلًا يدعو إلى حبكم أهل البيت وإلى ولايتك والبراءة من أعدائك؟ فصيَّره إلى المدائن)).

هذه بعضُ النصوص ويأتي سواها -إن شاء الله جل وعلا- في إثبات وجود عبد الله بن سبأ، وفي أن أصل المقالات التي تقول بها الشيعة من وجود جزء إلهي في علي -رضي الله عنه-، وكذلك ما نَجم منذ عبد الله بن سبأ من الطعن في أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة والصحابة -رضي الله عنهم- أن ذلك يعود في مبدئه إلى هذا اليهودي عبد الله بن سبأ -لا رَحِمَ اللهُ فيه مغرس إبرة-.

قال الموسويُّ: ((وحكى جماعة من أهل العلم أن عبد الله بن سبأ كان يهوديًا فأسلم ووالى عليًا وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى عليه السلام بهذه المقالة، فقال في إسلامه في علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- بمثل ذلك، وهو أول مَن شَهَرَ القول بفرض إمامة علي -عليه السلام-، -هم يقولون ذلك -رضي الله تعالى عنه-، وأظهر البراءة من أعدائه، فمن هنا قال مَن خالف الشيعة: إن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية)).

وهو كذلك؛ فأصل الرفض مأخوذٌ من اليهودية، والنص على الوصية أو الإمامة في عليٍّ مأخوذٌ من اليهودية، وكذا ما قال به ذلك اليهودي الذي ادَّعى الإسلام ظاهرًا ودخل الإسلام ليُفسدَ الإسلام على أهله، فكان ما كان من الطعن في أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى حد تكفيريهم والزعم بتحريفهم لكتاب ربِّ الأرباب، فكان ما كان من ذلك، وهو راجعٌ في جملتهِ وتفصيلهِ إلى هذا اليهودي عبد الله بن سبأ، فأصلُ ما عندهم من العقائد راجعٌ إلى اليهودية.

قال ((سعد بن عبد الله الأشعري القُمِّيّ)) -في معرض كلامه عن السبئية-: ((السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ، وهو عبد الله بن وهب الرَّاسِبِيِّ الهَمَدانِيِّ -وليس كذلك- وساعده على ذلك عبد الله بن خَرْسِيِّ وابن أسود وهما من أجلِّ أصحابه، وكان أولَّ من أظهرَ الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم)). تجد ذلك في ((المقالات والفِرَق)) له.

قال: وقال الصدوق: قال أمير المؤمنين -رضي الله عنه-: ((إذا فرغ أحدكم من الصلاة فليرفع يديه إلى السماء ويَنْصَب في الدعاء»، فقال ابن سبأ: يا أمير المؤمنين أليس الله -عز وجل- بكل مكان؟

قال: بلى.

قال: فلمَ يرفع يديه إلى السماء؟

فقال: أو ما تقرأ: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات:22]، فمن أين يُطلَب الرزق إلا من موضعه؟ وموضعه ما وعد الله -عز وجل- السماء)).

هذا في كتاب ((مَن لا يحضره الفقيه))، وفيه النصُّ على وحدة الوجود -كما ترى-، وعلى الحلول والاتحاد، وهذا أيضًا من أصولهم.

وذكر ابن أبي الحديد أن عبد الله بن سبأ قام إلى علي وهو يخطب فقال له: ((أنت أنت، وجعل يُكررها، فقال له عليٌّ: ويلك مَن أنا؟

فقال: أنت الله، فأمر بأخذهِ وأُخِذَ قوم كانوا معه على رأيه)).

ذلك في ((شرح نهج البلاغة)) لابن أبي الحديد.

وقال نِعْمَةُ الله الجزائري: ((قال عبد الله بن سبأ لعليٍّ -رضي الله عنه-: أنت الإلهُ حقًا، فنفاه علي إلى المدائن، وقيل:إنه كان يهوديًا فأسلم، وكان في اليهودية يقول في يوشع بن نون وفي موسى مثل ما قال في علي -رضي الله عنه)). هذا في ((الأنوار النعمانية)) للجزائري.

((هذه سبعة نصوص -يقول الموسوي- من مصادر مُعتبرة متنوعة، بعضها في الرجال وبعضها في الفقه والفِرَق، وتركنا النقل عن مصادرِ كثيرة لئلا نطيل، كلُّها تثبت وجود شخصية اسمها عبد الله بن سبأ، فلا يمكننا بعد نفيُ وجودها خصوصًا وأنَّ أمير المؤمنين -رضي الله عنه- قد أنزل بابن سبأ عقابًا على قوله فيه: إنه إله، وهذا يعني أن أمير المؤمنين -رضي الله عنه- قد التقى بعبد الله بن سبأ وكفى بأمير المؤمنين حجة، فلا يمكن بعد ذلك إنكار وجوده)).

قال الموسوي: ((نستفيد من النصوص المتقدمة ما يلي:

إثبات وجود شخصية ابن سبأ ووجود فرقة تناصره وتُنادِي بقوله، وهذه الفرقة تُعرَف بالسبئية،

وأنَّ ابن سبأ كان يهوديًا فأظهر الإسلام، وهو وإن أظهر الإسلام إلا أن الحقيقة أنه بقي على يهوديته، وأخذ يبثُّ سمومه من خلال ذلك.

وأنه هو الذي أظهر الطعن في أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة، وكان أولَّ من قال بذلك، وهو أولُّ من قال بإمامة أمير المؤمنين علي، وهو الذي قال بأنه وَصِيُّ النبي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وأنه نقل هذا القول عن اليهودية، وأنه ما قال هذا إلا محبةً لأهل البيت ودعوةً لولايتهم، وتبرؤًا من أعدائهم -وهم الصحابة ومَن والاهم بزعمه-.

إذن شخصية عبد الله بن سبأ شخصيةٌ حقيقة لا يمكن تجاهلها ولا إنكارها، ولهذا ورد التنصيص عليها وعلى وجودها -يقول الموسوي- في كتبنا -يعني كتب الشيعة- ومصادرنا المعتبرة، وللاستزادة في معرفة هذه الشخصية، انظر المصادر الآتية -يقول ذلك الموسوي-:

((الغاراتُ للثقفي))، ((رجال الطوسي))، و((الرجال للحِلِّي))، ((قاموس الرجال)) للتُستري، ((دائرة المعارف)) المسماة بمقتبس الأثر للأعلمي الحائري، ((الكُنى والألقاب)) لعباس القمي، ((حل الإشكال)) لأحمد بن طاووس، و((الرجال)) لابن داود، و((التحرير)) للطاووسي، و((مجمع الرجال)) للقَهْبَائي، و((نقد الرجال)) للتَّفَرْشِيّ، و((جامع الرواة)) للمقدسي الأرْدِبيلي، و((مناقب آل أبي طالب)) لابن شهر أَوْشَب، و((مرآةُ الأنوار)) لمحمد بن طاهر العاملي.

قال: فهذه على سبيل المثال لا الحصر أكثرُ من عشرين مصدرًا من مصادرنا -يعني: مصادر الشيعة- تنصُّ كلُّها على وجود ابن سبأ، فالعجب كل العجب من فقهائنا أمثال المرتضى العسكري ومحمّد جَوَاد مُغْنِيَّة وغيرهما في نفي وجود هذه الشخصية، ولا شك أن قولهم ليس فيه شيء من الصحة)).

فهذا من الأصول المقرَّرة الآن، أنَّ دينَ الشيعة يعودُ في أصوله إلى اليهودية، وأنَّ ما يقولون به في عليٍّ وآل البيت إنما هو منقولٌ بنصه وفصَّه من اليهودية، وأنَّ الطعن في أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- إنما فَتَقَهُ بدءًا ذلك اليهودي الذي ادَّعي الإسلامَ ظاهرًا، إلى غير ذلك من تلك الطامات التي أسسها ذلك اليهوديُّ لأولئك الشيعة الأنجاس ليكونَ ذلك لهم دينًا.

وليس لهم من عدوٍ على الحقيقة سوى أهل السُّنة، إنهم لا يُعادون اليهود ولا يُعادون النصارى، ولا يُعادون الوثنيين كما سيأتي من كلامهم، وإنما عدوهم على الحقيقة هم أهلُ السُّنة.

وأهلُ السنة يُقادون كالشياة إلى المذبح؛ من أجلِ أن تُراق الدماء حتى تصيرَ أنهارًا، ولخرابِ ديارِ أهل السُّنة، وبثِّ ذلك الشرك في أرجائها.

لمصلحة مَن؟ لمصلحةُ الشيطان الرجيم.

قال الموسوي -في بيان نظرة الشيعة إلى أهل السُّنة، كانوا قديمًا يقولون: اعرفْ عدوكَ، فأما إذ صار اليوم هذا العدو وليًّا ومُقدَّمًا على أهل السُّنة، وصار ناصِرًا مُناصِرًا ومُقدَّمًا على كل أحدٍ من أهلِ الإسلام عند المغفلين والحمقى، الذين أراد اللهُ رب العالمين لأهلِ مصر أن يُبتلوا بهم؛ ليكونَ هذا الخراب في عقائد المسلمين، وهم يُساقون كالشياة إلى المذبح من حيث يدرون ولا يدرون-.

يقول -في بيان نظرة الشيعة إلى أهل السُّنة-: ((عندما نطالع كتبنا المعتبرة -يعني: كتب الشيعة-وأقوال فقهائنا ومجتهدينا؛ نجد أنَّ العدو الوحيد للشيعة هم أهل السُّنة، ولذا وصفوهم بأوصاف وسموهم بأسماء: فسموهم ((العَامَّة)) وسموهم ((النَّوَاصِب))، وما زال الاعتقاد عند معاشر الشيعة أنَّ لكلِّ فردٍ من أهلِ السُّنة ذَيْلًا في دُبُرِه -تحسَّسُوا، تحسَّسُوا يا أهلَ السُّنة-، وإذا شتم أحدهم الآخر وأراد أن يُغْلِظَ له في الشتيمة قال له: عَظْمُ سُنِّيٍّ في قبر أبيك؛ وذلك لنجاسةِ السُّني في نظرِهم إلى الدرجة التي تقضي بأنه لو اغتسل السُّني ألفَ مرة لما طَهُر ولما ذهبت عنه نجاسته)).

لأن عينه نجسةٌ عند هؤلاء الأنجاس الأرجاس.

قال: ((وما زلتُ أذكرُ -يقول الموسوي، هو من علماء النَّجف كما مرَّ، وقد تخرَّج في الحَوْزَة، وكان أبوه من علمائهم أيضًا-، يقول:-ما زلتُ أذكرُ أنَّ والدي التقى رجلًا غريبًا في أحد أسواق المدينة، وكان والدي محبًا للخير إلى حدٍ بعيد، فجاء به إلى دارنا؛ ليَحُلَّ ضيفًا عندنا في تلك الليلة، فأكرمناه بما شاء الله، وجلسنا للسَّمَرِ بعد العشاء وكنت وقتها شابًا في أول دراستي في الحوزة، ومن خلال حديثنا تبين أنَّ الرجلَ سُنيُّ المذهب ومن أطراف سامراء، جاء إلى النجف لحاجة ما.

بات الرجل تلك الليلة، ولما أصبح أتيناه بطعام الإفطار فتناول طعامه ثم هَمَّ بالرحيل، فعرض عليه والدي مَبلغًا من المالِ، فلربما يحتاج إليه في سفره، فشكر الرجل حُسْن ضيافتنا، فلما غادرنا أمر والدي بحرقِ الفراش الذي نام فيه وتطهير الإناء الذي أكل فيه تطهيرًا جيدًا لاعتقاده بنجاسة السُّني، وهذا اعتقاد الشيعة جميعًا، -يقول الموسوي- إذ إنَّ فقهاءنا قرنوا السُّني بالكافر والمشرك والخنزير وجعلوه من الأعيان النجسة.

ولهذا اتفقوا على وجوبِ الاختلاف مع أهلِ السُّنة، فقد روى الصدوق عن عليِّ بن أسباط قال: قلتُ للرضا: يحدث الأمر ولا أجد بُدًّا من معرفته، وليس في البلد الذي أنا فيه مَن أستفتيه من مواليك؟ -يعني: من الشيعة- قال: ائتِ فقيهَ البلد فاستفته في أمرك فإذا أفتاك -وهذا الفقيهُ سُنِّي- بشيءٍ فخُذ بخلافه فإن الحق فيه)). ((عيون أخبار الرضا)).

وعن الحسين بن خالد عن الرضا أنه قال: ((شيعتنا: المسلمون لأمرنا، الآخذون بقولنا، المخالفون لأعدائنا، فمن لم يكن كذلك فليس منَّا)). قال ذلك في((الفصول المهمة)).

وعن المُفضل بن عمر عن جعفر أنه قال: ((كذب مَن زعم أنه من شيعتنا وهو متوثقٌ بعروة غيرنا)).

فالشيعةُ من عقائدهم مخالفةُ أهل السُّنة؛ يشاورونهم ويخالفونهم، ويستفتونهم ويعتقدون الحقَّ في خلافِ إجاباتهم، فيعتقدون خلافَهم.

ويعتقدون عدم جوازِ العمل بما يوافق العامة -يعنون أهل السُّنة- ويوافق طريقتهم.

وهذا بابٌ عقده ((الحرُّ العامليُّ))) في كتابه ((وسائل الشيعة)) فقال: ((الأحاديث في ذلك متواترة، ومن ذلك قول الصادق في الحديثين المختلفين: اعرضوهما على أخبار العامة –يعني: على أخبار أهل السُّنة-، فما وافق ذلك أخبارهم فذروه، وما خالف أخبارَهم فخذوه)).

وقال الصادق: ((إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا بما خالفَ القوم)).

وقال: ((خُذ بما فيه خلاف العامة)).

وقال: ((ما خالف العامةَ ففيه الرشاد، وقال: ما أنتم والله على شيء مما هم فيه -يعني أهل السُّنة-ولا هم على شيء مما أنتم فيه، فخالفوهم فما هم من الحنيفية في شيء)).

وقال: ((والله ما جعل الله لأحد خِيَرَةً في اتَّباع غيرنا، وإن من وافقنا خالف عدونا، ومن وافق عدونا في قول أو عمل فليس منا ولا نحن منه)).

وقول العبد الصالح في الحديثين المختلفين: ((خذ بما خالف القوم، وما وافق القوم فاجتنبه)).

وقول الرضا: ((إذا ورد عليكم خبران متعارضان فانظروا إلى ما يخالف منهما العامة فخذوه، وانظروا بما يوافق أخبارهم فدَعوه)).

وقول الصادق: ((والله ما بقيَ في أيديهم شيءٌ من الحق إلا استقبال القبلة)).

ففي عقائد الشيعة أنه ما بقي في أيديكم -يا أهل السُّنة- منْ شيءٍ من الحق إلا استقبالَ القبلة، وأما ما عدا ذلك فليس من الحق في شيء.

قال الحُرُّ عن هذه الأخبار: ((إنها قد تجاوزت حدَّ التواتر، فالعجب من بعض المتأخرين حيث ظن أنَّ الدليلَ هنا خبرُ واحد، قال: واعلم أنه يظهر من هذه الأحاديث المتواترة بطلان أكثر القواعد الأصولية المذكورة في كتب العامة)). قال ذلك في كتابه ((الفصول المهمة)).

الشيعةُ يعتقدون: أنهم لا يجتمعون مع السنة على شيء:

قال نعمةُ الله الجزائري: ((إنَّا لا نجتمع معهم -أي مع السُّنة- على إله ولا على نبيٍّ ولا على إمام، وذلك أن أهل السُّنة يقولون: إنَّ ربَّهم هو الذي كان محمد نبيه وخليفته مِن بعده أبو بكر، ونحن -يعني الشيعة- لا نقول بهذا الرب ولا بذلك النبي، بل نقول: إنَّ الرب الذي خليفةُ نبيه أبو بكر ليس ربَّنا ولا ذلك النبي بنبينا)).

قال ذلك في: ((الأنوار النعمانية))، في المجلد الثاني، في الصفحة الثامنة والسبعين بعد المائتين، في باب: ((نورٌ في حقيقة دين الإمامة، والعلة التي من أجلها يجب الأخذ بخلاف ما تقوله العامة -يعني أهلَ السنة-))

عقدَ الصدوق هذا الباب في ((علل الشرائع)) فقال: عن أبي إسحاق الأرْجَائِيّ رفعه قال: قال أبو عبد الله: ((أتدري لمَ أُمرتم بالأخذ بخلاف ما تقوله العامة؟

فقلت: لا ندري.

فقال: إن عليًا لم يكن يدين الله بدين إلا خالف عليه الأمة إلى غيره؛ إرادةً لإبطال أمره، وكانوا يسألون أمير المؤمنين عن الشيء الذي لا يعلمونه فإذا أفتاهم جعلوا له ضدًا من عندهم ليلبسوا على الناس.

ويتبادر هاهنا سؤالٌ:

لو فرضنا أنَّ الحق كان مع العامة -أي: مع أهل السُّنة- في مسألة ما، أيجب علينا أن نأخذ بخلاف قولهم؟

قال: أجابني ((محمد باقر الصدر)) مرة فقال: نعم يجب الأخذ بخلاف قولهم؛ لأن الآخِذَ بخلاف قولهم -وإن كان مخطئًا- فهو أهون من موافقتهم على افتراض وجود الحق عندهم في تلك المسألة)).

إنَّ كراهيةَ الشيعة لأهل السُّنة ليست وليدة اليوم، ولا تختص بالسُّنة المعاصرين بل هي عميقة تمتد إلى الجيل الأول لأهل السُّنة أعني الصحابةَ -رضي الله عنهم- ما عدا ثلاثة منهم، هم: أبو ذر والمقداد وسلمان.

ولهذا روى الكُلَيْنِيُّ عن أبي جعفر قال: ((كان الناس أهل ردة بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا ثلاثة: المقداد بن الأسود وسلمان الفارسي وأبو ذر الغِفارِي)).

تجد هذا في ((روضة الكافي))، في المجلد الثامن، في الصفحة السادسة والأربعين بعد المائتين.

وهو نصٌ عندهم على أنَّ الصحابة ارتدوا عن الإسلام وكفروا بعد موت رسول الله إلا ثلاثة: هم المقداد بن الأسود وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري.

لو سألنا اليهود: مَن هم أفضل الناس في مِلَّتِكُم؟

لقالوا: أصحابُ موسى.

ولو سألنا النصارى: من هم أفضل الناس في مِلَّتِكُم؟

لقالوا:حواريو عيسى.

ولو سألنا الشيعة: من هم أسوأ الناس في نظركم وعقيدتكم؟

لقالوا: أصحابُ محمد -صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم-.

إنَّ أصحابَ مُحمد هُم أكثرُ الناس تعرضًا لسَبِّ الشيعة ولعْنِهم وطعنهم، وبالذات أبو بكر وعمر وعثمان وعائشة وحفصة زوجتا النبي -صلى الله عليه وسلم-.

لذلك وردَ في دعاء صنميّ قريش -وهو مما يتخذه الشيعةُ في الطواف دعاءً وهم يطوفون بالبيت، يلعنون أبا بكر وعمر وابنتيهما-، ويقولون: ((اللهم العن صنمي قريش -يعنون أبا بكرٍ وعمر- وجِبْتَيْهِما وطاغوتيهما، وابنتيهما -عائشة وحفصة-... إلى آخر ذلك)).

مما هو عندهم في كتبهم، ومما قرره لهم أئمتهم، وآخرهم ((الخُمَيْنِيُّ)) الهالك -لا رَحِمَ الله فيه مَغْرِزَ إبرة-، وهذا دعاء منصوص عليه في الكتب المعتبرة -يقول الموسوي- وكان الخميني يقوله بعد صلاة الصبح كل يوم.

وعن حمزة بن محمد الطيار أنه قال: ذكرنا محمد بن أبي بكر عند أبي عبد الله، فقال -رحمه الله وصلى عليه-، قال محمد بن أبي بكر لأمير المؤمنين يومًا من الأيام: ((اُبْسُطْ يدك أُبايِعُك.

قال: أوَ مَا فعلتَ؟

قال: بلى.

فبسط يده، وقال: أشهدُ أنك إمام مُفترَض طاعته، وأنَّ أبي -يريد أبا بكر أباه- في النار)).

وعن شعيب عن أبي عبد الله قال: ((ما من أهل بيت إلا وفيهم نَجِيبٌ من أنفسهم، وأنجب النجباء من أهل بيت سوء محمد بن أبي بكر)).

*وأما عُمَر:  

فقال نعمة الله الجزائري: ((إن عمر بن الخطاب كان مصابًا بداءٍ في دُبرهِ لا يهدأ إلا بماءِ الرجال)). -عليه من الله ما يستحقه-، ذكرَ ذلك في ((الأنوار النعمانية)) في المجلد الأول، في الصفحة الثالثة والستين.

((واعلم أن في مدينة كاشان -يقول الموسوي- في منطقة تُسمى ((باغِي فِين)) مشهدًا على غرار الجنديِّ المجهول فيه قبر وهمي لأبي لؤلؤة فيروزٍ الفارسي المجوسي قاتل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، حيث أطلقوا عليه ما معناه بالعربية ((مَرْقَد بابا شُجاع الدين))، وبابا شجاع الدين هو لقب أطلقوه على أبي لؤلؤة لقتله عمر بن الخطاب، وقد كُتب على جدران هذا المشهد بالفارسي ((مَرْكبِرْ أبو بكر، مَرْكبِرْعمر، مَرْكبِرْعثمان))، ومعناه بالعربية: ((الموتُ لأبي بكر، الموت لعمر، الموت لعثمان)).

عقيدتُهم: لا بد من تكفيرِ الصحابة، ولَعْن الشيخين، والوقوع في عِرض رسول الله بوصمِ عائشة بالخنا -وقد برَّأها الله-.

هذه عقيدتُهم؛ يعتقدون أنَّ أهل السُّنة أنجاسَ العين، وأنَّ الواحدَ مِن أهل السُّنة لو اغتسل في البحر المحيط آلاف المرات فإنه لا يخرج عن نجاسته، ويعتقدون تحريفَ كتابِ ربِّ الأرباب، وأنَّ القرآن الذي بين أيدينا ليس بكتابِ ربنا -جلَّ وعلا- وإنما حُرِّف وبُدِّلَ وغُيِّر.

هذا المشهد: وهو مَرْقَدُ بابا شجاع الدين -لا رحم الله فيه مغرز إبرة- يُزار من قبل الإيرانيين وغيرهم من المتشيعين والشيعيين، وتُلقَى فيه الأموال والتبرعات-.

 قال: ((وقد رأيتُ هذا المشهد بنفسي، وكانت وزارة الإرشاد الإيرانية قد باشرت بتوسيعه وتجديده، وفوق ذلك قاموا بطبع صورة المشهد على كارتات تُستخدم لإرسال الرسائل والمكاتيب)).

روى الكُليني عن أبي جعفر قال: ((إن الشيخين -يعني: أبا بكرٍ وعمر- فارقا الدنيا ولم يتوبا ولم يذكرا ما صنعا بأمير المؤمنين، فعليهما لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين)).

عقيدتهم!! تجد ذلك في ((روضةالكافي))، في المجلد الثامن، في الصفحة السادسة والأربعين بعد المائتين.

*وأما عثمان:

فعن علي بن يونس البَيَاضِيّ: ((كان عثمان ممن يُلعَب به، وكان مُخنَّثًا)).

قاله في ((الصراط المستقيم)) في المجلد الثاني، في الصفحة الثلاثين.

*وأما عائشة:

فقد قال ابن رجب البِرْسِيّ: ((إنَّ عائشة جمعت أربعين دينارًا من خيانة)).

يالله!! قد برأها الله، وهي أطهر من ماء المُزْنِ، ومع ذلك يقول هذا الكافرُ فيها هذا الكلام القبيح، وهي زوجُ نبيِّنا، وهي أمُّنا أم المؤمنين.

هذه عقيديتهم!!

مَن يُخاِلف هؤلاء؟

ومَن يأمنُ لهم؟

ومَن يفتح لهم ديارَه ويُمكِّنهم من أهله؟

وما وصفه؟

يقول الموسوي: ((إذا كان الخلفاء الثلاثة بهذه الصفات فلِمَا بايعهم أمير المؤمنين؟ ولمَ صار وزيرًا لثلاثتهم طيلة مدة خلافتهم؟ أكان يخافهم؟ معاذ الله.

ثم إذا كان الخليفة الثاني عمر بن الخطاب مصابًا بداءٍ في دبره ولا يهدأ إلا بماء الرجال -كما قال الجزائري-، فكيف إذن زوجه أمير المؤمنين عليّ ابنته أم كلثوم؟ أكانت إصابته بهذا الداء خافيةً على عليٍّ وعرفها الجزائري؟

لا يحتاج الأمرُ -كذا يقول الموسوي- إلى أكثر من استعمال العقل للحظات.

روى ((الكليني)) في ((الروضة)) في المجلد الثامن في الصفحة الخامسة والثلاثين بعد المائة، قال: ((إنَّ الناس كلهم أولاد زنا أو قال بغايا ما خلا شيعتنا)).

بأمارةِ المُتْعَة!! كما ذكر هو -أعني الموسوي- أنَّ امرأةً جاءت إليه تبكي، وقالت: إنَّ السيد الصدر كان قد تمتع بها قبل أكثر من عشرين عامًا وأنها حملت منه، ولم تتمتع في تلك الفترة، فهي متأكدةٌ تمامًا أنَّ التي وضعتها هي ابنتُهُ.

قال: جاءت تبكي، فقالت: هذا، وقالت: إنَّ ابنتها جاءت إليها فأخبرتها أنَّ السيدَ قد تمتعَ بها، فوقعَ على ابنته!!

ويأتي هذا المُعَثَّرُ الضالُ ليقول: إنَّ الناس كلهم أولادُ زنا -أو قال: بغايا- ما خلا شيعتنا -رمتني بدائها وانسلّت-.

لذلك أباحوا دماء أهل السُّنة وأموالهم:

 فعن داود بن فَرْقَدٍ قال -وتأمل في هذا،  إنْ لم تخشَ على دينِك فاخشَ على دمك، فاخشَ على روحك، فاخشَ على نفسك، فاخشَ على مالك، فاخشَ على حُرُمِك، أذهبتِ الغيرةُ جملةً؟! ماذا جرى للناس؟

أباحوا دماء أهل السنة وأموالهم، فعن داود بن فَرْقَدٍ قال:قلتُ لأبي عبد الله: ((ما تقول في قتل النَّاصِب؟-يعني: السني-.

 فقال: حلالُ الدم، ولكني أَتَّقِي عليك، فإن قدرت أن تقلب عليه حائطًا أو تُغْرِقَهُ في ماءٍ لكيلا يُشهَد عليك فافعل)).

تجده في ((وسائل الشيعة))، في المجلد الثامن عشر، في الصفحة الثالثة والستين بعد الأربعمائة، وفي((حار الأنوار))، في المجلد السابع والعشرين، في الصفحة الحادية والثلاثين بعد المائتين.

علَّق الخميني على هذا بقوله: ((فإن استطعت أن تأخذ ماله فخذه، وابعث إلينا بالخُمْسِ)).

قال نعمة الله الجزائري: ((إن عليَّ بن يَقْطِين وزير الرشيد اجتمع في حبسه جماعة من المخالفين، فأمر غلمانه وألقوا بأسقف المحبس على المحبوسين فماتوا كلهم وكانوا خمسمائة رجل)).

ذكره في ((الأنوار النعمانية)).

تحدِّثُنَا كُتُب التاريخ عما جَرَى في بغداد عند دخول ((هولاكو)) فيها، فإنه ارتكب أكبر مجزرةٍ عرفها التاريخ، بحيث صُبغ نهرَ دِجلة باللون الأحمر لكثرةِ مَن قتل من أهل السُّنة، قتلَ مليوني نَفْسٍ من أهلِ السُّنة عندما داهمَ بغداد، هذا القَدْرُ كله من أهلِ السُّنة، قتلهم بدمٍ باردٍ.

وسالتِ الدماءُ في نهرِ دجلة حتى احْمَرَّ ماؤه، وصُبغ مرةً أخرى باللون الأسودِ لكثرة الكتب التي أُلقيت فيه، وكل هذا بسبب الوزيرين: ((النصير الطُّوسيّ)) و((محمد بن العَلْقَمِيّ))، فقد كانا وزيرين للخليفة العباسيّ، وكانا شيعيين، وكانت تجري بينهما وبين ((هولاكو)) مُراسلات سرية حيث تمكنا من إقناع ((هولاكو)) بدخولِ بغداد وإسقاطِ الخلافةِ العباسية التي كانا وزيرين فيها، وكانت لهما اليدُ الطولى في الحكم، ولكنهما لم يرتضيا تلك الخلافة؛ لأنها تدينُ بمذهب أهل السُّنة، فدخل ((هولاكو)) بغداد وأسقط الخلافة العباسية، ثم ما لَبِثا حتى صارا وزيرين لهولاكو مع أن ((هولاكو)) كان وثنيًا.

ليس عندهم مشكلة، يتعاملون مع الوثنيين ويحالفونهم ضد أهل السُّنة، مع اليهود والنصارى ضد أهل السُّنة، مع الشيطان الرجيم ضد أهل السُّنة، وأهلُ السُّنة في غفلةٍ! طيبون!

يقولون: هم يقولون: لا إله إلا الله.

((الخميني)) كان يترضى على ((ابن يقطين)) و((الطوسي)) و((العلقمي))، ويعتبر ما قاموا به من أعظمِ الخِدمات الجليلة لدين الإسلام.

قال: ((وأختم هذا الباب بكلمةٍ أخيرة وهي شاملة جامعةٌ في هذا الباب، وهي قولُ ((الجزائري)) في حكم النواصب -أي: أهل السُّنة-، قال: إنهم كفارٌ أنجاس بإجماعِ علماء الشيعة الإمامية، وإنهم شرٌّ من اليهودِ والنصارى، وإنَّ من علاماتِ الناصبيِّ تقديم غير عليٍّ عليه في الإمامة)).

تجده في ((الأنوار النعمانية))، في المجلد الثاني، في الصفحة السادسة بعد المائتين وفي السابعة بعد المائتين.

لخّصَ الموسويُّ عقيدةَ الشيعة في أهلِ السُّنة، فقال: ((هكذا نرى أنَّ حكم الشيعة في أهل السُّنة يتلخص فيما يلي: أنهم كُفار -يعني: أهلَ السنة عند الشيعة-، أنجاس، شرٌّ من اليهودِ والنصارى، أولاد بغايا، يجبُ قتلُهم وأخذُ أموالِهم، لا يُمكن الالتقاء معهم في شيء، ولا في رب، ولا في نبي، ولا في إمام، ولا يجوز موافقتهم في قولٍ أو عمل، ويجبُ لعْنُهم وشتْمُهم وبالذات الجيل الأول أولئك الذين أثنى الله عليهم في القرآن الكريم، والذين وقفوا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في دعوته وجهاده.

لما انتهى حكمُ آلِبَهْلَوِي في إيران على إِثرِ ما عُرف بالثورة الإسلامية -ولم تكن كذلك، فهذه مغالطة تاريخية، وارجع إلى ((موسى الموسوي)) في كتابه:  ((الثورةُ البائسة))، وإنما ركبوا الثورة في إيران كما ركبِها غيرُهم في غيرِها، ثم صاروا إلى ولاية الفقيه- لما انتهى حكمُ آلِ بَهْلَوِي في إيران على إِثرِ قيام الثورة الإسلامية وتسلَّم الخميني زمام الأمور، توجَّب على علماء الشيعة زيارةُ وتهنئةُ الإمام بهذا النصر العظيم لقيام أول دولة شيعية في العصر الحديث يحكمها الفقهاء، وكان واجب التهنئة يقع علي شخصيًا أكثر من غيري لعلاقتي الوثيقة بالخميني.

قال: فزرتُ إيران بعد شهرٍ ونصف -وربما أكثر- من دخول الإمام طهران إثْر عودته من منفاه باريس، فرحَّبَ بي كثيرًا، وكانت زيارتي منفردة عن زيارة وفد علماء الشيعة في العراق.

وفي جلسةٍ خاصة مع الإمام -يعني: الخميني الهالك- قال لي: سيد حُسين آن الأوان لتنفيذ وصايا الأئمة -صلوات الله عليهم-، سنسفك دماء النواصب -يعني: أهلَ السنة- ونقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم، ولن نترك أحدًا منهم يُفْلِتُ من العقاب، ستكون أموالُهم خالصةً لشيعة أهل البيت، وسنمحو مكةَ والمدينةَ من على وجه الأرض؛ لأنَّ هاتين المدينتين صارتا معقل الوهابيين، ولا بد أنْ تكونَ كربلاء أرض الله المباركة المقدسة، قِبلةً للناس في الصلاة وسنحقق بذلك حُلم الأئمة -عليهم السلام -كذا قال-، لقد قامت دولتنا التي جاهدنا سنواتٍ طويلة من أجل إقامتها، وما بقي إلا التنفيذ)).

ثم ذكرَ حسين الموسوي ملاحظةً، فقال: ((اعلم أن حقد الشيعة على العامة -أهل السُنة- حقدٌ لا مثيلَ له، ولهذا أجاز فقهاؤنا الكذب على أهل السُّنة وإلصاق التُّهم الكاذبة بهم والافتراء عليهم ووصفهم بالقبائح.

قال: والآن ينظر الشيعة إلى أهل السُّنة نظرةً حاقدةً بُناء على توجيهات صدرت من مراجع عُليا، وصدرت التوجيهات إلى أفراد الشيعة بوجوب التغلغل في أجهزة الدولة ومؤسساتها وبخاصةٍ المهمة منها كالجيشِ والأمنِ والمخابراتِ وغيرها من المسائلِ المهمة فضلًا عن صفوف الحزب.

قال: وينتظر الجميع -بفارغ الصبر- ساعةَ الصفر لإعلانِ الجهاد والانقضاض على أهل السُّنة، حيث يتصور عمومُ الشيعة أنهم يُقدِّمون خدمةً لأهلِ البيت، ونسوا أنَّ الذي يدفعهم إلى هذا أناسٌ يعملون من وراء حجاب)).

هذه بعضُ عقائد أولئك الذين يتغلغلون الآن ممتدين في أرض الكنانة، ويدخلون على أهل السُّنة من بابِ حب آل بيتِ رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.

والمصريون فيهم طِيبة، وفي كثيرٍ منهم غفلة، وليس عندهم وعيٌ بمؤامراتِ أعدائِهم، ويُزيَّنُ لهم في الوقتِ عينهِ ما عليه أعداؤهم، فحينئذ حدِّث عن البلاء إذ طَمَّ وعن الخرابِ إذ عَمَّ، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين.

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له هو يتولى الصالحين، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- صلاةً وسلامًا دائمين متلازمين إلى يوم الدين.

أما بعدُ:

فمن الثابت المقرَّر أنه لا فلاح ولا نجاة إلا باتباع منهاج النبوة، والقصِّ على أثر رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وأثرِ أصحابه -رضي الله عنهم-، مَن لم يلزم هذا فهو مِن أهلِ الضلال ومن الفِرَق النارية كما قال الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-.

ومن مُقرراتِ أهلِ السُّنة على منهاج النبوة أنهم لا يُناظِرون أهل البدع خاصةً إذا كانت المناظرةُ في مكانٍ عام يشهدُها مَن لا يَعي ولا يُدرك، وأهلُ البدعِ كالجَرب ولهم شُبهات، والشُّبهات خطَّافة، والقلوبُ ضعيفة.

وعليه فلا يجوزُ لأحدٍ من أهل السُّنة ولو كان من أهل السُّنة من قَوارِير؛ لأنه في النهاية محسوبٌ على أهل السُّنة، كأن يخرج رجل ليس من أهل السُّنة ولا من السلفيين، يُحسَبَ على السلفيين ثم يُطرَحُ أرضًا؛ يطرحه رافضيٌّ خبيث، ثم يُقال بعد ذلك: ما عندكم من حُجَّة! ويُلَبَّس على المساكين من أهل السُّنة من العوام بأنه ليس عند أولئك من خير، وأن الخير والحجة عند أولئك الروافض الأشرار، أيُّ خديعةٍ هي أكبر من هذا؟

هناك قضيةٌ أُقيمتْ لأجلها الدنيا، تكلم فيها الشيعةُ كثيرًا، وشنعوا فيها كثيرًا على أصحاب النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، وهي ((قضيةُ فَدَك، وهي أرضٌ للنبي -صلى الله عليه وسلم- من أرض خيبر.

إن خيبر لما جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- إليها وحاصرها، انقسمت على قسمين:

على قسمٍ فُتح عنوةً وعلى قسمٍ فُتح صُلحًا، الذي فُتح صلحًا فيه ((فَدَك))، فَفَدَك: أرضٌ صالَحَ النبي -صلى الله عليه وسلم- اليهودَ عليها على أنهم يزرعونها ويعطون نصف غَلَّتها للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فنصفُ غَلَّةِ فَدَك تكون للنبي -صلى الله عليه وسلم-..

بعد أن تُوفي الرسول -صلى الله عليه وسلم- جاءت فاطمة -رضي الله عنها- تُطالِب بميراثها من النبي -صلى الله عليه وسلم-، فذهبتْ إلى أبي بكر -رضي الله عنه-، كان خليفةَ المسلمين وكانت هي تعتقد خلافته وإمامته، فذهبتْ إليه وطلبتْ منه أن يعطيها ((فَدَك))، وأن يعطيها ميراثها من النبي -صلى الله عليه وسلم-.

فقال لها أبو بكر -رضي الله عنه-: إني سمعتُ النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا نُورَث، ما تركناه فهو صدقة)). هذا الحديث متفق على صحته.

 قال أبو بكر -رضوان الله عليه- لفاطمة -رضي الله عنها- سمعتُ رسولَ الله-صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا نُورَث، ما تركناه فهو صدقة)).

لو قلنا لأبي بكر: يا أبا بكر عندكَ فاطمة -رضي الله عنها- تُطالبك بميراثها، وعندك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول لك:  ((لا نُورَث))، تُطِيعُ مَن؟

سيقول أبو بكر -رضي الله عنه، وكذا كل مسلم سيقول-: أطيعُ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-.

حَسَنٌ، ألا تُطِيعُ فاطمةَ-رضي الله عنها-؟

سيقول أبو بكر -رضي الله عنه-: أطيعها لو لم يكن عندي أمرٌ من النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهو معصومٌ وفاطمةُ غير معصومة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أمرني -وهو المعصوم-، فقال: ((لا نُورَث، ما تركناه فهو صدقة)). وإن أحببتم ولم تصدقوني، فاسألوا أصحابَ الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

فهذا الحديث: ((لا نُورَث، ما تركناه صدقة)) لم ينفرد به أبو بكرٍ، بل رواه أبو عبيدة، وعمر، والعباس، والزبير، وطلحة، ورواه علي عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((لا نُورَث، ما تركناه فهو صدقة)).

فيقول أبو بكر حينئذٍ: ماذا أصنعُ وعندي هذا الحديث عن الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- وعندي قولُ فاطمة؟

لا شك أن مَن كان يخشى الله ويقدِّر رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- سيقدِّم قولَ النبي على قول كل أحدٍ، فيقول لها حينئذٍ: لا أستطيع أن أعطيكِ شيئًا، قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا نُورَث، ما تركناه فهو صدقة)).

قال لها ذلك، فرجعت فاطمة -رضي الله عنها- ولم تأخذ ميراثها، فلنُوزِّعِ الآن ميراثَ رسول الله -لو كان له ميراث سوى العلم-، مَن الذي يرث النبي -صلى الله عليه وسلم-؟

يرثه ثلاثة: ترثه فاطمة، ويرثه أزواجه، ويرثه عمه العباس.

فأما فاطمة؛ فلها نصفٌ ما تركَ؛ لأنها فرعٌ وارِثٌ وهي أنثى، وأزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-يشتركن في الثُّمُن؛ لوجود الفرع الوارِث وهي فاطمة، وأما العباس عم النبي -صلى الله عليه وسلم- فيأخذ الباقي تعصيبًا.

هذا هو إرْثُ النبي -صلى الله عليه وسلم-، إذن فليست القضية خاصةً بفاطمة، وأين العباس؟ لمَ لمْ يأتِ ولمْ يطالب بميراثه من النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ وأين أزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمَ لمْ يأتين ويطالبن بإرثهن من النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-؟

لم يكن شيءٌ من ذلك.

قد يقول قائل: تَحْرِمُونَها من الميراث وقد قال الله -جل وعلا-: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} [النمل: 16]. وكذلك قال عن زكريا -عليه السلام- أنه قال عن يحيى لما طلب الولد: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [مريم: 6].

وأنتم تقولون: نحن معاشر الأنبياء ((لا نُورَث، ما تركناه فهو صدقة))، فهذا الحديث يقوله أبو بكر وتلك آيةٌ، والآيةُ إذا عارضت الحديث فالآيةُ مقدَّمةٌ على الحديث، فما تقولون؟

نقول: ليس الأمرُ كما قلتَ.

فإذا قال الشيعة: تعنتًا؟

قلنا: لا والله ليس تعنتًا، وما يضيرنا لو أخذت فاطمةُ نصيبها من رسول الله، وأرضاها ذلك -إن كان لها نصيب-، ما هي العداوة التي بين أهل السُّنة وفاطمة بنت رسول الله؟

وما الذي يضير أهل السنة لو أخذت فاطمة ميراثها -لو كان لها ميراث-؟

ولكنْ اقرءوا الآياتِ وتدبروها، لا نريد منكم أكثرَ من ذلك-إنْ كانت للأبعدين عقولٌ-!!

إن الله -عز وجل- يقول عن زكريا أنه قال: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [مريم: 6]، والآياتُ قبلها {كهيعص * ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} [مريم: 1-6].

هل سياقُ الآياتِ في وراثة المال؟

فلنقرأ في كتب السيرة، ما المال الذي كان عند زكريا؟ كان زكريا -عليه السلام- فقيرًا، كان نجارًا، فما المالُ الذي عنده حتى يطلبَ وارِثًا له؟

ثم هل يُعقَل أن رجلًا صالحًا يسألُ اللهَ الولد ليرثَ عنه المال؟ وأين الصدقة في سبيل الله؟ وأين البذل؟

يطلبُ ولدًا ليرثه، يعني ليرثَ مالَه؟ هذا لا يُقبَل من رجلٍ صالحٍ، فكيف تقبلونه من نبيٍّ كريمٍ؟ أنْ يسألَ اللهَ الولد؛ لأي شيء؟ حتى يرثَ أمواله؟

ماذا تقول في قوله: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [مريم: 6]؟

يرثُ من آل يعقوب: كم بين يعقوب وزكريا من الآباء والأجداد؟

مئاتُ السنين، عشراتُ إن لم نقل: مئاتُ الآباءِ بين زكريا ويعقوب، موسى بين زكريا ويعقوب، أيوب بين زكريا ويعقوب، داود وسليمان بين زكريا ويعقوب، يونس بين زكريا ويعقوب، يوسف بين زكريا ويعقوب، كل أنبياء بني إسرائيل تقريبًا بين زكريا ويعقوب، فزكريا يمثل آخر أنبياء بني إسرائيل. زكريا، يحيى، عيسى، انتهت النبوة، ويعقوب هو إسرائيل، كل أنبياء بني إسرائيل هم بين زكريا ويعقوب.

لا نتكلم الآن عن جميع الأنبياء وإنما عن أنبياء بني إسرائيل، كم سيكون نصيب هذا الولد؟ {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آل ِيَعْقُوبَ} [مريم: 6].

وكم الذين سيحجبونه عن الميراث؟ كم يبلغون؟

هذا كلامٌ لا يُعقَل.

إذن ماذا أراد زكريا؟

أرادَ ميراث النبوة، والميراثُ الحقيقي ميراث النبوة، يرث الدعوة إلى الله -تبارك وتعالى- يرثُ العلم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِرْهَمًا وَلَا دِينَارًا وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ)).

هذا ما أراده زكريا -عليه السلام-.

وأما قوله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} [النمل: 16].

وَرِثَ ماذا؟

وَرِثَ العلم، وَرِثَ النبوة، وَرِثَ الحكمة، وَرِثَ كل هذا مع الدعوة إلى الله -رب العالمين-، ولم يَرِثِ المال.

لو كان مالًا، ما فائدةُ ذكره؟

من الطبعي أن الولدَ يرثُ مالَ أبيه، هذا أمرٌ طبعي، فلماذا يُذكر في القرآن وهو بدهي؟

إن الذي ذُكر في القرآن أمرٌ ذو أهمية {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} [النمل: 16].

كم كان لداود من الأبناء؟

ارجعوا إلى سيرة داود، داودُ على المشهور كانت له ثلاثُمائة زوجة، وسبعمائة سُرِّيَّة -أي: أَمَة-، ذَكروا لداود أولادٌ كُثُر، ألا يرثه إلا سليمان!! هذا لا يمكن أن يكون.

ولنفرض أنه ورثه، ما شأنُ أبي بكر وعمر وعثمان؟ هل أخذوا المال لهم؟

كانوا يعطونه لآل البيت كما كان يفعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، ما ذنبهم؟

ما الخطيئة التي ارتكبوها؟

هل أبو بكر اِسْتَدْخَلَ ((فَدَكَ)) له؟

هل استدخلها عمر؟

هل استدخلها عثمان؟

فلماذا يُلامون؟

شيءٌ آخرٌ: لماذا لم يردها عليٌّ إلى الورثة؟

 فإن عليًا كان في الخلافة -رضي الله عنه- ولم يَرُد ((فَدَك))، فهل كان خائنًا أيضًا -كما كان مَن سبقه-؟

فلنُسلِّم بأن ((فَدَك)) كانت إرثًا لفاطمة -رضي الله عنها-، نصيبها هو النصف، ماتت فاطمة، مَن يرثها؟

يرثها أولادها وزوجها.

مَن أولادها؟

أربعة: الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم، ويرثها زوجها علي.

قد تُوفي النبي -صلى الله عليه وسلم- وتُوفيت أمها فما بقي من الورثة إلا الأولاد والزوجة، الزوج يأخذ الربع لوجود الفرع الوارث، فربع الميراث لعلي، وبقية الميراث -ميراث فاطمة-لأولاد فاطمة {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11].

عليٌّ في خلافته لم يعطِ ((فَدَكَ)) لورثة فاطمة، لم يُعطها لأولاد فاطمة، إذا كان أبو بكرٍ ظالمًا وإذا كان عمر ظالمًا وإذا كان عثمان ظالمًا؛ فلم يرد ((فَدَك)) إلى مَن يستحقها، فعليٌّ كان ظالمًا كذلك!! كلهم لم يُعطوا ((فَدَك)) لأهلها.

أبو بكر لم يعطها لأهلها، وعمر لم يعطها لأهلها، وعثمان لم يعطها لأهلها، وعليٌّ لم يعطها لأهله، فلماذا لم يعطها لأهله؟ فهذا أيضًا ينسرحُ على عليٍّ -رضي الله تعالى عنه-، هذا على فرض أنه كان لها فيها حق -رضي الله تبارك وتعالى عنها-.

فالأمرُ كما ترى لا يحتاج إلى تطويل كلام، ولكنْ على أهل السُّنة أن يحذروا، وأن يتقوا الله -رب العالمين- في دينه -جل وعلا-، فإن لم يخافوا على دينهم فليخافوا على دمائهم..

وأنتم خبيرون بما صنع الروافض بأهل السُّنة في العراق بعد الغزو الكافر، لا يخفى هذا على أحدٍ، ليس لهم من عدو سوى أهل السُّنة، احذروا يا أهلَ السُّنة، واحذروا خيانةَ مَن كان منتسبًا إلى السُّنة منهم، فإنهم يخونونكم في أولِ أمرٍ من الحاجيات -لا بل من الضروريات-.

هو الدين، فإذا خانوكم في الدين فماذا تنتظرون بعد؟

إني لأضرعُ إلى الله -رب العالمين- إذا أرادَ بأهل السُّنةِ فِتنةً أن يقبضنا إليه غير فاتنين ولا مفتونين ولا مُغيرين ولا مُبدلين ولا خزايا ولا محزونين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين.