للاستماع للمحاضرة
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّه مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ. أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّـهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. أَمَّا بَعْدُ:
فَمِن أَدَلِّ مَا يَدُلُّ علَى قِيمَةِ الكَلِمَةِ فِي الإسلامِ؛ ذَلِكَ الجُزءُ مِن حَديثِ المَنَام الطَّويل, الذِي بَيَّنَ فِيهِ جِبريلُ لِلنَّبيِّ ﷺ جَزَاء الرَّجُلِ يَكذِبُ الكِذبَةَ فَتَطِيرُ كُلَّ مَطَار، وَتَسِيرُ كُلَّ مَسَار, وَيَظُنُّ المِسكِينُ أنَّهُ بِمَنأَى مِن عَذابِ اللهِ –عزَّ وجلَّ-, وَأنَّ الكَلِمَةَ لَا قِيمَةَ لهَا وَلَا وَزَن, وَهِي فِي المِيزَانِ أَثقَلُ مِن كَثِيرٍ مِنَ الذِّنُوبِ وَالآثَامِ.
أَخرَجَ البُخَارِيُّ فِي ((صَحِيحِهِ)) عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ –رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا صَلَّى صَلَاةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ, فَقَالَ: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا؟)), قَالَ: فَإِنْ رَأَى أَحَدٌ قَصَّهَا، فَيَقُولُ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَسَأَلَنَا يَوْمًا, فَقَالَ: ((هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا؟)) قُلْنَا: لَا
قَالَ: ((لَكِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي، فَأَخَذَا بِيَدِي فَأَخْرَجَانِي إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ وَرَجُلٌ قَائِمٌ بِيَدِهِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ -وَالكَلُّوبُ: الحَدِيدَةُ الَّتِي يُنشَلُ بِهَا اللَّحمُ وَيُعَلَّق- يُدْخِلُه فِي شِدْقِهِ حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ، ثُمَّ يَفْعَلُه بِشِدْقِهِ الْآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ, وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا فَيَعُودُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ، قُلْتُ: مَا هَذَا؟, قَالَا: انْطَلِقْ.....)) ثُمَّ تَعَدَّدَت المَرائِي وَجَاءَ التَّأوِيل
قَالَ ﷺ: ((قُلْتُ: طَوَّفْتُمَانِي اللَّيْلَةَ فَأَخْبِرَانِي عَمَّا رَأَيْتُ، قَالَا: نَعَمْ، أَمَّا الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بِالْكَذِبَةِ فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الْآفَاقَ, فَيُصْنَعُ بِهِ مَا رَأيتَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)).
رَجُلٌ جَالِسٌ وَرَجُلٌ قَائِمٌ بِيَدِهِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ يُدْخِلُه فِي شِدْقِهِ حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ، ثُمَّ يَفْعَلُه بِشِدْقِهِ الْآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ, وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا فَيَعُودُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ، هَذَا جَزاءُ الكَذَّاب يُحَدِّثُ بِالْكَذِبَةِ فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الْآفَاقَ, فَيُصْنَعُ بِهِ مَا رَأيتَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، يَعنِى: هَذَا هُوَ عَذَابُهُ فِي البَرزَخِ.
فَانظُر إِلَى هذَا العَذابِ –هُدِيتَ-, كَيفَ تَنَاوَل مِن الكَذَّابِ آلَةَ كَذِبِه وَمَوضِع إِفكِه؟ وَكَيفَ يَشُقُّ شِدقُه إِلَى قَفَاهُ بِكَلُّوبٍ مِن حَدِيد, ثُمَّ يُثَنَّى بِالآخَرِ فَيَلتَئِم الأَوَّل, فَيُعَادُ عَلَيهِ بِالشِّقِّ كمَا صُنِعَ بِهِ أَوَّلَ مَرَّة وَهَكَذا إِلَى يَومِ القِيَامَة!!
وَفِي رِوَايَةٍ لِلبُخَارِيِّ: ((فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ, وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ, وَإِذَا هُوَ يَأْتِي أَحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ فَيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ, وَمَنْخِرَهُ إِلَى قَفَاهُ, وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ, ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الْأَوَّلِ, فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الْجَانِبُ كَمَا كَانَ, ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ في الْمَرَّةَ الْأُولَى....)).
وَفِي تَأوِيلِهَا:
((أَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ, وَمَنْخِرُهُ إِلَى قَفَاهُ, وَعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ, فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ فَيَكْذِبُ الْكَذِبَةَ تَبْلُغُ الْآفَاقَ)).
هَذَا جَزاءُ مَن كَذَبَ الكَذِبَةَ تُحمَلُ عَنهُ حتَّى تَبلُغَ الآفَاق، هَذا جَزاءُ مَا أَتَى, وَكِفَاءُ مَا صَنَعَ, فمَن لَا يَقدُرُ الكَلِمَةَ بَعدَ ذَلِكَ قَدرَهَا؟! وَمَن لَا يَعرِفُ لِلكَلِمَةِ بَعدَ ذَلك شَأنَهَا؟!
وَعَن عَبدِ اللهِ بنِ مَسعُودٍ –رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنهُ-: وَهُو يُبَيِّنُ أَنَّ الفِتَنَ تَذهَبُ بِعُقولِ الرِّجَال، وَأنَّ الفِتنَ تَستَخِفُّ العُقولَ ببُدَاءاتِهَا، قَالَ:((أَخَافُ عَلَيكُم فِتَنًا كَأنَّهَا الدُّخَان، يَمُوتُ فِيهَا قَلبُ الرَّجُل كَمَا يَمُوتُ بَدَنُه)).
وَعَن حُذَيفَة بن اليَمَان –رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((تَكُونُ فِتْنَةٌ تَعْرُجُ فِيهَا عُقُولُ الرِّجَالِ حَتَّى مَا تَكَادُ تَرَى رَجُلًا عَاقِلًا)).
وَعَنهُ –رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: ((مَا الْخَمْرُ صِرْفًا بِأَذْهَبَ بِعُقُولِ الرِّجَالِ مِنَ الْفِتْنَةِ)).
وَعَن أَبِي مُوسَى الأَشعَرِيّ –رَضِيَ اللهُ عَنهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: ((إنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ الْهَرْجَ)) قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ؟
قَال: ((الْقَتْلُ، إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمْ الْمُشْرِكِينَ، وَلَكِن قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا، حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ، وَيَقْتُلَ أَخَاهُ، وَيَقْتُلَ عَمَّهُ، وَيَقْتُلَ ابْنَ عَمِّهِ))
قَالُوا: وَمَعَنَا عُقُولُنَا يَوْمَئِذٍ؟!
قَالَ: ((إِنَّهُ لَتُنْزَعُ عُقُولُ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَيَخلُفُ لَهُ هَبَاءٌ مِنَ النَّاسِ، يَحْسَبُ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ، وَلَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ)).
قَالَ أَبُو مُوسَى –رَضِيَ اللهُ عَنهُ-: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مِنْهَا مَخْرَجًا إِنْ أَدْرَكَتْنِي وَإِيَّاكُمْ؛ إِلَّا أَنْ نَخْرُجَ مِنْهَا كَمَا دَخَلْنَا فِيهَا؛ ولَمْ نُصِبْ مِنْهَا دَمًا، وَلَا مَالاً)). أَخرَجَهُ الإِمَامُ أَحمَدُ فِي ((المُسنَد)) بِإسنَادٍ صَحِيحٍ.
وَقَد بَيَّن حُذَيفَةُ –رَضِيَ اللهُ عَنهُ- مَحِكًّا يَقِيسُ بِهِ الإِنسَانُ مَدَى تَأَثُّرِهِ بِالفِتنَةِ، بَيَّنَ مِقيَاسًا يَستَطِيعُ المَرءُ أَنْ يَعلَمَ بِهِ مَدَى تَأَثُّرِهِ بِالفِتنَةِ، فَقَالَ –رَضِيَ اللهُ عَنهُ-: ((إِنَّ الْفِتْنَةَ تُعْرَضُ عَلَى الْقُلُوبِ، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِنْ أَنْكَرَهَا نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَعْلَمَ أَصَابَتْهُ الْفِتْنَةُ أَمْ لَا، فَلْيَنْظُرْ فَإِنْ كَانَ يَرَى حَرَامًا مَا كَانَ يَرَاهُ حَلَالًا، أَوْ يَرَى حَلَالًا مَا كَانَ يَرَاهُ حَرَامًا، فَقَدْ أَصَابَتْهُ الْفِتْنَةُ)).
وَيَجِبُ علَى المُسلِم أنْ يَتَثَبَّتَ مِنَ الأَخبَارِ الشَّائعَةِ وَأَلَّا يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِع, وَأَنْ يَرُدَّهَا إِلَى أَهلِ العِلم.
قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-:{وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} ]النساء: 83[.
وَلِهَذَا قَالَ الرَّسُولُ ﷺ: ((كَيْفَ بِكُمْ بِزَمَانٍ يُغَرْبَلُ النَّاسُ فِيهِ غَرْبَلَةً، وَتَبْقَى حُثَالَةٌ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ، -أَيْ: اختَلَطَت وَفَسَدَت- وَخفت أَمَانَاتُهُمْ، فَاخْتَلَفُوا وَكَانُوا هَكَذَا، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ))، قَالُوا: كَيْفَ بِنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: ((تَأْخُذُونَ مَا تَعْرِفُونَ، وَتَدَعُونَ مَا تُنْكِرُونَ)) أَخرَجَهُ ابنُ مَاجَه بِإِسنَادٍ صَحِيحٍ.
فَالأَخبَارُ الَّتِي تُنقَلُ عَبرَ كَثِيرٍ مِنَ الصُّحُفِ وَالمَجَلَّاتِ, وَوَسَائلِ الإِعلَامِ, وَوَسَائلِ الاتِّصَال لَا يُعتَمَدُ عَليهَا؛ لِأنَّ هَذهِ المَصادِرَ لَيسَت مَحَلَّ ثِقَة، وَأَيضًا غَالِبُ الكُتَّابُ عِندَهُم أَفكَارٌ دَخِيلَةٌ وَاتِّجَاهَاتٌ مُنحَرِفَةٌ إِلَّا مَم رَحِمَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-.
فَالأَخطَاءُ الَّتِي يَتَحَدَّثُ بِهَا الثِّقَاتُ عَن فُلانٍ المَعرُوف؛ تُقبَلُ مِنهُم مَا لَم تُعَارَض بِأقوَى مِنهَا، وَأمَّا مَن لَم تَثبُت ثِقَتُه فلَابُدَّ مِن تَمحِيصِ خَبَرِهِ وَالتَّحَريِ فِيهِ بِمَا يُؤدِّي إِلَى قَبُولِ خَبَرِهِ أَوْ رَدِّهِ، وَهَذِهِ الضَّوابِطُ تَقصِمُ ظُهورَ المُروِّجِينَ لِلفِتَنِ، المُذيعِينَ لِلشَّائعَاتِ، السَّاعِينَ فِي الفُرقَةِ، فَتَسُدُّ عَلَيهِم الطُّرُق, وَتُغلِقُ دُونَهُم الأَبوَاب, وَتُفَوِّتُ عَلَيهِمُ الفُرَصَ الَّتِي يَنتَظِرونَهَا, وَالالتِزام بِتِلكَ الضَّوابِط شَاقٌّ جِدًّا إِلَّا عَلَى مَن وَفَّقَهُ اللهُ -تَعَالَى- وَثَبَّتَهُ.
وَمَن نَظَرَ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ خَاصَّة, وَفِي التَّارِيخِ عَامَّة؛ يَعلَمُ يَقِينًا مَا لِلشَّائعَاتِ مِن خَطَرٍ عَظِيمٍ، وَأَثَرٍ بَلِيغٍ، فَالشَّائعَاتُ تُعتَبَر مِن أَخطَرِ الأَسلِحَةِ الفَتَّاكَةِ وَالمُدَمِّرَة لِلمُجتَمَعَاتِ وَالأَشخَاصِ، وَكَم أَقلَقَت الإِشَاعَةُ مِن أَبرِيَاء, وَحَطَّمَت عُظَمَاء، وَهَزَمَت مِن جُيُوشٍ، وَهَدَمَت مِن وَشَائج، وَتَسَبَّبَت فِي جَرائم, وَفَكَّكَت مِن عَلَاقَاتٍ وَصَداقَاتٍ، وَأَخَّرَت مِن سَيرِ أَقوامٍ؟!
لِخَطَرِهَا وَجَدنَا الدُّوَلَ تَهتَمُ بِهَا، وَالحُكَّامَ يَرقُبونَهَا مُعتَبِرينَ إِيَّاهَا مِقيَاسَ مَشَاعِرِ الشَّعبِ نَحوَ الإِدَارَة صُعودًا وَهُبوطًا، وَبَانِينَ عَلَيهَا تَوقُّعَاتِهِم لِأَحدَاثٍ مَا, سَواءٌ علَى المُستَوَى المَحَلِّي أوْ المُستَوَى الخَارِجِي.
وَلَسنَا مُبَالِغِينَ حِينَ نَقُولُ: إِنَّ مَا وَاجَهَهُ الرَّسُولُ ﷺ فِي حَدِيثِ الإِفْك، هُوَ حَدَثُ الأَحدَاثِ فِي تَارِيخِهِ ﷺ, فَلَم يُمْكَر بِالمُسلِمِينَ مَكرٌ أَشَدُّ مِن تِلكَ الوَاقِعَة، وَهِيَ مُجَرَّدُ فِريَةٍ وَإِشَاعَةٍ مُختَلَقَةٍ بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى كَذِبَهَا، لَكِنَّهَا لَولَا عِنَايَةُ اللهِ كَانَت قَادِرَةً عَلَى أَنْ تَعصِفَ بِالأَخضَرِ وَاليَابِسِ، وَلَا تُبقِي عَلَى نَفْسٍ مُستَقِرَّةٍ مُطمَئِنَّةٍ.
وَلَقَد مَكَثَ مُجتَمَعُ المَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ بِأَكمَلِهِ شَهرًا كَامِلًا وَهُوَ يَصطَلِي نَارَ تِلكَ الفِريَة، وَيَتَعَذَّبُ ضَمِيرُهُ, وَتَعصِرُهُ الإِشَاعَةُ الهَوجَاءُ وَالفِريَةُ الصَّلعَاءُ، حتَّى نَزَلَ الوَحيُ؛ لِيَضَعَ حَدًّا لِتِلكَ المَأسَاةِ المُفظِعَةِ, وَلِيَكُونَ دَرسًا تَربَويًّا رَائعًا لِلمُجتَمَعِ المُسلِم، وَلِكُلِّ مُجتَمَعٍ مُسلِمٍ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ.
قَالَ-جَلَّ وَعَلَا-: {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} ]النور: 11[.
وَلِلإِشَاعَةِ قُدرَةٌ عَلَى تَفتِيتِ الصَّفِّ الوَاحِدِ وَتَمزِيقِهِ، وَتَفتِيتِ الرَّأيِ الوَاحِدِ وَبَعثَرَتِهِ وَتَوزِيعِهِ؛ فَالنَّاسُ أَمَامَهَا بَينَ مُصَدِّقٍ وَمُكَذِّبٍ، وَمُتَرَدِّدٍ وَمُتَبَلبِلٍ، فَغَدَى بِهَا المُجتَمَعُ الوَاحِدُ وَالفِئَةُ الوَاحِدَةُ فِئاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ.
وَثَبَتَ أَنَّ النَّبيَّ ﷺ قَالَ: ((كَفَى بِالْمَرْءِ إِثمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ)) رَوَاهُ مُسلِمٌ فِي مُقَدِّمَةِ ((الصَّحِيح)).
وَفِي رِوَايَةٍ: ((كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ)).
وَقَالَ الإِمَامُ مَالِكٌ –رَحِمَهُ اللهُ- : ((اعْلَم أَنَّهُ فَسَادٌ عَظِيمٌ أَنْ يَتَكَلَّمَ الإِنسَانُ بِكُلِّ مَا سَمِع)).
وَأَثَرُ الشَّائعَاتُ سَيْءٌ جِدُ سَيْء, وَيَنتُجُ عَنهَا غَالبًا آثَارٌ أُخرَى أَسوَءُ مِنهَا، وَفِي تَارِيخِ المُسلِمِينَ مِنَ الشَّائعَاتِ الكَثِيرَةِ الَّتِي كَانَت نَتَائجُهَا سَيِّئةً فِي ظَاهِرِهَا, قِصَصٌ كَثِيرَةٌ مِنهَا:
الشَّائعَةُ الَّتِي انتَشَرَت أَنَّ كُفَّارَ قُرَيشٍ أَسلَمُوا، وَذَلِكَ بَعدَ الهِجرَةِ الأُولَى إِلَى الحَبَشَةِ، فَكَانَ مِن نَتِيجَتِهَا أَنْ رَجَعَ عَدَدٌ مِنَ المُسلِمِينَ إِلَى مَكَّةَ، وَقَبلَ دُخُولِهِم عَلِمُوا أَنَّ الخَبَرَ كَذِب، فَدَخَلَ مِنهُم مَن دَخَل وَعَادَ إِلَى الحَبَشَةِ مَن عَاد، فَأمَّا الذِينَ دَخَلُوا فَأَصَابَ بَعضَهُم مِن عَذَابِ قُرَيشٍ مَا كَانَ هُوَ فَارٌّ مِنهُ، فَللهِ الأَمرُ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
وَفِي مَعرَكَةِ أُحُد، عِندَمَا أَشَاعَ الكَافِرُونَ أَنَّ الرَّسُولَ ﷺ قُتِل؛ فَتَّ ذَلِكَ فِي عَضُدِ كَثِيرٍ مِنَ المُسلِمِينَ، حتَّى إِنَّ بَعضَهُم أَلقَى السِّلَاحَ وَتَرَكَ القِتَالَ وَاستَحسَر.
وَأَدَّت الشَّائعَاتُ الكَاذِبَةُ ضِدَّ الخَلِيفَةِ الرَّاشِدِ عُثمَانَ بنِ عَفَّان –رَضِيَ اللهُ عَنهُ- إِلَى تَجَمُّعِ أَخلَاطٍ مِنَ المُنَافِقِينَ وَدَهمَاءِ النَّاسِ وَجَهَلَتِهِم, وَأَصبَحَت لَهُم شَوكَةٌ، وَقُتِلَ عَلَى إِثرِهَا خَلِيفَةُ المُسلِمِينَ بَعدَ حِصَارِهِ فِي بَيتِهِ وَقَطعِ المَاءِ عَنهُ.
بَلْ كَانَت آَثَارُ هَذهِ الفِتنَةُ، وَمِن آثَارِهَا:
أنْ قَامَت حُرُوبٌ بَينَ بَعضِ الصَّحَابَةِ الكِرَامِ؛ كَمَعرَكَةِ (الجَمَل) وَ (صِفِّين)، وَخَرَجَت عَلَى إِثرِهَا الخَوارِج، وَتَزَندَقَت الشِّيعَة، وَتَرَتَّبَ عَلَيهَا ظُهُورُ المُرجِئَةِ وَالقَدَرِيَّةِ الأُولَى، ثُمَّ انتَشَرَت البِدَعُ بِكَثرَةٍ، وَظَهَرَت فِتَنٌ وَبِدَعٌ وَقَلَاقِلُ كَثِيرَةٌ, مَا تَزالُ الأُمَّةُ المُسلِمَةُ تُعَانِي مِن آثَارِهَا وَنَتَائجِهَا إِلَى اليَّوم.
وَفِي تَارِيخِ المُسلِمِينَ, بَلْ وَفِي سِيرَةِ النَّبيِّ الكَرِيمِ ﷺ حَادِثَةٌ عَظِيمَةٌ لهَا ثِقَلُهَا الكَبِير, وَآثَارُهَا الحَمِيدَةُ فِي نَتَائجِهَا وَهِيَ حَادِثَةُ الإِفْك.
وَقَد ذَكَرَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- فِي أَوائلِ (سُورَةِ النُّورِ) آيَاتٍ فِي تَعظِيمِ الرَّميِ بِالزِّنَى عُمُومًا, وَصَارَ ذَلِكَ كَأنَّهُ مُقَدِّمَةٌ لِلقِصَّةِ الَّتِي وَقَعَت عَلَى أَشرَفِ النِّسَاءِ أُمِّنَا أُمِّ المُؤمِنِينَ عَائشَة –رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنهَا-، وَهَذِهِ الآيَاتُ نَزَلَت فِي قِصَّةِ الإِفْكِ المَشهُورَةِ الثَّابِتَةِ فِي الصِّحَاحِ وَالمَسَانِيدِ وَالسُّنَن.
وَحَاصِلُهَا أَنذَ النَّبيَّ ﷺ فِي بَعضِ غَزَوَاتِهِ وَمَعَهُ زَوجُهُ عَائشَةُ الصِّدِّيقَةُ بِنتُ الصِّدِّيق، فَانقَطَعَ عِقدُهَا فَانَحبَسَت فِي طَلَبِهِ وَرَحَلُوا، وَقَد رَحَّلُوا جَمَلَهَا وَهَودَجَهَا، وَلَم يَفقِدُوهَا لِخِفَّةِ جِسمِهَا حِينَئذ، ثُمَّ استَقَلَّ الجَيشُ رَاحِلًا، وَجَاءَت مَكَانَهُم، وَعَلِمَت أَنَّهُم إِذَا فَقَدُوهَا رَجَعُوا إِلَيهَا, فَاستَمَرُّوا فِي مَسِيرِهِم.
وَكَانَ صَفوَانُ بنُ المُعطَّلِ السُلَمِي, وَهُوَ مِن أَفَاضِلِ أَصحَابِ النَّبيِّ ﷺ، قَد عَرَّسَ فِي أُخرَيَاتِ القَومِ وَنَام، فَرَأَى عَائشَةُ –رَضِيَ اللهُ عَنهَا- فَعَرَفَهَا، فَأَنَاخَ رَاحِلَتَهُ، فَرَكِبَتهَا مِن دُونِ أَنْ يُكَلِّمَهَا أَوْ تُكَلِّمَهُ، ثُمَّ جَاءَ يَقُودُ بِهَا بَعدَ مَا نَزَلَ الجَيشُ فِي الظَّهِيرَةِ، فَلَمَّا رَأَى بَعضُ المُنَافِقِينَ الذِينَ فِي صُحبَةِ الأَمِينِ ﷺ فِي ذَلِكَ السَّفَرِ, مَجِيءَ صَفوَانَ بِهَا فِي هَذِهِ الحَالِ، أَشَاعَ مَا أَشَاعَ، وَوَشِيَ الحَدِيث، وَتَلَقَّفَتهُ الأَلسُن، حَتَّى اغتَرَّ بِذَلِكَ بَعضُ المُؤمِنِين، وَصَارُوا يَتَنَاقَلُونَ هَذَا الكَلام.
وَانحَبَسَ الوَحيُ مُدَّةً طَوِيلَةً عَن رَسُولِ اللهِ ﷺ, وَبَلَغَ الخَبرُ عَائشَةَ بَعدَ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ، فَحَزِنَت حُزنًا شَدِيدًا، فَأَنزَلَ اللهُ بَراءَتَهَا فِي هَذِهِ الآيَاتِ فِي أَوَّلِ (سُورَةِ النُّور)، وَوَعَظَ اللهُ المُؤمِنينَ وَأَعظَمَ ذَلِكَ، وَوَصَّاهُم بِالوَصَايَا النَّافِعَة.
فَقولُهُ تَعَالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ} أَيْ: بِالكَذِبِ الشَّنِيعِ، وَهُوَ رَمْيُ أُمِّ المُؤمِنِين.
{عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} أيْ: جَمَاعَةٌ مُنتَسِبُونَ إِلَيكُم يَا مَعشَرَ المُؤمِنِين، مِنهُم المُؤمِنُ الصَّادِقُ فِي ايمَانِهِ
وَلَكِنَّهُ اغتَرَّ بِتَروِيجِ المُنَافِقِينَ, وَمِنهُم المُنَافِق.
{لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُم} لمَّا تَضَمَّنَ ذَلكَ تَبرِئَةَ أُمِّ المُؤمِنينَ وَنَزاهَتَهَا، وَالتَّنوِيه بِذِكرِهَا، حتَّى تَناوَلَ عُمُومَ المَدحِ سَائرَ زَوجَاتِ النَّبيِّ ﷺ، وَلِمَا تَضَمَّن مِن بَيانِ الآيَاتِ المُضطرِ إِلَيهَا العِبَاد، الَّتِي مَا زَالَ العَمَلُ بِهَا إِلَى يَومِ القِيَامَة، فَكُلُّ هَذَا خَيرٌ عَظِيمٌ، لَولَا مَقَالَةُ أَهلِ الإِفْك لَم يَحصُل ذَلِكَ.
وَإِذَا أَرادَ اللهُ أَمرًا جَعَلَ لَهُ سَبَبًا، وَلِذَلكَ جَعَلَ الخِطَابَ عَامًّا مَع المُؤمِنينَ كُلِّهِم، وَأَخبَرَ أَنَّ قَدحَ بَعضِهِم بِبَعضٍ كَقَدحٍ فِي أَنفُسِهِم، فَفِيهِ أَنَّ المُؤمِنينَ فِي تَوادِّهِم وَتَراحُمِهِم وَتَعَاطُفِهِم، وَاجتِمَاعِهِم عَلَى مَصَالِحِهِم، كَالجَسدِ الواحِد، وَالمُؤمِنُ لِلمُؤمِنِ كَالبُنيَانِ يَشُدُّ بَعضُهُ بَعضًا، فَكَمَا أَنَّه يَكرَهُ أَنْ يَقدَحَ أَحدٌ فِي عِرضِهِ، فَليَكرَهُ مِن كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَقدَحَ فِي أَخِيهِ المُؤمِن، الذِي هوَ بِمَنزِلَةِ نَفسِهِ، وَمَا لَم يَصِل العَبدُ إِلَى هَذهِ الحَالِ، فَإنَّه مِن نَقصِ إِيمَانِهِ وَعَدَمِ نُصحِهِ.
{لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ} وَهَذا وَعِيدٌ لِلذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ، وَأَنَّهُم سَيُعَاقَبُونَ عَلَى مَا قَالُوا مِن ذَلِك، وَقَد حَدَّ النَّبيُّ ﷺ مِنهُم جَمَاعَة -أَيْ: أَقَامَ عَلَيهِم حَدَّ القَذفِ-.
{وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ} أَيْ: مُعظَمَ الإِفكِ، وَهُوَ المُنَافِقُ الخَبيثُ عَبدُ اللهِ بنُ أُبَيِّ بِنِ سَلُولٍ -لَعَنَهُ الله-
{لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} أَلَا وَهُوَ الخُلودُ فِي الدَّركِ الأَسفَلِ مِنَ النَّارِ.
ثُمَّ أَرشَدَ اللهُ عِبَادَهُ عِندَ سَمَاعِ مِثلِ هَذَا الكَلامِ فَقَالَ: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} أَيْ: ظَنَّ المُؤمِنونَ بَعضُهُم بِبَعضٍ خَيرًا، وَهُوَ السَّلَامَةُ مِمَّا رَمُوا بِهِ، وَأَنَّ مَا مَعَهُم مِن الإيمَانِ المَعلُومِ يَدفَعُ مَا قِيلَ فِيهِم مِنَ الإِفكِ البَاطِلِ.
{وَقَالُوا} بِسَبَبِ ذَلِكَ الظَّنّ {سُبْحَانَكَ} أَيْ: تَنزِيهًا لَكَ مِن كُلِّ سُوءٍ، وَعَن أَنْ تَبتَلِيَ أَصفِيَاءَكَ وَأَولِيَائكَ بِالأُمُورِ الشَّنِيعَةِ.
{هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} أَيْ: هَذَا كَذِبٌ وَبُهتٌ مِن أَعظَمِ الأَشيَاءِ وَأَبيَنِهَا، فَهَذَا مِنَ الظَّنِّ الوَاجِبِ حِينَ سَمَاع المُؤمِن عَن أَخِيهِ المُؤمِن مِثلَ هَذَا الكَلَام، وَأَنْ يُبَرِّئَهُ بِلِسَانِهِ وَيُكَذِّبَ القَائلَ فِيمَا افتَرَاهُ.
{لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} أَيْ: هَلَّا جَاءَ الرَّامُونَ عَلَى مَا رَمَوْا بِهِ بِأَربَعَةِ شُهَدَاءَ -أَيْ: عِدُولٍ مُرضِيين-.
{فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} وَإِنْ كَانُوا فِي أَنفُسهِم قَد تَيَقَّنُوا ذَلِك، فَإِنَّهُم كَاذِبُونَ فِي حُكمِ اللهِ؛ لِأنَّهُ حَرَّمَ عَلَيهِم التَّكَلُّمَ بِذَلِك مِن دُونِ أَربَعَةِ شُهود، وَلِهَذَا قَالَ: { فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} وَلم يَقُل (فَأُولَئكَ هُمْ الكَاذِبُون), وَهَذا كُلُّهُ مِن تَعظِيمِ حُرمَةِ عِرضِ المُسلِمِ، بِحيثُ لَا يَجُوزُ الإِقدَامُ علَى رَميِه مِن دُونِ نِصَابِ الشَّهَادَةِ بِالصِّدقِ.
{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} بِحيثُ شَمِلَكُم إِحسَانُهُ فِيهِمَا، فِي أَمرِ دِينِكُم وَدُنيَاكُم.
{لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَفَضْتُمْ} أَيْ: خُضْتُم {فِيهِ} مِن شَأنِ الإِفكِ {عَذَابٌ عَظِيمٌ} لِاستِحقَاقِكُم ذِلكَ بِمَا قُلتُم، وَلَكِنْ مِن فَضلِ اللهِ عَلَيكُم وَرَحمَتِه أَنْ شَرَعَ لَكُم التَّوبَة، وَجَعَل العُقُوبَةَ مَطهَرَةً لِلذِّنُوبِ.
{إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} أَيْ: تَلقَّفُونَه وَيُلقِيهِ بَعضُكُم إِلَى بَعضٍ، وَتَستَوشُونَ حَدِيثَهُ وَهُوَ قَولٌ بَاطِلٌ.
{وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ} وَالأَمرَانِ مَحظُورَان؛ التَّكَلُّم بِالبَاطِلِ, وَالقَولُ بِلَا عِلم.
{وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا} فَذَلِكَ الذِي جَعَلَ بَعضَكُم يُقدِمُ عَلَيهِ, ثُمَّ تَابُوا مِنهُ –يَعنِي: مَن كَانَ مِنهُم مُؤمِنًا- وَقَد تَطَهَّرُوا بَعدَ ذَلِكَ بِإِقَامَةِ الحَدِّ عَلَيهِم.
{وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} وَهَذَا فِيهِ الزَّجرُ البَلِيغُ عَن تَعَاطِي بَعضِ الذِّنُوبِ عَلَى وَجهِ التَّهَاوُنِ وَالاستِخفَافِ بِهَا، فَإِنَّ العَبدَ لَا يُفِيدُهُ حُسبَانُهُ شَيئًا، وَلَا يُخَفِّف مِن عُقُوبَتِهِ الذَّنب، بَلْ يُضَاعِفُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لَهُ العُقُوبَةَ؛ لِاستِخفَافِهِ بِمَا أَمَر اللهُ رَبُّ العَالمِينَ بِأَلَّا يُقْرَب, فَيَسهُلُ عَلَيهِ عِندَ الاستِخفَافِ أَنْ يَقعَ فِي الذَّنبِ مَرَّةً بَعدَ مَرَّة.
وَالإِنسَانُ يَنبَغِي عَلَيهِ أَنْ يَخافَ؛ لِأنَّه بِنَظَرِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-, يَرَاهُ اللهُ رَبُّ العَالمِينَ وَيُبصِرُه، عَلَيهِ أَنْ يَخافَ أَنْ يَسخَطَ اللهُ -تَبارَك وَتعَالَى- عَلَيهِ إِذْ يَرَاهُ عَلَى مَعصِيَتِه, فَيُسقِطُهُ مِن نَظَرِهِ فَلَا يَعتَبِرُه أبَدَ الآبِدِين.
{ولَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ} أَيْ: وَهَلَّا إِذ سَمِعتُمُوهُ أَيُّهَا المُؤمِنونَ، أَيْ: سَمِعتُم كَلَامَ أَهلِ الإِفكِ وَالبَاطِلِ {قُلْتُمْ} مُنكِرِينَ لِذَلِك، مُعْظِمِينَ لِأَمرِهِ.
{مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا} أَيْ: مَا يَنبَغِي لَنَا وَمَا يَلِيقُ بِنَا الكَلَامُ بِهَذا الإِفْكِ المُبِينِ؛ لِأَنَّ المُؤمِنَ يَمنَعُهُ إِيمَانُهُ مِن ارتِكَابِ القَبَائحِ.
{هَذَا بُهْتَانٌ} أَيْ: كَذِبٌ عَظِيمٌ.
{يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ} أَيْ: لِنَظِيرِهِ، مِن رَميِ المُؤمِنِينَ بِالفُجُورِ، فَاللهُ يَعِظُكُم وَيَنصَحُكُم عَن ذَلِك، وَنِعمَ المَواعِظُ وَالنَّصَائحُ مِن رَبِّنَا, فَيَجِبُ عَلَينَا مُقَابَلَتُهَا بِالقُبُولِ وَالإذعَانِ وَالتَّسلِيمِ وَالشُّكرِ لهُ، علَى مَا بَيَّنَ لَنَا.
{إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} دَلَّ ذَلِكَ علَى أَنَّ الإِيمَانَ الصَّادِقَ يَمنَعُ صَاحِبَهُ مِنَ الإِقدَامِ عَلَى المُحَرَّمَاتِ.
{وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ} المُشتَمِلَةَ علَى بَيَانِ الأَحكَامِ، وَالوَعظِ، وَالزَّجرِ، وَالتَّرغِيبِ، وَالتَّرهِيبِ، يُوضِّحُهَا لَكُم تَوضِيحًا جَلِيًّا.
{وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} أَيْ: كَامِلُ العِلمِ عَامُّ الحِكمَةِ، فَمِنْ عِلمِهِ وَحِكمَتِهِ، أَنْ عَلَّمَكُم مِن عِلمِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ رَاجِعًا لمَصَالِحِكُم فِي كُلِّ وَقتٍ.
{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ} أَيْ: الأُمُورُ الشَّنِيعَةُ المُستَقبَحَةُ, فَيُحِبُّونَ أَنْ تَشتَهِرَ الفَاحِشَةُ {فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} مُوجِعٌ لِلقَلبِ وَالبَدَن, وَذلِك لِغِشِّهِ لإِخوانِه المُسلِمينَ, وَمحبَّةِ الشَّرِّ لهُم, وَجراءَتِه علَى أَعراضِهِم.
فَإذا كَانَ هذا الوَعيدُ لِمُجرَّد مَحبَّةِ أنْ تَشيعَ الفَاحِشةُ, وَاستِحلَاءِ ذَلكَ بِالقَلبِ, فَكيفَ بمَا هُوَ أَعظَم مِن ذلك, مِن إِظهَارِهِ وَنَقلِهِ وَالجِدِّ فِي إفشَائهِ بَينَ المُؤمِنين؟!
وَسواءٌ كانَت الفَاحشةُ صَادِرةً أوْ غيرُ صَادِرة, وَكلُّ هَذا مِن رَحمَةِ اللهِ لِعبَادِهِ المؤمِنين, وَصِيانَةِ أَعراضِهِم كمَا صَانَ دِماءَهُم وأموالَهُم, وَأَمرَهُم بمَا يَقتَضِي المُصَافَاة, وَأنْ يُحبَّ أَحدُهُم لِأخيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفسِهِ, وَيَكرَهَ لهُ مَا يَكرَهُهُ لِنَفسِه.
{وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} فَلِذَلِكَ عَلَّمَكُم وَبَيَّنَ لَكُم مَا تَجهَلُونَه
{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} قَد أحَاطَ بِكُم مِن كلِّ جَانِبٍ
{وَرَحْمَتُهُ} عَلَيكُم {وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} لَمَا بَيَّنَ لَكُم هذِهِ الأحكَامَ وَالمَواعِظَ وَالحِكَمَ الجلِيلَة, وَلَمَا أَمهَلَ مَن خَالَفَ أَمرَه, وَلَكِنَّ فَضلَهُ ورحمَتَهُ, وَأنَّ ذَلِكَ وَصفُهُ اللازِمُ آثَرَ لكُم مِن الخيرِ الدُّنيَويِّ وَالأُخرَوِيِّ مَا لنْ تُحصُوهُ أو تَعُدُّوهُ.
ولمَّا نَهَى عَن هَذا الذَّنبِ بخصُوصِه, نَهَى عن الذِّنوبِ عمُومًا فقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} أَيْ: طُرُقَهُ وَوَسَاوِسَهُ.
وَخُطواتُ الشَّيطَانِ يَدخُلُ فِيهَا سَائرُ المعَاصِي المُتعلِّقةُ بالقَلبِ وَاللسانِ وَالبَدنِ.
وَمِن حِكمَتِه تَعَالَى أَنْ بَيَّنَ الحُكمَ وَهُوَ: النَّهيُ عَن اتِّباعِ خُطواتِ الشَّيطَان.
وَالحِكمَةَ وَهِيَ: بَيانُ مَا فِي المَنهيِّ عَنهُ مِن الشَّرِّ المُقتَضِي وَالدَّاعِي لِتَركِهِ؛ فَقَالَ سُبحَانَهُ: {وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ} أيْ: الشَّيطانُ {يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} أَيْ: مَا تَستَفحِشُه العُقولُ وَالشرائعُ مِنَ الذِّنوبِ العَظيمَةِ, مَع مَيل بعضِ النُّفوسِ إِليهِ, {وَالْمُنْكَرِ} وَهُوَ: مَا تُنكِرُه العقُولُ وَلَا تَعرِفُه.
فَالمَعاصِي التِي هِيَ خُطواتُ الشيطَانِ لَا تَخرُجُ عَن ذَلكَ؛ فَنَهى اللهُ عَنهَا العِبَادَ نِعمَةً مِنهُ عَليهِم أَنْ يَشكُروهُ وَيذكُروهُ؛ لِأنَّ ذَلكَ صِيانةٌ لهُم عَن التدَنُّسِ بِالرذَائلِ وَالقَبائحِ, فَمِن إِحسَانِه عَليهِم أَنْ نَهَاهُم عَنهَا كَمَا نَهَاهُم عَن أَكلِ السُّمومِ القَاتِلَةِ وَنَحوِهَا.
{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا} أَيْ: مَا تَطَهَّر مِن اتِّباعِ خُطواتِ الشيطان؛ لِأنَّ الشَّيطانَ يَسعَى هُوَ وَجُندُه فِي الدَّعوةِ إِليهَا وَتحسِينِهَا, وَالنَّفسُ مَيَّالةٌ إِلَى السُّوءِ أَمَّارَةٌ بِهِ, وَالنقصُ مُستَولٍ عَلَى العَبدِ مِن جَميعِ جِهَاتِه, وَالإِيمَانُ غَيرُ قَويٍّ, فَلَوْ خُلِّيَ وَهَذهِ الدَّواعِي مَا زَكَى أَحدٌ بِالتَّطهُّرِ مِنَ الذُّنوبِ وَالسَّيئاتِ وَالنَّمَاءِ بِفعلِ الحَسَنَات, فَإنَّ الزكاءَ يَتضمَّنُ الطهَارَةَ وَالنَّمَاء.
وَلكِنَّ فَضلَهُ وَرحمَتَه أَوجَبَا أنْ يَتزَكَّى مِنكُم مَن تَزكَّى, وَكانَ مِن دُعاءِ رَسُولِ اللهِ ﷺ: ((اللَّهُمَّ آتِ نَفسِي تَقوَاهَا, وَزكِّهَا أَنتَ خَيرُ مَن زَكَّاهَا, أَنتَ وَلِيُّهَا وَمَولَاهَا)) رَواهُ مُسلِمٌ.
وَلهَذا قَالَ:{وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} مَن يعَلَمُ مِنهُ أَنْ يَتزكَّى بِالتزكِيَةِ, وَلِهَذا قَالَ: {وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
{وَلَا يَأْتَلِ} أَيْ: لَا يَحلِفُ {أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا}
كَانَ مِن جُملَةِ الخَائضِينَ فِي الإِفْكِ (مِسطَحُ بنِ أُثَاثَة) وَهُوَ قَرِيبٌ لِأبِي بَكرٍ الصِّديقِ –رَضِيَ اللهُ عَنهُ-, وَكَانَ مِسطَحٌ فَقِيرًا مِن المُهَاجِرينَ فِي سَبِيلِ اللهِ, فَحَلَف أُبو بَكرٍ أَلَّا يُنفِقَ عَليهِ؛ لِقولِه الذِي قَالَ؛ فَنَزَلَت هَذهِ الآيَة يَنهَاهُ عَن هَذا الحَلِف المُتضَمِّنِ لِقَطعِ النَّفَقَة عَنهُ, وَيُحِثُّه علَى العَفوِ وَالصَّفحِ, وَيَعِدهُ بِمَغفِرةِ اللهِ إِنْ غَفَرَ لَهُ فقَالَ: {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} إِذا عَامَلتُم عَبِيدَهُ بِالعَفوِ وَالصفحِ عَامَلَكُم بِذَلِك, فَقَالَ أَبو بَكرٍ - لمَّا سَمِعَ هَذهِ الآيَة-: ((بَلَى وَاللهِ إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَغفِرَ اللهُ لِي)) فَرجَّعَ النَّفَقَةَ إِلَى مِسطَحٍ.
وَفِي هذِهِ الآيَةِ دَليلٌ عَلَى النَّفقَةِ عَلَى القَريبِ, وَأَنَّهُ لَا تُترَك النَّفَقَةُ وَالإِحسَانُ بِمَعصِيةِ الإِنسَان, وَالحَثُّ عَلَى العَفوِ وَالصَّفحِ وَلوْ جَرَى مِنه مَا جَرَى مِن أَهلِ الجَرائم.
ثُمَّ ذَكَرَ الوَعيدَ الشَّديدَ عَلَى رَميِ المُحصَنَات فَقَال: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} أَيْ: العَفَائفَ عَن الفُجورِ {الْغَافِلَاتِ} اللَّاتِي لَم يَخطُر ذَلكَ بِقُلوبِهِنَّ
{الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} وَاللَّعنَةُ لَا تَكونُ إِلَّا عَلَى ذَنبٍ كَبيرٍ, وَأكدَّ اللَّعنَةَ بِأنَّهَا مُتواصِلةٌ عَلَيهِم فِي الدَّارَين.
{وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} وَهَذَا زِيَادةٌ علَى اللَّعنَةِ, أبعَدَهُم عنِ رَحمَتِه, وَأحَلَّ بهِم شِديدَ نِقمَتِه, وَذَلكَ العَذابُ يَومَ القِيَامَة.
{يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} فَكُلُّ جَارِحَةٍ تَشهَدُ عَلَيهِ بمَا عَمِلَته, يُنطِقُها الذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيء, فَلَا يُمكِنُهُ الإِنكَار, وَقَد عَدَلَ فِي العِبَاد مَن جَعَلَ شُهودَهُم مِن أَنفُسِهِم.
{يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ} أَيْ: جَزاءَهُم علَى أَعمَالهِم الجزَاءَ الحَقَّ, الذِي بِالعَدلِ وَالقِسِطِ يَجدُونَ جَزاءَهَا مُوَفَّرًا لم يَفقِدُوا مِنهَا شَيئًا.
{وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} وَيَعلَمُون فِي ذَلكَ المَوقِفِ العَظيمِ أنَّ اللهَ هوَ الحَقُّ المُبينُ, فَيعلَمُون انحِصَارَ الحَقِّ المُبينِ فِي رَبِّ العَالمِين, فَأَوْصَافُهُ العَظيمَةُ حَقٌّ, وَأَفعَالُهُ هِيَ الحَقُّ, وَعِبَادَتُهُ هِيَ الحَقُّ, وَلِقَاؤهُ حَقٌّ, وَوَعدُهُ وَوَعِيدُهُ حَقٌّ, وَحُكمُهُ الدِّينِيُّ وَالجَزَائِيُّ حَقٌّ, وَرُسُلُهُ حَقٌّ, فَلَا ثَمَّ حَقٌّ إِلَّا فِي اللهِ وَمَا مِنَ الله.
{الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ} أَيْ: كُلُّ خَبِيثٍ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالكَلمَاتِ وَالأفعَالِ, مُنَاسِبٌ لِلخَبِيثِ وَمُوَافِقٌ لَهُ وَمُقتَرِنٌ بِهِ وَمُشَاكِلٌ لَهُ, وَكُلُّ طَيبٍ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالكَلمَاتِ وَالأفعَالِ, مُنَاسِبٌ لِلطَّيبِ وَمُوَافِقٌ لَهُ وَمُقتَرِنٌ بِهِ وَمُشَاكِلٌ لَهُ.
فَهَذِهِ كَلِمَةٌ عَامَّةٌ وَحَصرٌ لَا يَخرُجُ مِنهُ شَيء, مِن أَعظَمِ مُفرَداتِهِ أَنَّ الأنبِيَاءَ خُصُوصًا أُولِي العَزمِ مِنهُم, خُصُوصًا سَيدَهُم مُحمَّد ﷺ الذِي هُوَ أَفضَلُ الطَّيبِينَ مِنَ الخَلقِ علَى الإِطلَاق, لَا يُنَاسِبَهُم –يَعنِي: الأَنبيَاءَ وَالمُرسَلِينَ- إِلَّا كُلُّ طَيبٍ مِنَ النِّسَاءِ.
فَالقَدحُ فِي عَائشَةَ –رَضِيَ اللهُ عَنهَا- بهَذا الأَمرِ, قَدحٌ فِي النَّبِيِّ ﷺ, وَهُوَ المَقصُودُ بِهَذا الإِفكِ مِن قَصدِ المُنافِقِين, فَمُجَرَّدُ كَونِهَا زَوجَةً لِلرَّسُولِ ﷺ, يُعلَمُ أنَّهَا لَا تَكُونَ إِلَّا طَيِّبةً طَاهِرَةً مِن هَذا الأَمرِ القَبِيحِ.
فَكَيفَ وَهِي هِيَ صِدِّيقَةُ النِّسَاءِ وَأفضَلُهُنَّ وَأعلَمُهُنَّ وَأَطيَبُهُنَّ؟!
حَبِيبَةُ رَسُولِ رَبِّ العَالمِين, الَّتِي لَم يَنزِل الوَحيُ عَلَيهِ وَهُوَ فِي لِحَافِ زَوجَةٍ مِن زَوجَاتِهِ سِوَاهَا –رَضِيَ اللهُ عَليهَا وَعَليهِنَّ- كَمَا فِي ((الصَّحِيحَين)).
ثُمَّ صَرَّحَ بِذلكَ بِحيثُ لَا يَبقَى لِمُبطِلٍ مَقَالًا, وَلَا لِشَكٍّ وَشُبهَةٍ مَجَالًا فَقَالَ: {أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} وَالإشَارَةُ إِلَى عَاثشَةَ –رَضِيَ اللهُ عَنهَا- أَصلًا, وَلِلمُؤمِنَاتِ المُحصَنَاتِ الغَافِلاتِ تَبَعًا لهَا.
{مَغْفِرَةٌ} تَستَغرِقُ الذنُوبَ {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} فِي الجَنَّةِ صَادِرٌ مِنَ الرَّبِّ الكَرِيمِ.
وَالذِي يَنبَغِي علَى المُسلِمِ عِندَ سمَاعِهِ مِثلَ هَذهِ الإِشاعَاتِ وَالأَخبَارِ:
أَنْ يُقدِّمَ حُسنَ الظَّنِّ بِأخيِه المُسلِم، وَهُو طَلَبُ الدَّليلِ البَاطِنيِّ الوُجدَانِيِّ، وَأنْ يُنزِلَ أخَاهُ المُسلِمَ بِمَنزِلَتِه، وَهَذهِ هِيَ وِحدَةُ الصَّفِّ الدَّاخِلِي: {لَوْلا إذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ والْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً} [النور: 12].
وَأنْ يَطلُبَ الدَّليلَ الخَارجيَّ البُرهَانيَّ: {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 13].
وَأَلَّا يَتحَدَّثَ بِمَا سَمِعَهُ وَلَا يَنشُرَهُ؛ فإنَّ المُسلِمينَ لَو لَمْ يَتكلَّمُوا بمِثلِ هَذِهِ الشَّائعَاتِ لمَاتَت فِي مَهدِهَا، وَلَم تَجِد مَن يُحيِيهَا إِلَّا مِنَ المُنافِقِين: {ولَوْلا إذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا} [النور: 16].
وَأَنْ يُرَدَّ الأَمرُ إِلَى أُولِي الأَمرِ، وَلَا يُشِيعُ النَّاسُ بَينَ النَّاسِ الشَّائعَات، فَهَذهِ قَاعِدةٌ عَظِيمَةٌ فِي كُلِّ الأَخبَارِ المُهمَّةِ، وَالَّتي لهَا أَثَرُهَا الوَاقِعِي، كمَا قَالَ –جَلَّ وَعَلَا-: {وإذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ولَوْ رَدُّوهُ إلَى الرَّسُولِ وإلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ولَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ورَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إلاَّ قَلِيلاً} [النساء: 83].
والشَّائعَات إِذَا حُوصِرَت فِي هَذهِ الأُمورِ الأَربَعَةِ؛ فَإنَّهُ يُمكِنُ أَن تُتَفَادَى أَثَارُهَا السَّيئَةُ المُترَتِّبةُ عَلَيهَا, وَلِكنْ لَيسَ الإشكَالُ فِي هَذا, بَلْ الإِشكَالُ أنَّ هُنَاكَ فَرِيقًا مِن المُؤمِنينَ يَقبَلُونَ أَنْ يَستَمِعُوا لِمِثلِ هَذهِ الشَّائعَاتِ, هَذا فَضلًا عَن فَرِيقٍ مِن أَصحَابِ القُلوبِ المَريضَةِ الَّتي تُحبُّ البَحثَ وَنَشرَ مِثلِ هَذهِ الأُمورِ, وَقَد بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِقَولِه: {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} [التوبة: 47].
أيْ: لِلمُنَافِقِينَ المُغرِضِينَ, هَذا هُوَ الدَّاءُ الكَبِيرُ, وَهُوَ أَنْ يَرضَى فَرِيقٌ مِنَ النَّاسِ الاستِمَاعَ إِلَى مِثلِ تِلكَ الشَّائعَاتِ, وَإِلَى كَلَامِ المُنافِقِينَ وَالمُغرِضِينَ.
قَالَ شَيخُ الإِسلامِ –رَحمَهُ اللهُ-: ((فَأخبَرَ أنَّ المُنافِقِين لَو خَرَجُوا فِي جَيشِ المُسلِمِينَ مَا زَادُوهُم إِلَّا خَبَالًا، وَلَكَانُوا يَسعَوْنَ بَينَهُم مُسرِعِين، يَطلُبونَ لَهُم الفِتنَة، وَفِي المُؤمِنينَ مَن يَقبَلُ مِنهُم وَيَستَجِيبُ لَهُم إِمَّا لِظَنٍّ مُخطِئٍ، أَوْ لِنَوعٍ مِنَ الهَوَى أَوْ لِمَجمُوعِهِمَا)).
لِذَلكَ فَعَدَمُ سَمَاعِ مَا يَقولُه الكَذَّابُونَ وَالمُنَافِقُونَ, وَالمُغتَابُونَ وَالمُفتَرُونَ, وَأصحَابُ القُلوبِ المَريضَة، وَعَدَمُ الرِّضَى بِذَلِك؛ هُوَ مَنهَجُ السَّلَف -رِضوَانُ اللهِ تَعَالَى عَلَيهِم-.
وَالفِتنَةُ إِذَا وَقَعَت عَجَزَ العُقَلاءُ فِيهَا عَن دَفعِ السُّفَهاء، فَصَارَ الأَكابِرُ عَاجِزِينَ عَن إِطفَاءِ الفِتنَةِ وَكَفِّ أَهلِهَا، وَهَذا شَأنُ الفِتَن، كَمَا قَالَ –جَلَّ وَعَلَا-: {واتَّقُوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25]، وَإِذَا وَقَعَت الفِتنَة لَم يَسْلَم مِنَ التَّلَوُّثِ بِهَا إِلَّا مَن عَصَمَ اللهُ –جَلَّ وَعَلَا-.
وَفِي هَذا العَصرِ نَجِدُ لِلشَّائعَاتِ دَورًا كَبِيرًا, بَل استُغِلَّت الشَّائعَاتُ ضِدَّ المُسلِمينَ استِغلَالًا كَبِيرًا, وَمِثلُ هذِهِ الشَّائعَات تُحْدِثُ فِي الصَّفِّ ثَغَراتٍ تُخِلُّ بِهِ, وَأحيَانًا تَكُونُ ثَغَراتٍ كَبِيرَةً يَصعُبُ سَدُّهَا, وَخَاصَّةً إِذَا كَانَت مَصَادِرُ الشَّائعَاتِ مِن دَاخِلِ الصَّفِّ, مِن أُنَاسٍ جَهَلَة, أَوْ لَهُم هَوًى خَفِي, أَوْ لَهُم ظَنٌّ مُخطِئٌ.
وَأَمَّا أَعدَاءُ الإِسلَامِ فَهُم يَستَخدِمُونَ الشَّائعَاتِ ضِدَّ المُسلِمِينَ, وَخاصَّةً عُلمَاءَهُم وَقَادَتَهُم وَدُعَاتَهُم وَغَالِبًا مَا يَستَخدِمُونَ فِي شَائعَاتِهِم طَريقَين:
إِنشَاءُ وَتَلفِيقُ الأَكَاذِيبِ وَالاتِّهَامَاتِ لِلعُلمَاءِ وَأَهلِ العِلمِ؛ لِزَعزَعَةِ الثِّقَةِ بِهِم وَلِلانصِرَافُ عَنهُم.
وَتَصَيُّدُ الأَخطاءِ العِلمِيَّةِ وَالعَمَلِيَّةِ مَعَ نَشرِهَا بِينَ النَّاس، مَع إِعطَائِهَا حَجمًا أَكبَر، فَيَزِيدُونَ شَائعَاتٍ مَكذُوبَةٍ عَلَى أَمرٍ صَغِيرٍ، كَالشَّيطَان الذِي يُلقِي عَلَى الكَاهِنِ كَلِمَةً صَحِيحَةً وَتِسعًا وَتِسعِينَ كَذِبَة.
فَشَأنُهُم شَأنُ الشَّيطَانِ حَذوَ النَّعلِ بِالنَّعل.
وَيَجِبُ عَلَى المُسلِم أَنْ يَتَثَبَّتَ وَأَنْ يَتَرَوَّى فِي تَلَقِى الأَخبَارِ وَالرِّوَايَةِ وَالعَمَلِ بِهَا, وَالأَصلُ فِي ذَلِكَ قَولُهُ –جَلَّ وَعَلَا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6].
قَالَ العَلَّامَةُ الشِنقِيطِيُّ –رَحمَهُ اللهُ-: (( وَقَد دَلَّت هَذهِ الآيَةُ فِي سُورَةِ الحُجُرَاتِ عَلَى أَمرِين:
الأَوَّلُ مِنهُمَا: أنَّ الفَاسِقَ إِنْ جَاءَ بِنَبإٍ مُمْكِنٍ مَعرِفَةُ حَقِيقَتِه، وَهَل مَا قَالَهُ فِيهِ الفَاسِقُ حَقٌّ أوْ كَذِبٌ فَإِنَّه يَجِبُ فِيهِ التَّثَبُّت.
وَالثَّانِي: هُوَ مَا استَدَلَّ عَليهِ بِهَا أَهلُ الأُصولِ مِن قَبُولِ خَبَرِ العَدلِ لِأنَّ قَولَهُ تَعَالَى {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} يَدُلُّ بِدَليلِ خِطَابِه -أَعنِي مَفهُومَ المُخالَفَة- أنَّ الجَائِيَ بِنَبإٍ إِنْ كَانَ غَيرَ فَاسِقٍ بَلْ عَدلًا لَا يَلزَمُ التَّبيُّنُ فِي نَبَئِهِ عَلَى قِرَاءَةِ: {فَتَبَيَّنُوا} وَلَا التَّثَبُّتُ عَلَى قِرَاءَةِ: {فَتَثَبَّتُوا} -قَالَ:- وَهُوَ كَذَلِك)).
فِي هَذَا العَصرِ استَشرَى الكَذِب, وَعَمَّ البُهتَانُ وَالافتِرَاءُ وَالاختِلَاقُ, وَإلصَاقُ التُّهَم بِالأَبرِيَاءِ, وَالتَّقَوُّلُ عَلَى النَّاسِ بِمَا لَيسَ فِيهِم, وَالوَسَائلُ الحَدِيثَةُ صَارَت مَدعَاةً لِنَشرِ ذَلِكَ وَإِطَارَتِهِ كُلَّ مَطَارٍ!!
فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ يَتَكَلَّمَ الرَّجُلُ بِكَلِمَةٍ إِلَّا وَتَزِيعُ فِي الآفَاقِ, وَرُبَّمَا يَكُونُ كَاذِبًا مُختَلِقًا مُفتَرِيًا بَهَّاتًا, وَرُبَّمَا يُختَلَقُ عَلَيهِ وَيُبهَت, وَيُقَوَّلُ مَا لَم يَقُل, وَكُلُّ ذَلِكَ وَاقِعٌ!!
فَأُذَكِّرُ هَؤلَاءِ الفَسَقَة بِقَولِ النَّبيِّ ﷺ فِي الذِي يَكذِبُ الكَذِبَة تَبلُغُ الآفَاق, أُذَكِّرُهُم بِمَا قَالَ مِنَ العِقَابِ الوَاقِعِ عَلَيهِ, وَالعَذابِ الذِي يَنالُهُ فِي البَرزَخِ قَبلَ الآخرَة, مُنذُ أَنْ يَمُوتَ إِلَى أَنْ يُقِيمَ اللهُ تَعَالَى السَّاعَةَ كَمَا فِي ((صَحِيحِ البُخَارِي))؛ يُشَرشَرُ شِدقُهُ إِلَى قَفَاه, وَمَنخِرُهُ إِلَى قَفَاه, وَمُقُهُ (عَينُهُ) إِلَى قَفَاه, ثُمَّ يَتَحَوَّلُ الذِي فَعَل ذَلِك إِلَى الجَانِبِ الآخَر فَيَصِحُّ هَذَا (أَيْ: الأَوَّل) فَيَفعَل بِهَذا (أيْ: الثَّانِي) مِثلَ مَا فَعَلَ بِالأَوَّلِ, ثُمَّ يَتَحَوَّل إِلَى الأَوَّلِ فَيَصِحُّ الثَّانِي هَكَذَا!!
قَالَ: ((إِلَى يَومِ القِيَامَة)) هَذَا عَذَابُه فِي البَرزَخ!!
قَالَ: ((الرَّجُلُ يَغدُو مِن بَيتِهِ يَكذِبُ الكَذِبَة تَبلُغُ الآفَاق)) مُنطَبِقٌ تَمَامًا علَى أَهلِ هَذا العَصرِ إِلَّا مَن رَحِمَ الله.
كَذَبَة... يُقَوِّلُونَ النَّاسَ مَا لَم يَقُولُوه, وَيَفتَرُونَ عَلَيهِم الأَكاذِيب, وَيَصِمُونَ البُرَآءَ بِالعُيوبِ وَهِيَ فِيهِم, وَيَحسَبُونَ أَنَّهُم علَى شَيءٍ, وَيَحسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللهِ عَظِيم, فَنَسأَلُ اللهَ أَنْ يَهدِيَنَا أَجمَعِين, وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ, وَعَلَى آلِهِ وَمَن تَبِعَهُم بِإحسَانٍ إِلَى يَومِ الدِّين.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هُوَ يَتَوَلَّى الصَالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَومِ الدِّينِ.أَمَّا بَعدُ:
فَفِي هَذَا العَصرِ كَثِيرًا مَا يَنقُلُ أُنَاسٌ فَتَاوَى عَن عَالِمٍ خِلَافَ مَا أَفتَى بِهِ ذَلِكَ العَالِم، وَمَا ذَلِكَ إِلَّا بِسَبَبِ سُوءِ حِفظِهِم، أَوْ بِسَبَبِ سُوءِ فَهمِهِم، وَأَحيَانًا يُضَافُ إِلَيهِمَا سُوءُ تَعبِيرِهِم، وَأَحيَانًا يُضَافُ إِلَى ذَلِكَ -بَلْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَحيَانِ- سُوءُ قَصدِهِم وَفَسَادُ نِيَّاتِهِم.
كَذِلكَ كَثِيرًا مَا تُتنَاقَلُ أَخبَارٌ عَن أَشخَاصٍ أَوْ هَيئَاتٍ لَا أَسَاسَ لهَا مِنَ الصِّحَّةِ، وَمَا ذَلِكَ إِلَّا بِسَبَبٍ مِنَ الأَسبَابِ الَّتِي مَرَّت، هَذَا إِذَا حَمْلْنَا المُتَكَلِّمَ عَلَى الصِّدقِ وَالبَرَاءَةِ مِن تُهمَةِ الكَذِب.
قَالَ الحَسَنُ البَصرِيُّ –رَحِمَهُ اللهُ-: ((المُؤمنُ وَقَّافٌ حُتَّى يَتَبَيَّن)).
فَالضَّابِطُ فِي هَذِهِ المَسألَة:
أَنَّ مَن عُرِفَ عَنهُ الصِّدقُ وَالدِّينُ، وَجَودَةُ الحِفظِ وَالفَهمِ، وَحُسنُ التَّعبِيرِ وَالأَدَاءِ؛ فَإنَّنَا نَقبَلُ خَبَرَهُ دُونَ تَثبُّت، وَمَن اختَلَّت فِيهِ صِفَةٌ مِن هَذِهِ الصِّفَات أَوْ مَا شَابَهَهَا؛ فَإِنَّهُ يُحتَاجُ إِلَى التَّثَبُّتِ فِي خَبَرِهِ، خَاصَّةً إِنْ كَانَ الخَبَرُ يَتَرتَّبُ عَلَيهِ أُمُورٌ مُهِمَّةٌ.
وَقَد قِيلَ: ((وَمَا آفَةُ الأَخبَارِ إِلَّا رُوَاتُهَا)).
وَفِي نَقلِ الأَخبَارِ سَوَاءٌ كَانَت فَتَاوَى عَن عُلَمَاء، أَوْ كَلَامًا صَادِرًا مِن شَخصٍ أَوْ أَشخَاصٍ أَوْ هَيئَاتٍ، فَالأَفضَلُ فِيهِ نَقْلُ الكَلَامِ بنَصِّهِ كَامِلًا مِن غَيرِ سَلْخٍ وَمِن غَيرِ تَغيِيرٍ وَلَا قَصٍّ وَلَا لَزقٍ، وَإِنَّمَا يُؤتَى بكَلَامِهِ فِي سِيَاقِهِ بِنَصِّهِ كَامِلًا مَا استَطَاعَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا؛ تَجنُّبًا لِلوُقُوعِ فِي بَعضِ الآفَاتِ الَّتِي مَرَّت.
وَفِي الحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى هَذَا المَعنَى فِي قَولِ الرَّسُولِ ﷺ: ((نَضَّرَ اللهُ عَبدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَحَفِظَهَا وَوَعَاهَا، وَبَلَّغَهَا مَن لَمْ يَسْمَعهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَا فِقهَ لَهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَن هُوَ أَفقَهُ مِنهُ)) أَخرَجَهُ أَحمَد بِإِسنَادٍ صَحِيحٍ.
فِفَي قَولِهِ ﷺ: ((فَحَفِظَهَا وَوَعَاهَا)): إِشَارَةٌ إِلَى الحِفظِ السَّلِيمِ وَالفَهمِ المُستَقِيمِ.
وَفِي قَولِهِ ﷺ: ((وَبَلَّغَهَا مَن لَمْ يَسْمَعهَا)): إِشَارَةٌ إِلَى أَدَاءِ الكَلَامِ بنَصِّهِ، ((وَبَلَّغَهَا مَن لَمْ يَسْمَعهَا)).
وَفِي قَولِهِ ﷺ: ((فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَا فِقهَ لَهُ)): إِشَارَةٌ إِلَى صَاحِبِ الفَهمِ الضَّعِيفِ.
وَفِي قَولِهِ ﷺ: ((وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَن هُوَ أَفقَهُ مِنهُ)): إِشَارَةٌ إِلَى تَفَاوتِ الأَفهَامِ, وَأَنَّ سَامِعَ الخَبَرِ قَد يَستَنبِطُ مِمَّا سَمِعَ مَا لَم يَستَنبِطهُ الرَّاوِي الذِي نَقَلَ الكَلَام.
هَذَا الحَدِيثُ مِن جَوَامِعِ كَلِمِ نَبِيِّنَا مُحَمَّد ﷺ.
وَلنَعلَم جَمِيعًا أَنَّ الذِي يَجتَهِدُ فِي البَحثِ عَن فَوَاحِشَ تُنسَبُ إِلَى المُسلِمِ؛ مِن فَاحِشَةِ زنًا أَوْ لواطٍ أَوْ غَيرِ ذَلِك مِن أَجلِ إِلصَاقِهَا بِهِ؛ وَقَد يُحِبُّ أَنْ تُنشَرَ هَذِه وَتُشَاعَ بَينَ النَّاس؛ يُخشَى عَلَيهِ -يُخشَى عَلَى مَن فَعَلَ ذَلِكَ وَأَشَاعَهُ- يُخشَى عَلَيهِ مِنَ الدُّخُولِ تَحتَ قَولِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور: 19].
عَن عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ –رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنهُ- قَالَ: ((القَائلُ الفَاحِشَةَ وَالذِي يُشِيعُ بِهَا -القَائلُ الفَاحِشَة وَالذِي يَنقُلُهَا وَيُطَيِّرُهَا وَالذِي يُشِيعُ بِهَا- فِي الإِثمِ سَوَاء)) رَوَاهُ البُخَارِيُّ فِي ((الأَدَبِ المُفرَدِ)) بِإسنَادٍ حَسَنٍ.
فَالذِي يَرمِي بِالفَاحِشَةِ يَكُونُ شَرِيكَ القَائلِ لهَا فِي حَالَاتٍ:
الأُولَى: أَنْ تَكُونَ الفَاحِشَةُ غَيرَ ثَابِتَةٍ عَن المَنسُوبِ إِلَيهِ.
الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ قَد تَابَ مِنهَا؛ لِأنَّ التَّائبَ مِنَ الذَّنبِ كَمَن لَا ذَنبَ لَهُ.
الثَّالِثَةُ: أَنْ تَكُونَ حَصَّلتَ مِنهُ زَلَّةً وَلَم يَعتَدْهَا، فَهَذَا يُستَر.
الرَّابِعَةُ: أَنْ تَكُونَ الفَاحِشَةُ مَغمُورَةً لَا ظَاهِرَة، وَلَا يُعلَمُ مِن صَاحِبِهَا إِصرَارٌ وَلَا استِمرَارٌ عَلَيهَا وَلَا دَعوَةٌ إِلَيهَا، فَهَذا يُستَرُ أَيضًا, وَيُدْعَى إِلَى التَّوبَةِ إِلَى اللهِ، وَيُحَذَّرُ غَايَةَ التَّحذِيرِ مِنَ الإِصرَارِ عَلَيهَا.
((مَن سَتَرَ مُسلِمًا؛ سَتَرَهُ اللهُ تَعَالَى فِي الآخِرَةِ))، إِذَا سَتَرَهُ فِي الدُّنيَا؛ سَتَرهُ اللهُ رَبُّ العَالمِينَ فِي الدُّنيَا وَفِي الآخِرَةِ.
وَعَن شُبَيرِ بنِ عَوف قَالَ: كَانَ يُقَالُ: ((مَنْ سَمِعَ بِفَاحِشَةٍ فَأَفْشَاهَا فَهُوَ فِيهَا كَالَّذِي أَبْدَاهَا)) رَوَاهُ البُخارِيُّ فِي ((الأَدَبِ المُفرَدِ)) بِإِسنَادٍ صَحِيحٍ.
وَهَذا يُجَامِعُ الإِفكَ وَالبُهتَانَ.
الإِفكُ: هُوَ أَسوَأُ الكَذِب، وَهُوَ الذِي لَا يَثْبُتُ وَيَضطَرِب.
قَالَ النَّيسَابُورِيُّ: ((الإِفكُ أَبلَغُ مَا يَكُونُ مِنَ الكَذِبِ وَالافتِرَاءِ)).
وَقِيلَ: ((هُوَ البُهتَانُ)).
وَقَالَ المُنَاوِيُّ: ((الإِفكُ: كُلُّ مَصرُوفٍ عَن وَجهِهِ الذِي يَحِقُّ أَنْ يَكُونَ عَلَيهِ)).
قَالَ ابنُ كَثِيرٍ: ((الإِفكُ: الكَذِبُ وَالبَهْتُ وَالافتِرَاءُ)).
وَلَهُ مَعَانٍ, وَرَدَت تِلكَ المَعَانِي فِي كِتَابِ اللهِ –جَلَّ وَعَلَا-، الإِفكُ, وَالبُهتَانُ, وَهُوَ الكَذِبُ وَالافتِرَاءُ البَاطِلُ الذِي يُتَحَيَّرُ مِنهُ.
قَالَ المُنَاوِيُّ: ((البُهتانُ: كَذِبٌ يُبهَتُ سَامِعَهُ، يُدهِشُهُ، يُحَيِّرُهُ لِفَظَاعَتِهِ، سُمِّيَ بِذلِكَ لِأَنَّهُ يَبْهَتُ –أَيْ: يُسْكِتُ- لِتَخَيُّلُ صِحَّتِهِ ثُمَّ يَنكَشِفُ عِندَ التَّأَمُّلِ وَالفَحْصِ)).
البُّهتَانُ: هُوَ الكَذِبُ الَّذِي يَبْهَتُ سَامِعَهُ –أَيْ: يَدْهَشُ لَهُ وَيَتَحَيَّرُ- وَهُوَ أَفْحَشُ مِنَ الكَذِبِ، وَإِذَا كَانَ بِحَضرَةِ المَقُولِ فِيهِ؛ كَانَ افتِرَاءً.
فَإِذَنْ؛ عِندَنَا الآنَ: البُهتَان, وَالاغتِيَاب, وَالافتِرَاء, وَالإِفك، فَمَا الفَرقُ بَينَ هَذِهِ؟
تَتَقَارَبُ مَعَانِي هَذِهِ الأَلفَاظ، بَيْدَ أَنَّهَا عِندَ التَّدقِيق مِمَّا تَختَلِفُ دَلَالَتُهُ وَتَتَفَاوَتُ...
فَالاغتِيَابُ: هُوَ أَنْ يَتَكَلَّمَ شَخصٌ خَلفَ إِنسَانٍ مَستُورٍ، بِكَلَامٍ هُوَ فِيهِ، وَإِنْ لَم يَكُن ذَلِكَ الكَلَامُ فِيهِ فَهُوَ بُهتَانٌ.
وَالكَذِبُ الفَاحِشُ الذِي يَدهَشُ لَهُ سَامِعُهُ هُوَ بُهتَانٌ إِنْ لَمْ يَكُن بِحَضرَةِ المَقُولِ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ بِحَضرَتِهِ كَانَ افتِرَاء، سَواءٌ أَكَانَ ذَلِكَ عَن قَصدٍ أَوْ عَن غَيرِ قَصد، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ عَن قَصدٍ؛ كَانَ إِفكًا, وَهَذا مِن كَبَائرِ الإِثمِ وَعَظَائمِ الذُّنُوبِ، وَهُوَ مِن خِصَالِ اليَهُودِ وَمِن خِصَالِ المُنَافِقِينَ.
عَنْ أَنَسٍ –رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: بَلَغَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ مَقْدَمُ النَّبيِّ اللَّهِ ﷺ الْمَدِينَةَ، فَأَتَاهُ؛ فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ –وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ مِن أَحبَارِ وَعُلَمَاءِ اليَهُود قَبلَ أَنْ يُسْلِمَ-، فَلَمَّا سَمِعَ بِمَقدَمِ النَّبِيِّ ﷺ جَاءَ؛ فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ.
قَالَ: مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟
وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ؟
وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَنْزِعُ الْوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ؟ وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَنْزِعُ إِلَى أَخْوَالِهِ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ((خَبَّرَنِي بِهِنَّ آنِفًا جِبْرِيلُ))
قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ((أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنْ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ، وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ، وَأَمَّا الشَّبَهُ فِي الْوَلَدِ؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَشِيَ الْمَرْأَةَ فَسَبَقَهَا مَاؤُهُ كَانَ الشَّبَهُ لَهُ، وَإِذَا سَبَقَ مَاؤُهَا كَانَ الشَّبَهُ لَهَا))
قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ
ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ، إِنْ عَلِمُوا بِإِسْلَامِي قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَهُمْ بَهَتُونِي عِنْدَكَ
فَجَاءَتْ الْيَهُودُ, وَدَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ سَلَامٍ الْبَيْتَ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ((أَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ؟))
قَالُوا: أَعْلَمُنَا وَابْنُ أَعْلَمِنَا وَأَخْيَرُنَا وَابْنُ أَخْيَرِنَا
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ((أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ؟))
قَالُوا: أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ
فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ سَلَامٍ إِلَيْهِمْ؛ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ
فَقَالَ اليَهُودُ: شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا وَوَقَعُوا فِيهِ.
هَذَا البُهتَانُ وَالإِفكُ... هَذَا الافتِرَاءُ وَالكَذِبُ عَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالحِينَ؛ الرَّأسُ فِيهِ وَالقَائدُ إِبلِيسُ اللَّعِينُ وَشِيعَتُهُ مِنَ اليَهُودِ وَمِنَ المُنَافِقِينَ، فَأَمَّا اليَهُودُ؛ فَهَذَا مِثَالٌ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا المُنَافِقُونَ؛ فَقَد مَرَّ مَا قَالُوهُ فِي حَقِّ البَرِيئَةِ الطَّاهِرَةِ المُطَهَّرَةِ, الَّتِي هِيَ أَطهَرُ مِن مَاءِ المُزْنِ عَائشةَ –رَضِيَ اللهُ عَنهَا-، فَهَذَا صَنِيعُ المُنَافِقِينَ بَينَ صُفُوفِ المُسلِمِينَ.
أَمسِكُوا أَلسِنَتَكُم -يَرحَمُكُم اللهُ- إِلَّا عَن خَير، وَاعلَمُوا أَنَّ ذِكْرَ اللهِ دَوَاء، وَأَنَّ ذِكْرَ النَّاسِ دَاء.
اتَّقُوا اللهَ فِي ثَوَانِيِكُم, وَدَقَائقِكُم, وَسَاعَاتِكُم, وَأَيَّامِكُم...
فِي شُهُورِكُم وَأَعوَامِكُم... فِي عُمُرِكُم، املَؤوُا تِلكَ الأَوقَات بِالطَّاعَةِ.
اتَّقُوا اللهَ... اتَّقُوا اللهَ فِي بَلَدِكُم، فِي مُجتَمَعِكُم، فِي إِسلَامِكُم...
اتَّقُوا اللهَ رَبَّ العَالمِينَ فِي ذُرِّيَّاتِكُم وَأَهلِيكُم -وَفَّقَنِي اللهُ وَإِيَّاكُم إِلَى مَا يُحِبُّهُ وَيَرضَاهُ-.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ أَجمَعِين.
1