جماعة الإخوان الإرهابية

للاستماع للمحاضرة

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّـه مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّـهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.

وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ -صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّـهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فقد انتهى الأمر إلى الإعلانِ الرسمي بأنَّ جماعةَ الإخوان المسلمين جماعةٌ إرهابية، ولا شك أنه يترتب على هذا الإعلان كثيرٌ من النتائج والآثار، وكان هذا الإعلانُ بناءً على ما أحدثته وتُحدثه جماعة خوَّان المسلمين هذه، وأشياعها وأتباعها من الجماعات المنحرفة والفِرَق الضالة؛ من تفجير وتدمير وترويع وترهيب وتقتيل وتشريد، والحقُّ أنَّ كلَّ طالبِ علمٍ على منهاج النبوة يعلم يقينًا أن هذه الجماعة وسائر الجماعات والفِرق إرهابية منذ اليوم الأول لتأسيسها.

وجماعة خُوَّان المسلمين إرهابية من اليوم الذي أسسها فيه ((حسن البنا))؛ لأنها جماعةٌ بدعية منحرفة، وهي استنساخ لبدعة قديمة أطلَّت برأسها قديما فوُأدت في مهدها –كما سيأتي إن شاء الله تعالى-.

أخرج الدرامي في ((سننه)) بسند صحيح، والآجري في ((الشريعة)) واللالكائي في ((أصول الاعتقاد)) عن أبي قلابة قال: ((ما ابتدع رجل بدعة إلا استحل السيف)).

وأخرج الدرامي في ((سننه)) وابن سعد في ((الطبقات)) عن أبي قلابة أيضا قال: ((إن أهل الأهواء أهل الضلالة ولا أرى مصيرهم إلا إلى النار، فجربهم فليس أحد منهم ينتحل قولًا؛ فيتناهى به الأمر دون السيف، وإن النفاق كان ضروبًا وأنواعًا، ثم تلا قوله تعالى: {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ}  [التوبة:٧5-٧٧]

وقال تعالى: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ} [التوبة:61]، فاختلف قولهم –يعني المنافقين- واجتمعوا في الشك والتكذيب، وإن هؤلاء –يعني أهل الأهواء-اختلف قولُهم واجتمعوا في السيف ولا أرى مصيرهم إلا إلى النار)).

وأخرج الفريابي في ((القدر)) عن سلَّام بن أبي مطيع قال: ((كان أيوب السختياني يسمي أصحاب البدع خوارج، ويقول: الخوارجُ اختلفوا في الاسم واجتمعوا في السَّيف)).

فهذه الجماعات إذن؛ وأهل الأهواء والبدع كلهم خوارج، ولا يتناهى بهم الأمر دون السيف، وهذا هو السر في قولي عن ((هشام البيلي)) ومن معه إنه خارجي؛ لأنه حدادي جَلْد، فهو إذا مبتدع ضال، ومادام كذلك؛ فهو خارجي كما قال سلفنا عليهم الرحمة.

وهم جميعًا يوالون ويعادون على شيخ أو حزب أو جماعة أو فِرقة ولا يزيدون المسلمين إلا فُرقة.

قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: ((وليس لأحدٍ أن ينتسبَ إلى شيخٍ يوالى على متابعته ويعادى على ذلك، بل عليه أن يواليَ كل من كان من أهل الإيمان ومن عُرف منه التقوى من جميع الشيوخ وغيرهم، ولا يخصُّ أحدًا بمزيد موالاة إلا إذا ظهر له مزيدُ إيمانه وتقواه، فيُقدِّم من قدم الله تعالى ورسوله –صلى الله عليه وآله وسلم- ويُفضِّلُ من فضَّل الله ورسوله)).

وقال -رحمه الله-: ((وليس للمُعلمين أن يُحزبِّوا الناس ويفعلوا ما يُلقي بينهم العداوة والبغضاء، بل يكونون مثل الأخوة المتعاونين على البر والتقوى)).

وأما ما استنسخه ((البنا)) مما لمَّا طلع قرنه قطع في مهده:

فقد روى أبو نعيم في ((الحِلية)) ومن طريقه الذهبي في ((السير)) بإسناد صحيح عن مطرف بن عبد الله بن الشخير -وهو من أئمة التابعين الثقات الأثبات- قال: ((كنَّا نأتي زيد بن صوحان فَكَانَ يَقُولُ: يَا عِبَادَ اللهِ؛ أَكْرِمُوا وَأَجْمِلُوا فَإِنَّمَا وَسِيلَةُ الْعِبَادِ إِلَى اللهِ بِخَصْلَتَيْنِ الْخَوْف وَالطَّمع.

قال مطرَّفٌ: فَأَتَيْتُهُ ذَاتَ يَوْمٍ وَقَدْ كَتَبُوا كِتَابًا فَنَسَقُوا كَلَامًا مِنْ هَذَا النَّحْوِ: اللهُ رَبُّنَا، وَمُحَمَّدٌا نَبِيُّنَا، وَالْقُرْآنُ إِمَامُنَا، وَمَنْ كَانَ مَعَنَا كُنَّا وَكُنَّا، لَهُ وَمَنْ خَالَفَنَا كَانَتْ يَدُنَا عَلَيْهِ وَكُنَّا وَكُنَّا -وهذا هو ما جاء به البنا-.

 قَالَ: فَجَعَلَ يَعْرِضُ الْكِتَابَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا رَجُلًا؛ فَيَقُولُونَ: أَقْرَرْتَ يَا فُلَانُ؟

حَتَّى انْتَهَوْا إِلَيَّ فَقَالُوا: أَقْرَرْتَ يَا غُلَامُ؟

قُلْتُ: لَا.

قَالَ -يعني زيداً-: لَا تَعْجَلُوا عَلَى الْغُلَامِ، مَا تَقُولُ يَا غُلَامُ؟

قَالَ: قُلْتُ: إِنَّ اللهَ قَدْ أَخَذَ عَلَيَّ عَهْدًا فِي كِتَابِهِ فَلَنْ أُحْدِثَ عَهْدًا سِوَى الْعَهْدِ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَيَّ، فَرَجَعَ الْقَوْمُ من عِنْدَ آخِرِهِمْ مَا أَقَرَّ مِنْهُمْ أَحَد، وكانوا زُهَاءَ ثَلَاثِينَ رَجُلًا)).

فهل ترى اليوم جديدًا لم يكن؟ ولكن قومي لا يعلمون.

والحقُّ أنَّ خوارج العصر في الجملة أنشفُ أدمغةً، وأعظمُ عنادًا، وأقل فهمًا من سلفهم من الخوارج الأولين.

فقد قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: لما اجتمعت الحرورية -وهم الخوارج الذين نزلوا حروراء-، لما اجتمعت الحرورية يخرجون على عليٍّ -رضي الله عنه-:

قال: جعل يأتيه الرجل؛ فيقول: يا أمير المؤمنين القوم خارجون عليك.

قال: دَعْهم حتى يخرجوا.

فلما كان ذات يوم؛ قلت: يا أمير المؤمنين أبَرد بالصلاة، فلا تفُتني حتى آتي القوم.

 قال: فدخلت عليهم وهم قائلون -أي في وقت القيلولة-، فإذا هم مُسهمةٌ وجوههم من السهر -أي متغيرة وجوههم من السهر-، قد أثر السجود في جباههم، كأن أيديهم ثَفِنُ الإبل –ثفنُ: جمع  ثَفنة وهي كل ما وليَ الأرض من كل ذات أربع إذا بركت-، عليهم قُمُصٌ مرحَّضة -أي مغسولة-.

فقالوا -أي قال الخوارج-: ما جاء بك يا ابن عباس؟ وما هذه الحُلة عليك؟

قال: قلت: ما تعيبون من هذه -أي من هذه الحُلة-؟

فلقد رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ- يلبس أحسن ما يكون من الثياب اليمنية، قال: ثم قرأت هذه الآية: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32].

فقالوا: ما جاء بك؟

قلت: جئتكم من عند أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وليس فيكم منهم أحد، ومن عند ابن عم رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلّم-، وعليهم نزل القرآن، وهم أعلمُ بتأويله، جئت لأبلِّغَكم عنهم وأبلِّغُهم عنكم.

فقال بعضهم: لا تخاصموا قريشاً فإن الله تعالى يقول: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58].

 فقال بعضهم: بلى فلنكلمه.

قال: فكلمني منهم رجلان، أو ثلاثة.

قال: ماذا نَقِمتم عليه؟

قال ابن عباس -رضي الله عنهما- للخوارج مُمَثَّلِين في هذين الرجلين أو في هؤلاء الثلاثة: ماذا نقمتم عليه؟

قالوا: ثلاثاً.

فقلت: ما هُن؟

قالوا: حكَّم الرجال في أمر الله والله -عز وجل- يقول: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ} [يوسف: 67].

قال: قلت: هذه واحدة، وماذا أيضاً؟

 قالوا: فإنه قاتل فلم يَسْبِ ولم يغنم، فلئن كانوا مؤمنين ما حلَّ قتالُهم، ولئن كانوا كافرين لقد حلَّ قتالهُم وسبيهم.

قال: قلت: وماذا أيضاً؟

 قالوا: ومحا نفسه عن أمير المؤمنين، فهو أمير الكافرين.

 قال: قلت: أرأيتم إن أتيتكم من كتابِ الله وسنة رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- ما ينقض قولكم هذا، أترجعون؟

قالوا: وما لنا لا نرجع؟

قال: قلت: أما قولكم: حكَّم الرجال في أمر الله، فإن الله -عز وجل- قال في كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95].

وقال في المرأة وزوجها: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35]، فصيَّر اللهُ تعالى ذلك إلى حُكم الرجال، فناشدتكم الله؛ أتعلمون حكم الرجال في دماء المسلمين وفي إصلاح ذات بينهم أفضل أو في دم أرنبٍ ثمنها ربع درهم؟ وفي بُضع امرأة؟

قالوا: بلى، هذا أفضل.

قال: أخرجتُ من هذه؟ قالوا: نعم!

 قال: وأما قولكم: قاتل فلم يَسْب ولم يغنم، أفتسْبون أمَّكُم عائشة رضي الله عنها؟

فإن قلتم: نسبيها فنستحل منها ما نستحل من غيرها، فقد كفرتم، وإن قلتم ليست بأمِّنا فقد كفرتم، فأنتم تترددون بين ضلالتين، أخرجتُ من هذه؟

قالوا: بلى.

قال: وأما قولكم: محا نفسه من أمير المؤمنين، فأنا آتيكم بمن ترضون، إنَّ نبي الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الحديبية حين صالح أبا سفيان وسُهيل بن عمرو، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ-: ((اكْتُبْ يَا عَلِيُّ: هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ)).

فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو: مَا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَلَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا قَاتَلْنَاكَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ-: ((اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُكَ، اُمْح يَا عَلِيُّ واكْتُبْ: هَذَا مَا صالح عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ –صلى الله عليه آله وسلم-)).

قَالَ: فَرَجَعَ مِنْهُمْ أَلْفَانِ وَبَقِيَ بَقِيَّتُهُمْ فَخَرَجُوا فَقُتِلُوا أَجْمَعُونَ.

أخرجه أبو داود مختصرًا بإسنادٍ صحيح والبيهقي وعبد الرزاق والنسائي في ((تهذيب خصائص الإمام علي -رضي الله عنه-)) بإسنادٍ صحيح.

فأنت ترى أنَّ سلف الخوارج المعاصرين كانوا أحيانًا يقبلون الحجة إذا تبينت أو على الأقل يقبلها بعضهم، وأما خوارج العصر فأنشفُ أدمغة، وأقل فهما، وأكثر عنادًا، والحق أني لا أجدُ اليوم فوق ما قلتهُ وأقوله منذ ما يزيد على رُبع قرن -بحول الله وقوته- حرفًا واحدًا.

وهذا بعض ما قلته قريبا:

إن المسلم هو المُفوض أمره إلى الله الخاضع لحكمه الممتثل لأمره ونهيه: {وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ ۗ وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [لقمان:22]، ومن كان هذا شأنه اعتز بسلوكه، واستقامته على طريقه، وكان أولى من الشاعر القديم بوصفه في وصفِ نفسِه:

لَعَمْرُكَ مَا أهْوَيْتُ كَفَّي لِرَيبَةٍ

وَلاَ حَمَلَتْنِي نَحْوَ فَاحِشَةٍ رِجْلِي

وَلاَ قَادَنِي سَمْعِي وَلاَ بَصَرِي لَهَا

وَلاَ دَلَّنِي رَأيِي عَلَيْهَا وَلاَ عَقْلِي

وَلَسْتُ بِمَاشٍ مَا حَيِيتُ لِمُنْكَرٍ

مِنَ الأمْرِ لاَ يَمْشِي إلَى مِثْلِهِ مِثْلِي

فهذا هو الإنسان الذي كرَّم الله نفسَه بما كرَّمه اللهُ به، فتحلى بالمعاني النبيلة وصان نفسه عما يغرس في النفوس الحقد والعداوة والبغضاء والتدابر، وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- صفة المسلم في أحاديث كثيرة منها: ((المسلم من سَلِم المسلمون من لسانه ويده))، ومنها ((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، بحسب امرء من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)).

وقد ذُكر للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنَّ فلانة تصوم نهارها وتقوم ليلها وتصدَّق -أي بصدقة عظيمة- ولكنها تؤذي جيرانها بلسانها، فقال -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((لا خير فيها هي في النار)).

فأين صلاتها وأين صيامها وأين صدقتها لا أثر لذلك، كالأرض البُور الخراب اليباب، لا تُنبت خضراء ولا تُثمر ثمرة، وعليه؛ فيقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا خير فيها هي في النار)).

قال -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((من حمل علينا السلاح فليس منا، ومن غشنا فليس منا)).

فالمسلمُ الحق هو الذي يحترمُ الأخوةَ الإسلامية ويُقدِّر ما عليه من واجبات، فيحافظُ على دمِ أخيه فلا يغدر به ولا يقتله متجاوزًا حدود الله، ويحافظ على ماله فلا يبدده ولا يعرضه للضياع، ويحافظ على عِرضِ المسلم وشرفه؛ فلا يلوثه ولا يقذفه ولا يرميه بالفاحشة ولا يغتابه ولا يحقره، ويحب لأخيه المسلمِ من الخير ما يحبه لنفسه.

المسلمُ الحق يحافظ على المال العام؛ مال الدولة؛ لأن الاعتداءَ على المال العام أشد حرمة من الاعتداء على المال الخاص، فالمالُ العام تتعلق به ذِممُ جميع المسلمين، والمالُ الخاص تتعلق به ذِمةُ صاحبه، المسلم الحق لا يعتدي على المال العام من المؤسسات والمنشآت والطرقات والحدائق والجسور وغيرها، بل يذود عنها ويحميها.

فكيف يصحُّ إسلام من يستعين على هدمِ وطنهِ بالمشركين الكاذبين وأعداء الإسلام الحاقدين، والمُحتكرين الانتهازيين، وهو يرتعُ في خير وطنهِ ويعُبُّ من ثمراته.

الطلاب في الجامعات والأساتذة وهيئات التدريس، نبتت فيهم نوابت؛ خرجوا عن الإطار العام، فكانوا من الجاحدين، كثيرٌ من أولئك الذين تبوئوا المناصب في الجامعات، فصار لهم وزن وصارت لهم قيمة، وكانوا قبل ممن يَصْدُق عليهم: لا تعلِّموا أولاد السِّفلة العلم، رعتهم الدولة وعلمتهم وأنفقت عليهم وسكَّنَتهم حيث اغتربوا حتى لا يغتربوا، وما كانوا قادرين على أن ينفقوا على أنفسهم في التعليم، فرَعتهم وأنفقت عليهم، واجتهدت ما استطاعت؛ لكي توفر لهم الفرص، فلمَّا كانوا... تنكروا، يريدون خراب هذا البلد.

أولئك الذين يخرجون عن الصَّف في هيئات التدريس ممن ينتمون إلى الإخوانية وإلى القطبية، وإلى التكفير، والذين يؤزُّون الطلاب الذين تعلمهم الدولة وتنفق عليهم، وما كانوا لولا ذلك بقادرين على تعليمٍ ولا تفهيم، ولكنه الجحود ولكنه الكنود.

فكيف يصحُّ إسلامُ من يستعين على هدم وطنه بالمشركين والكاذبين وأعداء الإسلام الحاقدين، والمحتكرين الانتهازيين، وهو يرتع في خير وطنه ويعب من ثمراته.

وكيف يصح إسلام من يلجأ غالى الإجرام في الوصول إلى أغراضه الخسيسة ويسعى في قتل المسلمين واغتيالهم والله -عز وجل- يقول: {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة:32].

ويقول جل وعلا: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:93]

والرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- في حجة الوداع يقول: ((إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلغت؟))

قالوا: نعم.

قال: ((اللهم أشهد، فليبلغ الشاهد الغائب، فرُبَّ مُبلِّغٍ أوعى من سامع، فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض)). خرَّجاه في الصحيحين.

فهذا بعضُ كلامِ الله وهذا بعضُ كلام رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، فماذا تصنع هذه العصابة المجرمة بمصر الآمنة وأهلها الطيبين؟

أَرى مِصرَ يَلهو بِحَدِّ السِلاحِ

                   وَيَلعَبُ بِالنارِ وِلدانُها

وَراحَ بِغَيرِ مَجالِ العُقولِ

                   يُجيلُ السِياسَةَ غُلمانُها

وَما القَتلُ تَحيا عَلَيهِ البِلادُ

                   وَلا هِمَّةُ القَولِ عُمرانُها

وَلا الحُكمُ أَن تَنقَضي دَولَةٌ

                   وَتُقبِلَ أُخرى وَأَعوانُها

وَلَكِن عَلى الجَيشِ تَقوى البِلادُ

                   وَبِالعِلمِ تَشتَدُّ أَركانُها

فَأَينَ النُبوغُ وَأَينَ العُلومُ

                    أَينَ العلوم وَإِتقانُها

وَأَينَ مِن الخُلقِ حَظُّ البِلادِ

                   إِذا قَتَلَ الشيبَ شُبّانُها

وَأَينَ مِنَ الرِبحِ قِسطُ الرِجالِ

                   إِذا كانَ في الخُلقِ خُسرانُها

وَأَينَ المُعَلِّمُ ما خَطبُهُ

                   وَأَينَ المَدارِسُ ما شَأنُها

لَقَد عَبَثَت بِالنِياقِ الحُداةُ

                   وَنامَ عَنِ الإِبلِ رُعيانُها

إِلى الخُلقِ أَنظُرُ فيما أَقولُ

                   وَتَأخُذُ نَفسِيَ أَشجانُها

عن أبي هريرة -رضي الله عنه - عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: ((اجتنبوا السبع الموبقات)).

قالوا: يا رسول الله، وما هن؟

قال: ((الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات)). أخرجاه.

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لن يزال المؤمن في فسحةٍ من دينه ما لم يُصب دمًا حرامًا)).

قال ابن عمر: ((إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله)). رواهما البخاري في صحيحه المرفوع والموقوف.

وقال عبادة بن الصامت: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في مجلس فقال: ((تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق،

 فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب شيئا من ذلك فعُوقب به فهو كَفَّارة له،

 ومن أصاب من ذلك شيئًا فستره الله عليه فأمرُه إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه)). رواه البخاري ومسلم وهذا لفظ مسلم.

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من حمل علينا السلاح فليس منا)). أخرجاه.

وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيّب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة)). -ويجوز أن تجعلها على الرفع على أنها على خبر لمبتدأ محذوف-، والحديث في الصحيحين.

يا أهل مصر:

يا أهل مصر رمى القضاء بلطفه *** وأراد أمرا بالبلاد فكانـــــا

إن الذي أمر الممالك كلها بيديه *** أحدث في الكِنانة شانــــــــا

أبقى عليها أمنها في برهة *** ترمى العروش وتنثر التيجانـا

وكسى البلاد سكينة من أهلها *** ووقى من الفتن العباد وصانا

أو ما ترونَ الأرض خُرِّب نصفُها *** وديارُ مصرٍ لا تزال جنانـــــــــا؟!

يرعى كرامتها ويمنعُ حوضَها *** جيشٌ يعافُ البغي والعدوانـــــا!

كجنودِ عمروٍ أينما ركزوا القنى *** عفُّوا يدا ومُهنّدا وسنانــــــــــــا

إنَّ الشجاع هو الجبان عن الاذى *** وأرى الجريء على الشرور جبانا

ألا يدري الحمقى الذين يسوقون الخرابَ إلى ربوعِ مصر من يخدمون؟ ألا يعلمون؟

ألا ساء ما يصنعون، ألا فليسمعوا حتى يعوا:

ما ورد في سفر حزقيال في الإصحاح التاسع والعشرين:

((وَيَعْلَمُ كُلُّ سُكَّانِ مِصْرَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ، مع كَوْنِهِمْ عُكَّازَ قَصَبٍ لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ، عِنْدَ مَسْكِهِمْ بِكَ بِالْكَفِّ انْكَسَرْتَ، وَمَزَّقْتَ لَهُمْ كُلَّ كَتِفٍ، وَلَمَّا تَوَكَّأُوا عَلَيْكَ انْكَسَرْتَ وَقَلْقَلْتَ كُلَّ مُتُونِهِمْ.،لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: وَتَكُونُ أَرْضُ مِصْرَ مُقْفِرَةً وَخَرِبَةً، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ، لأَنَّهُ قَالَ: النَّهْرُ لِي وَأَنَا عَمِلْتُهُ؛ لِذلِكَ ها أَنَا ذَا عَلَيْك وَعَلَى أَنْهَارِك.

وَأَجْعَلُ أَرْضَ مِصْرَ خَرِبًا –خَرَابَا-خَرِبَةً مُقْفِرَةً، مِنْ مَجْدَلَ إِلَى أَسْوَانَ، إِلَى تُخْمِ كُوشَ، لاَ يمُرُّ فِيهَا رِجْلُ إِنْسَانٍ، وَلاَ تَمُرُّ فِيهَا رِجْلُ بَهِيمَةٍ، وَلاَ تُسْكَنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَأَجْعَلُ أَرْضَ مِصْرَ مُقْفِرَةً فِي وَسْطِ الأَرَاضِي الْمُقْفِرَةِ، مُدُنَهَا فِي وَسْطِ الْمُدُنِ الْخَرِبَةِ تَكُونُ مُقْفِرَةً أَرْبَعِينَ سَنَةً. وَأُشَتِّتُ الْمِصْرِيِّينَ بَيْنَ الأُمَمِ، وَأُبَدِّدُهُمْ فِي الأَرَاضِي؛ لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: عِنْدَ نَهَايَةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً أَجْمَعُ الْمِصْرِيِّينَ مِنَ الشُّعُوبِ الَّذِينَ تَشَتَّتُوا فيهم وبَيْنَهُمْ، وَأَرُدُّ سَبْيَ مِصْرَ، وَأُرْجِعُهُمْ إِلَى أَرْضِ فَتْرُوسَ، إِلَى أَرْضِ مِيلاَدِهِمْ، وَيَكُونُونَ هُنَالكَ مَمْلَكَةً حَقِيرَةً، تَكُونُ أَحْقَرَ الْمَمَالِكِ فَلاَ تَرْتَفِعُ بَعْدُ عَلَى الأُمَمِ، وَأُقَلِّلُهُمْ لِكَيْلاَ يَتَسَلَّطُوا عَلَى الأُمَمِ)).

هذا ما يتوعدوننا به، ورأسُ الحربة في ذلك الإخوان المسلمون ومن شايعهم ومن تَبِعهم من جنودهم من الإنس والجن المجرمين.

ما المراد؟

تفكيك الجيش، انهيار الدولة، تشتيت المصريين في البلاد والآفاق! لتصدُق النبوءة في العهدِ القديم.

والكلُّ ساعٍ سعيًا حثيثًا نحو المقصود، يتوسلون بكلِّ وسيلة من أجلِ حصول الغاية، ومُخطئٌ من يظن -مخطئٌ وواهمٌ- من يظن أو يعتقد أن الأمر قد انتهى، بل الأمر قد بدأ.

 الأمر قد بدأ الآن، وكلُّ الذي مرَّ إنما كان استعدادًا للوصول إلى الغاية، فلما عُوِّقت بعض التعويق التَّفَ القوم حول المقصود، يريدون الوصول إليه من جهة أخرى، وهم جادون عازمون على الوصول فيأيها الشعب الطيب لا تغفل، واحذر المجرمين.

وقد قال الشاعر القديم عن بلاده:

بلادٌ ألفناها على كل حالةٍ

وقد يُؤلف الشيء الذي ليس بالحسن

 ونستعذبُ الأرضَ التي لا هواء بها

 ولا ماؤها عذبٌ ولكنها وطن -ولكنها وطن-

 بلادٌ ألفناها على كل حالةٍ

 وقد يُؤلف الشيء الذي ليس بالحسن

 ونستعذب الأرضَ التي لا هواء بها

 ولا ماؤها عذبٌ ولكنها وطن.

فكيف إذا كان هواؤها أصفى الهواء وأنقاه!!

 وكيف إذا كان ماؤها أعذب الماء وأصفاه!!

 يا للجحود، تضيعون هذا الوطن الإسلامي، لماذا؟

من تخدمون؟ لصالح من تعلمون؟ ممن تقبضون؟

هذا بعض ما قلته ولا جديد، فما صار عندنا من جديد، الحدثُ واحد والتحذير هو التحذير؛ لأن المنهج هو المنهج، ومن عرف الكتاب والسُّنة فليس بمتنبئ، وإنما هو ناظر من خلال النصوص فيرى ما لا يراه الناظرون من خلال البدع والأهواء، من خلال الحزبيات الضيقة، والأهواء المريضة، والمصالحِ الدنيئة.

الذي ينظرُ من خلالِ الكتاب السُّنة؛ ينظر من خلال سِترٍ شفيف؛ يشفُّ عما ورائه فيهديه الله -تبارك وتعالى- الصراط المستقيم.

قد عَلِمَ الناسُ كلُّهم من قاصٍ ودان ومؤمن وكافر، ما وقع من أحداث التفجير والتدمير، وهذا التفجير هتكٌ لحرمات الإسلام المعلومة منه بالضرورة، هتكٌ لحرمة الأنفس المعصومة، هتكٌ لحرمة الأموال، هتكٌ لحرمات الأمن والاستقرار وحياة الناس الآمنين المطمئنين في مساكنهم ومعايشهم، وغدُّوهم ورواحهم، هتكٌ للمصالح العامة التي لا غنى للناس في حياتهم عنها، وما أبشعَ وأعظم جريمةَ من تجرأ على حُرمات الله، وظلم عباده وأخاف المسلمين والمقيمين بينهم، فويلٌ له ثم ويلٌ له من عذاب الله ونِقمتهِ ومن دعوةٍ تحيط به، ونسأل الله أن يكشف ستره وأن يفضح أمره.

إنَّ النفسَ المعصومة في حكم شريعة الإسلام هي كل مسلمٍ وكل من بينه وبين المسلمين أمان، كما قال تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:93].

وقال –سبحانه- في حق الذمي، في حكم قتل الخطأ: {وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} [النساء:92]

فإذا كان الذِّمي الذي له أمان إذا قتل خطأ فيه الدية والكفارة!، فكيف إذا قُتل عمداً؟؟

إن الجريمة تكون أعظم وإن الإثم يكون أكبر.

وقد صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما في حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- الذي أخرجه البخاري في الصحيح: ((من قتل معاهدًا لم يرَح رائحةَ الجنة)).

فكيف بالمسلم؟!

فكيف بالمسلم المعصوم الدم؟؟

هذا العمل الإجرامي يتضمنُ أنواعًا من المحرمات في الإسلام بالضرورة، من غدرٍ وخيانة، وبغيٍ وعدوان، وإجرامٍ آثم، وترويعٍ للمسلمين وغيرِهم، وكل هذه قبائح منكرة يأباها ويبغضها الله، ويأباها ويُبغضها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويأباها ويبغضها المؤمنون.

فالإسلام بريءٌ من هذا العمل ومِثله، وهكذا كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر هو منه بريء، وإنما هو تصرفٌ من أصحاب فِكرٍ منحرف، وعقيدة ضالة فاسدة، ومن صنع ذلك فليحمل إثمه وليحمل جُرمه ولا يُحتسب عملُه على الإسلام العظيم، ولا على المسلمين المهتدين بهدي الإسلام، المعتصمين بالكتاب والسُّنة، المتمسكين بحبل الله المتين، وإنما هو محضُ إفسادٍ وإجرام تأباه الشريعة والفطرة، لهذا جاءت نصوص الشريعة قاطعة بتحريمهِ؛ مُحذرِّة من مصاحبة أهله.

قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ*وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ* وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة:204-206]

وقال الله -عز وجل-: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33]

نسأل الله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يكشف سِتر هؤلاء الفعلة المعتدين، وأن يُمكِّنَ منهم وأن يكُفَّ البأس عن هذه البلاد وعن سائر بلاد لمسلمين.

 هذه الأمور من التخريب الذي نهى عنه الإسلام الحنيف، وهي تجرُّ على المسلمين شرًا كثيرًا، بحيث إن الكفار يأخذونها حجةً للانقضاض على المسلمين والتدخل في شئونهم، وتدمير بلادهم، واستلاب ثرواتهم، وإشاعة الفاحشة بينهم، وهتكُ حرماتهم، وهذا الذي اتخذه الكفار سببًا لهدم الإسلام؛ لأنهم يصفون الإسلام بأنه دينُ إرهابٍ وقتْل، وقد أخذوا ذلك من مثل هذه التصرفات ومن غيرها، ومن لا شيء!!

والله -جل وعلا- أمر بجهاد الكفار تحت ولاية من ولاية المسلمين، أما التفجير والتدمير والقتل والتخريب؛ فهذا مما يَنهى عنه الإسلام العظيم؛ لأنه يسبب شرًا على المسلمين قبل غيرهم، ولأنه مضرةٌ محضة بدون فائدة، ولا شك أنَّ هذه الحوادث؛ حوادث فتن مُنذرةٌ بشر كثير، وهي نوع من الإجرام المقيت الذي لا هدف له فيما يبدوا إلا أن يربك السلطات وأن يقوِّض الدعائم، وأن يَحُلَّ العُرى، وأن ينقض بنيان الدولة، من أجل أن تُنفق الأموال في ملاحقة مثل هذه الأعمال، حتى إذا ما جاع الناس أزَّهم الجوع على أن يثوروا ويخرجوا، وحينئذ تعمُّ الفوضى البلاد وهذا ما يريده أولئك.

وعليك أن تتأمل في الوطن الإخواني المنشود الذي يصل إليه أولئك على الأشلاء والجثث؛ يخوضون في بِركٍ من الدماء، وطنٌ ممزق ،وطنٌ مُقسم، وطنٌ توحشت فئرانه؛ لأن الأحياء فيه لا يجدون القوة ولا الوقت ولا المدافن؛ ليواروا جُثثَ من قتل من ذويهم، لا يستطيعون، فتبقى الجثث متجيفةً منتنةً حيث هي تحت الأنقاض أحيانًا وفي الشوارع أحيانا وهنا وهنالك، فتسْمنُ على تلك الجثث الفئران والكلاب، وقديما قالوا سمِّن كلبك يأكلك، هذا هو الوطن، لا يستطيعون الحكم إلا في أمثال هذه الأوطان، وهذا ما صنعوه بالتواطؤ مع الصهيونية العالمية والصليبية الحاقدة وكل شانئٍ ومُبغضٍ لدين الإسلام العظيم؛ من اجل إحداث الفوضى في البلاد الإسلامية العربية، حتى إذا ما انهارت وانحلت الأخلاق وذابت وصار الناس لا ناسًا ولا حيوانا، استطاعوا حينئذ أن يقودوهم بالأزَّمة إلى حيث يريدون، حتى تأتي تلك النبوءة وتتحقق: من النيل إلى الفرات أرضك يا إسرائيل.

إرباك السلطات، إهدار الطاقات، نزفُ الثروات، دون تفسيرٍ لمن يقع عليه الأذى، وبهذا يُعدُّ من أعمال التخريب ومن الإفساد في الأرض والعدوان، والله -جل علا- حرم الاعتداء على الأنفس المعصومة، والأموال المحترمة، وحرَّم الظلم على نفسه –سبحانه- وجعله بين عبادهِ محرمًا، ونهى عباده أن يتظالموا.

فهذه الجرائم المتنوعة التي أصبحت لا هدف لفاعليها إلا أن يوقعوها، وإلا أن يُنزلوا الرعب فيمن يكونون في محيطها ومن ورائهم، وهم لا يعلمون أنَّ الله لا يصلح عمل المفسدين، فالواجب على المسلمين والواجب على المصريين أنْ يتعاونوا فيما بينهم؛ لأنَّ الأمنَ من أجلِّ النعم كما أن فقده من أعظم النقم، والله -جل وعلا- ضرب المثل بالقرية التي كانت آمنة مطمئنة فجحدت وكفرت بالنعمة، فصيَّرها الله تعالى إلى الجوع والخوف: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112].

والواجب على من يفكر في مثل هذا الصنيع أن ينظر في العواقب، وأن يسأل نفسه: لمصلحة من يعمل هذا العمل؟ ومن الذي يستفيد من هذه الحوادث؟

لا يستفيدُ منها إلا أعداء الإسلام؛ إنها لا تحقق أمْنًا، ولا تزيد العيش رغدًا، ولا ترتفع بها كِفة الدين والتدين، ولا تُعيد نظامًا فاشلًا كان وانتهى أمره وطُويت صفحتهُ القذرة من كتاب التاريخ، أو بمِثل هذه الأعمال الصبيانية يُعاد الفشلة مرة أخرى !!

هذه الحوادث مدعاةٌ لأن يُلصق بالمتدينين والدين تُهمٌ هم منها براء، وكل ذلك بسبب رعونة هؤلاء المُقدمين على هذه المنكرات وبسبب حماقتهم واستشراء شرهم، وأنت خبير بأنَّ من البلاء الذي نزل بهذه الأمة في هذا العصر؛ ما وقع فيها من هذا الأمرِ الكبير الذي نامت فيه القوالب وقامت الأنصاص.

فتصدر المشهد في الدعوة أقزام حمقى، القاسم المشترك عندهم الحماقة، وأنا أتحدى أن يأتيني أحدٌ بواحد من هؤلاء ليست الحماقةُ بصفةٍ له، القاسمُ المشترك بينهم جميعا الحماقة، ليسوا أهلًا لشيء، أكثرهم ممن كان يمكن أن يكون مؤهلًا لشيء هو الذي يقف مثلًا على قوارعِ الطرق ومعه عربةٌ عليها قِدرةٌ من الفول -الذي يستحسنه المصريون-، ينادي عليه بصوته -إن كان رخيمًا أو إن كان مُنفرًا-هذا كان غاية ما يمكن أن يكون.

فهذا من البلاء الذي نرجو الله ونسأله أن يرفعه وهو على كل شيء قدير.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد البشير النذير وعلى آله وأصحابه أجمعين.

الْخُطْبَةُ الثانية:

الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو يتولى الصالحين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد:

فهذا كلُّه مما قيل وقتا ما، لا جديد، الخَطْبُ واحد، والعلاج واحد؛ لأن المنهج واحد لا يتبدل ولا يتغير.

احترام الأموال، احترام الدماء، احترام الحياة –احترام الحياة-، أمرٌ مطلوبٌ شرعًا، السعي في زعزعة أمن الأمة؛ إنما يصدرُ من أناس فهموا الإسلام على غير فهمهِ الشرعي، وجاءهم الشيطان وزين لهم الباطل فظنوه حقًا وذلك من قصور الإيمان والعلم.

قال -جل وعلا-: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ۖ فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۖ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [فاطر:8].

وما أرادوه إلا لكيد الأمة والنَّيْل منها، وزعزعة دولة الإسلام، ومحبة إظهار الفوضى في بلاد المسلمين، وهؤلاء جهلَة، خُدعوا وغُرِّر بهم، وليس عندهم من العلم ما يحملهم على اتقاء هذه المصائب العظيمة.

 أعداء الأمة ساعون في الإضرار بالأمة بكل ما أوتوا، بالمكائد من قيل وقال، وأراجيف وإشاعات باطلة، ومن إيحاء لضعاف البصائر؛ ليستغلوهم في باطلهم وليجعلوهم لحصول ما يحصل من النَّكبات للأمة، فاليقظة والانتباه واجبان لمعرفة مخططات أعداء الإسلام، وليكن المسلمون على حذرٍ من هذه الأمور، فإنَّ أعداء الله لا يريدون لنا نُصحًا، إنما يحبون أن يوقعوا بيننا العداوة والبغضاء، فليحذر المسلم أن يكون مطيَّةً لأعدائه، يوجهه الأعداء كيف شاءوا، وليكن على ثقة بدينه، وليستقيم على الخير، وليتعاون المسلمون جميعًا على البر والتقوى، وليحذرُ المسلم من أن يكون عونًا لكلِّ مُجرم مطيَّةً لكل مفسد، فإنها تُخلُّ بالأمانة الشرعية.

وأمنُ هذا البلد عمومًا مسؤوليةُ كلِّ فردٍ منَّا، حمى الله بلاد المسلمين من كل مكروه وسوء، وجنَّبها المهالك، وكفاها شر الأعداء وبصَّر الأمة في دينها.

إن الغَيرةَ لله والحماية لدينه أمر مطلوب من المسلم، لكن الغيرة تكون على أصول شرعية، بضوابط شرعية، لا على ما يُمليه الهوى والنفوس الأمارة بالسوء، ولا على ما يُريده الأعداء، فالمسلم يغارُ لدين الله، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؛ ولكن بالضوابط الشرعية، يقفُ عند حده، ولا يتخذُ من دينه وسيلةً لإغواء الأمة ويزعم أن هذا تدين، والحقيقة أنه ليس كذلك؛ بل ذلك خداع.

نسأل الله أن يُبصِّرَ الجميع ويهدي ضالَّ المسلمين، ويثيب مُطيعهم ويُثبَّته، نسأله تعالى أن يعيًذنا جميعا من مُضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن إنه تعالى على كل شيء قدير.

عباد الله، إنَّ من قدرِكم؛ أن كنتم مخلوقين في هذا الزمن، تعانون هذا الظرف الدقيق الذي تمرُّ به الأمة، تعانون معها في الخروج من عنق الزجاجة، تعانون معها من الخروج من المضيق، من المأزق الذي أَدخلت الأمة فيه الذنوب.

هذا قدرُنا، وعلينا أن نحملهُ راضين، وأن نسألَ الله لنا الشهادة أجمعين، فإنه على كل شيء قدير.

كلٌّ في مكانهِ يحمي الثَّغْرَ الذي أقامه الله عليه، وليحذر أنْ يُؤتى المسلمون من قِبلِهِ.

ويحك!! اثُبت، واحذر أن يؤتى المسلمون من قِبلِك، فإنه إن كان فهي الخيانة، الخيانةُ لله والخيانة لرسول الله، والخيانةُ لكتاب الله، والخيانةُ للوطن الإسلامي، الذي يريد أولئك الأعداء أن يحولوه إلى مسخٍ مُشوَّه لا يكون شيئًا في هذا العالم سوى مجموعة من الجماعات تتقاتل بينها؛ تريقُ الدماء وتُحدث الفوضى، وينتهك بعضهم عِرض بعض، يقتل بعضهم بعضا، ويسلبُ بعضهم مالَ بعض، إلى غير ذلك مما هو معلوم.

وتأمل في حال الصومال، فقد احتفلوا قريبا بإنجازٍ عظيم وصلوا إليه، بعد ما يزيد على عشرين عاما، ما هو هذا الإنجاز؟

 حلَّ الرخاء؟!! ارتفع البلاء؟!! صارت قلوب الصوماليين على قلب رجل واحد؟!

 كفَّ التكفيريون عن القتل وإراقة الدماء؟

ما هو الإنجاز؟

 إعادة إشارات المرور إلى الطرقات!!

لأنهم ظلوا عشرين عامًا ليس لسيارةٍ لوحة معدنية تدل على شيء، وليس في الطرقات من إشارة ولا شيء، وأما البشر ففَنوا أو تواروا، لأنَّ القتل ماحقٌ ساحق، وأنتم رأيتم في النبوءة التي يتوعدكم بها إله إسرائيل، أنكم ستتشتتون في الأرض أربعين سنة، تريدون أن تكونوا كالسوريين؟

أسأل الله أن يجمعَ شملَهم، وأن يصرفَ عنهم كيد الكائدين ومكر الماكرين، وأنْ يجعل كيد أعدائهم في نحورهم، إنه على كل شيء قدير.

ماذا تريدون؟

الوطن الإخواني وطنٌ قد أُتخمت فيه جرذانه، سَمنت فيه كلابه وفئرانه من كثرة الطعامِ من الجثثِ المبذولة، التي لا تجدُ من البشر من يقوم عليها لضعفه وانحلال قوته أن يحفر قبرًا، أن يواري جثةً لعزيز، أو للخوفِ الداهم والخطرِ الماحق والبلاء الساحق، فيدَعُ ذلك لمصيره، وسيتحلل بعد حين، تُتخم منه الفئران والكلاب، وأما كلاب أهل النار فإنهم يُتخمون بشيءٍ آخر؛ بأموال من يمدونهم بالأموال، و((الخوارج كلاب أهل النار))، كما قال النبي المختار.

كلاب في كلاب،

 والله المستعان عليه التكلان وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ...