فإن الذاكرةَ ملكةٌ مستبدة, قد تفرض على المرء أمورًا لم يكن يريدها ولا يريد أن يريدها. لَست أدري لماذا يُدَويَ في مِسمَاعَيا دَويَّ الطبل قول أبى الطيب وقد ترك مصر في مثل هذا اليوم وهو يُنشد:
عيدٌ بأيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيه تجْديدُ
كلما حاولت أن ابتعد عن هذه الذكرى وأن أفر من هذا الشعر فرض نفسه على الذاكرة والذاكرة ملكة مستبدة. أين كُنَّا؟ وإلى أين صرنا؟.
كانت الفرحة في مثل هذا اليوم تتواثب في الطرقات، تبدو على الحوائط، تلوح في براءة الأطفال، تغمر العيون، وتزركش الأثواب، كانت اللهجة تُعبر عن المحبة الكامنة في الصدور وقد تفجرت على الألسنة كالعيون عذبةً نميرةً صافية.
وأما اليوم فالحياة مُرة كطعم العَلقمِ، دماءٌ مستباحة, وأعراضٌ مستباحة, وأموالٌ مستباحة, وأوطان تُباع في سوق النخاسة.
يا براءة الأطفال أين أنتي؟ يا طِيبة الأنفس أين وَليتي؟ يا حُزن القلب لِما تفجرت؟
آه يا مصر، يا وجعًا كامنًا في القلب قد تفجر بركانًا هادرًا, يشوي كل لحمٍ ويجففُ كل دمٍ ويسحق ماحقًا كل عظم.
آه يا مصر، يا من يبيعُكي الخونة من أبنائك في سوق النخاسة بيع الجواري، لا عِرض يُراعى ولا أرض تُصان؟. كُنَّا وصِرنا. أين كنَّا؟ وإلى أين صِرنا؟!.
كان الخطباءُ والعلماءُ والقُرَّاء أُمناء على دين الأُمة، يوجِّهون الناس إلى الحق والهدي والطريق المستقيم، يَعرِفون الرشاد أين يكون، يَأُمُّونَهُ أمًّا، يقصدونه قصدًا. والآن، إلى أين يسيرون؟!
كان العلماءُ والخطباءُ والفقهاءُ والقُرَّاء, كان مِلحُ هذه الأرض, يتقي الله عز وجل في هذه الأُمة, يدعو في المناسبات لولاة الأمور, فعكسوا القضية وجاء الخوارج - قبحهم الله - يدعو الرجل على بلده، يدعو الرجل على وطنه، يريد المذلة لأهله، يدعو على دولته، يستمطر الفوضى من السماء على قومه، لا يُبالي بعِرض!! وقد فَرَّطَ في الأرض ووضع يدًا نجسةً دَنِسَةً في أيدي الخونة والعملاء في الداخل والخارج يتبَعون جميعًا شيطانًا رجيمًا.
لقد استأمنكم الله جل وعلا على هذا الدين، أوامِره ونواهِيه ونهاكم عن التفريطِ فيه, وجعل التفريط في الأوامر والنواهي خيانة, وَبَيَّنَ لكم رسولكم صلى الله عليه وآله وسلم أن الأمانة أولُ ما يُرفعُ من بينكم، أول ما يرفع من هذا الدين الأمانة, وَبَيَّنَ صلى الله عليه وآله وسلم أنه يُوشِكُ أن تدخل المسجد الجامع فلا تجدُ فيه رجلًا أمينًا.
والأمانةُ والخيانة ضدان لا يجتمعان ولا يرتفعان، فإذا ارتفعت الأمانة حلَّت الخيانة، خيانة الدين، خيانة الأوامر والنواهي. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} يناديكم ربكم بهذا الوصف الشَفيف، بهذا النعت اللطيف يَمس شِغاف القلوب. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} آمنوا بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولًا.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} يا مَن تقدمون دينكم على حياتكم، يا مَن تجعلون أرواحكم دِفاعًا وذبًا دون دينكم، يا مَن تُرخِّصون كل شيءٍ في الحياة من أجل دينكم.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}. استأمنكم الله ربُّ العالمين على هذا الدين بأوامِره ونواهِيه، فلا تخونوا ربكم، لا تخونوا نبيكم، لا تخونوا دينكم، لا تخونوا أنفسكم، لا تخونوا أوطانكم.
إِنِّي لأعْجَبُ كيفَ يُمكنُ أنْ يخونَ الخائنون!
أيخونُ إنسانٌ بلادَه!
إنْ خانَ معنى أنْ يكونَ فكيفَ يمكنُ أنْ يكون؟!
ما الذي يتبقى له من معاني الحياة؟ ولماذا يحيا في هذه الحياة؟
لقد صِرنا بعد أن كُنَّا إلى أمور منعكسة. في يوم العيد أمَرَنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإخراج ذواتِ الخدور والعواتق مِمَّنْ لا تراها الشمس، من المَصونة، من الدرة المكنونة؛ لكي تشهد العيد, ودعوة المسلمين حتى لو كانت حائضًا؛ تعتزلُ المصلى وتشهد العيد, ودعوةَ المسلمين, وفرحة الإسلامِ بأبنائه, وفرحةَ أبناءِ الإسلام بالإسلام, بتآزرهم بتعاونهم بتوادهم بتحابهم بتراحمهم.
واليوم يخشى الرَّجُل على ولده بل يخشى الرَّجُل على نفسه أن يخرج ولا يعود, يفجرون المساجد, يقتلون الأبرياء, هم الذين يقتلون الرُّكَّعِ السجود, ويدعو داعيهم من خوارجهم – عاملهم الله بعدله – على الذين يقتلون الرُّكَّعِ السجود, مَن الذي يقتل الرُّكَّعِ السجود؟! من الذي يفجر المساجد؟! من الذي ينتهكُ الحرومات؟! مَن الذي يشيعُ الفوضى في البلاد؟! مَن الذي لا يتَّقي الله في أرض ولا في عِرض؟! مَن الذي لا يتَّقي الله في دين؟! ألا شاهت الوجوه .
خوارجُ العصر قلبوا علينا الأمورَ وعكسوها. أيُّ عيد؟! أيُّ فرحةٍ هي لائحةٌ في العيون, على الأثواب, أين هي الظلال بكل ما تحمله ظلالنا هذه من مودة, من دِفْء, من عطف, من محبة, من تراحم, من تواد, سعيرٌ وهجير, ووَلَّى ما وَلَّى من معاني الحب ومعاني المحبة الكامنة في القلوب, تتفجر في أمثال هذه المناسبات, وصِرنا إلى ما نحن فيهِ, قلوبٌ متنافرة, وأرواحٌ متباغضة, وأعينٌ شاردة, وخطواتٌ تائهة, واللهُ ربُّ العالمين يريدونا إخوة متحابين, متناصرين متعاونين .
ديننَا دين الائتلاف ليس بدين الاختلاف, حتى المساكين ممن عملت عوامل التعرية فيما كانوا يعرفون فنحتت سيول الزمان وعصفت عواصفه ببعض ما كانوا يعلمون من آثارات العلم, وإن كان مشوشًا في أصله, غير مرتكزٍ على أساسٍ متين, حتى إنهم يُحيُون بدع المروانية, هل تسمعون عن بدع المروانية؟ خطبةٌ قبل الصلاة.
يقول الصحابةُ ومَن شهدوا: غَيَّرتُم والله,
فيقولوا: يا أبا سعيد - رضي الله تعالى عنه - ذهب الذي كنت تعرف, إنهم لا يجلسون لنا إذا صلينا العيد؛ ينصرفون, لا يحبوننا, لا يحبون سماعنا, ولا يحبون أشكالنا ومناظرنا, أنهم غَيروا, فنضحت البدعة على الأوجه والجوارح والأثواب بِذُلِّ المعصية.
فإن صلينا أولًا وقومنا فيهم؛ لنخطب فيهم -كما هي السُّنَّة - ذهبوا وتركونا, فنحن نقدم الخطبة على الصلاة, ليجلسوا مضطرين, ماذا يصنعون؟! مساكين .
يقول الإمامُ الشافعي رحمه الله: "لو ما أنزل الله على الناس سوى هذه السورة لكفتهم"
يقسِم الله رب العالمين بالزمان الذي هو محل وقوع الحوادث من خيرٍ وشرٍ,
{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} والألف واللآم (أ ل) في الإنسان للجنس, جنس الإنسان في خسران, إِلَّا من حاز هذه الصفات, وتحصل على هذه النعوت { إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} عَرَفوا الحق بدليله فالتزموه, وعملوا به, ودعوا إليه وصبروا على الأذى فيه, وتواصوا بالحق, لم يتواصوا بالباطل, تواصوا بالمعروف, لم يتواصوا بالمنكر, لم يتواصوا بالقتل بالذبح بالإحراق بتفزيع وترويعِ المسلمين .
النبي صلى الله عليه وآله وسلم مَن وصفه ربه جل وعلا بأنه ﴿ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ منعنا بأن يدخل أحدٌ منا مسجدًا من مساجد المسلمين أو سوقًا من أسواقهم ومعه نصالٌ إلا وقد قبض عليها .
النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبل من واحدٍ من أصحابه أن يروع أخاه وكان نائمًا, فصنع معه صنيعًا فقام مفزوعًا, فنهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ترويع المسلمين, عن تفزيعهم, بدل أن تُدخِلوا البهجة على قلوبهم, بدل أن تسوقوا الفرح الذي سرقتموه, فوأدتموه ودفنتموه وغيبتموه, وأسكنتم الحزنَ في العيون, وأسكنتم الهَمَّ في القلوب, وجعلتم طعم الحياة مُرًّا كطعم العَلقَمِ, أين هذا النهيُ النبوي الكريم عن تفزيع المسلمين مِمَّنْ يدخل المسجد ليفجر نفسه!!
يصيرَ المصلون أشلاءً!! يصير الرُّكَّع السجود قطعًا متناثرةً مختلطة!! حتى الجثة لا يتحصل ذووه على شيءٍ منها, صارت فتاتًا محروقًا, بعضُها إلتصق بالسقف إن كان بقيَ في المسجد سقفٌ! وسائرها على الحوائط والجدرانِ والسواري, وتطؤها الأقدام بلا حرمةٍ ولا إستكانةٍ عند الموت, صار الموت هينًا,,,
أين النهي عن التفزيع والترويع للمسلمين, من دخول الواحد من أولئك الخوارج - عاملهم الله بعدله – بسيارةٍ يجعل فيها نصف طَنٍّ من المتفجرات ويحك!! ماذا تريد؟ يريد الإثخان في المرتدين!! في الذين يقولون لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله!! في المصلين!! في الصائمين!! في المعتكفين!! في الحُجَّاجِ والمعتمرين!! في الذين يعملون بما علموا من الدين الذي شوهتموه!! وعن المسلمين أذهبتموه!! عَلِّمُوهم .
أين النهي النبوي الكريم عن ترويع المسلمين وتفزيعهم, مِن هذا العبث العابث, والطغيانِ الطاغي, والهَمِّ القائم القاعد المقيم, ألَا إنها كُربه ولكن هذه الأُمة تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد, لا تُرَاعُوا, إن قتلوكم فخير قتلى تحت أديم السماء, إن قتلوكم- إن قتلكم الخوارج - فخيرُ قتلى تحت أديم السماء مَن قتلوه, وإن قتلتموهم فهم شرُّ قتلى تحت أديم السماء, قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم « لَئِنْ لَقِيتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ» .
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمركم بالتَّواد «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلُ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» . أين هذا في هذه الحياة؟ خباثةٌ هي !
صيَّروها جيفة تعزف عنها النفوس السوية, وتعرض عنها القلوب الحية, وصارت الحياة بغيضة, حِملًا علي الأكتاف ثقيلًا، وَمِثْلُ هذا اليوم يجمع الله رب العالمين فيه للمسلمين عيدين
عيد الفطر: توَّجَ به عبادة الصيام واستفتح به الحج بأشهره إلي البيت الحرام،
ويوم الجمعة: عيد الأسبوع وأقوامٌ عاكفون إلي السَّحَرِ الأعلى وما بعده كيف يفجرون؟!، كيف يدمرون؟!، كيف يغتالون؟!، كيف يروعون؟!، وما الذي يصنعون بعد أن يشهد المسلمون الطيبون عيدَهم صلاةً وخطبة؟!، ليدخلوهم في مظهر اعتراضٍ علي دولة تعاني ما تعاني وتحمل حِملًا ثقيلًا، أَلَا إن الخوارج - عاملهم الله بعدله - لا يدَعُون أصلًا من أصول أهل السُّنَّةِ إلا نقضوه، فمن أصول أهل السنةِ الدعاء لولاة الأمور هذا أصلٌ من أصول أهل السُّنَّةِ .
يقول الإمام البربهاري أبو محمد: "إذا رأيت الرَّجُل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى، وإِذا رأيت الرَّجُل يدعو للسلطان فاعلم أنه صاحب سُنَّة إن شاء الله"، ويقول الفضيل بن عياض: - رحمه الله تعالى – "لو كانت لي دعوةٌ مستجابة لجعلتها للسلطان" ونُسِبَ هذا القول للإمام أحمد "لو كانت لي دعوةٌ مستجابة, مَا دعوت بها لنفسي ولا وُلْدِي ولا أهلي ولدعوت بها للسلطان"، كان عبد الله بن المبارك حاضرًا فقيل للفضيل يا أبا علي فسر لنا هذا – الذي قلته -، فقال – رحمه الله تعالي – "إني إذا جعلتها للسلطان فصلاح السلطان صلاح البلاد والعباد، وإذا جعلتها لنفسي لم تَعْدُنِي" لم تتجاوزني، دعوت لنفسي وانتهي الأمر .
دعا للسلطان أصلح الله السلطان, أصلح الله بها البلاد والعباد, وقضي بينهم بالسوية, وحكم بينهم بالمَعْدَلَة, وأقام فيهم دين الله عز وجل، أين هو دين الله؟!!، إنهم يقولون خرجتم منه، كفرتم، ارتددتُم، كذا يقولون عنا، كل مَن ليس معهم فهو كافرٌ مرتد، مَن دعا للحاكم فهو كافرٌ مرتد، مَن دعا للجيش الذي يحمي هذه البلاد – برحمة الله وحوله وقوته – فهو كافرٌ مرتد، مَن استنكر أن يُغْتَال شُرطي أو أن يُغتَال عسكري أو أن تُفجر منشأة أو أن تُحدَثَ الفوضى في البلاد فهو كافرٌ مرتد، ما هذا العبث؟!!، لماذا؟!! لأنكم لا تحكمون بما أنزل الله، وأنتم يا خوارج العصر .. تحكمون بما أنزل الله؟!!
يقولون: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾، هل تأملتم في معني الآية {وَمَنْ} مَنْ مِن ألفاظ العموم فيدخل فيها الحاكم والمحكوم, كل مسلم يدخل في هذه الفظة من ألفاظ العموم (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا ..) {مَا} مِن ألفاظ العموم أيضًا، فمعني الآية: كل الذي يحكم بأي شيءٍ لم ينزل الله تبارك وتعالي به سلطانًا ووحيًا معصومًا مِن كِتابٍ أو سُنَّةٍ ثابتة فهو كافر .
كفره يخرج مِن الملة؟!!
إذًا مَن أكل بشماله فهو كافرٌ مرتدٌ؛ لأنه حكم بغير ما أنزل الله.
سفهاء, حمقي, جُهلاء كما وصفهم رسول الله «حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ»، بغاةٌ كبغاة الطير وأجساد كأجساد البغال, لا يعرفون معروفًا ولا ينكرون منكرًا, ولا يريدون أن يعرفوا .
إن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عَنَّفَ أسامة وهو الحِبُ ابن الحِب الذي أشهد النبي صلي الله عليه وسلم رَبَّهٌ علي أنه يحبه - فقد جاء هو والحسن وكانا طفلين صغيرين فأخذهما رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وأشهد ربه أنه يحبهما ودعا الله أن يحبهما - قتل رَجُلًا في المعركة فعل بالمسلمين الأَفَاعِيل فلما تمكن منه قال: (أشهد أن لا إله إلا الله)، فقتله وعلم النبي بذلك، قال: «يا أسامة قتلته بعد أن قال لا إله إلا الله»، قال: يا رسول الله قالها اتقاء السيف، قال: «أَمَا إني لم أُبعث لأَنْقُب عن قلوب الخلق» مَا لك ولضمائرهم، مَا لك ولبواطنهم، مَا لك ولقلوبهم، لك ظواهرهم.
كان المنافقون وشيخهم غير مُدَافَع عبد الله بن أُبي بن سلول كانوا يحيون بين المسلمين ونفاقهم يخرج من الملة ولكنهم يلتزمون بأحكام الإسلام الظاهرة, فلم يتعرض لهم رسول الله صلي الله عليه وسلم ولمَّا طُلب منه صلي الله عليه وآله وسلم أن يقتل واحدًا من أولئك قال: «لا فيتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه» صلي الله عليه وآله وسلم؛ «قتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله» قال: يا رسول الله قاله اتقاء السيف، قال: «لم أُمر بأن أَنْقُب عن قلوبهم» قال: استغفر لي يا رسول الله، لم يقل: اللهم اغفر له وإنما قال: «ماذا تصنعُ بــ لا إله إلا الله يوم القيامة»؛ وهؤلاء لا يقتلون المهللين الذي يقولون لا إله إلا الله إنما يقتلونهم رُكَّعًا وسجودًا، يقتلونهم صائمين، يتقربون إلي الله بدمائهم وهم صائمون لله رب العالمين, مرابطون في ثغور المسلمين يحمون الأرض كما يحمون العِرض, وأولئك يعبثون في الأرض، ينتهكون الأعراض، ويفرِّطون في البلد، لأنها لا تعنيهم، قبضة من ترابٍ نجس كما قال طاغوتهم (الوطن حفنةٌ من تراب نجس) ومعلوم أن التراب النجس مشكلة في ذاته، ماذا تصنع به؟!! هو نجس فأينما جعلته نَجَّس مكانه، التخلص منه مشكلة في حد ذاته، وأما الوطن فيقول رسول الله «مَن مَاتَ دُونَ مَالهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» والأرض مال, فمَن مَات دون أرضِه فهو شهيد، أرضٌ يرفع فيه الأذان يوحد فيه الرحيم الدَّيَّان، أرضٌ تقام فيها الشعائر من الجُمَعِ والأعياد، أرضٌ تظهر فيها مظاهر الإسلام وإن كان فيها ما فيها، حافظوا علي الموجود واجتهدوا في تحصيل المفقود, لا تضيعوا ما في إيديكم من أجل وَهْمٍ وسراب، فليس هذا من العقل في قبيل ولا دبير، اليوم عندما تنظر في المال العام مَالِي ومَالُكَ، مَالُ كل مَن يقطُنُ هذا البلد، مَال المسلمين أجمعين، المال العام تتعلق به ذِمَمُ المسلمين أجمعين، لماذا تخربونه؟!، لماذا تحرقونه؟!، لماذا تفجرونه؟!، لماذا تريدون إسقاط الدولة؟!، أنتم تصارعون علي المُلْكِ، وتخدعون الناس بعد إن خدعتم أنفسكم بأنكم تصارعون علي المُلْكِ من أجل الدين،
لا .. أنتم تصارعون علي المُلْكِ وحده من أجل المُلْك وحده.
عبد الله بن عمر كما في صحيح الأدب المفرد جاءه رَجُلٌ فقال: إن أبي قد أوقف أدرُعًا وأفراسًا وسيوفًا - في معني ما قال - علي الجهاد في سبيل الله، وإن هذا جاءني في الفتنة التي كانت بين عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما وبني أُمية، وإنَّ هذا جاءني يطلب مني ما أوقفه أبي علي الجهاد ليذهب به إلي الحرب, فقلت له لا حتي نسأل أبا عبد الرحمن - يريد عبد الله بن عمر رضي الله عنهما – فقال: لا تعطه أفراس أبيك ولا أدرعه ولا أسيافه، إنما أوقفها أبوك علي الجهاد في سبيل الله, وهؤلاء يقاتلون علي المُلْكِ فلا تعطه شيئًا.
باسم الدين !! تَخرجون من الدين علي الدين وتخدعون المسلمين، وما زال في المسلمين مَن فيهم مِن الأغرار الأغمار, تروج عليهم الحيل الصبيانية, فينخدعون بالوسائل الشيطانية, وهؤلاء من شيطان الإنس يقولون: الدماء الدماء، والذي تريقموه من الدماء، أليست هذه بدماء؟!، هذا ماءٌ أحمر؟!، هذا ماءٌ ملون؟!، هذه الأرواح التي تزهقونها بغير حق، ما ذنب الأطفال؟!، ما ذنب النساء؟!، ما ذنب الشيوخ؟!، ما ذنب العجائز؟!، ماذا تصنعون؟!، إنكم تصدون عن سبيل الله.
أيها المسلمون لن يُسقِط الله رب العالمين هذا البلد إلا لسببٍ واحد: الخيانة؛ الخيانة وحدها هي التي تُمَكِّن من هذا البلد، لن يتمكن من هذا البلد عدوٌ له إلا بالخيانة وما أكثر الخونة!!، خانوا دينهم لما خانوا ربهم، وخانوا أنفسهم فشُوِّهُوا ظاهرًا وباطنًا، لم يعودوا من الأناسِي ولا من الحُمر ولا من البغال لم يعودوا شيئًا، مسوخٌ شائهه تتحرك في مجتمعٍ مسلم يعاني ويعاني فيه الناس من أجل كسرةٍ من خبزٍ حلال، يغدو الرَّجُل من بيته ضاربًا في الفلوات, سالكًا في السبل والطرقات, يبذل جهده من أجل أن يُحَصِّل قوت يومه لنفسه ومَن يعول، فلماذا تقتلونه؟!
النساء لماذا تنتهكون أعراضهن؟!
قال رسول الله «إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا، فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ، قالوا يا رَسُولَ اللَّهِ هذا الْقَاتِلُ فما بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ».
ورسول الله جعل المتسبب كالمباشر, لما جاءه مَن جاءه عائدًا مِن السَّرِيَّةِ فأخبره بأن واحدًا ممن ذهبوا معهم أصابه جُرح شجَّهُ حجر فنام فاحتلم فلمَّا استيقظ سأل مَن حضر: ترون ما بي فهل ترون لي أن أتيمم والماء حاضر؟ قالوا: لا اغتسل، فاغتسل فمات، كما في صحيح سنن أبي داود، فنقلوا هذا الذي وقع لرسول الله، فقال:
مَنُ أَحْدَثَ فِي هَذَا البلدِ الآَمِنِ فَوْضَى، أو سَعَى إِلَيْهَا، أو تَسَبَّبَ فيها؛ فَكُلُّ النتائجِ الْمُتَرَتِّبَةِ على هذه الفَوْضَى في عُنُقِهِ كِفْلٌ مِنْهَا؛
عبدُ اللهِ بنُ عُكَيْمٍ لَمَّا قُتِلَ عثمانُ – وهو مِنْ خِيَارِ التابعين -؛ جَلَسَ على بابِ المسجدِ يَجْعَلُ الترابَ على رأسِه يقول: قَتَلْتُ عثمانَ, قَتَلْتُ عثمانَ، قالوا: رَحِمَكَ اللهُ، ما هذا الذي تقول ؟! أنتَ لَمْ تُبَاشِرْ شيئًا، قال: كنتُ أَنْتَقِدُ بعضَ سِيَاسَاتِهِ – مَعْنَى ما قال - .
فَجَعَلَ كَلَامَهُ فيه تَهْيِيجًا عليه، وتَثْبِيطًا عنه؛ فالذي يَقَعُ بَعْدَ ذلك عليه كِفْلٌ منه .
اتقوا الله !
أَمْسِكُوا أَلْسِنَتَكُمْ إلا عن خير .
لماذا تتكلمون فيما لا تُحْسِنُون ؟!
لا أَحَدَ مِن أصحابِ الصناعاتِ مِن أصحابِ الحِرَفِ والمِهَنِ يَقْبَلُ عليها دَخِيلًا لم يُؤَهَّلْ لها .
مَنْ أراد أنْ يَتَّخِذَ دُكَّانًّا يبيعُ فيه الطُّرْشِّيّ؛ لا بد أنْ يُؤْذَنَ له، لا بد أن توافِقَ على بيعِهِ جِهَاتٌ متعدِّدَاتٌ، وإذا ما اجْتَرَأَ فَصَنَعَ مِنْ غَيْرِ إِذْن؛ أُخِذَ وحُوسِبَ، وَوَقَعَ عليه العقابُ !
يعني: أنتم تريدون يا خوارج العصر أن تُخَرِّبُوا البلد، وأن تسقطوا اقتصادها، وألا تجعلوا فيها شريفًا ولا عفيفةً، لا تريدون فيها أمنًا ولا أمانًا لتحكموها بالإسلام ؟!
تريدون خَرَابَةً تحكمونها بالإسلام أيها الغِرْبَان! أيها البُوم! يا مَنْ تَسْكُنُونَ الخَرَائِبَ لا تُحْسِنونَ سوى سُكْنَاهَا!
لا تُرَاعُوا، لا تُرَاعُوا ولا تخافوا، سيجعل الله فرجًا ومخرجًا؛ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الخوارج: «كُلَّمَا طَلَعَ قَرْنٌ قُطِع»، ما قامت لهم دولة، قد تراهم هنا وهنالك ينعقون، ينهقون، يتكلمون، يهرفون بما لا يعرفون، وتظن أنهم قد صارت لهم شوكة ؟! لا، أنت واهم .
إن القرامطة دخلوا المسجد الحرام في يوم الحجِّ الأكبر، قتلوا الحجيج، ردموا بجثثهم بئر زمزم، قلعوا الحجر الأسود وذهبوا به إلى هجر، فبقي عندهم عقدين ونيفًا من السنين، ولم تعده الدولة بالسلاح، وإنما بالمفاوضات، وأين هم ؟!
أين القرامطة ؟!
أين الحشاشون ؟!
أين الصفويون ؟!
أفيقوا من غفلتكم، أنتم الذين سوف تواجهون .
الإسلام أمامكم، دافعوا عنه، لا تخونوه، احذروا أن تخونوه، هو عزكم، مجدكم، ذكركم، شرفكم، الإسلام العظيم حياتكم دُنيا وآخرة، فاحذروا أن تخونوه .
إنْ خانَ معنى أنْ يكونَ فكيفَ يمكنُ أنْ يكون؟!
أنتم وحدكم بعون ربكم وبحوله وقوته مَن ستتصدون لهذا البلاء، أنتم جسدٌ صحيح يقوى على جميع ما يصيبه من الأوبئة والميكروبات، أنتم جسدٌ سليمٌ صحيح يلفظ خبثه .
هذا الدين كمدينة رسول الله: تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد .
لا تُراعُوا، سيجعل الله فرجًا ومخرجًا، اثبتوا، ولا تلتفتوا إلى أولئك الناعقين .
يُمَكَّنُ الرَّجُل من الخطابة، وغيره ممن لا يساوي هو موطئ نعله، يُمَكَّنُ بأكبر مسجد في أفريقية وفي أول مسجد بها وأقدم المساجد في أفريقية، في مسجد عمرو بن العاص، يُمَكَّنُ من الصلاة وإمامة المسلمين، ويتوارد وراءه الخوارج ليكونوا حائط صد إذا اعترض أحد، يدعو ساعةُ كاملة على بلده! على دولته! على إمامه!
إذا رأيت الرَّجُل يدعو على السلطان؛ فاعلم أنه صاحب هوى، صاحب بدعة، خارجي.
لماذا وصل إلى ذلك المكان ؟! وكيف وصل ؟!
يكرمونك؛ تهينهم ؟!
يحسنون إليك؛ تسيء إليهم ؟!
يأتمنونك؛ تخونهم ؟!
ألا قبحك الله .
وغيره: شيخ عموم المقارئ المصرية سابقًا كان يذهب إلى إشارة رابعة ليؤم الخوارج، خارجيًا مثلهم .
أهذه أمانة القرآن في صدرك ؟!
ويحك ! عاملك الله بعدله .
وغيره: أستاذ حديثٍ في جامعة الأزهر، أنفقت عليه الدولة، أطعمته من جوع، كسته من عري، آوته من تشرد، وفتحت له المجال ليصير أستاذًا للحديث بجامعة الأزهر، يخون، لماذا تخون الأمانة ؟!
أهذه هي أمانة حديث رسول الله في صدرك ؟!
الخيانة في كل مكان، خونة .
أسأل الله أن يمكن منهم .
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: « مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ»؛ لأن صيام شهر بعشرة أشهر، ولأن صيام ستة أيام بشهرين؛ فكأنه صام العام كله: « مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ»، لم ينقطع الصيام، هو ماضٍ طول العام، وكذا مَا كان من القيام هو ماضٍ في كل ليلةٍ من ليالي العام، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدعه، لا في حَلٍّ ولا ترحال؛ حتى كان في السفر يصلي قيام الليل على الدابة صلى الله عليه وآله وسلم .
تلاوة القرآن، كان سلفكم يكرهون أن يمضي على الرَّجُلِ ثلاثة أيام من غير أن ينظر في المصحف، ويقولونٌ: القراءة في المصحف خير وأفضل من القراءة عن ظهر قلب؛ لأنك تجمع إلى القراءة والتلاوة النظرَ في كتاب الله جل وعلا .
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من خطبته للرجال؛ توجه إلى النساء يعظهن، يقول: «اتقين الله؛ فإني اطلعت في النار فوجدت أكثر أهلِها النساء» .
يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «صِنْفَانِ مِن النَّاسِ لَمْ أَرَهُمَا بَعْدُ: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مَائِلاَتٌ مُمِيلاَتٌ رُءُوسُهُنَّ كأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ كَذَا وَكَذَا» .
على المرأة المسلمة أن تتقي الله رب العالمين في نَفْسِهَا، في عِرضها، في لحمِها، في دمِها، في بيتها، في زوجها، في أبنائها، في دِينها وأُمَّتِها، في وطنها، ألا تكون مثار فتنة تضيع بسببها الأعمار، وتُهْدَرُ بسببها القوى .
قال: «يَا مَعشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي اطَّلَعْتُ فِى النَّارِ، فَوجدتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ، يكفرن، فقامت امرأة فقالت: يا رسول الله يكفرن بالله ؟ قال: لا، يكفرن العشير، إن إحداكن لو أحسن إليها أربعين سَنَة ثم أساء إليها مرةً واحدة؛ قالت ما وجدت منك إحسانا قط»، جحود ونكران؛ ولكن هكذا خلق الله النساء، خلقها الله – أي المرأة – من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن أنت ذهبت تقيمه؛ كسرته، وإن استمتعت بها؛ استمتعت بها على عوج .
عباد الله؛ عليكم أن تشكروا ربكم أن بلغكم رمضان، وأقدركم على الصيام والقيام وأداءِ زكاة الفِطر والسعي إلي المصلى، فاشكروا ربكم واحمدوه علي نِعمهِ السابغات.
عباد الله؛ تأملوا في اختلاف ألبستكم وشياتكم وأحوالكم ومظاهركم، واعلموا أن الله تبارك وتعالى لا ينظر إلي شيءٍ من ذلك، لا ينظر إلي صوركم وأجسادكم، ولكن ينظر إلي قلوبكم وأعمالكم، فاتقوا الله رب العالمين، اتقوا الله في قلوبكم، في يقينكم.
عباد الله؛ أكثروا من ذِكْرِ ربكم، وتوكلوا عليه، وتعلموا دينكم، وابدءوا ذلك بالتوحيد، لأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بَقيَ عشرة أعوام بمكة من بداية البعثة إلي ليلة الإسراء والمعراج، لم تُفرض صلاة، إنما فُرضت في ليلة المعراج، ولا صيام، ولا زكاة؛ وإنما هي الصدقة، ولا حج، لم يُفرض شيءٌ من ذلك، ولم يُؤذن بالقتال، والجهادُ بالقرآن، بالحُجةِ والبيان ﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾، بكتاب الله، والآيةُ مكية، والسورة مكية، ولم يُؤذن له ببسطِ الأيدي بالقتال، وإنما أُمروا بكف الأيدي عن المشركين، يقتلونهم، يعذبونهم، يطئون رقابهم، يجعلون سلا الجزور علي ظهر نبيهم، يُخرجونهم من أوطانهم ومراتع صباهم ومغاني شبابهم إلي بلادٍ غريبة، وأشكالٍ وصورٍ غريبة، ولغةٍ غريبة، بعد أن كانوا يركبون متون البُعران في الصحراء والفلوات، صاروا إلي ركوب متون السفائن في البحارِ والأمواه، مرةً ومرة، ثم هاجروا إلي مدينة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم, بَقي عشرة أعوام يُعلمهم التوحيد، ولم يُفرض شيء، والسابقون الأولون من هؤلاء لا يلحق بهم مَنْ بعدهم وتأخر إسلامُه من صحابة رسول الله، وقع شيءٌ بين عبد الرحمن بن عوف وخالد بن الوليد، عبد الرحمن من السابقين الأولين، خالد أسلم في فترة الموادَعة بعد صُلْح الحُديبية وقبل فتح مكة من سَنَة ست إلي سَنَةِ ثمان، فتأخر إسلامه، ومع ذلك هو سيفُ الله كما نعتهُ بذلك ولقَّبه رسول الله، ومع ذلك لمَّا سبَّ عبد الرحمن؛ قال رسول الله مُغضبًا «لا تسبوا أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أُحدٍ ذهبًا ما بلغ مُدَّ أحدِهم ولا نصيفه».
واليوم خوارج العصر يضعون أيديهم الدَنِسة النَجِسة الملوثة في أيدي الروافض، الروافض تملكوا السلاح النووي، لليهود؛ للصليبيين؟! لكم، لأهل السُّنَّة، ليس لهم عدوٌ علي ظهر الأرض سوى أهل السُّنَّة.
اتقوا الله، اتقوا الله في أنفسكم، خافوا علي أرواحكم وأعراضِكم، علي بناتكم ونسائكم وأخواتكم، خافوا علي مستقبل حفدتكم، إن لم تخافوا علي دينكم.
لِمَن يُعد الروافض بالاتفاق مع الصليبيين في تمثيلية هزلية مكشوفة، كان كل من آتاه الله بصيرة يعلم أنه سيأتي اليوم الذي يُعلِن فيه انضمام الروافض إلى النادي النووي الدولي، وقد كان.
فانتظروا ما يُروِّعكم، بل ما يقتلكم، بل ما يُشوهكم، ليس لهم عدو إلا أهل السُّنَّة، لن يعتدوا علي يهود، ولا علي وثنيين، وإنما علي مكة والمدينة، يُحاصرون من الجنوب، ويأتون من الشمال الشرقي، ويتملكون السلاح النووي، وأنتم ماذا تتملكون؟! أقول لكم تتملكون خصوماتكم، تتملكون تباغضكم؛ تحاقدكم؛ تحاسدكم؛ تتملكون تدابركم؛ ماذا تتملكون؟!
كلٌّ منكم صار أُمَّة الإسلام وحده، لا أحد علي ظهر الأرض يفهم شيئًا في الدين سواه، ما هذا العبث؟! ماذا تصنعون؟!
أقبلوا علي خويِّصات أنفسكم، اتقوا الله في مستقبل أُمَّتكم.
اسأل اللهَ رب العالمين بأسمائه الحسنى وصفاته المُثلى أن يُنجي بلدنا من كل داء، ومن كل سوء ظاهرٍ وباطن، هذا الداء الذي ضرب بأرجائها، وعبث بأنحائها، وتملك من قلوب كثيرٍ من الأغرار من أبنائها.
اسأل الله رب العالمين أن يُعافي هذه الأُمَّة منه.
اسأل الله رب العالمين بأسمائه الحسني وصفاته المُثلى أن يُحافظ علي هذه الأُمَّة؛ علي هذه الدولة؛ وعلي سائر بلدان المسلمين.
اللهم يا رب العالمين؛ يا أرحم الراحمين نَجي وطننا وجميع أوطان المسلمين من كيدِ الخوارج المارقين يا رب العالمين.
اللهم بارك في بلدنا، وفي جميع بلدان المسلمين.
اللهم بارك في قيادتنا، وفي جيشنا، وفي أمنِنا يا رب العالمين، ويا أرحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين.
وصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ على نَبِيِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِهِ وَأصْحَابِهِ أَجمَعِين.