موقف المسلم من العلم المادي

للاستماع للمحاضرة

الخطبةُ الأُولى

إِنَّ الْحَمْدَ لِلّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَهْدِيهِ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾[آل عمران: 102].

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾[النساء: 1].

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾[الأحزاب: 70-71].

وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ.

ثُمَّ أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ سُؤَالاً مُلِحًّا إِلْحَاحًا شَدِيدًا مِنْ دَهْرٍ بَعِيدٍ مَضَى، يُدَافَعُ بِرِفْقٍ حِينًا وَبِشِدَّةٍ أَحْيَانًا، غَيْرَ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدَّرَ أَنْ يُطْرَحَ الْيَوْمَ، مَعَ تَشَعُّبِ طُرُقِ الْإِجَابَةِ عَنْهُ، وَعَدَمِ تَنَاهِي طُرُقِ الْوُصُولِ إِلَيْهِ، وَلَكِنْ .... اللهُ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ التُّكْلاَنُ.

هَذَا السُّؤَالُ هُوَ:

مَا هُوَ مَوْقِفُ الْمُسْلِمِ الْيَوْمَ مِنْ الْعِلْمِ الْمَادِّيِّ الْبَشَرِيِّ الَّذِي وَصَلَ إِلَيْهِ النَّاسُ؟

وَهَذَا السُّؤَالُ يُمْكِنُ أَنْ يُفْهَمَ عَلَى وَجْهَيْنِ:

الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: مَا هُوَ تَوْصِيفُ وَحَالُ مَوْقِفِ الْمُسْلِمِ الْيَوْمَ بِإِزَاءِ مَا وَصَلَ إِلَيْهِ النَّاسُ مِنْ تَقَدُّمٍ عِلْمِيٍّ مُذْهِلٍ فِي أُمُورِ الطَّبِيعَةِ وَالْمَادَّةِ وَشُؤُونِ الْحَيَاةِ؟

فَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ وَجْهٌ وَصْفِيٌّ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي هُوَ وَجْهٌ تَقْرِيرِيٌّ شَرْعِيٌّ؛ مُفَادُهُ: مَا الْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي مَوْقفِِهِ إِزَاءَ مَا يَسْتَجِدُّ مِنْ عُلُومٍ طَبِيعِيَّةٍ وَاخْتِرَاعَاتٍ إِنْسَانِيَّةٍ فِي مَنَاحِي الْحَيَاةِ؟

وَلْنَبْدَأْ بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ مِنْ وَجْهَيْ هَذَا السُّؤَالِ؛ فَأَمَّا وَصْفُ مَوْقِفِ الْمُسْلِمِ الْيَوْمَ إِزَاءَ مَا وَصَلَ إِلَيْهِ النَّاسُ مِنِ اخْتِرَاعَاتٍ وَمُسْتَحْدَثَاتٍ فِي وَسَائِلِ الْحَيَاةِ أَنَّهُ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ: (مَهْزُومٌ).

فَالْمُسْلِمُ مَهْزُومٌ هَزِيمَةً مُطْلَقَةً بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ قَاضِيَةٍ لاَ حَرَاكَ لَهُ مَعَهَا وَلاَ نَأْمَةَ حِسٍّ بِإِزَاءِ مَا وَصَلَ إِلَيْهِ النَّاسُ الْيَوْمَ مِنْ مُسْتَحْدَثَاتٍ وَمُخْتَرَعَاتٍ فِي شَتَّى مَنَاحِي الْحَيَاةِ، فَهَذَا وَصْفُ مَوْقِفِ الْمُسْلِمِ الْيَوْمَ.

وَإِذَا مَا أَرَدْتَ أَنْ تَصِلَ إِلَى هَذِهِ النَّتِيجَةِ النَّظَرِيَّةِ الْمُدَّعَاةِ بِطَرِيقَةٍ عَمَلِيَّةِ فِعْلِيَّةٍ تَجْرِيبِيَّةٍ؛ فَتَصَوَّرِ الْآنَ مُؤْتَمَرًا عَالَمِيًّا مِنْ مُؤْتَمَرَاتِ السُّكَّانِ، وَقَدْ حُشِدَ لِهَذَا الْمُؤْتَمَرِ كُلُّ عُلَمَاءِ الْأَرْضِ مِمَّنْ يُحْسِنُونَ وَلاَ يُحْسِنُونَ الْكَلاَمَ فِي هَذَا الْمَنْحَى، وَقَدِ اجْتَمَعُوا جَمِيعًا فِي مَكَانٍ مَا، يُنَظِّرُونَ وَيَتَكَلَّمُونَ عَلَى أَحْدَثِ وَسَائِلِ الْعِلْمِ وَالنَّظَرِ الْحَدِيثِ، وَمَعَ هَؤُلاَءِ الْعُلَمَاءِ -بِزَعْمِهِمْ- عَالِمٌ مِنْ عُلَمَاءِ شَرْعِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، بِضَاعَتُهُ فِي عِلْمِهِ مَا يُقَرِّبُهُ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَيَنْفِي عَنْ قَلْبِهِ الشِّرْكَ وَالدَّغَلَ، يَحْمِلُ كِتَابَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَيُحْسِنُ فِيهِ النَّظَرَ، وَقَدْ حُشِرَ فِي وَسَطِ هَذِهِ الْمَجْمُوعَةِ مِنَ الْعُلَمَاءِ الَّذِين يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ عَنْهَا غَافِلُونَ، وَقَدْ وُضِعَ هَذَا الرَّجُلُ مَعَ أُولَئِكَ فَاسْتَمَعَ إِلَيْهِمْ وَإِلَى مَا أَتَوْا بِهِ مِنْ عِلْمٍ مُحْدَثٍ جَدِيدٍ مُخْتَرَعٍ حَادِثٍ، فَلَمَّا فَرَغُوا -تَصَوَّرْ هَذَا-فَلَمَّا فَرَغُوا- قَامَ هَذَا الرَّجُلُ يَطْلُبُ الْكَلِمَةَ وَيَدَّعِي بِحَقٍّ أَنَّ عِنْدَهُ حَلَّ الْمُشْكِلَةِ الَّتِي يَبْحَثُ عَنْهَا هَؤُلاَءِ جَاهِدِينَ، وَيُنَظِّرُونَ فِي سَبِيلِ الْوُصُولِ إِلَى حَلِّهَا مَا يُنَظِّرُونَ فَلاَ يَصِلُونَ.

قَامَ هَذَا الرَّجُلُ، فَحِمَدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَتَشَهَّدَ الشَّهَادَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ:

يَا هَؤُلاَءِ! إِنَّ حَلَّكُمْ عِنْدِي؛ آيَةٌ فِي كِتَابِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، يَقُولُ فِيهَا رَبُّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ﴾[الأعراف: 96]، فَهَذَا حَلُّكُمْ.

تَصَوَّرْ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ الْمُسْلِمَ الْعَالِمَ الْحَامِلَ لِكِتَابِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ يَأْتِي بِآيَةٍ مِنْ كَلاَمِ اللهِ مِنْ كَلاَمِ رَبِّنَا سُبْحَانَهُ الَّذِي لاَ يَأْتِي كَلاَمَ رَبِّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلاَ منِ ْخَلْفِهِ زَيْغٌ وَلاَ ضَلاَلٌ وَلاَ خَلَلٌ -وَحَاشَا لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ-، تَصَوَّرْ أَنَّ هَذَا الْعَالِمَ قَدْ قَامَ بَعْدَ مَا قَالَ هَؤُلاَءِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْمَادِّيِّ الْحَدِيثِ مَا قَالُوا عَلَى أَحْدَثِ مَا وَصَلَ إِلَيْهِ الْعَقْلُ الْبَشَرِيُّ الْيَوْمَِ، فَقَامَ يَقُولُ: الْحَلُّ عِنْدِي، آيَةٌ مِنْ كِتَابِ رَبِّنَا مِنْ كَلاَمِ اللهِ يَقُولُ فِيهَا رَبُّنَا جَلَّتْ قُدْرَتُهُ: يَا مَعْشَرَ النَّاسِ! لاَ تَخْشَوُا الرِّزْقَ؛ بَلْ فَاعْبُدُونِي، وَأَنَا أَنَا الرَّازِقُ الرَّزَّاقُ؛ فَعُودُوا إِلَيَّ أَفْتَحْ عَلَيْكُمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.

إِذَنْ؛ فَالْحَلُّ أَنْ تَعُودُوا إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَحْدَهُ، ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ﴾، ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً | يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً﴾[نوح: 10-12]، الْحَلُّ فِي كَلاَمِ رَبِّنَا.

لَوْ أَنَّهُ قَامَ فَقَالَ هَذَا، تَصَوَّرَ أَنْتَ وَأَعْمِلْ خَيَالَكَ مَا شَاءَ لَكَ الْعَمَلُ عَنْ مَدَى السُّخْرِيَّةِ الْعَاصِفَةِ الَّتِي سَتُحِيطُ بِهِ إِنِ اجْتَرَأَ فَقَالَ، وَأَنَا أَزْعُمُ -وَأَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمَةَ مِنَ الْخَلَلِ، وَالْعِصْمَةَ مِنَ الزَّلَلِ- أَنَّكَ لَنْ تَجِدَ الْيَوْمَ عَالِمًا يُحْشَرُ هَذَا الْمَحْشَرَ فَيَقُومُ فَيَقُولُ: إِنَّ الْحَلَّ فِي آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِي وَسَطِ الْعِلْمِ الْمَادِّيِّ الْبَشَرِيِّ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ الْمَوْقِفَ الْحَادِثَ لِلْمُسْلِمِ الْيَوْمَ عَلَى مُسْتَوَى الْعَالَمِ -إِلاَّ مَنْ عَصَمَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ- أَنَّهُ أَمَامَ مَا أَحْدَثَ الْعَقْلُ الْبَشَرِيُّ مِنْ مُخْتَرَعَاتٍ أَنَّ الْمُسْلِمَ (مَهُزُومٌ)، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.

الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ: أَنَّكَ إِذَا مَا نَظَرْتَ إِلَى بَلْدَةٍ كَهَذِهِ يَخْرُجُ مِنْ أَبْنَائِهَا فِي كُلِّ عَامٍ مَا يَصِلُ رُبَّمَا إِلَى عَشْرَةِ فُصُولٍ فِي كُلِّ مَدْرَسَةٍ مِنْ مَدَارِسِ التَّعْلِيمِ الْعَامِّ، كُلُّهُمْ يَدْفَعُهُمْ آبَاؤُهُمْ إِلَى هَذَا الْعِلْمِ الْحَدِيثِ؛ لِكَيْ يُصْبِحَ الْوَلَدُ فِي يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ طَبِيبًا، أَوْ مُهَنْدِسًا، أَوْ مَا شِئْتَ مِنْ تِلْكَ الْخَيَالاَتِ الَّتِي إِذَا لَمْ تَرْتَكِزْ عَلَى إِيمَانٍ صَحِيحٍ لاَ تُسَاوِي فِي مِيزَانِ رَبِّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى شَيْئًا عَلَى الْإِطْلاَقِ.

عَشْرَةُ فُصُولٍ فِي كُلِّ عَامٍ، وَفَصْلٌ وَاحِدٌ فِي الْمَعْهَدِ الْأَزْهَرِيِّ لاَ يَتِمُّ تَمَامُهُ إِلَى الْيَوْمِ -وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ-؛ لِأَنَّكَ إِذَا مَا أَخَذْتَ وَلَيَّ أَمْرٍ نَاحِيَةً، فَانْتَحَى مَعَكَ فِيهَا، فَقُلْتَ لَهُ: مَا تَبْغِي لِأَبْنَائِكَ؟!

أَنَا زَعِيمٌ -وَأَسْأَلُ اللهَ الْعِصْمَةَ مِنَ الزَّلَلِ، وَالسَّلاَمَةَ مِنَ الْخَلَلِ- أَنَّكَ لَنْ تَجِدَ فِي كُلِّ مِلْيُونٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَقُولُ لَكَ عِنْدَمَا تُوَجِّهُ إِلَيْهِ هَذَا السُّؤَالَ: أُرِيدُ أَنْ يُصْبِحَ وَلَدِي إِنْ شَاءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَالِمًا مِنْ عُلَمَاءِ دِينِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

لاَ تَجِدُ، وَاذْهَبْ إِلَى أَيِّ مَكَانٍ شِئْتَ، وَادْخُلْ أَيَّ مَدْرَسَةٍ أَرَدْتَ وَأَحْبَبْتَ، بِلِ ادْخُلْ إِلَى فُصُولِ الْمَعَاهِدِ الْأَزْهَرِيَّةِ بَعْدَ التَّطْوِيرِ، وَاسْأَلْ مَنْ فِيهَا مِنْ أَبْنَائِهَا الَّذِينَ يَنْتَمُونَ إِلَى خَيْرِ مُنْتَمًى إِلَيْهِ -وَهُوَ دِينُ الْإِسْلاَمِ، دِينُ الْحَبِيبِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ادْخُلْ إِلَى فُصُولِهِمْ، وَأَقِمْ هَؤُلاَءِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ: مَا تُرِيدُ أَنْ تُصْبِحَ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ؟

سَيَقُولُ لَكَ: أُرِيدُ أَنْ أُصْبِحَ طَبِيبًا، أَوْ مُهَنْدِسًا، أَوْ مَا شِئْتَ مِنْ تِلْكَ الْخَيَالاَتِ وَالْأَوْهَامِ الَّتِي إِذَا لَمْ تَرْتَكِزْ عَلَى إِيمَانٍ صَحِيحٍ لاَ تُسَاوِي فِي مِيزَانِ رَبِّنَا شَيْئًا عَلَى الْإِطْلاَقِ.

الْمُسْلِمُ مَهْزُومٌ إِزَاءَ هَذَا الْوَاقِعِ الْمُرِّ الَّذِي نَحْيَى فِيهِ، وَكَثِيرًا مَا يَسْأَلُ الصَّيَادِلَةُ وَالْأَطِبَّاءُ عُلَمَاءَ الشَّرْعِ: مَا الشَّأْنُ فِي الدَّوَاءِ الْمَشْرُوبِ وَإِنَّ فِيهِ مِنْ مَادَّةِ الْخَمْرِ -أَيْ مِنَ الْكُحُولِ الَّذِي يُسَبِّبُ السُّكْرَ-، وَإِنَّ فِي هَذَا الدَّوَاءِ الْمَشْرُوبِ مَا فِيهِ مِنْ أَصْلِ أَمْرٍ حَرَّمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسِيرًا وَكَبِيرًا؛ فَحَرَّمَ قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ سَوَاءً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: مَا الْحَلُّ فِي هَذَا الْأَمْرِ وَمَا الْمَوْقِفُ مِنْهُ؟!

الْمَوْقِفُ مِنْهُ وَالْحَلُّ فِيهِ أَنَّكَ لَمْ تَقُمْ عَلَى شَأْنِ هَذِهِ الْأَدْوِيَةِ، وَلَمْ يَلْتَفِتِ الْمُسْلِمُ إِلَى شَأْنِ تَصْنِيعِهِا، إِنَّمَا يَصْنَعُ النَّاسُ مَا يَصْنَعُونَ مِنْ مُسْتَحْدَثَاتِ الْحَيَاةِ وَظَوَاهِرِهَا عَلَى حَسَبِ مَا اسْتَقَرَّ فِي قَرَارَةِ قُلُوبِهِمْ مِنْ تَصَوُّرَاتٍ اعْتِقَادِيَّةٍ كَامِنَةٍ فِيهَا، فَإِذَا كَانَتِ الْقُلُوبُ قَدِ اسْتَقَرَّ فِيهَا الْإِيمَانُ بِأَنَّ «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ»؛ جَاءَ الْعَمَلُ الْمَادِّيُّ الْحَدِيثُ وَالْمُخْتَرَعُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ سَائِرًا عَلَى مُقْتَضَى هَذَا الْإِيمَانِ الَّذِي اسْتَقَرَّ فِي قَرَارَةِ الْقُلُوبِ، وَإِذَا مَا كَانَتِ الْقُلُوبُ مِنَ الْإِيمَانِ خَاوِيَةً عَلَى عُرُوشِهَا؛ فَلاَ تَنْتَظِرْ أَنْ تَعُودَ هَذِهِ الْمُسْتَحْدَثَاتُ إِلَى أَصْلٍ شَرْعِيٍّ، وَلْيَشْرَبِ الْمُسْلِمُونَ وَأَبْنَاءُ الْمُسْلِمِينَ مِمَّا حَرَّمَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَشْرَبُوهُ مَا شَاءَ لَهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.

الْمُسْلِمُ مَهْزُومٌ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَمَامَ مَا اسْتَحْدَثَ النَّاسُ فِي هَذَا الْكَوْنِ، وَاعْلَمْ -هَدَانِي اللهُ وَإِيَّاكَ إِلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ- أَنَّ أَكْبَرَ الشَّهَادَاتِ الْعِلْمِيَّةِ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ قَاطِبَةً لاَ تُسَاوِي شَيْئًا عَلَى الْإِطْلاَقِ أَمَامَ آيَةٍ وَاحِدَةٍ يَتْلُوهَا أَحْقَرُ طِفْلٍ فِي أَقَلِّ مَكْتَبٍ مِنْ مَكَاتِبِ تَحْفِيظِ الْقُرْآنِ فِي الْعَالَمِ كُلِّهِ؛ لِأَنَّ هَذَا كَلاَمُ اللهِ، وَالْمُسْلِمُ عِنْدَهُ الْعِلْمُ بِاللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَشَتَّانَ شَتَّانَ شَتَّانَ بَيْنَ عَالِمٍ بِالْحَيَوَانِ وَعَالِمٍ بِرَبِّ الْحَيَوَانِ، شَتَّانَ شَتَّانَ شَتَّانَ بَيْنَ عَالِمٍ بِالْحَيَوَانِ وَعَالِمٍ بِرَبِّ الْحَيَوَانِ، بِالْكَرِيمِ الدَّيَّانِ، بِالرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ.

وَلَكِنَّ الْمُسْلِمَ فَرَّطَ فِي الْأَمَانَةِ، وَأَهْمَلَ الْعِلْمَ الشَّرْعِيَّ الصَّحِيحَ؛ فَآلَ الْأَمْرُ إِلَى مَا آلَ إِلَيْهِ؛ انْهِزَامٌ فِي كُلِّ مَظَاهِرِ الْحَيَاةِ، وَتَضَاؤُلٌ أَمَامَ مَا يَسْتَحْدِثُهُ النَّاسُ مِنْ مُسْتَحْدَثَاتٍ، وَمَا هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ فِي مِيزَانِ الْإِسْلاَمِ إِلاَّ كَلُعَبٍ مِنْ لُعَبِ الْأَطْفَالِ.

مَا بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ طَبِيبًا وَلاَ كِيمْيَائِيًّا وَلاَ عَالِمًا نَوَوِيًّا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَيْ يَحْكُمَ هَؤُلاَءِ جَمِيعًا بِتَصَوُّرٍ وَاحِدٍ؛ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِتَسْتَقِيمَ الْحَيَاةُ -كُلُّ الْحَيَاةِ- عَلَى هَذَا الْمَنْهَجِ وَحْدَهُ.

وَعَلَيْهِ؛ فَإِنَّ أَعْلَى عَالِمٍ بِالطِّبِّ الْيَوْمَ فِي الْأَرْضِ وَفِي كُلِّ أَرْضٍ وَفِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ مَا هُوَ إِلاَّ أَمْهَرُ عَامِلِ صِيَانَةٍ لِلْجَسَدِ الْبَشَرِيِّ، فَمَا الطَّبِيبُ الْحَاذِقُ فِي نِهَايَةِ الْأَمْرِ إِلاَّ عَامِلُ صِيَانَةٍ لِلْمُعْجِزَةِ الْكُبْرَى الَّتِي خَلَقَهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِيكَ -وَأَنْتَ لاَ تَدْرِي عَنْهَا شَيْئًا، وَلاَ تَعْلَمُ مِنْ خَبَرِهَا شَيْئًا-.

وَمَا أَحْدَثَ النَّاسُ الْيَوْمَ مِنْ بِنَايَاتٍ تُنَاطِحُ السَّحَابَ، إِذَا مَا صَعَدْتَ إِلَى أَجْوَازِ الْفَضَاءِ فَنَظَرْتَ مِنْ طَيَّارَةٍ تَسْبَحُ فِي كَوْنٍ لاَ يَعْلَمُ مُنْتَهَاهُ إِلاَّ اللهُ؛ لَوَجْدَتَ هَذِهِ الَّتِي يَتَفَاخَرُ بِهَا مَنْ يَتَفَاخَرُ كَعُلَبِ الْكِبْرِيتِ، كَبِنَايَاتِ الْأَطْفَالِ الصَّغِيرَةِ عَلَى الْأَرْضِ، هَذَا فِي كَوْنِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الَّذِي لاَ يَعْلَمُ مَدَاهُ إِلاَّ اللهُ.

عِبَادَ اللهِ!

إِنَّ عِلْمَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَمْرٌ جَلَلٌ لاَ يَعْلَمُهُ إِلاَّ هُوَ، مَا أُوتِيَ النَّاسُ مِنْ الْعِلْمِ الظَّاهِرِيِّ الَّذِي تَرَاهُ وَالَّذِي تَنْهَزِمُ أَمَامَهُ وَتَتَضَاءَلُ أَنْ جَعَلَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ -لِلْأَخْذِ بِالْأَسْبَابِ، وَلِلتَّفْرِيطِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ جَعَلَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ- فِي أَيْدِي أَعْدَائِنَا؛ فَنَشَرُوا الْخَرَابَ وَالدَّمَارَ وَالضَّيَاعَ وَالضَّلاَلَ فِي الْأَرْضِ عَلَى رُؤُوسِنَا وَحْدَنَا.

نَعَمْ! لَقَدْ شَطَرُوا نُوَاةَ الذَّرَّةِ، وَبَحَثُوا فِي الْإِلكترُونِ، وَلَكِنَّهُمْ حَطَّمُوهَا عَلَى رُؤُوسِنَا نَحْنُ، وَمَا ازْدَادَ الْإِنْسَانُ فِي هَذَا الْعَصْرِ الَّذِي بَلَغَ فِيهِ مِنَ الْعِلْمَ الْمَادِّيِّ مَا بَلَغَ -مَا ازْدَادَ- سَعَادَةً، بَلْ وُجِدَتِ الْأَمْرَاضُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ فِي الْأَسْلاَفِ، وَلَمْ يَعْرِفْ لَهَا تَارِيخُ الطِّبِّ مَثِيلاً وَلاَ خَبَرًا وَلاَ سَمِعَ عَنْهَا نَبَأً، انْتَشَرَتْ فِي هَذَا الْعَصْرِ، وَوَصَلَ الْإِنْسَانُ بِقَلَقِهِ وَضَيَاعِهِ وَانْحِلاَلِهِ إِلَى دَرَكَةٍ مِنَ الضَّيَاعِ لاَ يَعْلَمُ حَمْأَتَهَا الْحَقِيقِيَّةَ إِلاَّ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، نَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمَةَ وَالْعَافِيَةَ.

إِنَّ هَذَا بَهْرَجٌ؛ ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا﴾[الكهف: 7]، زِينَةٌ وَلَيْسَ هُوَ الْأَصْلَ، كَالْفَرَحِ الَّذِي تُعَلَّقُ الزِّينَاتُ وَالرَّايَاتُ عَلَى دَارِ صَاحِبِهِ، وَيُنْصَبُ السَّامِرُ بِلَيْلٍ، فَإِذَا مَا اسْتَيْقَظَ النَّاسُ وَانْفَضَّ السَّامِرُ عَادَتِ الزِّينَةُ إِلَى مَنْ جَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِ، وَعَادَ الْأَصْلُ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ نَصْبِ الزِّينَةِ، الَّذِي تَرَاهُ مَا هُوَ إِلاَّ بَهْرَجٌ وَزِينَةٌ.

وَانْظُرْ فِي أَمْرِيكَا أُمِّ الْأَرْضِ الْيَوْمَ، أَعْلَى نَسْبَةٍ مِنْ نِسَبِ الاغْتِصَابِ عَلَى الْإِطْلاَقِ فِي الْعَالَمِ، مَعَ أَنَّهُ لاَ يُوْجَدُ فِي الْأَرْضِ كُلِّهَا إِبَاحِيَّةٌ جِنْسِيَّةٌ...

حَتَّى إِنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ أَعْجَبَتْهَا امْرَأَةٌ فَأَرَادَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهَا فَلاَ حَرَجَ، تَأْخُذُ بِيَدِهَا إِلَى كَنِيسَةٍ مُعَدَّةٍ لِذَلِكَ، وَيَأْتِي أَهْلُ الْعَرِيسِ -أَيُّ عَرِيسٍ؟!!- وَيَأْتِي أَهْلُ الْعَرُوسِ وَالْعَرُوسِ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُبَارِكَ هَؤُلاَءِ جَمِيعًا بِجَمْعِهِمْ هَاَتَيْنِ -هَاتَيْنِ أَمْ هَاذَيْنِ؟! نَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمَةَ وَالْعَافِيَةَ-.

وَمَعَ ذَلِكَ أَعْلَى نِسْبَةِ اغْتِصَابٍ فِي الْعَالَمِ، لِمَاذَا؟!

إِنَّ كُلَّ طُرُقِ الْإِشْبَاعِ مُبَاحَةٌ وَمُجَهَّزَةٌ، وَلاَ رَقِيبَ -فِي زَعْمِهِمْ، وَفِي نَظَرِهِمْ-، وَمَعَ ذَلِكَ يَأْتِي الْعُنْفُ، وَيَأْتِي التَّطَرُّفُ، وَيَأْتِي الْإِرْهَابُ عَلَى حَقِيقَتِهِ؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَأْتِي هَذَا الاغْتِصَابُ الَّذِي لاَ يَدْعُو إِلَيْهِ مَنْطِقٌ مِنْ عَقْلٍ فِي هَذَا الْمُجْتَمَعِ عَلَى الْإِطْلاَقِ.

لِمَاذَا هَذَا كُلُّهُ؟

لِأَنَّ هَؤُلاَءِ قَدَ بَعُدُوا وَلَوْ عَنْ آيَةٍ وَاحِدَةٍ مِمَّا لاَ يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ الْيَوْمَ، وَلاَ يَحْمِلُونَ الْأَمَانَةَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَعْرِضُوهَا عَلَى الْخَلْقِ جَمِيعًا، فَإِذَا مَا أَبَوْهَا حَمَلُوهُمْ عَلَيْهَا حَمْلاً كَمَا هُوَ مَنْهَجُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.

هَذَا الْعِلْمُ الْمَادِيُّ الَّذِي تَرَاهُ الْيَوْمَ مَا هُوَ إِلاَّ بَهْرَجٌ، وَأَمَّا الْعِلْمُ الْحَقِيقِيُّ فَعِلْمُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ سُبْحَانَهُ، وَمَا يُعَلِّمُهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لِأَوْلِيَائِهِ مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إِلَى دِينِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ يَتَفَاضَلُ فِيمَا بَيْنَهُ أَصْنَافًا عَلَى حَسَبِ شَرَفِ الْمَعْلُومِ، وَهَلْ هُنَاكَ مَعْلُومٌ أَشْرَفُ مِنَ اللهِ؟!

لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ؛ فَالْعِلْمُ بِاللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هُوَ أَشْرَفُ الْعُلُومِ، وَالْعِلْمُ بِمُحَمَّدٍ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ يَتْلُوهُ فِي الشَّرَفِ وَفِي الْمَكَانَةِ وَفِي الْمَنْزِلَةِ، ثُمَّ تَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ دَرَكَاتُ الْعُلُومِ، حَتَّى تَصِلَ إِلَى حَمْأَةِ السِّحْرِ -وَالْعِيَاذُ بِاللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ- وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَمَا دَارَ فِي فَلَكِهِ سَوَاءً، نَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمَةَ وَالْعَافِيَةَ.

عِبَادَ اللهِ! مَا بَلَغَ النَّاسُ الْيَوْمَ؟!

إِنَّ أَسْرَعَ شَيْءٍ فِي الْوُجُودِ سُرْعَةً الْيَوْمَ عَلَى مَا قَالَ الْعُلَمَاءُ هُوَ الضَّوءُ، الضَّوءُ أَسْرَعُ شَيْءٍ يَسِيرُ الْيَوْمَ فِي دُنْيَا اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّمْسِ ثَمَانِي دَقَائِقَ ضَوْئِيَّةً، يَعْنِي عِنْدَمَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ يَسِيرُ الشُّعَاعُ -يَسِيرُ الضَّوءُ- ثَمِانِي دَقَائِقَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَصِلَ إِلَى الْأَرْضِ، وَالشَّمْسُ الَّتِي تَرَاهَا قُرْصًا مُنِيرًا ضِيَاءً فِي قُبَّةِ الْفَلَكِ هَذِهِ تَبْلُغُ فِي حَجْمِهَا مِلْيُونَ مَرَّةٍ مِنْ حَجْمِ الْأَرْضِ كُلِّهَا، وَمَعَ ذَلِكَ لِهَذِهِ الْمَسَافَةِ الْمُتَطَاوِلَةِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا تَرَاهَا كَقُرْصٍ فِي قُبَّةِ السَّمَاءِ، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهَا هَذَا الْمَدَى الْمُتَطَاوُلُ الَّذِي لاَ يَعْلَمُهُ إِلاَّ اللهُ، وَهِي أَكْبَرُ مِنْ الْأَرْضِ بَجُمْلَتِهَا مِلْيُونَ مَرَّةٍ.

أَتَظُنَّ هَذَا شَيْئًا عَظِيمًا فِي كَوْنِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؟! هَذَا لاَ يَبْلُغُ شَيْئًا فِي عِلْمِ اللهِ، وَفِي خَلْقِ اللهِ، وَفِيمَا قَضَى اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَقَدَّرَ فِي هَذَا الْوُجُودِ.

إِنَّ عُلَمَاءَ الْفَلَكِ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ وَصَلُوا إِلَى حَقِيقَةٍ عَجِيبَةِ الشَّكْلِ أَصَابُوا فِيهَا نَاحِيَةً وَأَخْطَؤُوا فِي نَوَاحٍ، فَأَمَّا النَّاحِيَةُ الَّتِي أَصَابُوا فِيهَا؛ فَهِيَ: الْبَرْهَنَةُ عَلَى عِظَمِ هَذَا الْكَوْنِ وَاتِّسَاعِهِ.

وَأَمَّا النَّوَاحِي الَّتِي أَخْطَؤُوا فِيهَا فَحَدِّثْ عَنْهَا وَلاَ حَرَجَ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ مَا خَلَقَ اللهُ إِلاَّ اللهُ.

يَقُولُونَ: إِنَّ مَدَى هَذَا الْكَوْنِ يَبْلُغُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مِلْيُونَ سَنَةٍ ضَوْئِيَّةٍ!!

أَتَتَصَوَّرُ لَوْ أَنَّ شُعَاعًا مِنَ الْأَشِعَّةِ مِنَ الضَّوءِ أَخَذَ يَسِيرُ مِنَ الْآنِ، فَسَارَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مِلْيُونَ سَنَةٍ ضَوْئِيَّةٍ مَا بَلَغَ نِهَايَةَ الْكَوْنِ الَّذِي خَلَقَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ!!

وَهُوَ أَوْسَعُ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ الْعَقْلَ الْبَشَرِيَّ بِقِيَاسَاتِهِ يُمْكِنُ أَنْ يَصِلَ إِلَى بَعْضٍ مِنْ الدَّلاَلَةِ عَلَى قُدْرَةِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الَّتِي لَيْسَ لَهَا حَدٌّ، ﴿وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ﴾[البقرة: 255]، فَكَيْفَ إِذَا مَا كَانُوا لاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ أَنْ يُحِيطُوا بِذَاتِهِ؟!

لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ، وَلاَ رَبَّ غَيْرُهُ، وَلاَ إِلَهَ سِوَاهُ.

عِبَادَ اللهِ!

إِيَّاكُمْ أَنْ تَنْهَزِمُوا أَمَامَ ظَوَاهِرِ الْوُجُودِ؛ فَاعْتَصِمُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ، وَعُودُوا إِلَى دِينِهِ وَإِلَى سُنَّةِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْعِلْمَ الصَّحِيحَ عِنْدَكُمْ -مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَتْبَاعِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ فَلاَ تَنْهَزِمُوا أَمَامَ الْوَاقِعِ.

وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ مِنْ وَجْهَيِ السُّؤَالِ الَّذِي طُرِحَ آنِفًا؛ وَهُوَ: مَا مَوْقِفُ الْمُسْلِمِ فِي إِزَاءِ مَا وَصَلَ إِلَيْهِ النَّاسُ الْيَوْمَ مِنَ الْمُخْتَرَعَاتِ الْمَادِيَّةِ وَالْمُسْتَحْدَثَاتِ الْبَشَرِيَّةِ الْحَدِيثَةِ؟

هَذَا تَوْصِيفُ مَوْقِفِ الْمُسْلِمِ؛ أَنَّهُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ: (مَهْزُومٌ).

وَأَنَّ مَا يَنَبَغِي عَلَيْكَ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِ بِمَوْقِفِكَ كَمُسْلِمٍ إِزَاءَ مَا وَصَلَ إِلَيْهِ النَّاسُ هُوَ أَنْ لاَ تُهْزَمَ، وَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّ الْعِزَّةَ لَكَ، وَأَنَّ الْعُلُوَّ لَكَ، وَأَنَّ الْعِلْمَ الصَّحِيحَ مَعَكَ، وَعَلَيْكَ أَنْ تُسَخِّرَ هَذَا الْعِلْمَ الْمَادِيَّ وَلاَ تَفِرَّ مِنْهُ، بَلْ تُقْبِلُ عَلَيْهِ بِقَلْبٍ تَقِيٍّ نَقِيٍّ مُؤْمِنٍ يَرْقُبُ فِيهِ رَبَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى؛ مِنْ أَجْلِ تَسْخِيرِهِ لِصَالِحِ النَّاسِ الَّذِينَ خَلَقَهَمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لِغَايَةٍ وَاحِدَةٍ؛ وَهِيَ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَيُوَحِّدُوهُ، فَإِذَا مَا صَنَعُوا ذَلِكَ؛ فَقَدْ حَقَّقُوا مَا خُلِقُوا مِنْ أَجْلِهِ، وَإِذَا لَمْ يَصْنَعُوا ذَلِكَ؛ فَقَدْ ضَلُّوا سَوَاءَ السَّبِيلِ.

نَسْأَلُ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَهْدِيَنَا وَإِيَّاكُمْ  إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ، إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

الخطبةُ الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ هُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.

أَمَّا بَعْدُ -عِبَادَ اللهِ!-:

فَإِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ هُوَ صَاحِبُ الْعِلْمِ، وَيُعَلِّمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ، غَايَةَ مَا هُنَالِكَ أَنَّ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَأْخُذَ بِالْأَسْبَابِ؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُحَصِّلَ مَحْبُوبَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِيهَ، وَمَرْجُوَّ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ.

فَأَمَّا إِذَا مَا فَرَّطَ؛ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ سَيُحَاسِبُهُ دُنْيَا وَآخِرَةً؛ لِأَنَّهُ لاَ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ، وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ضِمْنًا فِي كِتَابِهِ قَدْ فَضَّلَ الْكَلْبَ الْعَالِمَ عَلَى الْكَلْبِ الْجَاهِلِ.

وَإِذَا كَانَ عُلَمَاءُ الشَّرْعِ هُمْ زِينَةُ الدُّنْيَا وَبَهْجَتُهَا، وَغُرَّةُ الْوُجُودِ وَدُرَّتُهُ -إِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ-؛ فَإِنَّ مِنَ الْعَارِ أَنْ يَجْعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وِلاَيَةً لِرَجُلٍ عَلَى وَلِيدٍ صَغِيرٍ لاَ يَفْقَهُ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاهُ وَلاَ مِنْ مُسْتَقْبَلِهِ شَيْئًا؛ فَيَفِرُّ بِهِ أَبُوهُ وَوَلِيُّ أَمْرِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي بَحْرِ الشَّرْعِ مُتَعَلِّمًا ثُمَّ عَالِمًا -بِإِذْنِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ-، وَيَذْهَبُ بِهِ إِلَى خَيَالاَتٍ وَأَوْهَامٍ لاَ تُغْنِي شَيْئًا؛ لِأَنَّ السَّعَادَةَ الْحَقِيقِيَّةَ فِي أَصْلِهَا إِنَّمَا هِيَ فِي اتِّبَاعِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَاتِّبَاعِ سُنَّةِ النَّبِيِّ الْأَمِينِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.

وَهَذَا مَعْهَدُكُمُ الْأَزْهَرِيُّ لاَ يَجِدُ مَنْ يَقُومُ عَلَى شَأْنِهِ بِمَدَدِ مَالٍ جَعَلَكُمْ رَبُّكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ، حَتَّى إِنَّ الْأَبْنَاءَ لَيُضَيَّقُ عَلَيْهِمْ؛ بِسَبَبِ فِعْلِ الْمُسْلِمِينَ أَنْفُسِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْمَكَانِ وَمَمَّنْ حَوْلَهُ؛ لَيُضَيَّقُ عَلَيْهِمْ؛ فَيُقْذَفُ بِفِلْذَاتِ الْأَكْبَادِ بَعِيدًا عَنِ الْمَكَانِ الَّذِي يَتَلَقَّوْنَ فِيهِ الْعِلْمَ وَهُمْ صِغَارٌ أَغْرَارٌ، أَتَدْرِي لِمَ ذَلِكَ؟!

لِأَنَّ مَنْ حَوْلَ الْمَكَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَقُومُوا عَلَى شَأْنِ دَوْرَةِ مِيَاهٍ وَاحِدَةٍ، لاَ يَسْتَطِيعُ الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ يَجْلِسُونَ بِالتِّلْفَازِ الْمُلَوَّنِ فِي الزَّرَائِبِ وَفِي الْحَظَائِرِ وَفِي حُقُولِهِمْ وَمُنْتَدَيَاتِهِمْ -لاَ يَسْتَطِيعُ هَؤُلاَءِ- أَنْ يَقُومَ قَائِمُهُمْ عَلَى شَأْنِ دَوْرَةِ مِيَاهٍ يَتَأَخَّرُ بِسَبَبِهَا اسْتِلاَمُ مَعْهَدٍ إِعْدَادِيٍّ؛ فَلاَ يُقْذَفُ بِفِلْذَاتِ الْأَكْبَادِ بَعِيدًا تَتَقَاذَفُهُمُ السَّيَّارَاتُ مُعَرَّضِينَ لِلْخَطَرِ فِي هَذَا السِّنِّ الْغَرِيرِ.

وَهُمْ يَحْمِلُونَ كِتَابَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِي زَمَانٍ نَدُرَ فِيهِ مَنْ يَحْمِلُهُ، فِي زَمَانٍ نَدُرَ فِيهِ مَنْ يُقْبِلُ عَلَيْهِ تَالِيًا فَضْلاً عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَامِلاً، إِنَّهُ لَزَمَنٌ عَجِيبٌ حَقًّا، نَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمَةَ وَالْعَافِيَةَ.

الْعِلْمُ الصَّحِيحُ هُوَ عِلْمُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْعِلْمُ بِدِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَمَّا ظَوَاهِرُ الْأَشْيَاءِ فَالنَّاسُ فِيهَا لِبَعْضٍ خَدَمٌ.

أَتَظُنُّ أَنَّ الطَّبِيبَ وَالْمُهَنْدِسَ وَالْمُعَلِّمَ يَعْدُو أَنْ يَكُونَ فِي حَقِيقَتِهِ أَجِيرًا عِنْدَ الدَّوْلَةِ، أَوْ عِنْدَ مَنْ يُؤَجِّرُهُ مِنْ مَرِيضٍ أَوْ مُتَعَلِّمٍ أَوْ صَاحِبِ عَقَارٍ؟!

لاَ يَعْدُو أَنْ يَكُونَ أَجِيرًا، وَهُوَ فِي النِّهَايَةِ عَقْدُ إِجَارَةٍ بَيْنَ مُؤَجِّرٍ وَمُؤَجَّرٍ، وَبَيْنَهُمَا صِيغَةٌ عَلَى زَمَانٍ يُقْتَطَعُ مِنْ زَمَانِ وَعُمُرِ الطَّبِيبِ لِيَقُومَ فِيهِ بِفَحْصِ هَذَا الْمَرِيضِ، أَوْ مِنْ عُمُرِ الْمُهَنْدِسِ لِيَقُومَ عَلَى إِنْشَاءِ مَكَانٍ، أَوْ مِنْ عُمُرِ الْمُعَلِّمِ لِكَيْ يُعَلِّمَ طَالِبَهُ مَعْلُومَةً مِنَ الْمَعْلُومَاتِ، كُلُّ هَؤُلاَءِ أُجَرَاءُ.

وَأَمَّا الَّذِي لاَ يَكُونُ أَجِيرًا عِنْدَ أَحَدٍ إِلاَّ اللهَ فَهُوَ عَالِمُ الشَّرْعِ؛ فَلاَ يَتَلَقَّى أَجْرَهُ إِلاَّ مِنْهُ وَحْدَهُ.

أَفَتَفِرُّ بِوَلَدٍ صَغِيرٍ غَرِيرٍ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَامِلاً، وَتَذْهَبُ بِهِ إِلَى خَلْقِ اللهِ أَعْطَوْهُ أَوْ حَرَمُوهُ -نَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمَةَ وَالْعَافِيَةَ-؟!

اللَّهُمَّ! أَحْسِنْ وَعَدِّلْ تَصَوُّرَاتِنَا بِرَحْمَتِكَ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

عِبَادَ اللهِ!

إِنَّ رَبَّكُمْ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ، وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ سُبْحَانَهُ يُعَلِّمُ مَنْ شَاءَ بِمَا شَاءَ وَكَيْفَ شَاءَ، وَالْعِلْمُ الصَّحِيحُ هُوَ الْخَشْيَةُ، لَيْسَ بِكَثْرَةِ الْمَحْفُوظِ وَإِنَّمَا الْعِلْمُ الْخَشْيَةُ، كَمَا قَالَ اللهُ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ فِي اسْتِعْمَالِ أَدَاةِ الْحَصْرِ (إِنَّمَا): ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾[فاطر: 28]؛ فَلَنْ تَجِدَ الْعُلَمَاءَ إِلاَّ أَهْلَ خَشْيَةٍ، وَلَنْ تَجِدَ الْخَشْيَةَ إِلاَّ فِي الْعُلَمَاءِ، فَمَنْ كَانَ عَالِمًا بِاللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَقًّا فَهُوَ مِمَّنْ يَخْشَى اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ حَقًّا، وَأَمَّا إِذَا مَا رَأَيْتَ رَجُلاً ذَا هَيْئَةٍ مِنْ هَيْئَاتِ أَهْلِ الْعِلْمِ ولاَ يَخْشَى اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، فَادْفَعْ فِي قَفَاهُ، أَوْ فِي ظَهْرِهِ، أَوْ فَادْفَعْ فِي وَجْهِهِ -إِنْ شِئْتَ الْأَدَبَ- بِقَوْلِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾؛ فَلاَ يَخْشَى اللهَ فِي الْحَقِيقَةِ إِلاَّ أَهْلُ الْعِلْمِ.

فَادْفَعُوا بِأَبْنَائِكُمْ إِلَى هَذَا، وَقُومُوا عَلَيْهِ، وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فِيمَا أَعْطَاكُمْ مِنْ أَمْوَالٍ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْأَمَانَاتِ الَّتِي جَعَلَكُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مُسْتَخْلَفِينَ عَلَيْهَا مِنْ مَالٍ وَوَلَدٍ أَنْتُمْ مَسْؤُولُونَ عَنْهَا أَمَامَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِي الْآخِرَةِ؛ فَاسْأَلُوا اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ الْعَافِيَةَ، وَتُوبُوا إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِجُمَّاعِ قُلُوبِكُمْ، وَعُودُوا إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِذَوَاتِ نُفُوسِكُمْ؛ عَسَى رَبُّنَا أَنْ يَرْحَمَنَا، وَأَنْ يُبَدِّلَ أَحْوَالَنَا، وَأَنْ يُصْلِحَ نِيَّاتِنَا، وَأَنْ يُعْطِيَنَا وَلاَ يَحْرِمَنَا؛ إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ.

اللَّهُمَّ! خُذْ بِأَيْدِينَا إِلَيْكَ، وَأَقْبِلْ بِقُلُوبِنَا عَلَيْكَ.

وَتُبْ عَلَيْنَا لِنَتُوبَ، تُبْ عَلَيْنَا لِنَتُوبَ، تُبْ عَلَيْنَا لِنَتُوبَ.

اللَّهُمَّ! يَا وَاصِلَ الْمُنْقَطِعِينَ أَوْصِلْنَا إِلَيْكَ، وَلاَ تَقْطَعْنَا بِالْأَغْيَارِ عَنْكَ -بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ!-.

اللَّهُمَّ! اهْدِ قُلُوبَنَا، وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا، وَبَيِّضْ وُجُوهَنَا، وَأَقِمْ حُجَّتَنَا، وَسَدِّدْ أَلْسِنَتَنَا، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ صُدُورِنَا، وَوَفِّقْنَا فِي أَعْمَالِنَا.

وَتُبْ عَلَيْنَا لِنَتُوبَ، تُبْ عَلَيْنَا لِنَتُوبَ، تُبْ عَلَيْنَا لِنَتُوبَ، تُبْ عَلَيْنَا لِنَتُوبَ، تُبْ عَلَيْنَا لِنَتُوبَ.

يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ! ارْحَمْنَا، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ! ارْحَمْنَا، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ! ارْحَمْنَا، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ! ارْحَمْنَا، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ! ارْحَمْنَا.

يَا غِيَاثَ الْمُسْتَغِيثِينَ! أَغِثْنَا، يَا غِيَاثَ الْمُسْتَغِيثِينَ! أَغِثْنَا، يَا غِيَاثَ الْمُسْتَغِيثِينَ! أَغِثْنَا.

اللَّهُمَّ! إِنَّا نَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ عِنْدَ الْمَمَاتِ، نَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ عِنْدَ الْمَمَاتِ، نَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ عِنْدَ الْمَمَاتِ، نَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ عِنْدَ الْمَمَاتِ.

نَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنَا الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَوْتِ، نَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنَا الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَوْتِ، نَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنَا الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَوْتِ، نَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنَا الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَوْتِ، نَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنَا الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَوْتِ، نَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنَا الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَوْتِ.

اللَّهُمَّ! إِنَّا نَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ عِنْدَ الْمَمَاتِ، نَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ عِنْدَ الْمَمَاتِ، نَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ عِنْدَ الْمَمَاتِ، نَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ عِنْدَ الْمَمَاتِ.

يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ! ارْحَمْنَا، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ! ارْحَمْنَا، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ! ارْحَمْنَا.

اللَّهُمَّ! احْرُسْنَا بِعَيْنِكَ الَّتِي لاَ تَنَامُ، وِبِرُكْنِكَ الَّذِي لاَ يُضَامُ، وَبِقُدْرَتِكَ عَلَيْنَا.

لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ.

اللَّهُمَّ! أَعِدْنَا إِلَيْكَ عَوْدًا جَمِيلاً، أَعِدْنَا إِلَيْكَ عَوْدًا جَمِيلاً، أَعِدْنَا إِلَيْكَ عَوْدًا جَمِيلاً، أَعِدْنَا إِلَيْكَ عَوْدًا جَمِيلاً، أَعِدْنَا إِلَيْكَ عَوْدًا جَمِيلاً، أَعِدْنَا إِلَيْكَ عَوْدًا جَمِيلاً.

اللَّهُمَّ! انْفَعْنَا بِالْقُرْآنِ، انْفَعْنَا بِالْقُرْآنِ، انْفَعْنَا بِالْقُرْآنِ.

اللَّهُمَّ! آتِنَا الْقُرْآنِ، آتِنَا الْقُرْآنِ، آتِنَا الْقُرْآنِ، وَفَهِّمْنَا الْقُرْآنَ، وَفَهِّمْنَا الْقُرْآنَ، وَفَهِّمْنَا الْقُرْآنَ، وَأَطْلِقْ أَلْسِنَتَنَا بِالْقُرْآنِ، وَأَطْلِقْ أَلْسِنَتَنَا بِالْقُرْآنِ، وَأَطْلِقْ أَلْسِنَتَنَا بِالْقُرْآنِ، وَاشْفِ صُدُورَنَا بِالْقُرْآنِ، وَاجْلِ أَحْزَانَنَا بِالْقُرْآنِ.

اللَّهُمَّ! اجْعَلِ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ جِلاَءَ هُمُومِنَا، وَذَهَابَ غُمُومِنَا.

اللَّهُمَّ! ذَكِّرْنَا مِنْهُ مَا نُسِّينَا، وَعَلِّمْنَا مِنْهُ مَا جَهِلْنَا، وَاجْعَلْهُ حُجَّةً لَنَا لاَ عَلَيْنَا، اجْعَلْهُ حُجَّةً لَنَا لاَ عَلَيْنَا، وَاجْعَلْهُ لَنَا إِلَى الْجَنَّةِ إِمَامًا، وَعَلَى الصِّرَاطِ قَائِدًا، وَعَلَى الصِّرَاطِ نُورًا، وَفِي الْقُبُورِ نُورًا، وَفِي الْقُبُورِ نُورًا، وَفِي الْقُبُورِ نُورًا.

اللَّهُمَّ! آتِ أَبْنَاءَنَا الْقُرْآنَ، وَآتِ بَنَاتِنَا الْقُرْآنَ، اللَّهُمَّ! آتِ أَبْنَاءَنَا الْقُرْآنَ، وَآتِ بَنَاتِنَا الْقُرْآنَ، وَانْفَعْهُمْ بِالْقُرْآنِ، وَانْفَعْهُمْ بِالْقُرْآنِ، وَاجْعَلْ مِنْهَاجَ حَيَاتِهُمُ الْقُرْآنَ -يَا رَحِيمُ! يَا رَحْمَنُ!-.

اللَّهُمَّ! خُذْ بِأَيْدِينَا إِلَيْكَ، وَأَقْبِلْ بِقُلُوبِنَا عَلَيْكَ، وَتُبْ عَلَيْنَا لِنَتُوبَ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَقِمِ الصَّلاَةَ.

الآن
اخترنا لك (عقيدتنا الإسلامية)