رسالة عاجلة إلى الحلبي

للاستماع للمحاضرة

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، وَبَعْدُ:

فَهَذِهِ رِسَالَةٌ عَاجِلَةٌ إِلَى الْحَلَبِيِّ: عَلِيِّ بْنِ حَسَنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ.

يَا حَلَبِيُّ: إِنَّ النَّاسَ مِنَ الْقَلَقِ -بِشَأْنِكَ-  فِي غَايَةٍ، وَمِنَ الْحَيْرَةِ فِي نِهَايَةٍ، وَهُمْ بَيْنَ مُشْفِقٍ عَلَيْكَ، وَشَامِتٍ بِكَ، فَإِذَا جَاءَتْكَ رِسَالَتِي هَذِهِ فَأَجِبْ وَلَا تَتَوَانَ، فَإِنَّ الْأَمْرَ جِدٌّ لَا هَزْلَ فِيهِ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ: أَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ اطَّلَعُوا عَلَى مَقَالٍ مَنْسُوبٍ إِلَيْكَ، مَنْشُورٍ فِي الْمِرْحَاضِ الْعُمُومِيِّ الَّذِي سَبَّلْتَهُ لِكُلِّ السَّلَفِيِّينَ؛ لِيَقْضِيَ فِيهِ كُلُّ مَزْنُوقٍ حَاجَتَهُ، دَفْعًا لِلْأَذَى عَنْهُمْ، وَتَحْصِيلًا لِلْأَجْرِ لَكَ.

وَلَمَّا اطَّلَعَ بَعْضُ مَنِ اطَّلَعَ عَلَى مَقَالِكَ جَزَمَ بِأَنَّهُ مَكْذُوبٌ عَلَيْكَ، مُلْصَقٌ بِكَ، وَحُجَّتُهُ فِي جَزْمِهِ؛ أَنَّ طُولَ اللِّسَانِ، وَقِلَّةَ الْأَدَبِ، وَالِاسْتِطَالَةَ فِي أَعْرَاضِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْإِسْفَافَ فِي الْكَلَامِ، وَالضَّعْفَ فِي الصِّيَاغَةِ، وَالْعَجْزَ الظَّاهِرَ فِي رَصِّ الْكَلِمَاتِ لِتَكُونَ جُمَلًا فَاحِشَاتٍ، وَبَذَاءَاتٍ فَاجِرَاتٍ...

أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَيْسَ مَعْهُودًا عَنْكَ!! وَلَا مَأْلُوفًا مِنْكَ!! وَأَنَّهُ دَلِيلٌ قَاطِعٌ عَلَى أَنَّ الْمِرْحَاضَ الْعُمُومِيَّ لِكُلِّ السَّلَفِيِّينَ يُخَالِفُ الْفِعْلُ فِيهِ مَا يُشِيعُهُ مُرْتَادُوهُ عَنْهُ؛ مِنْ أَنَّهُ رَحْمَةٌ وَحِلْمٌ، وَتَأْلِيفٌ لِلْقُلُوبِ، وَمَجَالٌ رَحْبٌ لِلْمُنَاصَحَةِ..

وَلَقَدْ جَزَمَ بَعْضُهُمْ  -لِذَلِكَ- بِأَنَّ مَا فِي الْمَقَالِ الْمَنْسُوبِ إِلَيْكَ لَيْسَ لَكَ، وَإِنَّمَا هُوَ لِخَبِيثٍ فَاجِرٍ، يَهْضِبُ بِالْبَذَاءِ لِسَانُهُ، وَيَتَدَفَّقُ بِالْخِزْيِ بَنَانُهُ، وَتَتَنَّزَى بِالنَّجَاسَةِ نَفْسُهُ... وَهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ أَعَفُّ لِسَانًا، وَأَكْرَمُ خُلُقًا، مِنْ أَنْ تَنْحَطَّ إِلَى هَذَا الدَّرْكِ الْهَابِطِ الَّذِي يُحْسِنُ الْعَيْشَ فِيهِ، وَيُجِيدُ النُّطْقَ بِلِسَانِ أَهْلِهِ: أَوْبَاشُ الْخَلْقِ وَسِفْلَتُهُمْ.

فَالْحَاصِلُ يَا حَلَبِيُّ: أَنَّ هَذَا الْفَرِيقَ مِنَ النَّاسِ، يَجْزِمُ بِأَنَّ مَا فِي الْمَقَالِ الْمُومَى إِلَيْهِ مِنَ الْفُحْشِ، وَقِلَّةِ الْأَدَبِ، وَطُولِ اللِّسَانِ، وَالْبَذَاءَةِ الْفَاجِرَةِ، وَالْقَبَاحَةِ السَّافِرَةِ، لَيْسَ مِمَّا هُوَ لَكَ، وَلَا مِمَّا يُكْتَبُ فِي صَحِيفَةِ  سَيِّئَاتِكَ، وَيَدْخُلُ مَعَكَ قَبْرَكَ، وَيَسْأَلُكَ عَنْهُ رَبُّكَ.

وَلَكِنَّهُ -مَعَ جَزْمِهِ- لَا يَمْلِكُ عَلَى مَا يَقُولُ دَلِيلًا.

وَأَمَّا الْفَرِيقُ الْآخَرُ: فَهَذا شَامِتٌ بِكَ، مُزْرٍ عَلَيْكَ، تَمْلَأُ ضَحِكَاتُهُ أَقْطَارَ نَفْسِهِ، وَتَأْخُذُ الْفَرْحَةُ بِأَسْبَابِ رَزَانَتِهِ وَجِدِّهِ؛ يَزْعُمُ أَنَّكَ قَدْ ظَهَرْتَ عَلَى حَقِيقَتِكَ، وَأَبَنْتَ عَنْ مَكْنُونِ نَفْسِكَ، وَأَنَّكَ تَدَّعِي مَا لَيْسَ فِيكَ، وَتَتَشَبَّعُ بِمَا لَمْ تُعْطَ، وَأَنَّكَ أَكْبَرُ مَنْ يُفَرِّقُ السَّلَفِيِّينَ وَيُشَتِّتُ شَمْلَهُمْ، بَلْ زَعَمَ هَذَا الْفَرِيقُ أَنَّكَ إِمَامُ الْغُلَاةِ، وَزَعِيمُ الْمُتَخَرِّصِينَ عَلَى الْبُرَآءِ السُّوءَ، .. إِلَى آخِرِ مَا يَقُولُونَ.

يَا حَلَبِيُّ: لَقَدْ تَرَكَ الْمَقَالُ النَّاسَ فِي حَيْرَةٍ، فَبَيِّنْ بِلَا تَرَاخٍ وَلَا تَوَانٍ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ، فَإِنْ كُنْتَ مُسَوِّدَهُ حَقًّا، فَلَا شَكَّ حِينَئِذٍ فِي حَاجَتِكَ إِلَى رَاقٍ يَتْلُو عَلَيْكَ آيَاتِ اللهِ لِيَصْرِفَ مَا مَسَّكَ مِنْ جِنٍّ فَاجِرٍ نَطَقَ عَلَى لِسَانِكَ بِالْفُحْشِ وَالْبَذَاءِ -وَالْبَذَاءُ مِنَ النِّفَاقِ كَمَا تَعْلَمُ- فَإِنْ لَمْ تَجِدْ رَاقِيًا، فَالْتَمِسْ طَبِيبًا مُدَاوِيًا؛ لِأَنَّ الْهَلَاوِسَ الَّتِي تَنْتَابُكَ عَلَى هَذَا النَّحْوِ لَا يَجْمُلُ أَنْ يُهْمَلَ عِلَاجُهَا، حَتَّى لَا يَصِيرَ الْمَرَضُ مُزْمِنًا، فَاعِلًا مُلَازِمًا، فَلَا يُرْجَى بُرْؤُهُ.

إِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَبَيِّنْ يَا حَلَبِيُّ حَتَّى يُلْصَقَ الْفُحْشُ بِصَاحِبِهِ، وَيَلْحَقَ الْعَارُ بِرَاكِبِهِ، وَتَبْقَى أَنْتَ مَوْفُورَ الْعِرْضِ، مُبَرَّأً مِنْ هَذَا الْعَيْبِ، شَامِخًا فِي ادِّعَائِكَ دَعْوَتَكَ إِلَى وَحْدِةِ الصَّفِّ، وَنَبْذِ الْخِلَافِ، وَاسْتِعْمَالِ الْحِلْمِ ... إِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا يَقُولُ الْفَرِيقُ الثَّانِي، فَمَا أَجْمَلَ أَنْ تَعْتَرِفَ بِذَنْبِكَ، وَتَسْتَعْتِبَ رَبَّكَ، وَتُرَاجِعَ أَمْرَكَ، وَبَابُ التَّوْبَةِ مَفْتُوحٌ -يَا حَلَبِيُّ- حَتَّى تَبْلُغَ رُوحُكَ الْحُلْقُومَ، أَوْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا.

فَكُفَّ -لَوْ كُنْتَ فَاعِلَهَا- عَنْ شَرِّكَ، وَأَقْصِرْ عَنْ غَيِّكَ، وَالْتَمِسْ فِيمَنْ حَوْلَكَ نَاصِحًا أَمِينًا، وَحَكِيمًا رَكِينَا، حَتَّى يَأْخُذَ عَلَى يَدَيْكَ إِذَا أَخَذَتْ بِكَ شِرَّةُ حَمَاقَتِكَ وَثَوْرَةُ مِرَّتِكَ إِلَى هَذِهِ الْمَهَاوِي مِنْ مُنْحَطِّ الْأَخْلَاقِ، وَرَذِيلِ الْخِصَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْمُلُ -بِكَبِيرِ تَلَامِذَةِ!! الْعَلَّامَةِ الْأَلْبَانِيِّ- أَنْ يَكُونَ فِي الْبَذَاءَةِ قُدْوَةً، وَفِي سُوءِ الْأَخْلَاقِ أُسْوَةً.

يَا حَلَبِيُّ: لَا تُؤَخِّرِ الرَّدَّ، حَتَّى تَقْطَعَ اللَّغَطَ، وَتَمْنَعَ السَّخَطَ، وَتَمْحُوَ  الْغَلَطَ.

شَفَى اللهُ الْمُسْلِمِينَ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

 

وَكَتَبَ:

أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيد رَسْلَان

سُبْك الْأَحَدِ- الْمُنُوفِيَّة- مِصْر

18 رَبِيع الْأَوَّل 1435هـ

19 يَنَاير 2014م

الآن
اخترنا لك (عقيدتنا الإسلامية)