ثورة يناير والأسرار الخفية

للاستماع للمحاضرة

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّه مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-. أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّـهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسلَّم-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. أَمَّا بَعْدُ:

فإنَّ مِن أعجبِ الأمور, أنْ يَغفُلَ الناسُ في بلادِي عن حقيقةِ المعركةِ التي تخوضُها وتَكتَوِي بنارِها بلادُهم، كثيرٌ من الناسِ في غَفلةٍ وجهلٍ، وكثيرٌ منهم في شَتاتٍ وحَيْرةٍ، وقليلٌ منهم في خِيانةٍ وعَمَالةٍ.

مِصرُ تخوضُ حربًا خارجيةً, وحربًا داخليةً، والحَربَان حقيقتُهمَا عقَائدِية.

الحربُ الخارجيةُ: مع اليهودِ والصليبيينِ والماسونِ وتحالفِ قُوى الشَّر، وحقيقتُها حربٌ على الإسلامِ والمسلمين، والأساطيرُ المؤسسةُ للسياسةِ الإسرائيليةِ, هي في النهايةِ المُسَيرَةُ للسياسةِ الأمريكيةِ، وأمِريكا هي مملكةُ اليهود والماسون.

وأُولَى الأساطيرِ اللاهوتِية المؤسِّسةِ للسياسةِ الإسرائيليةِ:

(أُسطورةُ الوَعد) في (سِفْرِ التكوِين):

((لنَسْلِك أُعِطي هذهِ الأرض, من نهر مِصر إلى النهرِ الكبيرِ نهرِ الفُرات)), وهو الوعدُ الذي قطعَهُ الربُّ مع أبرام -كما يقولون-.

 وقد تَرجمَ [موشى ديان] هذهِ الأسطورةَ ترجمةً عمليةً في العاشرِ مِن أغسطس سنةَ سبعٍ وستينَ وتسعِمِئةٍ وألف (10/8/1967) فقال:

((إذا كُنَّا نَملكُ التوراة، وإذا كُنَّا نَعتبِرُ أنفُسَنا شعب التوراة, فَمِنَ الواجبِ علينَا أن نَمتلِكَ جميعَ الأراضي التَّورَاتِية)).

والأسطورةُ الثانيةُ: (أُسطورةُ الشعبِ المُختار) في (سِفْرِ الخرُوج):

 ((كذَا قالَ الربُّ إسرائيلُ ابني البِكْر)).

قَالَ [الحَاخامُ كوهين] في كتابِهِ (التَّلمُود) في (ص140) الصفحةِ الأربعينَ بعدَ المئَة:

((يُمكنُ توزيعُ سُكانِ العالم بين إسرائيلَ, وبين الشعوبِ الأُخرَى بِرُمَّتِهَا, فإنَّ إسرائيلَ هوَ الشعبُ المُختار, وهذَا رُكنٌ أساسٌ مِن أركانِ العقيدةِ)).

والأسطورةُ الثالثةُ: هي (أسطورةُ يَشوع) وهي أسطورةُ التطهِيرِ العِرقي، في (سِفْرِ يَشوع):

((واجتازَ يَشوعُ, وكلُّ إسرائيلَ معهُ مِن لَخِيشَ إلى عَجْلون, وَنَزلوا عليهَا, وحَارَبُوهَا, وافتَتحُوهَا في ذلكَ اليوم، وضَربُوهَا بحدِّ السَّيف، وحَرَّمَ كلَّ نفسٍ فيهَا في ذلكَ اليومِ عَينِه, حسبَ كلِّ ما فعلَه بِلَخِيش، ثم صِعِدَ يَشوعُ وجميعُ إسرائيلَ معهُ مِن عَجْلونَ إلى حَبْرون، وأَخذُوهَا, وضَرَبوهَا بحدِّ السَّيف, مع مَلِكِهَا وكلِّ مُدنِها, وكلِّ نفسٍ بهَا، لم يُبقِ شَاردًا, حسبَ كلِّ ما فَعَلَ بِعَجْلون، فَحرَّمَها وكلَّ نَفسٍ بهَا . . إلى آخرِ الإصحَاحِ العَاشرِ مِن سِفْرِ يَشوع)).

وفي التاسعِ مِن أبريل سنةَ ثمانٍ وأربعينَ وتسعِ مِئةٍ وألف (9/4/1948): أَبَادَ [مناحِم بيجِن], ومعهُ وِحدَاتُ (أَرْجُون العَسكرِيةُ), سُكانَ قريةِ (دَيرِ يَاسين) البَالِغُ عددُهم أربعًا وخمسينَ ومِئَتي نَسمَة (254) مِن الرِّجالِ, والنساءِ, والأطفالِ, ثمَّ تَتابَعت المَجازِر مِن يَومئذ.

وأمَّا أَساطيرُ القرنِ العِشرينَ, التي أَسست السياسةَ الإسرائيليةَ:

 فَأُولَاهَا: (أُسطورةُ مُعادَاةِ الصهيونيةِ للفَاشيةِ)

((وفي عامِ واحدٍ وأربعينَ وتسعِ مِئَةٍ وألف (1941) اقترفَ [إسحاق شَامِير] جريمةُ لَا تُغتَفرُ مِن الناحيةِ الأخلاقِية، فَقَدْ دَعا إلى التَّحالُفِ مع [هِتلَر] ومعَ ألمانيَا النَّازيةِ ضِد بِريطانيَا)). كَذا قالَ [بِنْ جوريون]

معَ أنَّ الجماعةَ الصهيونِيةَ -رَغمَ قِلَّتِها في ألمانيا آنذَاك- اتخذت سياسةً مُخَالِفة, منذُ سنةِ ثلاثٍ وثلاثينَ إلى إِحدَى وأربعينَ مِن القرنِ المَاضِي, وتَواطَأت بَلْ وتَعاوَنَت مَع [هِتلَر].

وثَانِي أَساطِيرِ القرنِ العشرينَ, المؤسِّسةِ للسياسةِ الإسرائيليةِ:

 هيَ (أُسطورةُ عَدالَةِ نورمبِرج): وهيَ عدالَةُ الأَوهَامِ, والجَوْرِ, والظُّلمِ, حيثُ لم يَكُن فيهَا مِن العدالةِ شَيء.

وَثَالثُ الأَساطِير:

(أُسطورةُ السِّتةِ مَلايِين) أو (الهُولوكوست) أو (الإبَادةُ الجماعية):

والإِبَادةُ الجمَاعيةُ: هيَ الإبَادةُ المُنظَّمةُ لِمَجموعَةٍ عِرقِيةٍ بِالقضَاءِ على أَفرادِهَا.

وعلى غِرارِ الوَعدِ الإِلَهِي الواردِ في التَّورَاةِ, فإنَّ الإبادَةَ الجمَاعيةَ: هِي عُنصرٌ مِن عناصرِ التبريرِ الأيدُلوجِيِ لإنشاءِ دولةِ إسرائيل.

ومِنَ العجبِ؛ أنَّ اليهودَ قد استطَاعوا استِصدارَ قرارٍ, وقانونٍ عَالمِيين؛ يُحرِّمان ما يُوصَفُ بالعداءِ للسَّامِية، وكلُّ مَن أنكَرَ وُقوعَ مَحرَقةِ النَّازِي لليهودِ في ألمانيَا, أو شَكَّكَ فيها يَطَالهُ العِقابُ المنصُوصُ عليهِ في قانونِ العَداءِ للسَّامِيةِ, في أيِّ بُقعَةٍ كانَ مِن الأرضِ.

وِفي فرنسا صدرَ في الثالث عشر مِن يوليو سنةَ تسعينَ وتسعِ مئَةٍ وألف (13/7/1990) قانون (جِيسو فَايوش): الذي يُعيدُ في فرنسا جَريمةَ الرأي, التي سادت عصرَ نابليونِ الثالث، وجَعلتَ قانونًا قَمعِيًا يُعَوِضُ ضَعفَ الحُجَج.

ومِن أَساطيرِ القرنِ العشرينَ, المؤسِّسةِ للسياسةِ الإسرائيليةِ:

 (أُسطورةُ أرضٌ بلَا شعب, لِشعبٍ بلَا أرض):

قَالت [جولدا مَائير] في الخامسِ عشر مِن يونيو سنةَ تسعٍ وستينَ وتسعِ مِئَةٍ وألف (15/6/1969):

((لَا يوجدُ شعبٌ فلسطيني، وكأنَّنا نحنُ الذين جِئنَا؛ لإخراجهِ من ديارِه, والاستيلاءِ على بَلدِه, فَهُم –تعني: الفلسطينيين- لَا وجودَ لَهُم)).

ولأجلِ هذهِ الأُسطورةُ؛ حِيكَت المؤامَرات, وتَكوَّنَ اللُوبِي الصهيونيُ اليهوديُّ في أمِريكا, وفرنسا وغيرِهما مِن البلاد؛ لتحقيقِ الأسطورة بِمُعجِزةِ التمويلِ الخارجيِ لإسرائيل، وَقوةُ اللَكمَةِ اليهودِية, تأتِي مِن القُفَّازِ الأمرِيكي الذي يَلُفها, والدولارات التي تُبَطِّنُهَا.

هذهِ حقيقةُ الحربِ الخارجيَّةِ التي تَخُوضُهَا مِصر، وهيَ حربٌ عقائدِية.

وأمَّا الحربُ الداخِليةُ التي يشُنُّها الأخوانُ, والتكفيريونَ, وغيرُهم, فَحقيقَتُهَا عقَائدِيةٌ أيضَا؛ لأنهم في اعتقادِهم يُقاتِلونَ الكفَّارَ المُرتدين, الذينَ يَقولونَ قد خَرجوا مِن المِلَّة, واغتَصبوا الحُكمَ مِن الأخوانِ المُفلِسين.

والحَربَان؛ الخَارجيةِ والدَّاخِلية, يُلهِبُ نَارَهَا العَلمَانِيون, وأَضرَابُهم مِن الزَّائغِينَ والضَّالينَ مِن حيثُ يَعلَمونَ, ومِن حيثُ لَا يَعلَمون، وَيُعطونَ التكفِيريينَ المُبرِّرَ لِلتَّكفِيرِ, والقَتلِ, والتَّفجِيرِ, والترْويعِ.

 وهؤلاءِ العَلمَانِيونَ في وسائلِ الأعلامِ المُختلِفة؛ يدعونَ إلى الفَوضَى, وتَقوِيضِ النظامِ مِن حيثُ يُريدونَ, ومِن حيثُ لَا يُريدون.

والدولُ الغربيةُ التي يُبشِّرُ بهَا العَلمَانِيونَ؛ وهمْ بهَا مَفتُونونَ, لَيست مَدَنِيةً أيضًا بالمَعنى الذي يُريدونَه، إذْ هيَ تَخضعُ لمُقدَّساتٍ أخلاقيةً كانت, أو دِينيةً, أو أيدلوجيةً، أو لِلثقافةِ السَّائدةِ في المجتمعِ.

 فعَلى العَلمَانِيينَ إذن؛ أن يَتكلَّموا عن فَلسفةٍ فَوضَوِيةٍ, لكلِّ فردٍ أو جمَاعةٍ فيهَا دِين...

وهُم يُعَرِّفونَ الدِّينَ بأنَّهُ: كلُّ مَا أصبَحَ عندَّ الفَردِ أو الجَمَاعةِ حقيقةً مُطْلَقةً، ولَيسَت هناكَ جماعةٌ أو أفرَادٌ يَعيشونَ بدونِ قَطعِيَّات.

 وإمَّا أنْ يَصِفُوا دُولًا ذاتَ أيدلوجيَّاتٍ بالمدنية، فعَليهِم أنْ يُعلِّلوا التفْرِيق، لماذَا يَختلفُ حُكمُه باختِلافِ الأيدُلوجيَّات؟!

فَليسَ مِن العدلِ؛ إلزامُ المسلمينَ بِصورٍ مُحدَّدةٍ للدولَةِ المَدنِيةِ, والدِّيمُقراطِيةِ دون غيرِهم مِن خُصومِهم الفِكرِيينَ والعقَائدِيينَ، بل يَتعيَّنُ إرجاعُ كلامِ الطَّرفينِ إلى الأوضَاعِ السياسيةِ القائمةِ.

ثم إنَّ العَلمَانيينَ أنفُسَهُم لَيسُوا كُتلَةً وَاحِدةً، ومَن يتَتبَّع كَلامَهم يَعلَم الفرقَ الشَّاسِعَ بينَ عَلمانِيةِ اليَسار, وعَلمَانِيةِ اليمين، وبينَ عَلمَانِيةِ فرَنسا, وعَلمَانِيةِ بريطَانيَا, وعَلمَانِيةِ ألمَانيَا.

وكذلكَ التصَوراتُ الفَلسفِيةُ للدولَةِ المَدنِيةِ عندَهم, هيَ مُختلِفةٌ فيمَا بينهَا مِن حيثُ هِي، ومختلفةٌ كذلك في الواقعِ المَعِيش.

وَالفَلسفَةُ الميكيافِليةُ التي لَا تَخضعُ لأيِّ مَنظومَةٍ قِيَمِيَّة؛ تُهمَةٌ يَتقاذَفُهَا أَقطَابُ السَّاسةُ الغربِيينَ فيمَا بينَهم, وَكلُّهم يُقرُّونَ بِقِيَمٍ عُلْيَا لِلدولِ والجُمهورِياتِ, التي يَحكُمونهَا...

فمَنْ يُمثلونَ العَلمَانية الحقِيقِية مِنَ الناحيةِ الأيدُلوجيةِ, هُم اليَسارُ المَاركِسيُّ, ولَيست الأحزابُ الليبرَاليةُ المُتأثرةُ بأفكارِ [جون لوك], ولَا اليمِينُ المُتطرف، بل إنَّ العَلمَانِيينَ يَعتبِرونَ هؤلاءِ مُنافِقي الكَنِيسة.

 ومَا علينَا إلَّا أنْ نُتابِعَ سياساتِ الدولِ الغَربيةِ؛ ليتبَينَ تَناقُضُ هذَا الزَّعم, فمَا نَراهُ في أوروبا, هوَ تَصاعدُ قوَى وأحزابِ اليَمينِ المَسِيحيِ, المُحافِظِ المُتطرِّفِ, المُعادِيِ لِلإسْلامِ، وَليسَ صُعودُ التيارِ المُتنصِّلُ مِن القِيَمِ...

وَلو تَتبعتَ نتائجَ الانتخَاباتِ الأوروبيَّةِ، وبَرامِجَ أحزابِ اليَمينِ المُتطرِّفِ هناك؛ فَسترَى مِصداقَ ذلك, بَلْ إنَّ أحزابَ مَا يُسمَّى بِاليسَارِ الاشتِراكيِّ, انحَرفت فِكرِيًا عن خَطِّها القَديمِ نحوَ الفِكرِ المُحافِظ.

 ومَا يَصدُرُ الآن مِن مَواقِفَ عن أحزابِ اليَمينِ المُحافِظ في أوروبا, في قضايَا مثل الإِجهَاض، والموتِ الرحِيم، والشُّذوذِ الجنسي، وغيرِ ذلكَ, ليسَ سِوَى مَواقفَ مُتطابِقةٍ مع مَواقِفِ الكَنِيسَة، نابعَةٍ مِن مَرجِعياتِها النصرانِيةِ التي تَتبنَّاهَا، وليستَ مَبنِيَّةً على المَنفَعةِ العَقلِيةِ المَحضةِ.

 والتمييزُ العُنصريُ الذي مَارستهُ أمِريكا، وكثيرٌ مِن دُولِ الغَرب، ومَا كانَ عندَ كثيرٍ مِن تلكَ الدولِ؛ كفرنسا مِن مَنعِ النساءِ مِن التصويتِ والترشُّحِ, ومَا مارستهُ تلكَ الدولِ مِن استعمارٍ, وطَبقِيةٍ سِياسيةٍ, وغيرِ ذلكَ ممَّا هوَ مَعلومٌ لكلِّ قارئٍ للتاريخِ القديمِ والمُعاصرِ.

 أَليسَ كانت وَقتَها تُسمَّى دُولًا مَدنِيةً ودِيمُقراطِيةً؟! رَغمَ مُمَارستِها لِأبشَعِ أنواعِ الاضطِهادِ والتَّمييزِ بين الأفرادِ.

أَليستَ تَرَى نَفسَهَا أَقدَمَ دِيمُقراطيةٍ في العَالم؟ وهَا نحنُ نراهَا الآن؛ تَنزِعُ صفةَ الديمُقراطيةِ والمَدنيةِ عن دولٍ حديثةٍ لهَا تَصرُفاتٌ مُشابهةٌ لتصرُفاتِهَا سابقًا، فمَا الفرقُ؟!

وكيف تُلزِمُ هذهِ الدولُ غيرهَا بتطوراتِها؟ مع العِلمِ بأنَّ هذا التمييزَ العُنصريَّ مَا يَزالُ مَوجودًا بصورةٍ أو بأُخرَى في مُعظمِ تلك الدُّوَل.

 فعَجيبٌ أنْ تكونَ فرنسا دِيمُقراطيةً مُنذُ قيامِ الجُمهورِية، مَع أنهُ إلى الأربَعِينِيات, لم يَكُن للنساءِ فيهَا حقُ التصويتِ والمِلكِيةِ، ومَا نَراهُ في كثيرٍ مِن بلادِ الغربِ؛ مِن تَدخُّلِ الدولةِ في الشئونِ الدِينيةِ، وتَمويلِهَا للكَنائسِ، وصرفِ الرَّواتبِ للقِسيسِين, دونَ غيرِهم مِن عُلمَاءِ الأديانِ الأُخرَى كالإِسلام.

وتدْرِيسِ النَّصرانيةِ في المَدارسِ الحكومِية؛ كمَا في فرنسا, وألمانيا, وكثيرٍ مِن دولِ الغَربِ, وَفَرْضِ القَسَمِ على الإِنجيلِ؛ باعتِبَارِهِ مَرجِعِيةً عُليَا مُقدَّسة, مِن طَرفِ الدولَةِ في أمِريكَا وَكثيرٍ مِن دُولِ أوروبا.

كلُّ ذلكَ مُخالفٌ لِلعَلمَانِية, ولِلدولةِ المَدنِيةِ التي يَزعُمُون، ونَقضٌ لِلمُساوَاةِ بين الأفرادِ, الذي هوَ مِن أُسُسِّ المَدنِيةِ الحديثةِ المَزعومَةِ؛ وَلذلكَ فإنَّ كثيرًا مِن عَلمَانِيِّ أوروبا المُنصِفينَ, والمُخلِصينَ لِلعَلمَانِيةِ, يَعتبِرونَ هذَا انتِهَاكًا صَارِخًا لِلعَلمَانِية والدولَةِ المَدنِيةِ.

ودَساتِيرُ كثيرٍ مِن الدولِ الغَربِيةِ, التي يُرَوَّجُ لهَا بِاعتبَارِهَا نَماذِجَ للدولةِ المَدَنِيةِ, لمْ تُرَاعِ هَذا المَبدَأَ المَزعُومَ.

فَدُستورُ ألمَانيَا مَثلًا: يبدأُ بعبارةٍ وهيَ: ((واعِينَ بِوَاجِبنَا تِجَاهَ الربِّ, وتِجَاهَ الناسِ)). وتُكَلَّفُ الدولةُ بِجِبَايَةِ الضَرائبِ الدِينيةِ معَ الضَرائبِ الأُخرَى، بِالإضَافَةِ لِتَدَخُّلِ الدِينِ النَّصرانِي في النِّظامِ التَّعلِيمِي في ألمَانيَا.

 وَكَذَا في النِّمسَا: تَقومُ الدولةُ بِجبَايةِ الضَرائبِ الكَنسِيَّةِ، وتَنتَشِرُ الصُّلبَانُ في مَقَارِّ الدَّولَةِ.

 وَفِي كَندَا: يَبدأُ مَنشورُ الدولةِ لِلحقوقِ والحُريَّاتِ سنةَ اثنتينِ وثمانينَ وتِسعِ مِئَةٍ وألف (1982) يَبدأُ بـ ((اعْلَم أنَّ لِكَنَدَا مَبَادِئَ تَعتَرِفُ بِالعُلُوِّ الإِلَهِيِّ)).

وَفِي إِسبَانيَا: مرَّرت حُكومَة [أَزَنَار] قَانونًا, يُصبِحُ بِهِ تَعلِيمُ الدِّينِ النَّصرَانيِّ وَاجِبًا فِي المَدارِسِ الحُكومِيةِ, والمَدارِسِ الخَاصةِ.

 وَهُناك دولٌ كثيرةٌ تَعترفُ بِهيمَنَةِ بعضِ الكنَائسِ؛ سواءً كانت كَاثولِيكيةً, أو بُروستَانتِينِيةً, أو أرثوذُكسِيةً مثل؛ انجلترا, وأيرلندا, والدنِمَارك, وأيسلَندا, والنُّرويج, واليونَان, وغيرها.

فَدُستورُ اليُونانِ مثلًا: يَبدَأُ ((بِاسمِ الرَّبِّ المُقدَّسِ، واعتِقادِنا بِجوهَرِية, وتَوَحُّدِ أَقَانِيمِ الرَّبِّ والثَّالوثِ الخَفِيِ)).

ثُمَّ يَأتِي في المَادَةِ الثَّالِثةِ ليَنُصَّ عَلَى: ((أنَّ الدِّينَ السَّائِدَ في اليُونَانِ هوَ المَذهَبُ الأُرثوذُكسِي الشَّرقِي، وهوَ مَذهَبُ الكَنِيسَةِ الأُرثوذُكسِيةِ اليُونَانِيةِ الرَّسمِيَّةِ, الَّتِي تُؤمِنُ بِإلَهِهَا المَسيحِ عِيسَى رَئيسِهَا، والَّتي هِيَ مُتحِدةٌ عَقدِيًا بِلَا انفِصَامٍ معَ كَنِيسَةِ المَسيحِ العُظمَى بالقُسطَنطِينِيَّةِ، ومعَ أيِّ كَنيسَةٍ لِلمَسيحِ تُؤمِنُ بِالاعتِقَادِ نَفسِهِ.

والذينَ يؤمِنونَ بِلَا مُنازَعةٍ بالكُرسِيِّ الرَّسولِي، والشرَائعِ المَجمَعِيَّة، والشرَائعِ المُقدَّسةِ، كَنيسَةٌ مُستَقلةٌ يُدِيرُها المَجمَعُ المُقدَّسُ لِلأسَاقِفَةِ الخُدَّام، والمَجمَعُ المُقدَّسُ الدائمُ النَّاشِئُ مِنهَا، والمُركَّبةُ على النحوِ المُحدَّدِ في المِيثَاقِ القَانونِي لِلكَنيسَةِ بالتوافُقِ معَ أحكامِ البَطرِيَرك [تومِي]، والقانونِ الخاصِّ بِالمَجلسِ الكَنْسِي، وأنَّ الرئيسَ –يَعنونَ رَئيسَ دَولَتِهِم- وَنائبَ الرئيس يَجبُ أنْ يَكونَا مِن الديانَةِ الأُرثوذُكسِيَّة، وأنَّ بِناءَ المَساجدِ مَمنُوع، والدَّعوَةَ لدِينٍ آخَرَ مَمنُوعَةٌ دَاخِلَ اليُونَان)).

 

وَفِي مَملَكَةِ الدنِمارك: يَنُصُّ الدستورُ في مَادَتِهِ الرَّابعَةِ علَى: ((أنَّ الكَنيسَةَ الإِنجِيلِيَّةَ اللُوثَرِيَّة, كَنيسَةُ الدَّولَة، وَلَابُدَّ أنْ تَحظَى بِتأيِيدِ الدَّولَة)).

وَيَنُصُّ في المَادَةِ السادِسةِ علَى: ((أنَّ المَلِكَ لَابُدَّ وأنْ يَكونَ مِن أتْبَاعِ الكَنيسَةِ الإِنجِيلِيَّةِ اللُوثَرِيَّة)).

وَفِي مَملَكةِ النُّرويج: يَنُصُّ الدستورُ في المَادَةِ الثانِيةِ عِلَى: ((أنَّ المَذهَبَ الإِنجِيلِي اللُوثَرِي, هُوَ المَذهَبُ الرَّسمِيُّ للدَّولَةِ، وَلَيسَ هَذَا فَحسْب، بَلْ يُجبَرُ أَيضًا قَاطِنِي البِلَادِ المُتَّبِعينَ لِهَذا المَذهَبِ, عَلى تَنشِئَةِ أبنَائهِم وَفقًا لِتَعالِيمِه)).

وَأمَّا فِيمَا يَخُصُّ المَلِكَ، فيَنُصُّ الدستورُ في المَادَةِ الرابِعةِ عَلَى: ((وجُوبِ كَوْنِ المَلِكِ مِن أَتبَاعِ هذَا المَذهَبِ، ويَفرِضُ عَليهِ نُصرَةُ المَذهَبِ الإِنجِيلِي اللُوثَرِي وَحِمَايَتَهِ)).

وَفِي المَملَكَةِ المُتَّحِدة -وهيَ انجِلتِرا واسكُتلَندا-: يَنُصُّ الدستورُ العُرفِيُّ البِريطَانِيُّ فِي القِسمِ الثَّامِن عَشر فِي المَادَةِ الرابعَة عَلَى: ((أنَ المَلِكَ لَابُدَّ وأنْ يَكونَ عَلَى المَذهَبِ البُروتِستَانْتِي، وَأنَّ كَنِيسَتَي انجِلتِرا واسكُتلَندا هُمَا الرَّسمِيَّتانِ في الدَّولَةِ)).

وَفِي مَملَكَةِ السُّويد: يَنُصُّ الدستورُ فِي مَادَتِهِ الثَّالِثة عَلَى: ((أنَّ النِّظَامَ المَعمُولُ بِهِ فِي الخِلَافَةِ, هُوَ المَرسُومُ الصَّادِرُ مِن المَلِكِ [كارل]، المَعرُوفُ بِمَرسُومِ الخِلَافَةِ)). وَيَنُصُّ هذَا المَرسُومُ فِي فقرَتِهِ الرَّابِعَة عَلَى: ((أنَّ المَلِكَ لَابُدَّ وَأَنْ يَكونَ مِن أتْبَاعِ المَذهَبِ الِإنجِيلِي النَّقِي، وأنَّهُ لَابُدَّ مِن تَنشِئَةِ جَمِيعِ أُمَرَاءِ وَأَمِيرَاتِ العَائِلَةِ المَلَكِيَّةِ, علَى هذَا المَذهَبِ دَاخِلَ المَملَكَةِ، وَأنَّ أَيَّ فَردٍ مِن العَائلَةِ المَلَكِيَّةِ لَا يُقِرُّ بِهَذا الاعْتِقَادِ, يُحرَمُ مِن كلِّ حُقوقِ الخِلافَةِ، أي: لِلعَرشِ والتَّوارُث)).

وَالكِيَانُ الصهيونِيُّ المُحتَل كِيانٌ دينيٌ مِن الدَّرجَةِ الأُولَى، وهوَ يُقِرُّ بيَهودِيَّةِ الدَّولَة، وَالأَحوالُ المَدنِيةُ تَسيرُ وَفقَ شَريعَةِ اليَهود.

بَعدَ هَذا كُلِّه، فَإنَّ العَاقِلَ يَسأَلُ؛ أَليسَ مِن أَبجَدِيَّاتِ الدَّولَةِ المَدنِيةِ المَزعُومَةِ المُبَشَّرِ بهَا في بِلادِنَا؛ المُساوَاةُ بينَ الأَفرَاد, تَحتَ مُسمَّى المُواطَنَةُ, بِقَطعِ النَّظرِ عن مُعتَقَدَاتِهم؟!

وَعَجيبٌ وَاللهِ أنْ يَكونَ اشتِراطُ المُسلِمينَ كَوْنَ الرَّئيسِ مُسلِمًا, مُناقِضًا لِلدَّولَةِ المَدنِيَّة!! وَاشتِراطُ ذَلكَ في دَساتِيرِ دُولِ الاتِّحادِ الأوربيِّ غَيرَ مُخالفٍ لِفلسَفةِ الدَّولةِ المَدنِيةِ...

فمَا وَجهُ التفْريقِ بينَ الدينِ الإسلَامِي, وَغيرِه مِنَ الأديَانِ في هَذا الصَّدَد؟!

بَلْ مَا الفَرقُ بينَ الأيدِيولوجِية, وَأيَّ حَقيقَةٍ مُطلَقةٍ وَبينَ الدِّين، خُصوصًا مِن وجهَةِ نَظرِ العَلمَانِيين؟!

فَالدِّينُ قَائمٌ فِي الأسَاسِ عَلى الاخْتِيارِ الفَردِي، وَيتْبعُ هذا الاخْتِيارَ إِلزامَاتٍ، كمَا أنَّ الانتِمَاءَ لِمَنظومَةٍ سياسِيةٍ مَدنيةٍ يَتبَعُهُ إِلزامَاتٍ، فمَا الفَرقُ بَينَهمَا؟!

وكلُّ تِلكَ الأَيدِيولُوجِيَّات دِين، هَذا لَازِمٌ لِلعلمَانِيينَ علَى حَسبِ تَقرِيراتِهمُ الفَلسَفِيَّة، كمَا أنَّ مَن يَلتَزِمُ بِتشرِيعَاتِ دِينٍ مَا، فهُوَ يَلتَزِمُ بِهَا مُعتَقِدًا نَفعَها، وَتحصِيلَهَا لِلمَصلَحةِ الفَردِيَّةِ وَالجَماعِيَّةِ في الدُّنيَا والآخِرَة.

وَهذا وَاقعٌ فِي كلِّ الأيدِيولوجِيات أيضًا، فَلَا يَصحُّ إِلزامُ أحدٍ فِي هذَا الباب, علَى مُقتَضَى نَظرياتِ العَلمَانِيينَ بقَولٍ, أو مَنهجٍ مُعينٍ، أو فَهمٍ لمُصطلحٍ مَا؛ غيرِ المَنطقِ العقلِي المُجردِ، وإلَّا كانَ إِلزامًا بأيدِيولوجِياتِهِم، فَكلُّها بمَا فِيهَا مَفاهِيمُهم للدَّولةِ والسياسةِ هيَ دينٌ يَدينُ بهَا قائلُهَا، ولَا يَحقُّ لهُ أنْ يُلزِمَ غيرَهُ بقَالَبٍ مُقدَّسٍ للدِّينِ والسياسةِ، سواءٌ ادَّعى صَاحبُه أنهُ وَحيٌّ أو إنتاجٌ عَقلِي.

يَقولُ الفَيلسوف [مَاكس ستيرنَر]: ((كلَّمَا كانَ هناكَ مَبدأٌ فَوقَنَا، فإنَّ هَذا المَبدأَ دِين)).

فَهذهِ الفَلسَفاتُ العَلمَانِيةُ مُتناقِضةٌ في نَفسِها، ومُتبَاينةٌ فيمَا بَينَها، ولَا يَحقُّ لِأحدٍ مِنهُم إِلزامُ غيرِهِ بِقولِهِ كَأنهُ مُقدَّس، لَاسيمَا وقَد ظَهرَ مِن أَقوالِهِم ونَظريَّاتِهم أنَّها مُتنَاقِضة معَ وَاقِعِ الدُّولِ التِي تَزعُمُ أنهَا حَامِيةُ الدِّيمُقراطِية، وأنَّ نَماذِجَها المُثلَى هيَ هذهِ الدُّول في عَالَمِنَا المُعاصِر.

وَهَذا [جُون لُوك] يَقولُ: ((لَا يَجبُ التسَامحُ معَ المَلاحِدَة)).

فهَلْ إذَا قَامَت دَولةٌ مَدنِيةٌ يُقتَلُ فِيهَا المَلاحِدَة, أو يُسجَنونَ اعتِمادًا علَى كِتابَاتِ [جُون لُوك]؛ سَيَعُدُّهَا العَلمَانِيونَ والغَربُ دَولةً مَدنِيةً حَدِيثةً؟!

ومَا الفَرقُ حِينئذٍ بينَ هَذا وَأيِّ تَعالِيمَ دِينيَّةٍ فِي هَذا البَاب؟!

وإذَا كَانوا يُقرِّرونَ أنَّ الدَّولةَ المَدنيَّةَ تَقومُ علَى السَّلامِ, والتَّسامُحِ, وَقَبولِ الآخَر، والمُساوَاةِ في الحُقوقِ والواجِبات، فَهَلْ الدُّولُ الغَربِيةُ التِي نَشَأَ فِيهَا هَذا المُصطَلح تَحقَّقت فِيهَا هَذهِ المَبادئ فِي المَاضِي أو فِي الحَاضِر؟!

وَهلْ تُسَمَّى حِينئذٍ مَدنيةً أوْ دِيمُقراطِيةً؟!

فَهَذا التقرِيرُ مِن [لُوك] لَا يَعدُو أنْ يَكونَ مُعتقَدًا خَاصًا لهُ، ولَا يَحقُّ لهُ أنْ يُلزِمَ المُلحِدينَ بهِ، وَإلَّا فَلَا فَرقَ بَينَهُ, وبينَ الكَنيسَةِ التِي ادَّعى مُحارَبَتَها.

وَهلْ هَذا القَولُ مِن [جُون لُوك] لَيسَ تَطرُّفًا فِي فَلسفَةِ العَالَمِ الحَديثِ؟!

لَكِن إذَا قَالَهُ مُسلِمٌ، فهُوَ مُتطرِّفٌ وَإِرهَابِيٌّ!!

أَلَا مَا أَعظَمَ سَطوَةَ اليَهودِ وَالمَاسَونِ علَى قُلوبِ وعُقولِ المُسلِمينَ.

((سِلمِيةٌ.. سِلميةٌ. . . شِعارَاتٌ يَهودِيةٌ))

فِي السَّادسِ عَشر مِن فِبراير سَنةَ إحدَى عَشرَةَ وَألفَين (16/2/2011) وَتحتَ عُنوان:

(مُفكرٌ أَمريكيٌّ خَجولٌ!! ألَّفَ كِتابًا حَركِيًا يُستَخدَمُ في الثورةِ المِصرِيَّةِ وَغيرِهَا مِن الثَّوراتِ التِي اندَلَعَت شَرارَتُها يَومَئذ)

نَشرت صَحيفَةُ (نِيويورك تَايمْز) تَقرِيرًا لـ [شِيريل جَاى ستولبِرج] عَنِ المُفكِّرِ الأَمرِيكِيِّ [جِين شَارب] تَقولُ فِيهِ:

((إنَّ قَليلِينَ هُم مَن سَمِعوا عَن [شَارب], الذِي ظَلت كِتابَاتُهُ عَن الأسَالِيبِ السِّلمِيةِ, والوَسائلِ غيرِ العَنيفَةِ للثورَةِ، خَاصَّةً كِتابَهُ: (مِن الدِّيكتَاتورِيةِ إلَى الدِّيمُقراطِيةِ) الذِي يَقعُ في ثَلاثٍ وتِسعِينَ صَفحة (93), لِعِدَّةِ عُقودٍ ظَلت كِتَابَاتُهُ تُلهِمُ المُنشَقِّينَ, والمُحتَجِّين, وتَصنَعُ الثوارَ فِي كلِّ مَكانٍ مِن العَالَمِ، فِي بُورمَا, وفِي البُوسنَة, وفِي إستونيَا, وفِي زيمبَابوي، والآن فِي تونُسَ, وفِي مِصرَ)).

وَتنقُلُ [ستولبِرج] عَن [أحمَد مَاهِر] قَائدِ (حَركةِ شَبابِ السادسِ مِن إبريلَ)، الذِي تَصِفُه بأنَّهُ قائدٌ استراتِيجيٌّ –تَنقِلُ عنهُ- ((أنَّهُم تَعرَّفوا علَى مِستَر [شَارب] فِي أثناءِ دِراسَتِهم لِتَجرِبَةِ حَركةِ (أَتبُور الصِّربِية) التِي كانَ تَأثِيرُهُ عَليهَا عَظِيمًا)).

وتَقولُ [ستولبِرج]: ((إِنهُ عِندمَا اندَسَّ (المَركزُ الدوليُّ لِلصراعَاتِ غيرِ العَنيفَةِ), عِندمَا اندَسَّ فِي القَاهرةِ, مُنذُ بِضعِ سَنواتٍ مِن أجلِ إقامَةِ ورَشِ عَملٍ؛ لِتدريبِ نُشَطاءِ الشَّبابِ علَى الأساليبِ السِّلمِيةِ, وغيرِ العَنيفةِ؛ للاحتِجاجِ والثورَةِ, كانَ كِتابُ [شَارب]: (مِئةٌ وثَمانٍ وتسعونَ (198) طَريقَةً لِلأفعالِ غيرِ العَنيفَةِ) مِن أوائلِ الكُتب, التِي يَتمُّ تَوزيِعُها علَى النُّشطاءِ مِن الشبابِ, وتَدريبُهم علَى مَا يَحوِيهِ مِن أسَالِيبَ وَوَسائلَ)).

وَتنقُلُ [ستولبِرج] عَن [داليا زِيادة] التِي تَقولُ:

((إنَّهَا كانت مِن النُّشطاءِ الذينَ حَضرُوا وُرَشَ العَملِ, التِي أقَامَهَا (مَركزُ الصِّراعاتِ غيرِ العَنيفةِ) فِي القَاهرة، ثمَّ أقَامَت هِيَ بعدَ ذَلكَ وُرَشَ عَمَلٍ خَاصَّةٍ بهَا؛ لِتدِريبِ غَيرِهَا مِن الشبابِ)).

تَنقُلُ عَنهَا قَولَهَا:

((المُتدَرِّبونَ كَانوا فَاعِلينَ ونَاشِطينَ في الثَّورَةِ التونُسيةِ, والثَّورةِ المِصرِيةِ، وبَعضُ النُّشطاءِ قَاموا بِترجَمةِ أجزاءَ مِن كِتابِ مِستَر [شَارب] –تَقولُ- إلَى العَربيةِ, وَقامُوا بِطبعِها وَتوزِيعِها قَبلَ الثَّورَةِ؛ لِتكونَ دَلِيلًا لِلعَملِ فِي أثنَائِهَا)).

الجزءُ الذِي تَمَّت تَرجَمتُه مِن كِتابِ [شَارب] إلَى العَربيةِ, معَ رُسومٍ تَوضِيحيَّةٍ، وطُبِعَ وَوُزِّعَ قبلَ الثَّورةِ علَى نُشطاءِ الشبابِ, وُضِعَ لهُ عُنوان: (كَيفَ تَثُورُ بِحدَائَةٍ؟!).

وَفِي حَلقةٍ مِن بِرنامِج (مِصر النَّهاردَه) عُرِضَت فِي التليفزيونِ المَصرِي يَوم الرابعَ عشرَ مِن فِبراير سَنةَ إحدَى عشرَة وألفَين (14/2/2011), ظَهرَ النَّاشطُ المِصريُّ [مُصطَفى النَّجار] المُنسِّقُ العامُ للحَملةِ الشَّعبيةِ لدَعمِ البرادعِي, وأَحدُ المُشرِفينَ علَى صَفحةِ (كلُّنا خَالد سَعيد) فَقالَ مَا نَصُّه:

((احْنَا اتعَلِمنَا مِن تَجارَب الغِيير اللَاعَنيف, فِي دُول زَي صِربيا, ودُول زي أَمِريكَا اللاتينية ، فَشُفنَا النَّاس دِي عَمَلت إِيه، إِزاي أنَا دِلوقْت قُدامِي نِظام قَمعِي, مَا يِنفَعش أَخلِّي الصِّراعُ بينِى وَبينُه صِراع صِفرِي ،أنّا مِش هَقدَر أعمِل حَاجة قُدام الأَمنِ المَركَزِي والرَّصَاص المَطاطِي، وفِكرِة التَّغيير اللَاعَنيف دِي, فِكرة اتْعلِمنَاهَا مِن سنَة خِمسٍ وأَلفَين, وَسِتٍ وأَلفَين (2005 و 2006)،كُنا بِنتعَلِمهَا وأَخذنَا فيهَا كوُرسَات؛ يَعنِي إيه مُقاومَة مَدنِية ، يَعنِي إِيه تَحيِيد الشُّرطَة ، يَعنِي إيه تَحييِد أَجهِزَة الدَّولَة)).

(المَركزُ الدَّوليُّ لِلصرَاعَاتِ غيرِ العَنيفَةِ) الذِي ذَكرَت [شِيريل ستولبِرج] أنَّهُ انْدسَّ في القَاهرةِ, لَم يَكتَفِ بِإقامَةِ مَراكَزَ وَوُرَشِ عَمَلٍ؛ لِتدرِيب الشَّبابِ, وَإعدَادِهم لِلثَّورَة، بلْ قَامَ بِتمويلِ سَفَرِ أَربَعةَ عَشرَ نَاشِطًا مِن قَادَةِ هَؤلاءِ الشَّبابِ؛ لِاكتِسابِ خِبراتِ التَّحرِيكِ, والتَّنظيمِ, والحَشدِ, وَإدارةِ الحُشودِ في أثنَاءِ الثَّورةِ مِن أَهلِهَا.

وَِفي ذِروَةِ الثَّورةِ فِي التَّاسعِ مِن فِبراير (9/2)، بَثَّت قَناةُ الجَزيرَة الإِنجِليزيَّة حَلقةً وَثائِقيةً مُسجَّلةً مَعَ قَادَةِ (حَركَةِ شَبابِ السادسِ مِن إبرِيل) دَاخِلَ فِيلا فِي القَاهرةِ، هِيَ مَقَرُّ قِيادَتِهم، عُنوانُها –أيْ: عُنوانُ الحَلقة- (بُذورُ التَّغيير).

وَفِي الحَلقةِ الوثَائقيةِ التِي أَعدَّتهَا وَقدَّمَتهَا [إِليزابِيث جُونز] يَظهَرُ النَّاشِطُ [مُحمَّد عَادل]، الذِي يَقولُ التَّعلِيقُ الصَّوتِي, إِنَّهُ الذِّراعُ اليُمنَى لِقائِدِ الحَركَةِ [أحمَد مَاهِر]، لِيَقولَ:

((إِنَّه سَافَر إِلَى بِلِجْرَاد -عَاصِمة صِربيَا- حَيثُ إلتَقَى [سِيرجَا بُوبوفِيتش]،

أَحدَ قَادَةِ الثَّورةِ الصِّربيةِ، وتَعَلَّمَ مِنهُ: كَيف نَدفَعُ النَّاسَ إلَى الشَّوارِع, وكَيفَ نُنَظِّمهُم, ونَقودُهم مِن غِير صِدامٍ ولَاعُنفٍ)).

وَتقُولُ [إليزَابيث جُونز] فِي تَعلِيقِهَا: ((إنَّ [مُحمَّد عادِل] عَادَ مِن صِربِيا, وَمَعَهُ أَفلَام فِيديو, وَوَسائلَ تَعلِيمِية؛ لِنقْلِ خِبرَاتِ الثَّورَةِ مِن صِربيَا إِلَى بَاقِي قَادَةِ (حَركَةِ السَّادِس مِن إِبرِيل) وَنُشطَائهَا)).

ثُمَّ يَظهرُ فِي الحلقةِ نُشطَاءُ الحَركة, مِن الشَّبابِ والفَتياتِ دَاخِلَ مَقرِّهَا, وَهُم يَتَحَلَّقونَ حَولَ شَاشَةٍ؛ لِمُشاهَدةِ هَذهِ الأفْلَام.

فَلنْ تَعجَبَ إِذَا عَلِمتَ أنَّ شِعارَ (حَركةِ شَبابِ السَّادِس مِن إِبرِيل) هُوَ نَفسُه, شِعارُ (حَركَة أَتبُور الصِّربِيَّة), وَهُوَ ذِراعٌ مَرفُوعَةٌ, وَقَبضَةٌ مَضمُومَةٌ!!

فَإذَا كُنتَ مِمَّن اعتَقلَتهُ شَاشَاتُ الفَضائيَّاتُ فِي أثناءِ الثورَةِ، فَستَذكُرُ أنَّكَ رَأيتَ

حُشودَ الشَّبابِ, تُنادِي بِسقوطِ النِّظامِ, وهَيَ تُلوِّحُ بِأذرُعِها عَاليًا فِي الهَواءِ, وَقَبضَتُهَا

مَضمُومَة.

وَحُشودُ الشَّبابُ كانَت تَفعَلُ هَذا, تَقلِيدًا لِقادَتِهَا مِن النُّشطَاءِ, الذِين قَدَحوا شَرارَةَ الثَّورةِ، وَهؤلاءِ كَانوا يَفعَلونَ ذَلكَ؛ لِأنَّ هَذا مَا شَاهَدوا شَبابَ (حَركةِ أتْبُور الصِّربِية) يَفعَلونَهُ فِي أفَلامِ الفِيديو!

وَيَقولُ [مِدهك أُوكاثِيل] فِي دِراسةٍ لهُ عَن أَثرِ (حَركةِ أَتبُور الصِّربِيةِ) علَى الثَّورَةِ المِصرِيَّة:

((إِنَّ (مَركزَ الصِّراعَاتِ غَيرِ العَنيفةِ) هُوَ الذِي مَوَّلَ سَفَرَ بَعضِ قَادَةِ (حَركَة شَبابِ السَّادِس مِن إِبرِيل) إِلَى (مَركَز كَانْفَاس) فِي بِلِجْرَاد؛ لِلتدرِيبِ, وَنَقلِ خِبرَاتِ الثَّورَةِ الصِّربيَّةِ)).

وَ(كَانْفَاس) هُوَ المَركَزُ الذِي أَسَّسَهُ سَنةُ ثَلاثٍ وَألفَين (2003) [سِيرجَا بُوبوفِيتْش] أَحدُ قَادَةِ (حَركةِ أَتبُور الطُّلابِيةِ فِي صِربِيَا)، وَالتِي أَشعَلَت الثَّورةَ فِي صِربيَا وَقادَتْهَا, وَأطَاحَت بِالرَّئيسِ الصِّربِي سَنةَ أَلفَين (2000).

أَقامَهُ [بُوبوفِيتشْ]؛ مِن أجْلِ نَقلِ خِبراتِ الحَركةِ فِي حَشدِ الجَماهِير لِلثَّورةِ وَقيادَتِهَا، وَتدِريبِ النُّشطاءِ مِن مُختَلَفِ أنحَاءِ العَالَم عَليهَا.

وَينقُل [أُوكَاثِيل] تَصرِيحَ أَحدِ قَادَةِ (حَركَة شَبابِ السَّادِس مِن إِبرِيل)، لِصَحيفَةِ (الواشنطن بوست):

((كُلُّ المُتظاهِرينَ كَانوا يَحفَظونَ تَكتِيكَاتِ الثَّورةِ فِي بِلْجرَاد عَلَى ظَهرِ قَلب؛

لِأنَّنَا رَأينَاهَا مِرارًا وَتِكرارًا فِي أَفلَامِ الفِيديو، وَكلٌّ مِنَّا كَانَ يَعرِفُ مَا الذِي يَجبُ عَليهِ أنْ يَفعَلَهُ)).

أمَّا لمَاذا اختَارَ (مَركزُ الصِّراعَاتِ غَيرِ العَنيفَةِ) (حَركةَ أَتْبور) وَ (مَركز كَانْفَاس) وَالثَّورةَ الصِّربيةَ بِالذَّات, لِتدِريبِ قَادَةِ (حَركةِ السَّادِس مِن إِبرِيل) عَليهَا؟

فَلِسَبَبَين:

الأَوَّلُ: أَنَّ [بِيتَر أَكيرمَان] مُؤسِّسَ (مَركَزِ الصِّراعَاتِ غَيرِ العَنيفَةِ)، والذِي يُموِّلهُ وَيرأَسهُ هُوَ نَفسُه, أَكبَرُ مُمَوِّلٍ لِمَركزِ (كَانفَاس)، وَبينَ مَركَزِهِ وَ(كَانفَاس) رَوابِطُ وَثيقَةٌ, وتَعَاونٌ مُشتَرك.

وَأمَّا السَّببُ الثَّاني: فَيَأتِي إنْ شَاءَ الله.

وَالمُفكِّرُ الأَمرِيكِيُّ [جِين شَارب] الذِي كاَنَ قَد بَلغَ مِن العُمْرِ الثَّلاثَة والثَّمانِينَ وَقتَ وُقوعِ الثَّورَةِ بِمِصرَ، مُنَظِّرٌ لِلأَسالِيبِ السِّلمِيَّة, وَالوَسائِلِ غَيرِ العَنيفَةِ لِلاحْتِجَاجِ, وَكيفِيَّةِ اسْتِخدَامِها فِي الإِطَاحَةِ بِالأنْظِمَةِ, وَقدْ كَانَ أُستاذًا فِي جَامِعةِ (هَارفَارد)، وفِي سَنةِ إِثنَتين وثَمانِينَ وتِسعِ مِئةٍ وأَلف (1982) أَسَّسَ مَعهَد (أَلبِرت أينشتَين) لِلعلومِ السياسِيَّةِ في (هَارفَارد).

أمَّا الذِي حَوَّلَ أفكَار [شَارب] مِن نَظريَّاتٍ وكِتابَاتٍ علَى الورَق, إِلَى مَعاهِدَ وَوُرَشٍ لِتَدريبِ النُّشطاءِ الشَّبابِ علَى تَحرِيكِ العَوامِّ, وتَنظِيمِ الاحتجَاجَاتِ, وإشعَالِ الثَّورَاتِ, وَنَثرِهَا فِي بِلادِ العَرب، فَرَجُلٌ آخَرُ، هُوَ المِليَاردِير اليَهودِي [بِيتَر أكِيرمَان].

وَ[بِيتَر أَكِيرمَان] كَانَ تِلمِيذًا لِـ [شَارب]، وَكانَت أُطرُوحَتَهُ التِي حَصَلَ بِهَا علَى الدُّكتورَاة عَن (حَركَة غَانِدي) ضِدَّ البِريطَان فِي الهِند, وَمِنهَا استَوحَى مَذهَبَ اللَاعُنف.

وَفِي عَدَدِهَا الصَّادِر فِي الخَامِس عَشرَ مِن فِبراير سَنةَ إحدَى عَشرَةَ وَأَلفَين (15/2/2011) نَشرَت مَجلَّةُ (الأسبوعِ اليَهودِي) مَقالَةً كَتَبهَا [إِرِيك هِيرشْتَال] عِنوانُها: (التَّأثِيرُ اليَهودِيُّ علَى ثَورَةِ مِصرَ المَجِيدَة).

يقول [هيرشتال]:

((إنَّ مَعهَدَ (أَينشْتَين لِلدِراسَاتِ السِّياسيةِ) كَانَ ثَمرَةَ تَعاوُنٍ مُشتَركٍ بينَ [جِين شَارب] وَ [بِيتَر أَكِيرمَان]...

فَـ [شَارب] هُوَ الذِي أَسَّسَ المَعهَد, وَيُشرِفُ عَلَى بَرامِجهِ وَدِراسَاتِهِ.

وَ[أَكِيرمَان] هُوَ الذِي مَوَّلَ إِنشاءَ المَعهَد، وَهُوَ الذِي يُمَوِّلُ الإِنفَاقَ علَى أَساتِذَتِهِ وَطُلابِه, وعلَى دِراسَاتِهِ وَبَرامِجهِ.

وَأَسْهَمَ [أَكِيرمَان] نَفسُه فِي تَطوِير أَفكَارِ أُستَاذِهِ [شَارب] بِكِتابَين هُمَا: (استِراتِيجِيَّاتُ الصِّراعِ غَيرِ العَنيفِ) وَالثَّانِي: (قُوةٌ أَكثَرُ تَأثِيرًا).

وَفِي سَنةِ أَربعٍ وَألفَين (2004) رَأَى المِليَاردِيرُ اليَهودِيُ [بِيتَر أَكِيرمَان] أَنْ يُطَوِّرَ أَفكَارَ [جِين شَارب], وَيُحَولَهَا مِن كِتابَاتٍ نَظرِيَّةٍ وَدِراسَاتٍ وَرَقِيَّةٍ, إِلَى مُمَّارسَاتٍ عَمَلِيَّةٍ, تَتكَوَّنُ بمَا فِيهَا مِن أَسالِيبَ وَوَسائلَ, حَرَكَاتُ الشَّبابِ الثَّائِرِ علَى نُظُمِ الحُكمِ فِي بِلَادِهِ, فِي كُلِّ مَكانٍ مِنَ العَالَمِ.

وَمِن أَجلِ تَحقِيقِ هَذا الهَدف, أَنشَأَ [أَكِيرمَان] (المَركَزَ الدَّولِيَّ لِلصِّراعَاتِ غَيرِ العَنيفَةِ) وَأَقامَ لَهُ فُروعًا فِي البِلادِ التِي اختَارَهَا؛ لِإقَامَةِ مَعامِلَ لِلثَّورةِ, وَصِنَاعَتِهَا فِيهَا.

وَمركزُ المِلياردِيرُ اليَهودِيُ [بِيتَر أكِيرمَان], وَمَراكِزُ تَدرِيبهِ, وَوُرَشُ عَمَلِهِ، هِيَ التِي

تَولَّت تَدرِيبَ النُّشطاءِ الشَّبابِ فِي مِصرَ, وَقَدَحت بِهمِ شَرَارةَ الثَّورَة؛ لِيصِيرُوا رُموزَها وأبْطَالهَا، وقَادَةَ حَركَاتِهَا وَائتِلَافَاتِهَا، وَنُجومَ صُحُفِهَا وَشَاشَاتِهَا))!!

وَأمَّا الجَماهِيرُ المَخدُوعَةُ, فَهِيَ التِي ذَاقَت المُرَّ بَلْ تَجَرَّعَتهُ, وَهِيَ التِي إكْتَوَت بِنِيرَانِ الفَوضَى, وَعَانَت وَيلَاتِهَا.

وَأَمَا هَؤلاءِ؛ فَكَمَا يَقولُ المَثَلُ العَامِيُّ:

((كَجَديِ المَركِب, إِنْ عَامِت قَرقَشِت, وَإِنْ غِرقت جَتْ البَر)) –عَليهِم مِنَ اللهِ مَا يَستَحِقُّونَه-

نَسألُ اللهَ أنْ يَحفَظَ مِصرَنَا, وَجَميعَ بِلادِ المُسلِمينَ, وَأنْ يَجعَلَ مِصرَنَا أَمَانًا وَأَمْنًا لِكُلِّ مَن فِيهَا, وَلِجَمِيعِ المُسلِمِينَ, إِنَّهُ تَعالَى علَى كَلِّ شَيءٍ قَديرٌ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هُوَ يَتَوَلَّى الصَالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَومِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ:

فَيَقولُ اللهُ ربُّ العَالَمِينَ: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}.

وَأَخبَرنَا النَّبِيُّ –صَلَّى اللهُ عَليهِ وآلِه وَسَلَّم- أنَّ مِمَّا أَعطَاهُ رَبُّهُ –تَبَارَكَ وَتعَالَى- لَمَّا سَأَلَهُ, أَلَّا يُسَلِّطَ علَى هَذهِ الأُمَّةَ مِن خَارِجِهَا مَن يَستَبِيحُ شَأفَتَهَا, وَيَسْتَأصِلُ بَيضَتَهَا, وَإِنَّمَا يَكونُ ذَلِكَ بِأَيدِي أَبنَائِهَا, وَأمَّا الخَارِجُونَ عنْ هَذهِ الأُمَّةُ, فَلَو إِجتَمَعُوا عَلَيهَا مِن أقَطَارِ الدُّنيَا كُلِّها, مَا بَلَغُوا مِنهَا مَبلَغًا, وَلَكِنَّ الخَوفُ مِن أَبنَائِهَا حَتَّى يَسبِيَ بَعضَهُم بَعضًا, وَحَتَّى يَقتُلَ بَعضَهُم بَعضًا.

المُؤسَّساتُ وَالشَّرِكاتُ التِي تُمَوِّلُ (تَحالُفَ حَركَاتِ الشَّبابِ) وُمؤتَمَراتِهِ وَدَورَاتِهِ لِلتَّدرِيب، وَهيَ نَفسُهَا التِي تَتَولَّى تَدرِيبَ نُشطَاءِ الشَّبابِ علَى استِخدَامِ تَقنِيَّاتِ الاتِّصالِ الحَديثةِ هيَ:

أوَّلًا: جُوجَل, وَيوتيُوب التِي تَملِكُها جُوجَل, وَجُوجَل يَملِكُها وَيَديرُهَا اليَهودِيُّ [سِيرجِي بِرَين] وَاليَهودِيُّ [لَارِي بِيج].

ثَانِيًا: الشَّرِكةُ الأَمريِكِيَّةُ لِلتِلغرَافِ وَالتِّليفُون؛ وَهِيَ أكبرُ شَركَةٍ لِلاتِصالَاتِ واستِخدَامِ الهَواتِفِ فِي الوِلايَاتِ المُتَّحدَة، وَيَرأَسُهَا وَيُديرُهَا اليَهودِيُّ [رَاندُول ستِيفِنسُون].

ثالثًا: هُوكَاست؛ وهيَ شَركةٌ لهَا مَوقِع علَى شَبكةِ الإنتَرنِت, شَبيهٌ بمَوقِع يوتيوب، وَتعمَل فِي مَجالِ صِناعَةِ أفلَام الفِيديُو وتَطويرِ تِقنيَّاتِها، ومُؤسِّسُها ومُديرُهَا اليَّهودِيُّ [جَاسُون لِيبمَان].  

رَابعًا: شَبكة (MTV)؛ التِي تَملِك عَشراتٍ مِن مَحطَّاتِ التلفزيونِ, في عِدَّةِ دُولٍ حَولَ العَالَم، وتَرأسُهَا اليَهودِية [جُودِيث مَاك جِراث].

خَامِسًا: مَوقعُ تِويتَر؛ الذِي يَرأسُهُ ويُدِيرُه اليَهودِيُّ [جَاك دورسِي].

سَادسًا: أكسِيسْ ثلاث مِئَة وسِتون (360) مِيديَا (Acess 360 Media)؛ وَهيَ إحدَى أكبرِ شَركاتِ الدعَايةِ والإعلانِ في الوِلايَاتِ المُتحدَة، ومُؤسِّسُها وَرئيسُها اليَهودِيُّ [رُومَان سَاندَر].

كُلُّهُم يَهودٌ يَا صِاحِبِي, بَلْ صَهَايِنَةٌ.

سَابِعًا: مُؤسَّسةُ (MSNBC) لِلدعَايةِ والإعلانِ؛ التِي تَرأسُها [مِيكَا بِريزنِسكي] ابنَة [زِبجينُو بِريزنِسكي]، مُستَشَارِ الأَمنِ القَوميِّ الأَمرِيكِيِّ فِي ثمَانِينِياتِ القَرنِ العِشرِين.

وَبعدَ هَذا المَاراثُونِ اليَهودِيِّ رُبَّمَا تَقولُ:

هَؤلاءِ يَهودٌ نَعمْ، وَلكِنَّهم مُواطِنونَ أَمريكِيونَ, وَيعمَلونَ لِصَالِحِ الوِلاياتِ المُتحدَةِ, وبِاتِّفَاقٍ وتَنسيقٍ معَ الخَارجيَّةِ الأمريكِيةِ، كمَا قَالَ كَثيرٌ مِن المُحلِّلينَ الغَربِيينَ مِمَّن تَناوَلوا (تَحالُفَ حَركاتِ الشَّبابِ) فِي دَراسَاتِهم وَتحلِيلاتِهم, وَوَصَلُوا إلَى أنَّ مَا حَدثَ مِن ثَوراتٍ في بِلادِ العَربِ, هوَ تَدبيرٌ أمرِيكيٌّ لِأهدافٍ أمرِيكِيَّةٍ.

وَالحقُّ أنَّهُ: تَدبِيرٌ يَهودِيٌّ غُلافُهُ أمرِيكِيٌّ.

وَاعتِراضُكَ علَى هَذهِ الحَقيقةُ, الرَّدُ عَليهِ مِن [دِيفِيد بِن جُوريون], هوَ الذِي أسَّسَ إسرَائِيلَ, والأَبُّ الرُّوحِيُّ لهَا, وَأوَّلُ رَئيسِ وزَراءَ لهَا- قَالَ:

((فِي الوِلَايَاتِ المُتحِدةِ, أوْ فِي جَنوبِ إِفرِيقِيا, حِينَ يَجتَمِعُ يَهودِيٌّ مَع رِفَاقِهِ مِن

اليَّهود, وَيَقولُ: حُكومَتُنَا؛ فَإنَّهُ لَا يَعنِي إلَّا حُكومَةَ إسْرائِيلَ!)).

قَد تَسأَل: ومَا عَلَاقةُ اليَهودِ بـ (تَحالُفِ حَركاتِ الشَّبابِ), الذِي حَشدَ هَؤلاءِ الشَّبابَ الغَاضِبينَ علَى مَا يَحدثُ في بِلادِهم, وَوضَع بُذُورَ الثَّورةِ في أذَهَانِهم ودَرَّبَهم عَليهَا، وَهوَ مُنظَّمَةٌ أمرِيكِيةٌ وَيحظَى بِرعايَة ودَعمٍ مِن الخَارجيَّة الأمرِيكِية؟

فَتذَكَّر أَوَّلًا: أنَّ تمويلَ هَذا التَّحالُفِ, ومؤتَمرَاتِه, وَدَورَاتِه التَّدريبِية, ومَا يُنفِقهُ علَى هَؤلاءِ الشَّبابِ, ومَا يَمنَحُهم مِن هِباتٍ مَاليةٍ, يَأتِي مِن مُؤسَّساتٍ يَهودِيةٍ أو يُسيْطِر عَليهَا اليَهود.

واعْلَم ثَانيًا: أنَّ دَعمَ الخَارجيةِ الأمرِيكِيةِ لِهَذا التَّحالُف, يَأتِي عَبرَ المَجلِس الأمرِيكِي لِلعَلاقَاتِ الخَارجيةِ, وَبتَنسِيقٍ مِنهُ, ومَجلِسُ العَلاقَاتِ الخَارجيةِ في مَمْلَكةِ اليَهودِ والمَاسون –أمِريكَا- مُؤسَّسةٌ مَاسونِيةٌ أَنشَأهَا اليَهودُ في أعقَابِ الحربِ العَالَمِيةِ الأُولَى.

واعْلَم ثالثًا: أنَّ الوَصلةَ بينَ (تَحالُفِ حَركاتِ الشَّبابِ) وَالخَارجِيةِ الأَمرِيكيةِ, والمَجلِس الأَمرِيكِي لِلعَلاقَاتِ الخَارجِية هيَ:

(تَحالُف حَركاتِ الشَّبابِ) اشتَركَ فِي تَأسِيسِه, وَتوفِير التَّمويل لهُ, اثنَان هُمَا: اليَهودِيُّ [جَارد كوهِين] وَاليَهودِيُّ [جَاسُون لِيبمَان].

فأمَّا [جَاسُون لِيبمَان] فَهُو مُؤسِّسُ (هُوكَاست) وَرئيسُها، وكانَ قَبلَ تَأسِيسِهِ لهَا أحدَ أعضَاءِ طَاقِم الإدارةِ في جُوجَل.

وأمَّا [جَارد كوهِين] البَالغُ مِن العُمِر سَبعًا وَثلاثِين عامًا (37)، فهُوَ المُؤسِّسُ الحَقيقِيُّ لِـ (تَحالُفِ حَركاتِ الشَّبابِ) وَعقلُهُ المُدَبِّر، وهُوَ الوَصلَةُ بَينَه وبَينَ المُؤسَّسَاتِ الحُكومِيةِ, والخَارجِيةِ الأَمرِيكِيةِ.

فَـ [جَارد كوهِين] مُؤسِّسُ التَّحالُف, كَانَ مُستشَارًا لِوزِيرَةِ الخَارجيَّةِ الأمرِيكِيةِ [كوندُولِيزا رَايس] فِي إدارَةِ الرَّئيسِ [جُورج بُوش الصَّغِير]، ثُمَّ وَرِثتهُ إِدارَةُ [أوبَامَا] فَصارَ مُستَشارًا لِوزِيرَةِ الخَارجيَّةِ [هِيلارِي كِلنتون]، وَهُوَ فِي الوَقتِ نَفسِه, عُضو المَجلِسِ الأَمرِيكِيِّ لِلعَلاقَاتِ الخَارِجيَّةِ.

وَالثَّوراتُ التِي قَدحَ نُشطاءُ الشَّبابِ شَرارَتُها فِي بِلادِ العَربِ سنةَ إحدَى عَشرَة وَألفَين (2011), كَانَت تَختَمِرُ فِي رَأسِ ذَلِكَ اليَهودِي [جَارد كوهِين] قَبلَهَا بِأربَعِ سَنواتٍ!

فَفِي سَنةِ سبعٍ وأَلفَين (2007) أَلقَى [جَارد كوهِين] مَحاضَرةً أمَامَ مَعهَدِ (الشَّرقِ الأَوسطِ لِسياسَاتِ الشَّرقِ الأَدنَى), الذِي أَسَّسهُ وَيُدِيرُهُ اليَهودِيُّ [دِنِيس رُوس] وَكانَت المُحاضَرةُ عن: (الشَّبابُ والنِّساءُ والتَّغيِيرُ في الشَّرقِ الأَوسَطِ)

وَكانَ مِحورُ المُحاضَرةِ هُوَ مَا أَطلَقَ عَليهِ [كوهِين]: (الدِّيمُقراطِيةَ الرَّقمِيةَ) وَتفسِيرُها، كمَا قَالَ [كوهِين]، هُو أنَّ:

((الشَّبَابَ فِي الشَّرقِ الأوسَطِ, جَاهِزونَ بِشكلٍ خَاصٍّ؛ لِلتَأثِيرِ الخَارِجيِّ عَبرَ مَمَرَّاتِ التُّكنولوجيَا؛ كَالفَضائِياتِ التِّلفزيونِيةِ, والهَواتِفِ المَحمُولةِ, وَشَبكَةِ الإنتَرنِت)).

والسَّنواتُ الأَربَعُ التِي بَينَ إِلقَاءِ [كوهِين] لِمُحاضَرتِهِ, وانْدلَاعِ الثَّوراتِ في بِلادِ العَربِ, هِي الزَّمَنُ الذِي احتَاجَهُ لِإقَامَةِ (تَحالُفِ حَركاتِ الشَّبابِ), وَلِيكونَ أَدَاتَهُ فِي إنفَاذِ أفكَارِهِ, وَتَحويلِهَا إلَى أحدَاثٍ مُلتَهبَةٍ؛ بِالتَّأثِيرِ علَى الشَّبابِ فِي بِلادِ العَربِ عَبرَ مَمَراتِ التُّكنولوجيَا –الثَّورَةِ الرَّقَمِيةِ- فَحَشدَهُم مِن خِلالِهَا لِتدِريبِهِم وَتموِيلِهِم, ثُمَّ إِطلَاقِهم لِتَشتَعِلَ بِهِم الثَّوراتُ.

فَـ [كوهِين] كَمَا يُوصَفُ فِي الوِلايَاتِ المُتحِدةِ وَأورُوبَّا، هُوَ (مُهَندِسُ الدِّيمُقراطِيَّةِ الرَّقَمِيةِ وَالثَّورَاتِ المُخمَّلِيَّةِ)!

أَيُّها المُسلِمونَ فِي بِقاعِ الأَرضِ كُلِّهَا, أَفِيقُوا؛ أَفِيقُوا يَرحَمُكُم اللهُ، لَا تَكونُوا عَونًا لِلشَّيطَانِ علَى دِينِكُم، وَعلَى عِرضِكُم، وَعلَى أَرضِكُم، وَعلَى أبنَائكُم وَحفَدتِكُم، اتَّقُوا اللهَ رَبَّ العَالَمِينَ فِي هَذِه الأُمَّةِ.

لَا تَكونُوا أَداةً لِلشَّياطِينِ وَأعوَانِهِم, علَى إِفسَادِ أَحوَالِ بِلادِكُم، فَإنَّهُم إِنَّمَا يُريدُونَهَا لِهَدفٍ عَقَدِيٍّ، وَالمُغَفَّلونَ فِي الدَّاخِلِ يَجتَهِدونَ بِالسَّعْيِ الحَثيثِ لِإنْفَاذِ المُخطَّطِ، وَيَجعلونَ ذَلِك غَايةً شَرعِيَّةً، وَيَقولُونَ: نُحارِبُ المُرتَدِّين!! وَيتَحَالَفُونَ مَعَ الشَّياطِينِ ضِدَّ أَبنَاءِ بَلدِهِم, الذِينَ يَشهَدونَ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ, وَأنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ.

وَلَمْ يَبقَ لَنَا بِقَدَرِ اللهِ رَبِّ العَالَمِينَ مِن أسْبَابِهِ الآنَ -لَمَّا تَفَكَّكت أَوَاصِرُ وَلُحمَةُ الوَحدَةِ الدَّاخِليةِ بَينَ أَبنَاءِ هَذا الوَطنِ، وَعَراهَا مَا عَرَاهَا مِن التَّفَكُّكِ وَالضَّعفِ- سِوَى جَيشِ مِصرَ المَحروسَةِ.

فَنَسأَلُ اللهَ أَنْ يُسلِّمَهُ مِن كُلِّ مُؤامَرةٍ  وَدَسِيسَةٍ، وَأنْ يَجعَلَهُ رِدْءًا وَتُرْسًا حَامِيًا لِهَذا الدِّينِ, فِي هَذا الوَطنِ, علَى هَذهِ الأَرضِ, فِي هَؤلاءِ النَّاسِ، إِنَّهُ تَعالَى علَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ.

وَلقَد أَنكَرَ العُلمَاءُ المُحقِّقونَ المُظاهَراتِ بِثلاثَةِ حُقوقٍ:

الحَقُّ الأَوَّلُ: حَقُّ النَّبِي -صلَّى اللهُ عَليهِ وَسلَّم- فِي الطَّاعَةِ.

فَإنَّ الأَمرَ الذِي مِن أجْلِهِ يَقومُ المُتظَاهِرونَ هُوَ: طَلبُ حُقوقِهِم الشَّرعِيةِ, التِي يَرَونَ أنَّ السُّلطَانَ قَصَّرَ فِي أَدَائِها لَهُم، فَلَوْ تَكَلَّمَ النَّبِيُّ -صلَّى اللهُ عَليهِ وَسلَّم- عَن هَذهِ الحَالِ؛ لَكَانَ لَهُ حَقُّ الطَّاعَةِ، كمَا لَهُ حَقُّ الطَاعَةِ فِي كُلِّ مَا أَمرَ بِهِ وَنَهى عَنهُ, وَلوْ لَمْ يَتَكَلَّم عَنهَا، اجتَهَدَ العُلمَاءُ لِإعطَائهَا الحُكمَ المُنَاسِبَ لهَا.

وَبَعضُ المَفتُونِينَ بِالمُظاهَرَاتِ, يَحرِصونَ علَى تَخرِيجِهَا مَخرَجَ المَصالِحِ المُرسَلَةِ، وَأنَّهَا مِن النَّوازِلِ، لَكِنَّ الذِي يَمنَعُ مِن إِدراجِهَا تَحتَ المَصالِحِ المُرسَلَةِ؛ هُوَ أنَّهُ صَحَّ أنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عَليهِ وَسلَّم- أَخبَرَ عَن فِتنةِ السَّلاطِينِ, التِي قَامَ بِسبَبِهَا المُتظَاهِرونَ، وَأعْطَى أُمَّتَهُ المَخرَجَ مِنهَا.

فَقدْ تَواتَرَ عَنهُ -صلَّى اللهُ عَليهِ وَسلَّم- أنَّهُ أَنذَرَ أُمَّتَهُ وُجُودَ أُمرَاءَ بَعدَ زَمَنِهِ يَمنَعُونَ شُعوبَهم حُقوقَهُم، فَأمَرَ فِيهَا بِأمرَينِ هُمَا: الدُّعاءُ, والصَّبرُ.

أمَّا الدُّعاءُ؛ فَثَبتَ عن عَبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ أنَّهُ قالَ: قَالَ رَسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عَليهِ وَسلَّم-: ((إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعدِي أَثرَةٌ, وَأُمورُ تُنكِرونَهَا)).

قَالُوا: يَا رَسولَ اللهِ: كَيفَ تَأمُرُ مَن أَدرَكَ مِنَّا ذَلِكَ؟

قَالَ: ((تُؤدُّونَ الحَقَّ الذِي عَليكُم, وتَسأَلونَ اللهَ الذِي لَكُم)) رَواهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ.

فَأَخبَرَ أنَّ بَعضَ الحُكامِ يَستَأثِرونَ بِحقُوقِ الرَّعِيةِ, وَلَا يُؤدُّونَهَا لَهُم، وَأَمَرَ مَعَ ذَلكَ الرَّعيةَ بِأدَاءِ حُقوقِ السُّلطَانِ لهُ، وَطَلبِ حَقِّهَا هِيَ –أي الرَّعِيةِ- مِنَ اللهِ –عزَّ وجلَّ-.

فَمَا مَحَلُّ المُظاهَراتِ مِن هَذا الحَديثِ الوَاضِحِ؟

هَل نَسِيهَا الرَّسولُ -صلَّى اللهُ عَليهِ وَسلَّم- حَتَّى يَستَدرِكَ عَليهِ بِهَا مُستَدِّركٌ؟! أَو غَفَلَ عَنهَا, حَتَّى يَفطِنَ لهَا كَفرَةُ الغَربِ, وَيُقلِّدَهم فِيهَا المُستَغرِبونَ مِن هَذهِ الأُمَّةِ؟!

إنَّ النَّبِيَّ -صلَّى اللهُ عَليهِ وَسلَّم- أَخبَرَ أنَّ الأُمَراءَ يَظلِمونَ, وَيَفعَلونَ أُمُورًا مُنكَرَةً، وَمَعَ هَذا؛ فَأمَرَنَا أنْ نُؤتِيَهُم الحَقَّ الذِي لَهُم، وَنسأَلَ اللهَ الحَقَّ الذِي لَنَا.

وَلمْ يَأذَنْ فِي أَخذِ الحَقِّ بِالقِتالِ، وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي تَركِ الحَقِّ الذِي لَهُم.

((اسْمَعُوا وأَطِيعُوا؛ فَإنَّمَا عَليهِم مَا حُمِّلُوا, وعَليكُم مَا حُمِّلتُم)).

اسمَعُوا وأَطِيعُوا؛ وَإنْ اخْتَصَّ الأُمرَاءُ بِالدُّنيَا، وَلمْ يُوصِلُوكُم حَقَّكُم مِمَّا عِندَهُم.

فَهَذهِ الأَحادِيثُ فِي الحَثِّ علَى السَّمعِ والطَّاعَةِ فِي جَميعِ الأَحوَالِ، وَسَببُها اجْتِمَاعُ كَلمَةِ المُسلِمينَ، فَإنَّ الخِلافَ سَببٌ لِفَسادِ أَحوَالِهِم فِي دِينِهم وَدُنيَاهُم ((سَتلْقَونَ بَعدِي أَثَرَةً، فَاصْبِروا حَتَّى تَلقَونِي علَى الحَوضِ)) يَعنِي: يَومَ القِيَامَةِ.

الدَّاءُ والدَّواءُ فِي حَديثٍ وَاحِدٍ مِنْ رَسولِ اللهِ، هَلْ يَحلُّ لِطَبيبٍ أنْ يَدخُلَ بَينَ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عَليهِ وَسلَّم- وَأُمَّتِهِ بِشيءٍ زَائِدٍ؟!

كُلُّ مُؤمِنٍ يَعلَمُ أنَّ هَذا الدَّواءَ قَرَّرهُ مَن قَالَ اللهُ فِيهِ: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ}.

فَبِأَيِّ حَقٍّ يُطاعُ الغَربُ الكَافِرُ فِي اختِراعِهِ المُظاهَراتَ لِخَلعِ الحُكَّامِ, وَيُعْصَى الرَّسولُ -صلَّى اللهُ عَليهِ وَسلَّم- الرَّءُوفُ الرَّحِيمُ بِأُمَّتِهِ، النَّاصِحُ لَهُم بِتَمَامِ نُصحٍ وَإِحكَامٍ؟!

وَمِن العَجائبِ أنَّ بَعضَ المُتظَاهِرينَ قَالوا: إِنَّهم قَامُوا بِسَببِ أنَّ حُكَّامَهُم لَا يَحكُمُونَ بِمَا جَاءَهُم بِهِ الرَّسولُ -صلَّى اللهُ عَليهِ وَسلَّم-، وَهَا هُمْ أنفُسُهُم لَا يَحكُمُونَ بِمَا جَاءَهُم بِهِ الرَّسولُ -صلَّى اللهُ عَليهِ وَسلَّم- فِي مَسأَلةِ ظُلمِ الحُكَّامِ!!

فَأيْنَ المُتجَرِّدونَ لِلدَّلِيلِ، الصَّادِقونَ فِي تَحَاكُمِهِم إِلَيهِ؟!

وَأينَ دَعوَى مَحبَّتِهِم لِلرَّسولِ -صلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسلَّم-؟!

إنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسلَّم- لَهُ حَقٌّ، فَينبَغِي أنْ يُعطَى حَقَّهُ، فَالعُلمَاءُ فِي مَنعِهِم المُظاهراتِ؛ قَالوا: المَنعُ لِحَقِّ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عَليهِ وَسلَّم-.

الحَقُّ الثَّانِي: حَقُّ السُّلطَانِ المُسلِمِ فِي طَاعَتِهِ فِي المَعروفِ، وَتَركِ جَمِيعِ أَسبَابِ الخُروجِ عَليهِ، فَإِنَّ المُتجَمِّعينَ ضِدَّهُ؛ قَصدُهُم مُنازَعَتهُ فِي مَنصِبِهِ، وَإحلَال غَيرِهِ مَحَلَّهُ، وَقدْ حَرَّمَ النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عَليهِ وَسلَّم- مُنَازَعَةَ السُّلطَانِ فِي إِمارَتِهِ.

قَالَ عُبادَةُ بنُ الصَّامِتِ: ((دَعَانَا رَسُولُ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسلَّم- فَبَايَعْنَاهُ، فكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا: أنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ, فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا, وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، قَالَ: ((إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا، عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ)) رَوَاهُ البُخارِيُّ وَمُسلِمٌ.

والعُلمَاءُ –رَحِمَهم اللهُ تَعالَى- علَى قَدَمِ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عَليهِ وَسلَّم-، وَعلَى مِنهَاجِ النُّبوةِ، قَالُوا: ((لَو تَوَفَّرتْ هَذِه الشُّروطُ كُلُّهَا التِي ذَكَرهَا النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عَليهِ وَسلَّم-، فَإنَّ تَمامَ الشُّروطِ مِنَ الكِتابِ وَالسُّنَّةِ, يَقضِي بِأنْ تُمتَلَكَ العُدَّةُ، وِإِلَّا كَانَت فَوضَى؛ كمَا وَقَعَ وَيَقَعُ فِي كَثيرٍ مِنَ الأَمَاكِنِ، وَهؤلاءِ لَا تَدرِي لِمَا يَثورُونَ؟! وَلَا لِمَاذَا يَتَكَلَّمُونَ؟!

وَقد آتَاهُم اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ مَا آتَاهُم مِن الخَيرِ العَمِيمِ؛ آتَاهُم اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ كَثيرًا مِنَ الخَيراتِ، وَنعَّمَهُم بِهَا، وَأَعْلَى مُستَوى مَعِيشَتِهِم.

لمَّا ارتَفعَ سِعرُ الجَالُونِ مِن الوَقودِ فِي السُّعودِيةِ ثَلاثِينَ هَلَلةً –ثُلُثُ رِيَالٍ-, قَامَ مَن قَامَ مُعتَرِضًا، وَهؤلاءِ المُعتَرضُونَ يُنفِقُونَ المِئَاتِ مِن الرِّيَالَاتِ، بَلْ يُنفِقُونَ الأُلُوفَ مِن الرِّيَالَاتِ علَى طَعامٍ يُرمَى أَكثَرهُ فِي القِمَامَةِ -لَا تَتَمَتَّعُ حَتَّى بِهِ الكِلابُ-؛ لِأنَّهُم يُريدُونَ الفَوضَى فِي الأَرضِ المُبَارَكَةِ -حَفِظِهَا اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ، وَحَفِظَ بَلدَنَا, وَجَمِيعَ بُلدَانِ المُسلِمينَ-.

مَاذَا يُريدُونَ مِنَ المَملَكَةِ العَرَبيةِ السُّعودِيةِ؟!

الرَّوافِضُ الحُوثِيونُ فِي الجَنوبِ، وَالرَّوافِضُ مِمَّن يَتجَنَّسونَ, أَوْ لَهُم الجِنسِيَّة السُّعودِية, فِي الشَّمالِ الشَّرقِي، وَكَثرةٌ مِن الرَّوافِضِ فِي البَحرَينِ، وَهؤلاءِ وَهؤلاءِ يَثورُونَ مُفتَعِلِينَ الفَوضَى فِي البِلادِ، مَاذا يُريدُونَ؟!

الفُرسُ المَجوسُ مِن الرَّوافِضِ, الذِينَ يُحرِّكُونَ الرَّوافِضَ العَربَ فِي سَائِرِ البُلدَانِ كمَا يُحرِّكُ مُحرِّكُ العَرائِسِ فِي مَسارِحِهَا بِخيوطِهِ، تِلكَ الدُّمَى، وَهِيَ لَا تَملِكُ فِي حَقيقَةِ الأَمرِ حَرَكةً.

الرَّوافضُ الفُرسُ المَجوسُ, وَيَتْبَعُهم أَذنَابُهم مِن الرَّوافِضِ العَربِ فِي كُلِّ مَكانٍ يُريدُونَ: هَدْمَ الكَعبَةِ، وَحَمْلَ الحَجرِ الأَسوَدِ، ثُمَّ يَعْدُونَ علَى القَبرِ الشَّرِيفِ؛ لِيسْتَخرِجوا جَسدَ الرَّسولِ -صلَّى اللهُ عَليهِ وَسلَّم-؛ لِيحمِلوهُ إلَى بِلادِ الفُرسِ، وَيُحرِّقُوا الجَسدَينِ الطَّاهِرينِ؛ جَسدَيْ أبِي بَكرٍ وَعُمرَ، وَيُذرُّونَ تَرابَهُمَا فِي الهَواءِ.

كَلامُهُم... عَقيدَتُهم... ومَا الذِي يَنتَظِرُ العَربَ السُّنَّةَ مِنهُمْ؟! الذَّبحُ.

أَلَم تَسمَعُوا هَذَا قَبلُ؟!

لِمَاذَا نَسِيتُمُوهُ؟!

لِمَاذا تَسمَحُونَ لِلخَوَنَةِ فِي مِصرَ وَخَارِجِهَا؛ لِمَاذَا تَسمَحُونَ لَهُم, أنْ يُدَافِعُوا عَن رَافِضيٍّ قَذِر, كَانَ يَسبُّ الشَّيخَينِ، وَيَعتَقِدُ العَقيدَةَ الرَّافِضيَّةَ؟! وَتَسَمَّى بِغَيرِ مَا هُوَ لَهُ مِن صِفَتِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ هِرٌّ وَابنُ هِرٍّ...

نَمِرِ النَّمِر.. مَنْ هَذا؟!

إنَّمَا كَانَ عُضوٌ فِي تَنظِيمٍ؛ لِقَلبِ نِظامِ الحُكْمِ فِي المَملَكَةِ.

لَنْ تَحُجُّوا!! حُجُّوا قَبلَ أَلَّا تَحُجُّوا.

يَا وَيحَ أُمَّتِي!! لِمَاذَا لَا تُفِيقُ؟!

الحَقائِقُ سَاطِعَةٌ، لَيسَ دُونَهَا سَحابٌ, وَلَا حِجَابٌ, وَلَا ضَبابُ؛ كَالشَّمسِ فِي كَبِدِ السَّماءِ.

لِمَاذَا لَا يُبصِرُونَهَا؟!

لِمَاذَا يَتعَامَوْنَ عَنهَا؟!

لِمَاذَا يُولُّونَ أَظْهُرَهُم وَأدْبَارَهُم لَهَا؟! لِمَاذَا؟!!

إِنَّهُم بِفِعْلِهِم هَذا، يَسعَوْنَ سَعيًا حَثِيثًا لِلذَّبحِ، كَالشَّاةِ التِي حَفَرَت قَبرَهَا بِظِلْفِها؛ لَمَّا أَخَذَت تَحفِرُ بِظِلْفِهَا، فَاستَخرَجَتِ المُدْيَةَ التِي فَقَدَهَا جَزَّارُهَا، فَمَلَّكَتهُ إِيَّاهَا؛ فَذَبَحَهَا!!

لِمَاذَا لَا تُفِيقُونَ؟!

إنَّ الخَوَنَةَ فِي الدَّاخِلِ وَالخَارِجِ, يَتَوعَّدُونَ مِصرَ -حَفِظَهَا اللهُ- بِيَومِ الشُّؤمِ عَلَيهِم –فِي الخَامِسِ وَالعِشرِينَ، بِيَومِ المُؤامَرَةِ المَاسُونِيةِ الصُّهيُونِيةِ الصَّلِيبِيةِ- يَتَوعَّدونَ بِالمُظاهَراتِ.

وَفِي الخُروجِ فِي المُظاهَراتِ اعْتِداءٌ عَلَى حَقِّ النَّبيِّ, وَحَقِّ السُّلطَانِ المُسلِمِ، وَحَقِّ الرَّعِيةِ، فِي أَنْ يُحافِظَ علَى أَمنِهَا، وَمَا يَتبَعُهُ مِن دمٍ وَمَالٍ وَعِرضٍ.

وَالمُظاهَراتُ تُخلْخِلُ أَمنَ البِلادِ، وَتَجعَلُهَا تَحتَ سَوْمِ المُتَربِّصِينَ بِهَا، وَتُحيِي نَعرَةَ الخِلافِ لَدَى جَميعِ الأَطرَافِ المُخالِفِينَ.

قَبلَ الخَامِسِ وَالعِشرِينَ –قَبلَ الهُوجَةِ- لَمْ يَكُنْ عَلْمَانيٌّ يَستَطيعُ أنْ يَرفَعَ رَأسَهُ، إذَا رَفَعَهَا قُطِعَت مِن السُّلطَةِ التِي كَانتْ حَاكِمَةً، مَا كَانَ وَاحِدٌ مِنهُم يَجرُؤُ أنْ يَعتَدِي علَى الإِسلَامِ، علَى ثَوابِتِهِ...

وَأمَّا اليَومُ فإنَّهُم يَنهَقُونَ؛ يَنعَقُونَ فِي كُلِّ سَبيلٍ؛ بِكُلِّ وَادٍ، يَهدِمُونَ ثَوابِتَ الدِّينِ فِي أَنفُسِ الأَغرَارِ المَساكِينِ، وَقَدْ أُطلِقَ لَهُم العَنانُ، بِمُسَمَّى حُريَّةِ الرَّأيِ، وَإِلَّا فَإنَّ الرَّأيَ مَقمُوعٌ، وَالحُريَّةُ ذَاهِبةٌ، وَيَا وَيحَ البَلَدِ التِي تُوصَفُ بِقمعِ الحُريَّاتِ، وكَبْتِ حُريَّةِ الرَّأْيِ!!

وَأمَّا فِي الغَربِ، فيُفرَضُ قَانونُ الطَّوارِئِ فِي فَرنسَا –أُمِّ النُّورِ كَمَا يَقولُونَ- بَلدِ الحُريَّاتِ, التِي قَامَت فِيهَا الثَّورَةُ المَاسونِيَّةُ الفِرنسِيَّةُ، ثُمَّ تَتابَعَت حَلقَاتُهَا.

إلَى اليَومِ يُفرَضُ فِيهَا قَانونُ الطَّوارِئِ، إذَا تَعرَّضَ أَمنُ فَرنسَا لِأيِّ خَادِشٍ!!

وَلَيسَ هُنَاكَ مَا يُسمَّى بِحُريَّةِ الرَّأيِ أمَامَ الأَمنِ القَومِيِّ، وَكَذلِكَ يَنبَغِي أنْ يَكونَ، وَإلَّا فَعَلى الدُّنيَا العَفَاءُ، وعَلَى بِلَادِي السَّلامُ، سَلَّمَهَا اللهُ مِن كُلِّ كَربٍ وَسُوءٍ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ علَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ أَجمَعِين.