فهَـدْيُ النَّبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في الزكـاةِ، أكمـلُ هـَدْي، في وقتِها، وقَدْرِها، ونِصَابِهـا، ومَنْ تَجِبُ عليه ومَصْــرِفِها.
وقــد راعَى فيها مصلحةَ أربـابِ الأمــوالِ ومصلحةَ المساكين، وجعلَها اللهُ -سبحانهُ وتعالى- طُهْـرَةً للمالِ ولصاحبِهِ، وقَيْدَ النعمةِ بها على الأغنياءِ، فمَا زالت النعمةُ بالمالِ على مَن أدَّى زكـاتَهُ، بل يحفظُهُ عليه ويُنمِّيه له، ويدفعُ عنها بها الآفــات، ويجعلها سُورًا على المال، وحِصْنًا له، وحارسًا له.
الزَّكاةُ أَهَمُّ أركانِ الإسلامِ بعد الصلاة، والصلاة أهم أركانُ الإسلامِ بعد الشهادتين، والله -جلَّ وعلا- يَقْرِن الزكاة بالصلاة كثيرًا في كتابِه العزيز، قال -جلَّ وعلا-: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ [البقرة: 110].
والنبيُّ -صلى الله عليه وآله وسلم- قال، كما في الصحيحين من رواية ابن عمر: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَـامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَـوْمِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ الْبَيْتِ لِمَنْ استطاع إليه سبيلًا».
وقال أبـو بكـر -رضي الله تعالى عنه-: «وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ».
أخرجه الشيخان في «صحيحيهما».
فالصلاةُ أهمُّ ركنٍ في الإسلام بعد الشهادتين، والزكاة أهمُّ ركنٍ في الإسلام بعد الصلاة.
وقد ثبت عن الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- في إحدى الروايات عنه: أنَّ تاركَ الزكاة بُخْلًا يَكْفُرُ كتاركِ الصلاة كَسَلًا؛ ولكـنَّ الصحيح أنَّ تاركَها لا يَكْفُـر، والذين كفَّروا مانِعَها، إنَّما ذهبوا إلى نصوصٍ، وأمـا النصوصُ التي أخذ بها الجمهور فشيءٌ آخر.
لقد أجمع المسلمون على فرضيةِ الزكاة، وأنها الركنُ الثالثُ من أركانِ الإسلام، وأجمع المسلمون على كُفْرِ مَنْ جَحَدَ الزكاة، وأجمعوا أيضًـا على قتالِ من مَنَعَ إخراجَها.
وقد فُرِضَت الزكاة في السنةِ الثانية، وبَعَثَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- السُّعاةَ لقَبْضِها لإيصالِها إلى مُستحقيها.
فالذي ذهب إليه الإمامُ أحمد -رحمه الله تعالى- أنَّ تاركَها بُخْلًا يَكْفُرُ كتاركِ الصلاةِ كسلًا، الصحيح على خلافه، وهو أنَّ تاركَها لا يَكْفُر.
والذين كفَّروا مانعَها بخلًا قالوا: إن الله -جلَّ وعلا- قال: ﴿فَإِنْ تَابُـوا وَأَقَامُـوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ [التوبة: 11].
فرَتَّبَ ثبوتَ الأخوةِ على هذه الأوصاف الثلاثة: إنْ تابوا مِن الشرك، وأقاموا الصلاة، وآتَوا الزكاة.
ولا يُمكن أنْ تنتفيَ الأخوةُ في الدين إلا إذا خرجَ الإنسانُ منه، أما إذا فعلَ الكبائرَ فهــو أخٌ لنا، فالقاتل عمدًا، قال اللهُ - جلَّ وعلا- فيه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 178].
فقال -جلَّ وعلا-: ﴿مِنْ أَخِيهِ﴾ أي: المقتول، والضميرُ يعودُ على القاتِل، فجعلَ اللهُ المقتولَ أخًـا للقاتل.
وقال اللهُ -جلَّ وعلا- في المُقْتَتِلِين من المؤمنين: ﴿إنَّما اَلْمُؤمِنـــونَ إِخْــوَة فَأصْلِحــوا بَيْنَ أَخَــوَيْكُم﴾ [الحجرات: 10]، مع أنَّ قَتْلَ المؤمنِ وقتالَهُ من كبائرِ الذنـــوب، ولا يُمكن أنْ تنتفيَ الأخــوةُ في الدين إلا بكُفْر، فدَلَّ على كُفْرِ تاركِ الزكاة.
لا شكَّ أن هذا القولُ له وجهٌ جيدٌ في الاستدلالِ بهذه الآية؛ لكنْ دلَّ حديثُ أبي هريرة -رضي الله عنه-، وهو عند مسلمٍ في «صحيحه» على أنَّ الزكاةَ ليسَ حُكْمُها حُكْم الصلاة، حيث ذَكَرَ النبيُّ -صلى الله عليه وآله وسلم- مانـعَ زكاةِ الذهبِ والفضة، وذكرَ عقوبتَه ثم قال: «ثُمَّ يَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ» ولو كان كافرًا لم يَكُن له إلى الجنَّةِ من سبيل.
فالاتفاقُ واقعٌ على أنَّ من جَحَدَ وجــوبَ الزكاةِ وأنكـرَ فرضيتها، فهــو كافرٌ مرتد بالإجماع.
وأمَّا مَن أقــرَّ بوجوبِها وامتنعَ من أدائِها، فقد رُوي عن أحمد أنه كَفَّر تاركَها بُخلًا، كتاركِ الصلاةِ كَسَلًا، وقوَّى هذه الرواية بعض الحنابلة.
وذهب الجمهورُ إلى أنَّ مَن منعَ الزكاة بُخلًا من غيرِ جحود لفرضيتها ولرُكنيتها في الإسلام العظيم؛ فهــو مـرتكبٌ لكبيرة -لكبيـرةٍ من كبائرِ الإثم، وعظيمةٍ من عظائمِه-؛ لكنَّهُ لا يخرجُ من المِلَّة مادامَ مُقرَّا بـوجوبها، وهذا هـــو الصــــــواب.
وأمَّا الزكاةُ، فمعلـومٌ أنَّ الله -جلَّ و علا- ما مِنْ أمْرٍ مِن أوامره، وما مِن نَهْيٍ من نواهيه، ما مِن تكليفٍ كَلَّفَ به الإنسان -هذا فيما يتعلق بما شرع-، فما من أمرٍ من الشرائع، وكذا ما مِن أمْرٍ من هذا الكون مما قَدَّره اللهُ وقضاه، إلا وهو مبنيٌّ على الحكمة.
فالحكمةُ ظاهرةٌ لائحةٌ جَليَّة، في كَوْنِهِ -جلَّ وعلا- وفي شرعِهِ -تبارك وتعالى-.
ففوائدُ الزكاةِ التي تبدو للإنسان عند النظر، كثيرةٌ جدًا كما بيَّنها علماؤنا:
فأولى فـــوائـــدهـا: إتمامُ إسلامِ العبد وإكماله؛ لأنها أحدُ أركانِ الإسلام، فإذا قام بها الإنسان تمَّ إسلامُه وكَمُل، وهذا لا شكَّ أنه غايةٌ عظيمةٌ لكلِّ مُسلم؛ فكلُّ مسلمٍ مؤمنٍ يسعى لإكمالِ دينـه.
الثانيــة: أنها دليلٌ على صِدقِ إيمان المُزَكِّي، وذلك أنَّ المالَ محبوبٌ للنفوس، والمحبوبُ لا يُبْذلُ إلا ابتغاءَ محبوبٍ مِثْلِهِ أو أكثر، بل ابتغاءَ محبوبٍ أكثرَ منه، ولهذا سُميت صدقة،؛ لأنها تدلُّ على صِدقِ طلبِ صاحبِها لرضا الله -عزَّ وجل-.
الثالثةُ من الفــوائد: أنها تُزَكِّي أخلاقَ المُزكِّي، فتنتشلُهُ مِن زُمرةِ البُخلاءِ الأشحَّاء، وتُدخِلُهُ في زُمرة الباذلين الكُرماء؛ لأنَّهُ إذا عَوَّدَ نَفْسَهُ على البَذْلِ، سواءٌ على بذلِ العلمِ أو بَذْلِ المالِ أو بَذْلِ الجاه؛ صار ذلك البذلُ سَجيَّة له وطبيعةً فيه، حتى إنَّه ليتكدَّر إذا لم يكن ذلك اليوم قـد بَذَلَ ما اعتاده؛ كصاحب الصيدِ الذي اعتاد الصيدَ، تجده إذا كان ذلك اليوم متأخــرًا عن الصيد؛ تجده ضَيِّقَ الصدر، وكذلك الذي عَوَّدَ نَفْسَه على الكرمِ، يضيقُ صدرُهُ إذا فـات يـوم من الأيام لم يبذل فيه مالَهُ أو جاهَهُ و علمَهُ.
الـرابعة من الفــوائد: أنَّها تشرحُ الصدر؛ فالإنسانُ إذا بَذَلَ الشيء لاسيما المال، يجدُ في نفسِهِ انشراحًا، وهذا شيءٌ مُجَرَّب، لكن بشرطِ أنْ يكـونَ بَذْلُهُ بسخاءٍ وطِيبِ نَفْسٍ، لا أنْ يكونَ بَذْلُهُ وقَلبُهُ تابعٌ له.
وقد ذكر الإمامُ ابن القيم -رحمهُ اللهُ تعالى- في «الزاد»:
«أنَّ البذلَ والكرمَ من أسبابِ انشراحِ الصدر، لكنْ لا يستفيدُ منه إلا الذي يُعطي بسَخَاءٍ وطِيبِ نَفْس، و يُخْرِجُ المالَ من قلبِهِ قبل أن يُخْرِجَهُ من يده، أما مَن أخرجَ المال من يده لكنه في قرارةِ قلبِهِ، فلن يَنتفعَ بهذا البَذْل.
من أسبابِ شرحِ الصــدر:
الإحسانُ إلى الخَلقِ ونَفْعُهم بما يُمكنُهُ من المالِ والجاه والنَّفع بالبدنِ وأنـواعِ الإحسان، فإنَّ الكريم المحسن أَشْرحُ الناس صدرًا، وأطيبُهم نفسًا، وأنعمُهم عيشًا وقلبًا، والبخيلُ الذي ليس فيه إحسان، أضيقُ الناس صدرًا وأنكدُهم عيشًا، وأعظمُهم همًّا وغمًّا.
وقد ضــربَ رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- مَثَلًا للبخيلِ والمتصدقِ، «كمَثَلِ رَجُليْن عليهما جُنَّتانِ من حديد، كلما همَّ المتصدقُ بصدقةٍ؛ اتسعت عليه وانبسطت، حتى يَجُرَّ ثيابَهُ ويُعفي أثره، و كلما همَّ البخيلُ بالصدقة لَزِقَت كلُّ حلقةٍ مكانها ولم تتسع عليه». أخرجاه في «الصحيحين».
الخامسة من الفـــوائــد: أنَّ الزكاةَ تُلْحِقُ الإنسانَ بالمؤمنِ الكامل، «لا يُؤمِنُ أحدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنَفْسِهِ». أخرجهُ مُسلم في «صحيحه».
فكما أنك تُحبُّ أن يُبْذلَ لك المال الذي تَسُدُّ به حاجتَك، فأنت تُحِبُّ أنْ تُعْطيَهُ أخاك، فتكون بذلك كاملَ الإيمان.
السادسة: أنها من أسبابِ دخولِ الجنة؛ فإنَّ الجَنَّةَ لمَن أطـابَ الكلام، وأَفْشَى السلام، وأطعمَ الطعام، وصلَّى بالليلِ والناسُ نيام، حديثُ عبد الله بن سلام -رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وَصَلُّـوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ».
أخرجه أحمد، والترمذي، وابن ماجه، والحاكم؛ وهو حديث صحيح.
وكلُّنا يسعى إلى دخولِ الجنة.
السابعةُ من الفــوائـد: أنها تجعلُ المجتمعَ الإسلاميَّ كأنَّه أسرةٌ واحدة، يُضْفي فيه القادرُ على العاجز، والغنيُّ على المُعْسِر، فتصبح حينئذٍ أخــوةُ الإسلامِ ظاهرة، ويصبحُ الإنسانُ يشعرُ بأنَّ له إخوةً يجبُ عليه أن يُحسِنَ إليهم، كما أحسن الله إليه، ﴿وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ﴾ [القصص: 77]، فتصبح الأمُّـةُ الإسلاميةُ وكأنها أسرةٌ واحدةٌ، وهذا ما يُعْرَفُ عند المعاصرين بالتكافلِ الاجتماعي.
والـزكـاةُ هي خيرُ ما يكونُ لذلك؛ لأنَّ الإنسانَ يؤدي بها فريضةً وينفعُ إخــوانَهُ.
الثامنة: أنَّ الزكاةَ تُطفئُ حرارةَ ثـورةِ الفقراء؛ لأنَّ الفقير قد يَغيظهُ أنْ يجدَ هذا الرَّجُل يركبُ ما شاء من المراكب، ويسكنُ ما شاء من القصور، ويأكلُ ما يشتهي من الطعام؛ وأمَّـا هذا الفقير؛ فلا يركبُ إلا رِجليه، ولا ينـام إلا على الأسمالِ وما أشبه؛ لا شك أنه يجدُ في نفسه شيئًا، فإذا جادَ الأغنياءُ على الفقراء؛ كسروا ثورتَهم، وهدَّءوا غَضْبَتهم، وقالوا لنا إخوةٌ يعرفوننا في الشِّدة، فيألفون الأغنياءَ ويُحبونهم.
التاسعة من الفـــوائد: أنها تمنعُ الجرائمَ المالية، كالسَّرقاتِ والنَّهْبِ والسَّطو، وما أشبه ذلك؛ لأنَّ الفقراء يأتيهم ما يَسُدُّ شيئًا من حاجتِهم، ويعذرون الأغنياء لكَوْنِهم يعطونهم من مالِهم، يعطون ربـوعَ العُشْرِ في الذهبِ والفِضَّةِ والعُرُوض، والعُشْرَ أو نِصْفَهُ في الحبوبِ والثمار.
وفي المواشي يعطونهم نِسبةً كبيرة، فيرَون أنهم محسنون إليهم فلا يعتــدون عليهم.
العاشــرة: النجاة من حرِّ يومِ القيامة، فعن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: «إِنَّ الصَّدَقَةَ لَتُطْفِئُ عَنْ أَهْلِهَا حَرَّ الْقُبُورِ، وَإِنَّمَا يَسْتَظِلُّ الْمُؤْمِنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ». أخرجه الطبرانيُّ في «الكبير»، والبيهقيُّ بإسنادٍ حسن.
وقال في الذين يُظلُّهم اللهُ في ظِلِّهِ يوم لا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ: «رجل تصدَّق بصدقةٍ فأخفاها، حتى لا تعلمَ شِمَالُهُ ما أنفقت يمينُهُ».
أخرجاه من رواية أبي هريرةَ -رضي الله عنه-.
الحادية عشرة من الفـــوائـد: أنها تُلجئ الإنسانَ إلى معرفةِ حدودِ اللهِ وشرائعِهِ؛ لأنَّهُ لن يــؤدي زكاتَهُ إلا بعد أنْ يعرفَ أحكامَها وأموالَها أنصباءَها ومستحقيها، وغير ذلك مما تدعـو الحاجةُ إلى تَعلُّمِهِ ومعرفتِهِ.
الثانية عشرة: أنها تُزَكِّي المالَ -يعني تُنَمِّي المال حِسًّا ومعنًى؛ فإذا تصدق الإنسانُ من مالِهِ، فإن ذلك المال يقيهِ الآفات، وربما يفتح اللهُ له زيادةَ رزقٍ بسبب هذه الصدقة، ولهذا جاء في الحديث الذي أخرجه مسلم من رواية أبي هريرة -رضي الله عنه- يرفعه: «ما نَقَصَت صدقةٌ من مال».
وهذا شيءٌ مُشَاهَد؛ أنَّ الإنسانَ البخيل ربما يُسلَّط على مالِهِ، وقد يُسَلِّطُ اللهُ على مالِهِ ما يقضي عليه أو على أكثره؛ باحتراقِهِ أو خسائر كثيرة أو أمراض تُلجئُهُ إلى العلاجات التي تستنزفُ منه أموالًا طائلة.
الثالثة عشرة: أنَّ الزكاةَ سببٌ لنزولِ الخيرات، وفي الحديث: «مَا مَنَعَ قَوْمٌ زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ».
أخرجهُ ابن ماجه، وحسَّنَهُ الألبانيُّ في «صحيح سُننِ ابن ماجه».
وهنالك للنبي -صلى الله عليه وسلم- بعَقبِ هذا الحديث في بعض الروايات «وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا».
الرابعة عشرة: أنَّ الصدقةَ تُطفئُ غَضَبَ الرَّبِّ، كما ثبتَ ذلك عن رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-:
الخامسة عشرة من فــوائـدها: أنها -يعنى الزَّكاةَ- تدفـعُ مِيتَةَ السُّوءِ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «صنائعُ المعروفِ تَقي مصارعَ السُّوء، وصدقةُ السِّرِّ تُطفئُ غَضَبَ الربِّ، وصِلَةُ الرَّحِم تزيدُ في العُمُرِ».
أخرجه الطبرانيُّ بإسنادٍ حسن.
السادسة عشرة: أنَّها تُكَفِّــرُ الخطايا، قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- «الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ».
أخرجه أحمد، والترمذي، وابن ماجه؛ وصححهُ الألبانيُّ وغيره.
وقد اختلف العلماءُ -رحمهم الله- متى فُـرضــت الزكاة؟
فقال بعض العلماء: فُـرضت في مَكَّة، واستدلُّـوا بآياتِ الزكـاة التي نزلت في مَكَّة:
وقال بعضهم -وهــــــو الصحيح-: إنَّ فَرْضَها في مَكة، وأما تقديرُ أنصبائِها وتقديـرُ الأموالِ الزَّكـوية وتبيانُ أهلِها؛ فهذا في المدينة.
وعليه فيكونُ ابتداءُ فَرْضِها في مكة من بابِ تهيئةِ النفوسِ وإعدادِها لتتقبلَ هذا الأمر؛ حيثُ إنَّ الإنسانَ يُخرِجُ مِن مالهِ الذي يُحبهُ حُبًّـا جمًّا، يُخرِجُ منه في أمـــورٍ لا تعود عليه ظاهـرًا بالنَّفعِ في الدنيا، فلمَّا تهيأت النفوسُ لقبولِ ما يُفْرَضُ عليها من ذلك، فَرَضَهُ اللهُ -جلَّ وعلا- فَرْضًا بيِّنًـا مُفَصَّلًا، وذلك في المدينة.
عن ابن عمرَ -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صَلَّى الله عليه وسلم-: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُه، وَإِقَـامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وصَـوْمِ رَمَضَانَ». أخرجاهُ.
وعن أبي الدرداء -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: «خَمْسٌ مَنْ جَاءَ بِهِنَّ مَعَ إِيمَانٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ: مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَــوَاتِ الْخَمْسِ عَلَى وُضُوئِهِنَّ وَرُكُوعِهِنَّ وَسُجُودِهِنَّ وَمَوَاقِيتِهِنَّ، وَصَامَ رَمَضَانَ، وَحَجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، وَأَعْطَى الزَّكَاةَ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ» الحديثَ. رواه الطبرانيُّ في «الكبير» بإسنادٍ حسن.
وعن مُعاذ بن جَبل -رضي الله تعالى عنه- قال: كُنتُ مـع رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وآله وسلم- في سَفَرٍ، فأصبحتُ يومًا قريبًا منه، ونحن نسير.
فقلت: يا رسول الله، أخبرني بعملٍ يُدخلُني الجنَّةَ ويُباعدني من النار؟
قال: «لقد سألتَ عن عظيم، و إنه ليسيرٌ على من يَسَّرَهُ اللهُ عليه، تعبدُ الله ولا تشركُ به شيئًا، وتقيموا الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحُجُّ البيت» الحديثَ.
أخرجه أحمد، والترمذي وصححه –أي: صححه الترمذي-، وأخرجه أيضًا النسائي، وابن ماجه، وصححهُ لغيره الألباني.
وعن عائشة -رضي الله عنها- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «ثَلاثٌ أَحْلِفُ عَلَيْهِنَّ، لا يَجْعَلُ اللَّهُ مَنْ لَهُ سَهْمٌ فِي الإِسْلامِ كَمَنْ لا سَهْمَ لَهُ، وأسهمُ الإِسْلامِ ثَلاثَةٌ: الصَّلاةُ، وَالصَّوْمُ، وَالزَّكَاةُ، ولا يَتَوَلَّى اللَّهُ عَبْدًا في الدنيا فَيُوَلِّيَهُ غَيْرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» الحديثَ.
أخرجهُ أحمد، وهو صحيحٌ لغيره.
عن حُذيفة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الإِسْلامُ ثَمَانِيَةُ أَسْهُمٍ: الإِسْلامُ سَهْمٌ، وَالصَّلاةُ سَهْمٌ، وَالزَّكَاةُ سَهْمٌ، وَالصَّوْمُ سَهْمٌ، وَحَجُّ الْبيت سَهْمٌ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ سَهْمٌ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ سَهْمٌ، وَالْجِهَادُ في سبيلِ اللهِ سَهْمٌ، وَقَدْ خَابَ مَنْ لا سَهْمَ لَهُ».
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «منْ تصدق بعَدْلِ تَمرةٍ من كَسْبٍ طَيِّبٍ ولا يقبلُ اللهُ إلا الطَّيِّب، فإنَّ اللهَ يتقبلُها بيمينِهِ، ثم يُربِّيها لصاحبِها كما يُرَبِّي أحدُكم فَلُّوه -أي: مُهرة- حتى تكونَ مِثْلَ الجبل». أخرجاهُ في «الصَّحيحين».
فهذه الصدقةُ إذا كانت من كَسْبٍ طَيِّبٍ وَتَصَدَّقَ بها مُخْلِصًـا وهي بِقَدْرِ تَمْرَةٍ؛ فإنَّ اللهَ يُرَبِّيها حتى تكونَ مِثْلَ الجبل، وما نَقَصَت صدقةٌ من مال، بل تزيدُهُ بركةً في الدنيا وأَجْــرًا عظيمًا عند الله.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أيُّكم مالُ وارثِهِ أحبُّ إليه من مالِهِ؟»
قالوا: يا رسول الله ما منَّا أحدٌ إلا مالُهُ أحبُّ إليه –أي: من مالِ وارثه-.
قال: «فإنما مالُهُ ما قَدَّمَ، ومالُ وارثِهِ ما أَخَّرَ». أخرجه البخاري في «الصحيح».
الذي يُمْسكهُ ولا ينفقُهُ يؤولُ إلى وارثه، وهو أحرصُ على هذا المُمسَك من حرصِهِ على المُنْفَقِ، والمُنْفَقُ مالُه، والذي يُبقيه ويُمسكه مالَ وارثِهِ، فوَقَعَ التناقضُ هاهنا، وهذا مما لا يُسيغُهُ العقلُ.
قال صلى الله عليه وآله وسلم: «بَيْنَا رجلٌ بفَلَاةٍ مِن الأرضِ، فسمع صـوتًا في سحابة: اسْقِ حديقةَ فلان -يقـولُ للسحابِ مخـاطبًا: اسقِ حديقةَ فلان، باسمه-.
فَتَنَحَّى ذلك السحابُ، فأفــرغَ ماءَهُ في حَرَّةٍ، فإذا شَرْجةٌ من الشِّراجِ–يعني: مَسيلًا من مسايلِ الماءِ- قد استوعبت ذلك الماءُ كله، فَتَتَبَّعَ -الرجل الذي سمع الصوت- فَتَتَبَّعَ الماء؛ فـإذا رَجُلٌ قـائمٌ في حديقةٍ يَحوِّلُ الماءَ بمِسْحَاتِهِ -والمِسْحَاةُ مِجرفةٌ من حديد-.
فقال له: يا عبد الله، ما اسمك؟
قال: فلان -للاسم الذي سَمِعَ في السحابة-.
فقال: يا عبد الله، لِمَ سألتني عن اسمي؟
قال: سمعتُ صـوتًا في السحابِ الذي هذا مـاؤهُ، يقول: اسقِ حديقةَ فلان -لاسمك-، فما تصنع فيها؟
قال: أما إذ قلت هذا، فإني أنظرُ إلى ما يخرجُ منها، فأتصدق بثُلُثِهِ، وآكل أنا وعيالي ثُلُثَهُ، وأردُّ فيها ثُلُثَهُ». أخرجه الشيخان.
فيرُدُّ فيها ثُلُثَهُ، -يعني: في إصلاحِها-.
قال -صلى الله عليه وسلم-: «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَتِرَ مِنَ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ –ولو بنصف تمرة-، فَلْيَفْعَلْ». أخرجه مسلم، وأخرجه البخاري بنحوه.
فلا يحقرنَّ أحدُكم من الصدقةِ شيئًـا، فإنَّ الثــوابَ يتفاضلُ بحَسَبِ ما في القلبِ من الإخلاصِ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «سَبَقَ درهم مئةَ ألفٍ درهم».
قالوا: كيف ذلك يا رسول الله؟
قال: «رَجُلٌ ليس له سوى درهمين تصدقَ بأحدِهما، ورجلٌ عنده مالٌ كثير فتصدق من عُرْضِ مالِهِ بمائةِ ألف».
الـدِرهم أفضل: «سَبَقَ درهمٌ مئة ألف درهم».
والثـوابُ يتفاضلُ بتفاضلِ ما في القلوب؛ مَن أخرجَ صدقة مُخلصًا بها للهِ؛ تقبلَ اللهُ منه وإنْ لم تَصِل إلى أهلِهـا.
فعن أبي هريرةَ -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال:
نسألُ اللهَ ربَّ العالمين أنْ يجعلَ الدنيا في أيدينا لا في قلـوبِنا، وأن يَقيَنا شُـحَّ أنْفُسِنَا، إنَّهُ هو الجوادُ الكريم.
وصلى اللهُ وسلَّم على نبيِّنا مُحَمَّدٍ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ أجمعين.
«الخطبـة الثـانيــة»
الحمد لله ربِّ العالمين، وأشهد أن لا إله إلى الله وحده لا شريك له هو يتولى الصالحين، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ُورسولُهُ -صلى الله عليه وآله وسلم- صلاةً وسلامًا دائمين متلازمين إلى يومِ الدين، أما بعدُ:
و«مِن» هنا للتبعيضِ باعتبارِ الجنسِ وباعتبـارِ الفـــرد، أي: لا كلَّ المُخْرَجِ ولا كلَّ ما يخرجُ.
وقوله تعالى: ﴿وَهُـــوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ﴾: أي بساتينَ، ﴿مَعْــرُوشَاتٍ﴾: أي مَسمُوكاتٍ مرفوعاتٍ، ﴿وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ﴾: وغيرَ مرفوعاتٍ.
قال ابنُ عباسٍ -رضي الله عنه-: «﴿مَعْــرُوشَاتٍ﴾ ما انبسطَ على وجهِ الأرضِ فانتشرَ مما يَعْرُشُ كالكَرْمِ والبِطيخ، ﴿وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ﴾: ما قامَ على ساقٍ ونَسَقٍ: أي ما كان على نظامٍ واحدٍ كالنخلِ والزَّرْعِ وسائرِ الأشجار.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: «فيما سَقَتِ السَّماءُ والعيـــونُ أو كان عَثَرِيًا العُشْر -أي: عشرةٌ بالمائة- وفيما سُقي بالنَّضْحِ -أي: بنَضْحِ الماءِ والتَّكَلُّفِ في استخراجِهِ- وفيما سُقِيَ بالنَّضْحِ نِصْفُ العُشْر».
الحديثُ أخرجه البخاري في «صحيحه».
فيما سَقَتِ السماءُ والعيونُ أو كان عَثَرِيًا -عَثَريًا: هــو ما يَشْرَبُ من غيرِ سَقْيٍ، إما بعروقِهِ، أو بواسطةِ المطرِ والسيولِ والأنهارِ، وهـــو ما يُسَمَّى بالبَعْل، سُمِّيَ عَثَريًا منَ العاثــوراءِ، وهي الحُفرةُ لتعثُّـر الماءِ بها-.
وقال -صلى الله عليه وآله وسلم-: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِة أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ». أخرجاه.
فهذه النصـــوصُ تدلُّ على وجـوبِ الزكاةِ فيما يخرجُ من الأرضِ، لكن لا في كلِّ شيءٍ يخرجُ منها، ولا في كلِّ نوعٍ، بل هو مخصوصٌ نَوعًـا مُقَدَّرٌ كَمًّا.
فما هو الضابط في هذا؟
اختلف العلماء في هذا اختلافًا غيرَ قليلٍ.
*المشهورُ من مذهبِ الإمامِ أحمدَ: تجبُ في الحبوبِ كلِّها، ولـو لم تكن قـُوتًا، وفي كلِّ ثَمَرٍ يُكالُ ويُدَّخَر، والحبوبُ ما يخرجُ من الزروعِ والبقولِ وما أشبه، كالبُـرِّ والشعير والأرز والذرة والدُّخْنِ وغيرها.
والدُّخْنُ: نباتٌ عُشْبيٌّ من النَّجِيلِيات حَبُّهُ صغير أملس كحَبِّ السُّمسُم ينبتُ بريًّا ومزروعًا.
*بعضُ أهل العلم يقــول: ما ليس بقُوتٍ فلا تجبُ فيه الزكــاةٌ؛ كحَبِّ الرشادِ والكُسْبَرَةِ، والحبَّةِ السوداء وما أشبه، فهذه غيرُ قــوتٍ ولكنها حَبٌّ يخرجُ من الزروع.
*في كل ثمـرٍ يُكال ويُدَّخـَرُ: الثمرُ: مـا يُخرج من الأشجار، فكلُّ ثَمَرٍ يُكالُ ويُدَّخَرُ تَجِبُ فيه الزكاة، والثَّمَـرُ الذي لا يُكـالُ ولا يُـدَّخرُ لا تجبُ فيه الزكـاة ولـو كان يـُؤكل، كالفواكهِ والخضروات ليس فيها زكـاةٌ؛ لأنَّهـا لا تُكال ولا تُدَّخـَر.
كتمرٍ وزبيب، التمرُ يُكـال ويُدَّخـَـر، والزبيب يُكـال ويدخــر، ولا عبرةَ باختـــلاف الكيل والــوزن؛ فـإنَّ التمرَ في عُرْفِنـا يُـوزنُ وكذلك الزبيب، لكن لا عِبرةَ بذلك؛ لأنَّ العبرةَ ما كان في عهدِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وإنْ كان الثمرُ يُدَّخَرُ ولا يُكالُ؛ فلا زكاة فيه، وإنْ كان يُكالُ ولا يُدَّخَرُ فلا زكاة فيه. فهنـــا شـــرطان: أن يُكالَ، وأن يُدخـر.
وفي هذه المسألة عدة أقـــوال هذا أحــدُهـا.
والمراد بالادِّخـَارِ أنَّ عامةَ الناسِ يَدَّخرونه؛ لأنَّ مِن الناسِ مَن لا يَدَّخِر التَّمْرَ، بل يأكلُهُ رُطَبًا، وكذلك العِنب، قد يُـؤكل رُطَبًا، لكــن العِبرة بما عليه عامةُ الناسِ في هذا النــوع؛ فهذا قـــول.
الثاني: أنَّها لا تجبُ إلا في أربعةِ أشيـاء، في الحِنطةِ والشعيرِ والتَّمرِ والزبيب، لورودِ الحديثِ بذلك، من رواية أبي موسى الأشعري ومُعاذ بن جبل -رضي الله عنهما- أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال لهما: «لَا تَأْخُذَا فِي اَلصَّدَقَةِ إِلَّا مِنْ هَذِهِ اَلْأَصْنَافِ اَلْأَرْبَعَةِ: اَلشَّعِيرِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالزَّبِيبِ، وَالتَّمْرِ».
أخرجهُ ابنُ أبي شَيْبَة، والحاكم، والدارقطنيُّ، والبيهقيُّ، وصححه الألباني في «الإرواء» و«الصحيحة». وهذا القولُ روايةٌ عن أحمد.
القول الثالث: أنها تجبُ في كلِّ ما يخرجُ من الأرضِ مما يزرعهُ الآدميُّ، من فواكه وغيرِ فواكه، واستدلُّوا بعموم قوله - جلَّ وعلا-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ﴾ [البقرة: 267].
وبقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «فيما سَقَت السماءُ العُشْر».
أخرجه البخاريُّ من رواية ابن عمر -رضي الله عنهما-.
القول الرابع: أنها لا تجبُ إلا فيما هو قـــوتٌ يُدَّخَر سواء يُكال أو لا يُكال، قال به شيخُ الإسلام - رحمه الله تعالى -.
أقربُ الأقوال القول الأول، والـدليلُ قولُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِة أَوَسقٍ صَدَقَةٌ». أخرجاه من روايةِ أبي سعيد.
فَــدلَّ هذا على اعتبارِ التوسيق -والتـوسيقُ التحميل-، والـوَسْقُ الحِمْل، والمعروف أنَّ الوَسْقَ ستــون صاعًـا بصاعِ النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهي بأصــواعِنا نحن «مئتانِ وثلاثــون صاعًـا وزيادةُ صاعٍ نبــوي».
وعلى حسب ما يُعتبرُ في الوزن إذا جُعل «الصاع: كيلوين وأربعين جرامًـا»،
«فثلاثُمائة صاع: تعدلُ ستمائة واثني عشر كيلو بالبُـرِّ الرزين الجَيِّد».
فيُتَّخَذُ إنـاءُ يَسَعُ مِثْلَ هذا في الوزنِ أو عِدَّةُ أوانٍ ثم يُقاسُ عليهم.
«خمسةُ أَوْسقٍ بالكَيْلِ المصري تساوي: خمسين كِيلةً مصرية، وهي أربعةُ أَرَادب وسُدس إِرْدَّبٍ، أي: ووَيْبة»، فإذا بَلَغَ الخارجُ هذا القَدْر فقد وَجَبَت فيه الزكاة.
«الصاعُ بالأرطـالِ المصرية: أربعةُ أرطالٍ وثمانية عشر رِطل مِن القمح، وهــو قدحٌ وثُلُث، أي سُدُسُ كِيلة مصرية».
«الـوسقُ بالجرامات: هو مِئةٌ وثلاثون كيلو جرامًـا وستةٌ وخمسون من الكيلو».
فالخمسة أَوْسُقٍ -والوَسْقُ ستون صاعًـا-، «زِنَةُ صاعٍ نبويٍّ بالبُـرِّ الجَيِّدِ: ألفان وأربعـــون جرامًـا»، فتكون «زِنَةُ النِّصابِ بالبُرِّ الجَيِّدِ: سِت مائة واثني عشر كيلو»، ولا زكاة فيما دونها.
هي بالكَيْلِ المصري: تساوي خمسين كَيْلَةٍ مصرية، وهي أربعة أرادب وسُدُسُ إرْدَّب؛ أي: أربـعة أرادب ووَيْبَة، فإذا بَلَغَ هذا القّدْر؛ وَجَبَت فيه الزكـاة .
والخلاصـــة: أنَّ الحبوبَ والثِّمارَ تجبُ فيها الزكاة بشرط أنْ تكونَ مَكيلَةً مُدَّخَرَةً، فإن لم تكن كذلك فلا زكاةَ فيها، هذا هو أقربُ الأقوالِ وعليه المُعتَمد -إنْ شاء الله -جلَّ وعلا-.
و الخـــلاصة: أنَّ الزكاةَ تجبُ في كلِّ مَكيلٍ مُدَّخَرٍ من الحبوبِ والثِّمارِ سواء كان قوتًـا أولم يكن، ويُشترطُ لذلك شرطان:
الأولُ: بلـوغُ النِّصَابِ.
الثـاني: أنْ يكـونَ مملوكًـا له وَقْت وجــوبِ الزكاة.
هـل يشترطُ أن يكون الحَبُّ والثَّمرُ قوتًـا؟
قالت الحنابلة: لا يُشْتَرَطُ، فمادام مَكيلًا مُدَّخَرًا ففِيه الزكاة.
وقــولٌ ثان: يُشترط أنْ يكون قوتًا؛ لكن ظاهر عمومِ قـولِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسة أَوسقٍ صَدَقَةٌ» يشملُ ما كان قوتًا وما كان غَيْرَ قوت.
وأما مقدار ما يجب إذا بَلَغَ النِّصَابَ:
النِّصَابُ كما مَرَّ: «أربعةُ أرَادب وَوَيْبَة بالكَيْلِ المصري»، إذا بَلَغَ هذا القَدْرَ فقد بَلَغَ النِّصابَ، هذا نِصَابُهُ.
ما الذي يجب فيه؟
الــواجب العُشْر أو نِصْف العُشْر أو ثلاثة أرباعِهِ على حَسَبِ المئونة.
*فـإنْ سقى بلا مئونة فالـواجبُ العشر، فـنفقتُهُ أقـل.
والذي يسقي بلا مئونة يشملُ ثلاثة أشياء:
ما يشربُ بعروقِهِ -يعني لا يحتاجُ إلى ماء-، ما يكونُ من الأنهارِ والعيون، ما يكون من الأمطار.
إذا قال قائلٌ: إذا كان من الأنهارِ وشققتُ الساقيةَ أو الخليجَ ليسقيَ الأرضَ؛ هل يكونُ سُقيَ بمئونةٍ أو بغير مئونة؟
الجواب:
سُقِيَ بغير مؤونة، نظيرُ ذلك إذا حَفَرْتَ بِئرًا؛ فخرجَ الماءُ نَبْعًـا، فإنه بلا مؤونة؛ لأنه إيصال للماءِ إلى المكانِ بما لا مؤونة فيه.
فالمؤونة تكونُ في نَفْسِ السَّقِي -أي يحتاجُ إلى إخراجِهِ عند السَّقِي بمكائن أو بسوانٍ، السانيةُ: الإبل يُسْتقى عليها الماء من الدواليب-.
فإذا احتاج إلى إخـراجِ الماءِ إلى الماكينة أو إلى السانية أو إلى الساقية؛ فـإنَّ مُجردَ إيصـاله إلى المكان ليس فيه إلا مؤونة الحَفْر، أو مؤونة شَقِّ الخليج من النهر؛ فلا يُعتبرُ بلا مؤونة، دليل ذلك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «وفِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُـونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَفيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ». أخرجه البخاري.
والعَثَريُّ: الذي يَشربُ بعروقِهِ.
الحكمةُ من ذلك كثرة الإنفاق في الذي يُسْقَى بمؤونة، وقلةُ الإنفاقِ في الذي يُسْقَى بلا مؤونة، فراعى الشارعُ المؤونة والنفقة، وخَفَّفَ على ما يُسْقى بمؤونة.
*وأمـا ثلاثةُ أرباعُ العشر: ففيما يشربُ بمؤونة وبغير مؤونة –نصفين-، يجبُ فيه ثلاثة أرباع العشر.
مثاله: نخلٌ يُسْقى نصفَ العام بمؤونة، ونصفَ العام بغير مؤونة، في الصيف يُسْقى بمؤونة وفي الشتاء يشرب من الأمطار؛ فيه ثلاثة أرباع العشر.
فإن تفاوتا يعني أننا لم نتمكن من الضبطِ هل هو النِّصْفُ أو أقل أو أكثر، فبأكثرهما نفعًـا، أي الذي يَكْثُرُ به نَفْعُ النخلِ أو الشجرِ أو الزرع، فهذا هـــو المُعتبر.
فإذا كان نُموه بمؤونة أكثر منه فيما إذا شربَ بلا مؤونة، فالمعتبر نصف العشر؛ لأن سَقْيَهُ بالمؤونةِ أكثرُ نَفْعًـا فاعتُبِرَ بِه.
فصارت الأحوال أربعة:
ما سُقِيَ بمؤونةٍ خالصة، وبلا مؤونةٍ خالصة، وبمؤونةٍ وغيرها على النصف، وبمؤونةٍ وغيرها مع الاختــلاف.
*فإنْ كان يُسْقَى بمؤونةٍ خالصةٍ فنصف العشر.
*وبلا مؤونةٍ خالصةٍ العُشْر.
*وبهما نِصْفين ثلاثة أرباع العشر، ومع التفاوت يُعتبرُ الأكثر نفعًـا.
فـإنْ جَهلْنا نـؤولُ إلى العُشْرِ؛ لأنَّه هو الأحــوطُ والذي هــو أبـرأُ للذِّمَّةِ.
إذا اشتد الحَبُّ وبَدَا صلاحُ الثَّمَرِ وَجَبَت الزكاةُ:
فـوقتُ الوجــوبِ إذا اشتدَّ الحّبُّ أو قَوِيَ وصارَ شديدًا لا ينضغطُ بضَغْطِهِ، وبَدَا صلاحُ الثَّمَرِ، وذلك في ثَمَرِ النخيلِ أنْ يَحْمَرَّ أو يَصْفَرَّ، وفي العِنَبِ أنْ يَتَموه حلـوًا بدلًا مِن أنْ يكـونَ قاسيًا يكونُ ليِّنًا مُتَمَوِّهًا، وبدلًا من أنْ يكونَ حـامضًا يكونَ حُلـوًا.
فإذا اشتدَّ الحّبُّ وبَدَا صلاحُ الثَّمَرِ وَجَبَت الزكاة، قبل ذلك لا تَجِبُ.
مـا الذي يـتأسسُ على هذا؟
يتأسسُ عليه:
*أنه لو انتقلَ المِلكُ قبل وجوبِ الزكاة فإنَّـه لا تـَجِبُ عـليه؛ بـل تَجِبُ على مَن انتقلت إلـيه.
*كما لـو مات المَالِكُ قبل وجوبِ الزكاةِ أو قَـبْلَ اشتـدادِ الحَـبِّ أو بِـدُوِّ صـلاحِ الـثَّمَرِ؛ فـإنَّ الـزكاةَ لا تجبُ عليه بـل تجبُ على الوارِثِ.
*وكـذلك لو بـاعَ النَّـخْلَ وعليها ثِمَارٌ لـم يـبدو صلاحُها أو باعَ أرضًا وفيها زرعٌ لم يَشْتَدَّ حـَبُّهُ؛ فـإنَّ الزكاةَ عـلى المشتري؛ لأنـه أخـرجَهَا من مِلكهِ قبل وجوبِ الزكاةِ عليه.
*يتفرعُ على هذا أيضاً: أنه لو تـَلِـفَـت ولو بِفِعْلِهِ؛ بأنْ حَصَدَ الزَّرْعَ قَبْلَ اشتدادِهِ ـ وهذا يحدثُ كثيرًا مع الذُّرَة- لـو أنه حـَصَدَ الزرعَ قـبلَ اشتدادِهِ أو قـَطَعَ الثَّمَرَ قَبْلَ بُـدُوِّ صلاحِهِ فإنه لا زكاة عليه؛ لأن ذلك قَبَلَ وجوبِ الزكاةِ عليه، إلا أنهم قـالوا: إنْ فَعَلَ ذلك فـِرَارًا من الـزكاةِ وَجَـبَت عليه؛ عقوبةُ له بنقـيضِ قَصْدِهِ، ولأن كلَّ مَن تَحَـيَّلَ لإسـقاطِ واجبٍ فإنه يُـلْزَمُ به.
ولا يستقرُّ الوجوب إلا بجَعْلِها في «البَـيْدَرِ»، فإنْ تـَلِفت قَبْلَهُ بغيرِ تَعَـدٍّ منه؛ سَقَطَت الزكاةُ عنه؛ فلا يستقرُّ وجوبُ الزكاةِ إلا بجَعْلِها في «البَـيْدَرِ».
و«البَـيْدَرِ»: المحلُّ الذي تُجْمَعُ فيه الثِّمار والزروع، ويُسَمَّى الجَـرين أو الجُـرن والبَـيْـدر.
وذلك أنهم كانوا إذا جـذَّوا الثَّمَرَ جـعلوا له مكاناً فسيحًا يضعونه فيه، وكذلك إذا حصدوا الزرعَ جعلوا له مكانًا فسيحًا يدوسونه فيه.
فلا يستقرُّ الوجـوبُ إلا إذا جـعلها في الـبَيْدَرِ، والدليلُ على أنَّ استقرارَ الوجوبِ يكون بجعْلِها في البيدر، قوله تعالى: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾
وإذا حُـصِد الزرعُ فـإنه يُـجعل في البيـادرِ فَـوْرًا؛ فـإنْ تـَلِفَت بعـد بُـدُوِّ الصـلاحِ واشتـدادِ الحّـبِّ قَبْـلَ جَعْلِها في البيـدرِ؛ فـإنها تَسـقطُ ما لم يـكن ذلك بِتَـعَـدٍّ منه أو تـفريطٍ؛ فـإنها لا تسـقط حـينئذ.
المسلمُ يجب عليـه أن يؤديَ زكاةَ الزروعِ والثـمار، وأنْ يـتقيَ اللهَ ربَّ العالمين فيما آتاه من رِزْقِهِ.
لو أنَّ له أرضًـا أَجَّـرَهَا؛ فزكاةُ ما خرجَ مِن الأرضِ على مَـن، إذا بلغت نِصابًا، ووُضِعت في البَـيْدَرِ، وبَـدَا صلاحُها؟
على مستأجرِ الأرضِ دون مالِـكِها، فـتجبُ الزكاةُ -زكاةُ الثمارِ والحبوبِ- على مستأجرِ الأرضِ دون مـالكِها؛ أي أنَّ زكـاةَ الـثمرِ وزكاةَ الحبوبِ تَـجِبُ على المسـتأجرِ دون المَالِك.
وعِـلَّةُ الوجوبِ أنَّ المستأجرَ هو مَـالِكُ الحـبوبِ والثمار، وأما مَـالِكُ الأرضِ فليس له إلا الأُجْرَة.
لو قال قـائل: كـيف يُـستأجَرُ النَّخل؟ هل يُـستأجرُ النـَّخلُ وكـذا أشجارُ الموالح والمانجو وما أشبه، هل تُـستأجر أو لا تُـستأجر؟
عـند الحنابلة، وهو قـولُ أكثرِ العـلماء: أنَّ النـخلَ لا يُـستأجر، أي لا يُمكنُ أنْ آتيَ إلى صـاحبِ البُستانِ وأقول له: أَجِّرني هذا النـخل لـمدة عـشر سنوات مثلًا؛
لأنَّ الثـمرَ معـدوم، ولا يُـعْلَمُ هل يخرجُ من الثمرِ مقدار الأُجرةِ أو أقلَّ أو أكثر، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه جابر -رضي الله عنه- وهو في «الصحيحين»: «نهى عن بَيْعِ الثِّمارِ حتى يَبْدُو صَلَاحُها»، فهذا من بـابِ أَوْلَـى فهو معـدوم؛ لأن هذا قَبْلَ أنْ يخرجَ؛ فيكونُ فيه جهالة.
قال شيـخ الإسلام -رحـمه الله-: «إنَّ استـئجارَ أشـجارِ الـبساتين كاستـئجارِ أراضيها، فـكما أنــك تـستأجرُ هـذه الأرض من صاحبِها وتزرعُها؛ فـقد يكونُ زَرْعُك أكثر من الأُجرة، وقـد يكون أقلَّ؛ فـكذلك النخل، ويُـجعل النخل أصلًا كما تُجعلُ الأرضُ أصلًا بالمُزارعة».
وقال: «إنَّ هذا هـو الثـابتُ عن عمر -رضي الله عنه- حيث ضمَّـنَ حديـقةً
أُسيد بن حُضير -رضي الله عنه- الذي لَزِمَهُ ديون، فَضَمَّنَ بستانه من يستأجره لمدة كـذا و كـذا سنة ويُقَدِّمُ الأُجـرة من أجـل قضاءِ الديـن، وعمر فعـلَ ذلـك والصحابة -رضي الله عنهم- متوافرون، ولأنه لا فَرْقَ بين استئـجارِ النخيل واستئجارِ الأرض؛ لأن هـذا أقطعُ للنـزاعِ بين المستأجرِ وصاحب الأرض؛ ذلك لأنه يجوز أن يُـساقيَ صاحبُ النخل العاملَ بجزءٍ من الثمر، وهـذا ربما يحصُلُ فيـه نِزاع، أما إذا كانت الأجـرةُ مقطوعة؛ فإنَّ صاحبَ النخيل قـد عرفَ نصيبُهُ وأخذَهُ، والمستأجرُ قد عَـرف أنَّ الثمرَ كله له، لا ينزاعه فيه أحـد، يتصرف فيه كاملًا»
وهذا هو الذي عليه العملُ الآن عند الناس، أنـه يَصِـحُّ استئجارُ النخيلِ وكذا البساتيـن من أشجارِ الموالحِ وما أشـبه؛ يَصِحُّ استـئجارُها بأُجرةٍ معلومةٍ لمدةٍ مُعَيَّنَةٍ على حسـَبِ ما يتفقان عليه.
أجـاب شيخُ الإسلام -رحمه الله- عن اسـتدلالِـهم بالحديثِ وهو نَهـيُ النبي -صَلَّى الله عليه وسلم- عن بَيْـعِ الثمرِ قـبل بُـدُوِّ صلاحِهِ بأنـه يثبُـتُ تَبَـعًا ما لا يثــبتُ استقلالًا، ولـهذا أجازوا بَيْعَ أصـلِ النخيلِ وعـليه ثمرُهِ قـبل بُـدوِّ صلاحِهِ، وأجازوا بَيْعَ الحيـوانِ الحاملِ مع النَّهي عن بَيْعِ الحَمْلِ.
فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ، واشكروه على ما أمـدَّكـم به من أموالٍ وبنين وجـنَّاتٍ وعـيون.
واعلموا أنَّ الذي تُقَدِّمون هو الذي تُـبقون، وأنَّ الذي تستبقون هو الذي تـفـقدون ولا تجدون.
ذبـَحَ آلُ النبي محمدٍ -صلى الله عـليه وسلم- شاة، فتصدَّقوا بهـا ولم يـبقَ منها إلا كَتِف فدخلَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: «مَا بَقِيَ مِنْهَا؟»
فقالت عائـشة -رضي الله عنها-: مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلاَّ كَتِفُها.
فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا».
أخرجهُ أحـمد، والـترمذيُّ من روايةِ عائشة.
وهذا ثابـتٌ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
واللهُ يتـولاني ويـتولاكـم ويرعاني ويرعاكم، ويحـفظني ويحـفظكم وهو تعالى الحفيـظُ الكريمُ الجواد، وصلى اللهُ وسلَّم على نبـيِّنا محمدٍ وعلى آلهِ وأصحابِهِ أجمعين.